|
تقرير جولدستون.. هل يتم إجهاضه مجددا؟
رضي السماك
الحوار المتمدن-العدد: 2814 - 2009 / 10 / 29 - 21:05
المحور:
حقوق الانسان
لم يحدث في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي ــ الاسرائيلي منذ نكبة عام 1948 قبل 60 عاما التي انتهت بإنشاء الدولة العبرية بالقوة والارهاب على أرض فلسطين العربية ان أثار تقرير حقوقي دولي مهم كل هذه الضجة العالمية على مختلف المستويات والأصعدة عربيا واسرائيليا ودوليا كما أثاره تقرير القاضي الدولي الجنوب افريقي اليهودي الاصل ريتشارد جولدستون، رئيس اللجنة الأممية لتقصي الحقائق في قطاع غزة والتحقيق في الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي من قبل اسرائيل و"حماس" أثناء الحرب الاسرائيلية على القطاع نفسه. ان ما حدث ويحدث منذ صدور تقرير القاضي المذكور بدا أقرب الى الكوميديا السوداء والى واحد من فصول الملهاة في المرحلة التاريخية الراهنة التي يعيشها الفلسطينيون بوجه خاص والعرب بشكل عام في صراعهم مع عدوهم الاسرائيلي. فمثلما حدث أثناء حرب الابادة تلك ذاتها التي شنتها اسرائيل على المدنيين العزل في القطاع والتي استمرت زهاء 23 يوما متواصلة من 27 ديسمبر 2008 حتى 18 يناير 2009 ان وقفت الحكومات العربية والسلطة الفلسطينية تتفرجان على حرب الابادة تلك وتتشاوران بدم بارد عما اذا الموقف يستحق عقد "قمة" أم لا يستحق فيما المذابح الاسرائيلية ونوافير الدم الفلسطيني في القطاع تجري على قدم وساق، في الوقت الذي كان شرفاء العالم في عواصم أوروبية وغربية عديدة يتظاهرون يوميا منددين ليس بتلك المذابح فحسب، بل يا للعار، بتلك المواقف الانهزامية والتواطؤية الفلسطينية والعربية المخزية، وبضلوع الولايات المتحدة في دعم الحملة العدوانية الاسرائيلية.. ها هو اليوم، وفي هذا التقرير تحديدا، يتم فضح مجددا كل تلك الاطراف الاسرائيلية والعربية والدولية المتواطئة والضالعة في جريمة الابادة بحق أهالي غزة العزل وذلك من خلال محاولة ليس التنصل من مسئولية جرائم حرب الابادة التي ارتكبها الفاشيون العنصريون الصهاينة بحق شعبنا العربي في قطاع غزة، بل محاولة أيضا حماية العدو من مقاضاته وتقديمه للعدالة الدولية لكي ينال عقابه العادل ولا تتكرر المأساة، كما قرر بذلك عن حق رئيس لجنة التحقيق في جرائم الحرب جولدستون ذاته. والحال لم يقيض للعرب والفلسطينيين ان يحصلوا على قاض استثنائي دولي فريد من نوعه قادر ليس على اقناع المجتمع الدولي بجرائم اسرائيل في غزة فحسب، بل احراج الدول الكبرى التي تحتمي عادة بها اسرائيل للفرار من وجه العدالة كما قيض لهم في حصولهم على جولدستون الذي لم يحرج تلك الدول الكبرى الحليفة لاسرائيل فحسب بل احرج هذه الاخيرة وجردها هي وحليفاتها من ورقة التوت المبتذلة في تبرير جرائمها بأن من وضع التقرير معاد للسامية. فشخصية مثل جولدستون يصعب اتهامها بالعداء للسامية أو الطعن في نزاهتها وتجردها، سواء بالمعايير والذرائع الاسرائيلية أو بمعايير وذرائع القوى الكبرى المؤيدة لها وعلى رأسها الولايات المتحدة التي لعبت دورا مخزيا لاجهاض التقرير في اجتماع مجلس حقوق الانسان الذي قضى بإرجاء البت في التقرير حتى مارس القادم بعد الضغط على السلطة الفلسطينية باتجاه طلب ارجائه، ثم كررت هذا الدور المخزي نفسه في الاجتماع الثاني للمجلس الذي انتهى بفشل مساعيها، ذلك بأن جولدستون علاوة على كونه يهودي الاصل ولم يعرف قط بعدائه لاسرائيل، فضلا عن ان احدى بناته تعيش فيها، فإنه عُرف بالحرفية المميزة وتوخي الحياد والموضوعية بين الاطراف المعنية في كل القضايا الدولية المهمة التي سبق ان تولى التحقيق فيها. وبسبب هذه الخبرة التي اكتسبها وحرفيته في مهنته