أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - أحمد عصيد - الحرية للصحف قبل المسؤولية














المزيد.....

الحرية للصحف قبل المسؤولية


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 2816 - 2009 / 10 / 31 - 00:48
المحور: الصحافة والاعلام
    


لا جدال في أن محاكمة الصحافة المستقلة هو من المظاهر الصاعقة للتراجع و النكوص، فصحافة بدون حرية أو برقابة ذاتية هي صحافة لا تمثل أية قيمة مضافة، كما أن التضحيات التي بذلت منذ عقود تجعل من غيرالمقبول إعادة إنتاج الماضي المعيب بعد أن كانت قد بدأت تلوح إرهاصات تجاوزه.
غير أن هذه الأشكال من التضييق و المحاكمات لا ينبغي أن تؤدي إلى يأس العاملين في الصحافة أو إحباطهم، لأن ما تعنيه أشكال التضييق هو أننا نعيش مرحلة حاسمة في اجتياز عنق الزجاجة في موضوع الحريات، إذ من المعلوم أنّ المرور من حالة الإستبداد و القمع الوحشي إلى حالة التحرر تمر عبر مرحلة عصيبة من الصراعات يطبعها القلق و التوتر و المدّ و الجزر الناتجين عن سعي الأفكار الجديدة إلى التموقع و سعي قوى النكوص إلى الحفاظ على المواقع القديمة، و في خضمّ ذلك يتمّ إنجاز بضع خطوات و لو بطيئة في اتجاه المستقبل، مع استحالة العودة المطلقة إلى ما كنا عليه، حيث لا يسمح السياق ـ الوطني و الدولي ـ مطلقا بذلك.
و إذا كان البعض يرى بأنّ المغرب يحتلّ في حرية الصحافة رتبة أسوأ من بلدان عربية متخلفة و عشائرية ، فلأن المؤشرات المعتمدة تجعل بلدا محافظا يعيش توافقات خجولة و تمارس فيه الصحافة رقابة ذاتية مشددة بسبب الخوف من السلطة و من المصادرة، يبدو أكثر تقدما من بلد يعرف فيه النقاش العمومي تقدما ملموسا و تحاكم فيه الصحف بسبب جرأتها و إصرارها على كسر الطابوهات السياسية و الدينية و تقويض أصنام الماضي. و الحال أن معايير قياس حرية الصحافة ينبغي أن تعتمد أيضا مضامين الصحف و محتويات المنشورات و مدى النبض الديمقراطي في مجال الإعلام و طبيعة المناخ العام و ليس فقط وقائع المنع و المحاكمة.
و يثار على هامش محاكمة الصحف في أيامنا هذه نقاش طرشان بين السلطة و حملة أقلام الإعلام، فالصحافة تطالب بمزيد من الحرية، و السلطة تشدّد على المسؤولية، لكن ما معنى ذلك، أية علاقة توجد بين الحرية و المسؤولية ؟ و هل يمكن الحديث عن ترتيب للأولويات بين القيمتين ؟
تعني الحرية القيمة الأساسية التي تسمح للإنسان بالعمل في إطار الوعي بكرامته، و تعني المسؤولية الوعي بنسبية الحرية في إطار قوانين الجماعة المنظمة التي لا تسمح لأحد أن ينعم بحريته على حساب حريات الآخرين، و هذا معناه أن ما يحدّ من الحرية بالمعنى المدني هو الحرية نفسها و ليس الخطوط الحمراء للسلطة، و لا مصالح الذين تزعجهم الحقيقة.
إنّ الحرية بهذا المعنى هي قدرة الإعلامي على البحث عن الحقيقة و التعبير عنها و إشاعتها بالوسائل المتوفرة خدمة للرأي العام و للمواطنين، و هذا معناه أن تلك الحقيقة يمكن أن تضرّ بطرف ما، كما يمكن أن تكون في مصلحة طرف آخر، لكن ذلك ليس مبررا مطلقا للحجر على الصحفي و منعه من ممارسة عمله بكل حرية، لأن تلك هي مهمته. و من جانب آخر يمكن للصحفي أن يخطئ أو يقع في حبال النزوع المحموم نحو الإثارة، و هذا أيضا ليس مبررا لتوقيفه أو حرمانه من عمله و حريته، لأن ثمة طرائق لتصحيح الخطإ متداولة في البلدان الديمقراطية دون المسّ بحرية الصحافة.
و إذا كانت السلطة تعتبر نشر خبر ما مهددا للأمن العام و خطرا على كيان الدولة و مسا بـ"ثوابتها" السياسية، مما يستوجب في رأيها مصادرة المنبر الذي نشر الخبر و محاكمة الصحفيين و حبسهم و تغريمهم، تحت ذريعة "المسؤولية"، فمن المؤكد أن مفهوم المسؤولية عند السلطة مختلف تماما عما يفهمه الناس، فمسؤولية الصحفي هي البحث عن الخبر و إشاعته، و ليس تجنب ذلك تملقا لهذا الطرف أو خوفا من ذاك، و في حالة ما إذا كان الخبر خاطئا و غير صحيح فهذا لا يعني أن الإعلامي قد أخلّ بواجبه أو بمسؤوولياته، لأن الخطأ وارد في كل المهن و الأعمال، و تصحيح الخطإ يتم في نفس المنبر و نفس الصفحة مع الإعتذار للقراء و للجهة المتضررة من إشاعة خبر كاذب، خاصة ـ كما هو الشأن في معظم الحالات ـ إذا علمنا بأن الصحفي لا يخطئ عمدا بهدف الإضرار بالغير أو الإساءة إليه لأن تلك ليست هي مهمته.
إنّ ما يضع الصحافة المستقلة في واجهة الأحداث في البلدان غير الديمقراطية هو ارتباطها بالطموح العام نحو التحديث و الدمقرطة، فهي منبر كل الأصوات التي كانت إلى أجل قريب أصوات الهامش المنسي أو المحظور، أيام كانت الصحافة الحزبية وحدها في المجال بخطوطها الحمراء أيضا و طابوهاتها الخاصّة، و هذا ما يجعل الصحافة المستقلة لا تكتفي بأن تكون منبرا لنشر الأخبار ، بل إطارا يعكس فكر و مبادئ التغيير كما تعبر عنها النخب و التيارات الإجتماعية المراهنة على المضي نحو الديمقراطية و التأسيس لدولة الحق و القانون و المؤسسات، أي أنها صحافة إن كانت مستقلة فهي ليست محايدة أو بدون قضية. و من الطبيعي أن يقودها هذا إلى أشكال من التصادم مع السلطة، خاصة إن كانت هذه الأخيرة لم تحسم بعد في خياراتها الكبرى، أو مترددة في الدفع بمسلسل الدمقرطة إلى مداه.
إن محاسبة الصحافة انطلاقا من مبدإ "المسؤولية" لا يعني دفعها إلى الإلتزام بحدود ما في العمل و عدم تخطي حواجز ذات صبغة سياسية و غير مهنية، فمسؤولية الصحفي هي القيام بعمله وفق المحددات المهنية التي تجعل عمله غير خاضع لأي توجيه مسبق، و إذا كانت الرقابة الذاتية تضطر صحفيين في بلدان الأنظمة الشمولية و البوليسية و العشائر النفطية إلى ممارسة رقابة ذاتية من باب الخوف، فإن ذلك لا يعني مطلقا أنها صحافة "مسؤولة"، و إنما يعني أنها صحافة تعمل في مناخ يفتقر إلى أبسط شروط التعبير الحرّ و العمل الصحفي النظيف. و هذا ما يجعلنا نستخلص أن المبدأ الأساسي الذي ينبغي أن يسند مهنة الصحافة هو الحرية، و أن المسؤولية تلازم المهنة في تفاصيلها العملية لأنها القيمة التي تدفع بالصحفي إلى القيام بعمله، لكنها قيمة غير ذات معنى في غياب الحرية .





