أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ثائر دوري - صور تصنع التاريخ و أوهام تصنع الصور















المزيد.....

صور تصنع التاريخ و أوهام تصنع الصور


ثائر دوري

الحوار المتمدن-العدد: 855 - 2004 / 6 / 5 - 04:26
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


لا شك أن مظهر الرجل الخارجي بلباسه البدوي من الغترة إلى العقال و الدشداشة ، كما انتماؤه الاسمي إلى قبيلة شمر قد لعبا دورا هاماً في اختيار الأمريكان للرجل رئيسا جديداً للعراق . و لا بد أن أحدا ما في دوائر الاستخبارات البريطانية هو صاحب هذه الاستشارة انطلاقا من تجربة لورانس العرب و يعزز هذا الاحتمال ما قيل عن علاقة والد الرجل ، عجيل ، بالمس بيل المندوبة السامية البريطانية في العراق أثناء فترة الاحتلال ، و أيضاً ، وجود عم الرجل في بريطانيا و مشاركته في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية قبل العدوان الأمريكي على العراق . و يقال أن العم هو من نصح ابن أخيه بالنزول إلى العراق بعد أن كان قد قضى الشطر الأكبر من حياته بين الولايات المتحدة الأمريكية و المملكة السعودية .
صورة الرجل بلباسه البدوي تحيل إلى أصالة و انتماء إلى تاريخ عربي قديم . أما مضمون الرجل ............
لكن من سيهتم بالمضمون في عالم تصنعه الصور ؟ من سيسأل عن تفاصيل من نوع أن الرجل قد تكون ثقافياً ، من خلال دراسته و معيشته في الولايات المتحدة ، على الطريقة الغربية . و من سيهتم بالمشروع السياسي الذي جاء الرجل في سياقه إلى الرئاسة ، وهو مشروع الغزو و الإحتلال الأمريكي للعراق ؟
ألسنا في عالم تصنعه الصور ، و الصورة تشير إلى انتماء عراقي عربي أصيل .
هكذا يفكر الأمريكان صانعو الصورة ........
و هكذا يتحول العقال و الغترة و الدشداشة إلى عدة شغل فقط ، لأن الرجل و دون أدنى شك كان يرتدي ربطة العنق و يلبس طقماً رسمياً أثناء وجوده في أمريكا . إن الملابس في هذه الحالة هي لزوم الشغل في عالم تصنعه الصور .( حسب ما يتصور الأمريكي صانع الصورة )
لكن ماذا عن الطرف الآخر ، الطرف الذي تتوجه إليه الصورة ، أي الشعب العربي العراقي بالدرجة الأولى و الشعب العربي ككل بالدرجة الثانية . هل سيقتنع بالصورة و تسيطر على قلبه فلا يحرك عقله و يتساءل عمن خلف الصورة ؟
تجيب الإستخبارات البريطانية على هذا السؤال باستحضار ملف لورانس ...........
كان مشروع لورانس العرب من أنجح مشاريع الاستخبارات البريطانية في المنطقة العربية شرق السويس . فقد لعب دوراً مهماً في الغزو البريطاني لهذه المنطقة . و قد لعب تقمص الرجل لدور البدوي ابن المنطقة سواء عبر إتقانه اللهجة ، أو عبر ارتداءه الملابس البدوية و معرفته بعادات الرحل و الصحراء دوراً هاما في نجاحه بقيادة جيش الشريف حسين أثناء زحفه إلى دمشق لطرد العثمانيين مما مهد الطريق أمام جيش اللنبي الزاحف على فلسطين من السويس . فلا يمكن تخيل نجاح لورانس في مهامه لو لم يكن يرتدي ملابس البدو و لم لم يتحدث لغتهم .
لقد لعبت الصورة دوراً حاسماً في نجاحه ....
ألسنا في عالم تصنعه الصور !!
و اليوم بفضل انتشار طرق الحياة الغربية عبر السينما ، و التلفزيون ، و وسائل الاتصال ، و التعليم ، و الإنتاج و الاستهلاك ، لم يعد هناك حاجة للاستعانة بلورانس غربي المولد لأن التغريب الثقافي و التعليمي خلق إمكانية لصناعة آلاف اللورنسات المحلية و من أبناء المنطقة بالمولد و. و النتيجة واحدة لباس شرقي و لسان عربي ، و ثقافة و فكر و مصالح غربية ، كما هو الحال مع لورانس الأصلي الذي كتب يقول :
(( لقد طلب مني أن اعيش مع هؤلاء العرب كرجل غريب ، لا يقدر أن يجاريهم في معتقداتهم و تفكيرهم ، و كنت مضطراً لتدريبهم و توجيههم في الاتجاه الذي ينسجم و سياسة بريطانيا المحاربة لعدوهم . و إن كنت فشلت في فهم شخصيتهم ، إلا إنني نجحت ، على الأقل ، في إخفاء شخصيتي عنهم فاندمجت معهم و أصبحت واحداً منهم دون احتجاج أو اعتراض ....))
