سميرة الوردي
الحوار المتمدن-العدد: 2816 - 2009 / 10 / 31 - 08:48
المحور:
سيرة ذاتية
إنه أبي ذاك الذي كان متعافيا في يوم مضى وأصبح يزحف ثم يتكئُ كي يستطيع الوقوف ، إنه أبي ذاك الذي كان يلتهم الكتب قراءة وتفكرا لكنه لم يستطع الآن قراءة سطر واحد ، إنه أبي الذي احتفظ بكل ذكرياته وأوراقه التي سطر بها ماعنَّ له من شعر ومن رأي قاله أو أعجبه ، إنه أبي الذي لم يفارق ربطة أمي وثوبها الأسود الذي اتخذه شرشفا لوسادته ، لبسته بعد مقتل أخي ولم تخلعه الا عند مماتها .
إنه أبي الذي علمنا أن لاكرامة لمن لاوطن له ولاحياة لمن لاعزة عنده إنه أبي الذي علمنا أن العلم تاجٌ وإن المرأة كائنٌ سامي
إنه أبي الذي لم ير فينا غير الجمال والرقة والطفولة والصبا بأرقى معانيها .......................
تخنقني العبرة فتثقل صدري لا أستطيع البكاء ، لو كنت مع اخوتي لهان مصابي ، وتلك اختي الصغرى كيف أوصل لها الخبر وهي التي فارقت والديّ بكامل صحتهما ولم تستطع العودة ورؤيتهما ثانية فقد حالت الكوارث التي حلت على بلادي دون عودتها ، رحلت عنا امي لتترك جرحا غائرا في روحها ، كيف سأنبأها برحيل أبي هي التي فارقته منذ خمس وعشرين عاما فما زال في ذهنها بتلك الصورة المتوهجة التي انطبعت في ذاكرتها عنه كيف ستصدق أن موته حدث عادي وهي التي منت نفسها برؤيته معافى كما تركته غير حاسبة للزمن ورزايا الحياة فعلهما ، أما أخي الذي فارقنا قبل خمس وأربعين عاما ولم أره من حينها فقد أسعفه الحظ بزيارة لذلك الأب الذي أورثنا الإباء والإعتزاز بالنفس والفكر والوطن أن يمر عليه مرتين مرور الكرام ، ليرى مقدار الدمار والضرر الذي أصاب الوطن وأصابهم .
أبي الذي ارتسمت خارطة الوطن على عروقه مات محملا بهموم غربتنا ،لا استطع نسيانه وهو يحذرني من الغربة خوف أن يكون مصيري كمصير أخوي اللذين أصبحت غربتهما بلا عودة ، وها قد رحل غير مؤمل بعودتنا .
فدتك نفسي ، يامن صرخت بكل المستبدين ، وناضلت مع كل المناضلين كل العمر من أجل ديمقراطية حقيقية غير مبتذله ، وسلام عادل لكل الشعوب لا حروب وارهاب خلف لنا آلاف الموتى والمعاقين فأصبحت أيام الاسبوع الجميلة كلها سوداء .
فدتك نفسي يامن ارتقيت بنفسك عن كل الدنايا ولم تلوثها بمال سحت أو بموقف مداهن أو منافق ولم تهادن عبر كل مسارات حياتك من لاقيم له فكنت مثالا يحتذى .
#سميرة_الوردي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