الحقوقية عينه نيلسون مانديلا أول رئيس لجنوب افريقيا بعد تحررها من النظام العنصري المقبور قاضيا بالمحكمة الدستورية لجنوب افريقيا من عام 1994 حتى عام 2003، وأسهم في صوغ وتفسير دستور جنوب افريقيا ليحل محل الدستور العنصري السابق، وأشرف على عملية الانتقال السلمي السياسي الديمقراطي من نظام الفصل العنصري ضد السود سكان البلد الاصليين الى النظام الديمقراطي الجديد القائم على المساواة في المواطنة والحقوق المدنية. ولم تكن خبرات جولدستون على الصعيد الدولي أقل شأنا من خبرته والانجازات التي حققها على الصعيد الوطني فقد عين مدعيا عاما رئيسيا في المحكمة الدولية الخاصة بمقاضاة مجرمي الحربين الاهليتين في يوغسلافيا السابقة ورواندا، وتولى منصب رئيس لجنة التحقيق الدولية في كوسوفو، كما تم تعيينه مشرفا على لجنة تحقيق في قضية الفساد المرتبطة ببرنامج النفط مقابل الغذاء في العراق، وشغل منصب رئيس الجمعية الوطنية والمعهد الوطني لمنع الجريمة واعادة تأهيل المجرمين، وعين كذلك رئيسا لمجلس ادارة حقوق الانسان لجنوب افريقيا، وهو الى ذلك كاتب صحفي معروف في قضايا حقوق الانسان الدولي، وأستاذ غير متفرغ في جامعتي هارفارد ونيويورك. لقد أدى جولدستون مهمته التحقيقية الدولية في جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل خلال عدوانها على غزة بأقصى درجة ممكنة من الحرفية ووصف مهمته بأنها أصعب المهام التي تولاها في حياته كمحقق دولي، حيث توخى ان يظهر تقريره بأدنى حد ممكن من العدالة والحياد، حتى ان ابنته نيكول التي تعيش في اسرائيل قالت: "انه لولا والدها لكان التقرير أشد وأخطر على اسرائيل". ومع ذلك فإنه لم يشفع له اصداره مثل هذا التقرير انتماؤه إلى الديانة اليهودية وعدم ظهوره في أي نشاط يعرف له معاد لاسرائيل، لا بل لم يشفع له ما بدا فيه في بعض أجزاء تقريره من اضفاء قدر من التوازن بين الضحية والجلاد بتحميل "حماس" أو اظهارها كمرتكبة جرائم حرب خلال عدوان المحتل الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني الواقع عمليا تحت الاحتلال في قطاع غزة والمحاصر برا وبحرا وجوا من كل الجهات. فالجميع يعلم بأنه لولا ذلك الاحتلال غير المشروع لما انطلقت صواريخ "حماس" باتجاه سكان المستوطنات الاسرائيلية والمناطق المحاذية للقطاع الذين لم يصبهم حتى عشر ما أصاب الفلسطينيين من مذابح ابادة. واذ لم يسبق لتقرير دولي ان وضع اسرائيل وحلفاءها الدوليين في مأزق امتحان حقوق الانسان والديمقراطية اللذين يتشدقون بهما.. فهل يتعظ الفلسطينيون والعرب مما تحقق من مكسب دولي كبير مهم مازال يواجه فصولا جديدة من محاولات الاجهاض الامريكية والاسرائيلية المتواصلة لكي لا يمثل المجرمون أمام محكمة الجنايات وينالوا عقابهم الذي يستحقونه؟
#رضي_السماك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوباما و-نوبل-.. وآفاق التغيير
-
تقرير جولدستون.. وفساد -السلطة-
-
دروس هزيمة فاروق حسني
-
تضحيات السوفييت في حرب أكتوبر
-
كوارث العالم.. وإنفلونزا الخنازير سياسيا
-
الصين بعد 60 عاما من الاشتراكية
-
بازار تسليع المرأة سياسيا
-
العمامة والسياسة
-
المقرحي والغرب.. وحقوق الإنسان
-
المثقف والسلطة.. سولجنستين نموذجا
-
انقلاب جنبلاط على -14 آذار-
-
شهادات في هزيمة يونيو 67 (1)
-
هل نودع عصر الكاريكاتير والكتابة الساخرة؟
-
ثورة يوليو بين النكسة والثورة المضادة
-
بين زنوج البصرة.. وزنوج أمريكا
-
إيران.. وحلم التغيير المجهض
-
الإلحاد بين الماركسية والداروينية
-
الأزمة المالية وديون البلدان الفقيرة
-
كيف مر يوم الصحافة العالمي؟ (1)
-
حكايات من تاريخنا (73)
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|