مريد فريد
الحوار المتمدن-العدد: 2815 - 2009 / 10 / 30 - 08:32
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
تنشط الحركة الصهيونية منذ اكثر من مئة عام واضعة في رأس سلم اولوياتها تجميع اليهود في فلسطين، وبعد قيام اسرائيل تجميعهم في الدولة (اليهودية).
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف سخّرت وتسخّر كل الامكانيات المالية، الاعلامية، واستغلال الازمات في الدول التي يتواجد فيها اليهود من اجل بلوغ هذا الهدف (السامي الوطني).
في الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي، استغلت صعود الفاشية في المانيا وغيرها من دول اوروبا من اجل الترويج لاهدافها باقامة دولة لليهود، على انقاض مأساة الشعب العربي الفلسطيني.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ودحر النازية، وبالاساس على يد الجيش الاحمر السوفييتي جيش العمال والفلاحين، وبمساعدة الحلفاء وكل المناهضين للفاشية وللهتلرية، استغلت المذابح التي حلت بيهود اوروبا من اجل هجرة اليهود الى فلسطين، ومن اجل اقامة دولة "يهودية" اسرائيل.
الحقيقة التي يعرفها الجميع، ان الصهيونية استغلت تعاطف الرأي العام ضد المجازر التي اصابت يهود اوروبا على يد النازية – من اجل تجميع اليهود في فلسطين.
ونتيجة للدعاية الصهيونية العنصرية في حينه، هاجرت اعداد كبيرة منهم الى فلسطين، حتى وصلت نسبة اليهود في فلسطين الثلث قبل اتخاذ قرار التقسيم الذي نص على اقامة دولتين، واحدة عربية فلسطينية مع اقلية صغيرة يهودية. واخرى اسرائيلية مع اقلية عربية فلسطينية، تكاد تكون متساوية عدديا مع اليهود.
الا انه نتيجة لتآمر الاستعمار وبالاساس "الانتداب" الاستعماري البريطاني، وعدوان الحركة الصهيونية، وتآمر وتواطؤ الرجعية العربية بما فيها الفلسطينية، حلت النكبة بشعبنا العربي الفلسطيني. حيث طرد من وطنه، من مدنه وقراه الى الدول العربية المجاورة. قطاع غزة اصبح تحت الحكم المصري، اما الضفة الغربية فقد خضعت للمملكة الاردنية الهاشمية العميلة للاستعمار ولاسرائيل وللزعامة الصهيونية.
وهكذا فقد قامت اسرائيل على جزء هام وكبير من ارض فلسطين، في حدود الخط الاخضر. وبعد قيام اسرائيل، اصبحت الفرصة مؤاتية من قبل الحركة الصهيونية، التي اصبح لها كيان سياسي، اصبح لها حكومة ودولة معترف بها، عضو في هيئة الامم المتحدة. اصبحت الفرص مؤاتية اكثر لتجميع اليهود في اسرائيل.
وقد شرعت في سبيل هذه الغاية كل القوانين اللازمة، لاعطاء محفزات ومغريات لجلب اليهود الى اسرائيل، وعلى رأسها قانون "العودة" الذي اعطى الحق الاوتوماتيكي الفوري، الطبيعي البديهي، لكل يهودي بالحصول على المواطنة الاسرائيلية، مع الحصول على سلة، رزمة، حوافز ومغريات وبالاساس مالية واجتماعية.
في هذه الفترة حصلت نقلة نوعية في عدد المهاجرين اليهود الى اسرائيل، من اوروبا وامريكا وآسيا واعداد كبيرة من الجاليات اليهودية من البلدان العربية، وبالذات شمال افريقيا، تونس، ليبيا، الجزائر، ومن العراق واليمن.
وفي سبيل تحقيق اهدافها، لم تدخر الحركة الصهيونية جهدا، مرتكبة الجرائم، وافتعال اعتداءات على الجاليات اليهودية، وعلى المعابد اليهودية، كما حصل في العراق وغيرها. هذا بالاضافة الى دفع الرشى المالية والجنسية للحكام الرجعيين العرب.