و بهذا التغريب الثقافي الكثيف نكون قد وصلنا إلى لورانس المحلي ، الذي يصل في أوضح تجلياته إلى السيد الياور ، الذي تنحصر كل مهمته كما لورانس الأصلي في إخفاء شخصيته الحقيقية و في أن يوجه العراقيين بما يخدم السياسة الأمريكية .
لا شك أن أحداً ما في الاستخبارات البريطانية قد أخرج ملف لورانس الأصلي و قدمه للأمريكيين كنصيحة و هو يحسب أن التجربة قابلة للنجاح من جديد . وتلقف الأمريكان ، و على غير عادتهم ، النصيحة بلهفة لأنها قد تنقذهم من المستنقع العراقي الذي تغرق به امبرطوريتهم . و لسان حالهم يقول إن الإمبراطورية البريطانية العجوز لا يمكن أن تخطأ لأنها أعلم منهم بشؤون المنطقة ، و قد أثبتت تجربة سنة من الاحتلال صحة تحذيرات البريطانيين التي لم تأبه لها أمريكا في البداية .
لقد حذر البريطانيون الأمريكان ، قبل العدوان على العراق ، حذروهم من تكرار تجربة بداية القرن عندما قام المستعمر البريطاني بحل جهاز الدولة العراقي لأنه موروث عن المرحلة العثمانية فكانت النتيجة ثورة العشرين ، فعاد البريطانيون إلى النخب التي أبعدوها و سلموها جهاز الدولة مكتفين بإعادة تأهيلها لتعمل معهم . لكن الأمريكي الذي يكره التاريخ لأنه بلا تاريخ و يعتبر أن انعدام التاريخ هي ميزته التفضيلية عن أوربا العجوز المثقلة بتاريخها مما يكبلها عن الانطلاق . الأمريكي الذي يعتبر غياب التاريخ ميزة ايجابية على عكس الشعوب العريقة التي تعبر إلصاق صفة غياب التاريخ بها شتيمة . الأمريكي الذي يتصرف وفق مبدأ (( لننس الماضي ، لننس كل شيء و لنبدأ من الآن )) من هذه اللحظة و بدون عقد الماضي ( هكذا يشيرون للتاريخ ) . الأمريكي الذي لا يعرف أن يتصرف إلا باحتقار للتاريخ ، قام بفعل كل ما حذره منه تابعه البريطاني فدمر الدولة العراقية و حل الجيش و جهاز الأمن بمزيج من الغباء و صلف القوة و عنجهيتها و غرق في وهم صناعة التاريخ كما يريد و انطلاقا من أية شروط . لكن التاريخ كان له رأي آخر فحضارة العراق ، التي يبلغ عمرها أكثر من ثمانية آلاف عام و المنتهية إلى حضارة عربية إسلامية ، كان لها رأي آخر . فكانت المقاومة التي تنحدر من عمق نفسي و حضاري هائل لا يعترف بقوانين الرياضيات قوانيناً للحياة و هنا اختلت حسابات الأمريكان ، لأنها بالأصل بنيت على حسابات رياضية بحتة لا تعترف إلا بميزان القوى المادي و العسكري فهم لا يفهمون غيرها . فإذ بهم يصطدمون بحقائق الحضارة و التاريخ و العمق النفسي الهائل للعراق و هذه أشياء لا يفهمونها فأحسوا أنهم سقطوا بفخ لا فكاك منه . و في هذه اللحظة يأتي مشروع لورانس الجديد . رغم ما يعنيه ذلك من تناقض مع الخطاب الأمريكي الذي يربط كل ما له علاقة بتراث المنطقة من لباس و طعام و شراب بالتخلف و الدكتاتورية ، و يفترض إزاحتها شكلاً و مضمونا كي يتم الدخول بجنة الديمقراطية و الحداثة الأمريكية ، و ما يعنيه ذلك من تطابق صورة الباجه جي مع هذا المشروع باعتباره يرتدي ربطة العنق و له سمعة ليبرالية و توحي صورته بالتماثل مع الإنسان الغربي .
ألسنا في عالم تصنعه الصور.........؟
يتجاهل الغزاة ما طرأ على بنية العراق و العرب من تبدلات هائلة خلال قرن كامل . مما يجعل إعادة تكرار تجربة لورانس ثانية أشبه بالمهزلة على حد قول ماركس في الثامن عشر من برومير ( التاريخ يعيد نفسه مرتين في الأولى مأساة و في الثانية مهزلة )
أوهام تصنع صور . و صور تصنع أوهام . و فكر استشراقي لا يقدر أن يتخيل العرب إلا على شكل قبائل لا تفكر إلا بعاطفتها و لا مكان للعقل عندهم و على هذه الأوهام الاستشراقية يبني المحتلون برامجهم السياسية التي ستنتهي تحت ضربات المقاومة إلى كارثة عالمية فوق رؤوسهم .