#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القذافي و الأمازيغ
- هل الرابطة الدينية هي أساس الوحدة بين المغاربة ؟
- هل المغاربة -كلهم مسلمون- ؟
- رمضان عقيدة دينية أم قرار للدولة ؟ في مغزى رسالة زينب و من م ...
- -أخلاق- رمضان
- العنصرية بين العرب و إسرائيل
- أزمة الثقة في المؤسسات
- مهازل الخلط بين العلم و الدين
- حول ما سمّي -الظهير البربري- في الكتاب المدرسي، على هامش الح ...
- ملاحظات حول الكتاب الأخير لمرشد جماعة العدل و الإحسان
- عودة إلى موضوع التنصير و الأسلمة
- الإنفجار الديمغرافي الإسلامي في مواجهة تقدم الغرب: آخر ابتكا ...
- التبشير المسيحي و التبشير الإسلامي
- ملاحظات حول مفهوم -الأمن الروحي للمغاربة-
- عنصرية إسرائيل بين عصا البشير و عمامة نجاد
- مظاهر الميز ضد الأمازيغ و السود و اليهود بالمغرب إلى الوزير ...
- نداء من أجل الحرية
- أبعاد التواطؤ بين الإسلاميين و السلطة
- لماذا يعيش المغرب حالة بارانويا دينية ؟
- التضامن الإنساني و التضامن العرقي


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - أحمد عصيد - الحرية للصحف قبل المسؤولية