بعد عدوان حزيران 1967، واحتلال كامل التراب الفلسطيني، وسيناء المصرية والجولان السورية. ارتفع منسوب العنصرية الصهيونية في اسرائيل، وبين الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة الامريكية، وكندا واوروبا – وقد ركزت الحركة الصهيونية في حينه على حملة دعائية تضليلية مغرية لليهود في اوروبا الشرقية، في الدول الاشتراكية التي قطعت علاقاتها مع اسرائيل احتجاجا على عدوانها على الشعب الفلسطيني، وعلى الشعوب العربية (عدا رومانيا) التي حافظت على علاقات حميمة مع اسرائيل بحجة واهية، انها تريد التأثير على حكومة اسرائيل في اتجاه تغيير سياساتها، من الاحتلال والعدوان الى السلام العادل الا ان تطورات الحياة اثبتت بطلان هذا الادعاء.
بعد عدوان 1976، قامت حكومات اسرائيل بمشاريع استيطانية واسعة في كل المناطق المحتلة، هذه الحملة ساعدت على جلب المهاجرين اليهود، وبالذات اصحاب الميول اليمينية، والمتدينين وبالذات المتطرفين الذين رأوا ان الفرصة مؤاتية لتحقيق الاحلام التوراتية المتزمتة.
وفي بداية السبعينيات قامت الحركة الصهيونية بالتنسيق مع حكومات اسرائيل ومع الولايات المتحدة، وكجزء من الحرب الباردة المعادية للاتحاد السوفييتي وللشيوعية قامت بحملة اعلامية عالمية شرسة، رافعة شعار "إعتق شعبي ،ارسل شعبي مطالبة بفتح ابواب الهجرة لليهود وبالذات من الاتحاد السوفييتي حيث كانت هناك جالية يهودية كبيرة.
للاسف الشديد نجح هذا الضغط الكبير، ولاسباب عديدة في تضليل اعداد كبيرة من اليهود الروس، ومن اوروبا الشرقية بالهجرة الى اسرائيل وبالذات بعد سقوط جدار برلين، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية.
خلال هذه الحملة الصهيونية الاسرائيلية الشرسة، هاجر الى اسرائيل حوالي مليون مهاجر، عدد لا بأس به منهم لا تربطه رابطة باليهود او اليهودية او الصهيونية.
وفي هذه الايام نُشرت مقالات ودراسات حول فشل حكومات اسرائيل والحركة الصهيونية بتجميع جميع اليهود، او على الاقل اكثريتهم في اسرائيل. وبذلك اثبتت هذه الدراسات الفشل الذريع الذي اصاب الحركة الصهيونية والمؤسسة الاسرائيلية الحاكمة.
بعد هجرة المليون "يهودي" روسي الى اسرائيل. فقط 42% من اليهود في العالم هاجروا الى اسرائيل، أي ان الاكثرية الساحقة من اليهود في العالم لا تريد الهجرة الى اسرائيل رغم الترغيب والاغراءات التي تقدم لهم من اجل ان يقوموا بذلك، ورغم التخويف الذي تروج له الحركة الصهيونية بين اوساط الجاليات اليهودية من الشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها.
تجربة اكثر من مئة سنة من نشاط الحركة الصهيونية واكثر من 60 سنة على وجود اسرائيل اثبتت فشل الحركة الصهيونية وحكومات اسرائيل في تجميع اليهود في اسرائيل، على اعتبار ان ذلك هو الحل الامثل لما يسمى "بالمسألة اليهودية".
هذا الفشل يؤكد ما قلناه دائما ان "المسألة اليهودية" تحل في اندماج هذه الجاليات في المجتمعات التي يعيشون فيها. هذه المجتمعات الاستغلالية الطبقية التي تعمل كل ما في وسعها لتضليل شعوبها، والاقليات العرقية الموجودة بين ظهرانيها. وكأن الصراع هو صراع قومي، ديني طائفي، وليس صراعا طبقيا بين المستغِلين والمستغَلين، بغض النظر عن الانتماء القومي، الديني الطائفي.
وثبت مجددا ان البرجوازية اليهودية، كبار الرأسماليين اليهود، اول ما يهمهم مصالحهم الطبقية وليس مصلحة الفقراء اليهود، او الفقراء من ابناء الشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها.
كما ان ممارسات اللوبي اليهودي الامريكي تثبت ذلك يوميا. فهذا اللوبي أيد دائما الادارات الامريكية، سواء كانت دمقراطية او جمهورية باعمالها العدوانية في كل مكان من العالم.
وهكذا نرى ان هذا اللوبي يؤيد الحرب العدوانية على افغانستان، واحتلال العراق واستمرار حصار كوبا الثورة. مع العلم ان مثل هذه المواقف قد تؤجج نار الكراهية لليهود ولليهودية التي يتشدقون بالدفاع عنها.
#مريد_فريد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