بني الاستشراق على خرافات كثيرة منها أن المنطقة تسكنها مجموعة من الاثنيات ( لم تصل إلى مرحلة القومية ) و الطوائف و العشائر ( و الإنكليز بالذات يحبون حكاية العشائر كثيراً ) تحكمها علاقة تصارع مما يستدعي و بشكل دائم إلى قوة من خارج المنطقة لضبط هذا الصراع الداخلي ، وبالطبع يجب أن تكون هذه القوة غربية .
منذ بداية غزو العراق تم استعادة هذا الجانب من الفكر الإستشراقي فجرى الحديث عن العراق ( خاصة عرب العراق ، حيث أن الأكراد و التركمان في هذه المرحلة لم يخضعهم الفكر الغربي لمنهجه الإستشراقي فاعترف بهم كقوميات ) . جرى الحديث عن العرب بمفردات السنة و الشيعة . و خلال سنة كاملة كانت الفضائيات الناطقة بالعربية ( و ليس العربية ) و كان المحللون السياسيين المستشرقين ، من العرب تلامذة المستشرقين النجباء ، و من الغربيين يتحدثون عن سنة العراق و شيعته و علاقة الصراع التي تحكمهم و ضرورة ضبط العلاقة بين الطرفين كي لا يقتتلا و بالطبع لا يتم هذا الضبط إلا بوجود القوات الأمريكية . و لو تم إحصاء أكثر كلمتين تم تداولهما منذ العدوان على العراق لوجدتهما بكل تأكيد كلمتي ، سنة و شيعة ، و تم اختراع مسميات من نمط المثلث السني و المستطيل الشيعي . و تم وصف هذه الكتل بصفات أشبه ما تكون بالجينية ( الوراثية ) ، مثل أن السنة محبطون لأنهم فقدوا السلطة و الشيعة لا يقاومون لأنهم يطمحون إلى السلطة . ثم جاءت ثورة نيسان فأطاحت بكل هذه المفاهيم فلم تعد الفضائيات لذكر كلمة سنة و شيعة أبداً . لكن يبدو أن العزف سيتم على وتر جديد أعتقد أن البريطانيين مسؤولون عنه . و يبدو أنهم أخرجوها من أدراجهم ، و هي القبلية ، فتم إخراج الياور رئيساً للجمهورية رغم أنه كان من شبه المؤكد أن يكون الرئيس حسب التقسيمات و الخطط الأمريكية الأصلية من الطائفة الشيعية ...........
إن إعادة انتاج لورانس العرب ( الياور ) نموذج مثالي للفكر للإستشرقي الذي ما زال يتوهم أن الصور تصنع العالم بشروط منتج الصور . لكن المقاومة التي تشتد يوماً بعد يوم ستجعله يكتشف متأخراً أنه كان أسير صوره التي عززت أوهامه و أودت به إلى الكارثة ....



#ثائر_دوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العملاء هم الأسرع اشتعالاً
- عن العروبة
- التصدعات التي خلقتها المقاومة في جسد الاحتلال الأمريكي للعرا ...
- الوضع العام
- بعد مرور سنة على الغزو أهداف و دوافع هذا الغزو
- حماقات علمية و أخرى سياسية
- دروس عملية تبادل الأسرى
- عبد الرحمن منيف يكتب روايته الأخيرة
- معنى أن تكون معارضاً
- طالبان من أفغانستان إلى باريس
- البطاطا و الفكر و أشياء أخرى
- إيران إلى أين ؟
- خيار البشرية اليوم : إما الهمجية أو مقاومة الإمبريالية
- عام جديد و طريق جديد
- وثيقة جنيف : كلما يأس العدو من كسرنا أعادوا له الأمل........
- ديمقراطية الفكر الإبادي التلمودي
- ثورة في جورجيا أم مجرد تغيير شكلي ؟
- ثقافة الجوع و ثقافة الشبع
- وحدة أطراف النظام الدولي
- أمريكا من انتظار القيامة إلى صنعها بالسلاح الذري


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ثائر دوري - صور تصنع التاريخ و أوهام تصنع الصور