|
ايديولوجيا العنف.الفصل الثاني-الحلقة الثانية
نبيل ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 2813 - 2009 / 10 / 28 - 23:34
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
محاولة للعدالة والتسامح ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث
الفصل الثاني الحلقة الثانية عالم رمادي من تصفيات وعصابات ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليس الغموض وحده مايثير الشك في مسيرة صدام والقوى التي كانت تقف وراء صعوده، وانما المواقف المتغيرة لهذا الصعود. فقد كانت القوى الدولية مثل النوايا الداخلية. طريق طويل من النوايا المضادة للنوايا. لذلك لا احد يشك في ان عدة عوامل في داخلها شخصية صدام ساهمت بصنع صدام حسين.وويخشى البعثيون بشكل عام من تصديق مايحيط بهم من وقائع اعتبروا انفسهم غير قادرين على رؤيتها لانهم فوضوا ، في حالة سكر ونشوة الوله، عينين اخريتين ان تبصر مالايبصروه. خلال عملي في برنامجي التلفزيوني(النادي السياسي) لمدة اكثر من ثلاث سنوات كانت موضوعات العراق والحرب والحصار والمعارضة والاكراد والشيعة والقمع وحقوق الانسان واميركا والحرب وغيرها تثير خلافات حادة بين الاطراف المشاركة. لكن كل طرف لايبرئ اميركا من رعاية صدام حسين ودعمها له.حتى الذين يدافعون عنه ويهاجمون الولايات المتحدة يؤكدون انها جاءت به ورعته ودعمته وسلطته على الشعب العراقي وعلى دول المنطقة.وبعضهم كان يذهب بعيدا : انه ابنها المدلل الذي انقلب عليها ولذلك تشتد العداوة بين صدام حسين وبين الولايات المتحدة. ان صناعة العدو صناعة سياسية خاصة للانظمة الشمولية وللدكتاتوريين الذين يجيدون صناعة الاعداء لاغراض شخصية وسياسية. وصدام كان يجيد صناعة الاعداء بحيث لاوجوة لصدام بدون وجود عدو. في كتاب بعنوان(الحكومة السرية) الذي يتحدث عن دور وكالة المخابرات المركزية في انقلابات في دول مثل غواتيمالا وايران وغيرها ، يتحدث المؤلفان عن الدور الاميركي في انقلاب 8 شباط 1963 وكيف ان واشنطون في عهد كندي كانت تخطط لهذا الانقلاب ضمن سياسة الحرب الباردة الامر الذي ايقظوا كندي يوم الثامن من شباط ليخبروه عن مقاومة الانقلاب فغضب كندي. ويقول المؤلفان انه كان قد قرر ضرب بغداد بالطائرات الاميركية اذا فشل الانقلاب.واصبح معروفا الان ان قادة الانقلاب من البعثيين كانوا مرتبطين باميركا وهذا مااكده زعيم حزب البعث علي صالح السعدي بعد انقلاب عبد السلام عارف على البعث في 18 تشرين الثاني 1963 من ان البعث جاء الى السلطة في قطار اميركي.فلماذا يثير البعثيون الان موضوع علاقة النطام الجديد باميركا؟ انهم لايثيرونها لاسباب مبداية وانما لاسباب نفعية غير وطنية. كان اول وزير خارجية لانقلاب 17 تموز 1968 الدكتور ناصر الحاني(الذي سنتحدث عنه لاحقا) سفيرا للعراق في واشنطون. وكانت ميول وعلاقات الرجل الاميركية واضحة ومعروفة .وذات يوم بعث صدام مجموعة من رفاقه الشقاة ليختطفوا الحاني من بيته ويقتلوه على شارع قناة الجيش في خريف عام 1968. فاين كانت الولايات المتحدة حقا من صدام حسين وهي تشهد صعودة في مطلع السبعبنات يوم كان( يعادي الامبريالية) و(يبني الاشتراكية )و(يقيم معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفياتي)؟ العودة الى سيرة المواقف قد تلقي ضوء على مضمون هذه الاسئلة وعلى الدور الاميركي في العراق وعلاقته بحزب البعث الحاكم. فبعد نكسة حزيران عام 1967وفي عهد الرئيس الاسبق الفريق عبد الرحمن محمد عارف تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين بغداد وواشنطون.وبعد عام حدث انقلاب حزب البعث في 17 تموز 1968 على نظام عارف وتطور قطع العلاقات الى تظاهرة ايديولوجية سياسية واقتصادية من تظاهرات النظام التي ارتكزت عليها السياسة العراقية التي وصفت نفسها بالتقدمية وطورت علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي آنذاك على الصعيدين السياسي والاقتصادي في اطار ايديولوجيا اليسار الدولي فعقدت معاهدة الصداقة والتعاون بين بغداد وموسكو عام 1972بين رئيس الوزراء السوفيتي آنذاك اليكسي كوسيغين والرئيس البكر كما حققت،بعد عام من ذلك، مع الحزب الشيوعي العراقي تحالف الجبهة الوطنية والتقدمية في العراق وتم تأميم النفط عام 1972في اطار سياسة معاداة الامبريالية التي جعلت السلطة الحاكمة تتمكن من ابتلاع الدولة وعائداتها وتتحول الى سلطة قمعية قادرة على شن الحروب بجيش ضخم وتسليح مخيف لاتضاهيه اية دولة مجاورة وهذا الجيش كان يستخدم لاغراض داخلية ضد العراقيين سواء العرب او الاكراد. لكن التاريخ الايديولوجي والدعائي الظاهر يخفي وراءه خلفيتين ، الاولى سياسية تقوم على استخدام حزب البعث رأس حربة في الحرب الباردة ضد الشيوعيين العرب وكيفية صعود صدام حسين الى السلطة والثانية اقتصادية تقوم على رصد مظاهر الوضع الاقتصادي العراقي وعلاقته بالموقف من الولايات المتحدة. لماذا ناتي على ذكر تاريخ قد يبدو مكررا ومعروفا لكثيرين. ان الذاكرة السياسية العراقية ذاكرة قصيرة. وتقف عدة اسباب وراء ذلك منها اعتماد الذاكرة على رواية الحدث باسلوب الوشاية ، او باسلوب التسقيط السياسي ، ومنها اعتماد الصراع الايديولوجي بعيدا عن اهمية ودور التاريخ. ومنها كذلك مرحلية الصراع السياسي وانتقاله من طور تحالفي الى آخر مما يستدعي النسيان . في خريف عام1966 هرب الطيار العراقي منير روفا بطائرة ميغ متطورة سوفيتة الصنع من سلاح الجو العراقي الى اسرائيل وهبط فيها في تل ابيب.آنذاك وضعت اسرائيل يدها على اسرار الطائرة التي تشكل القوة الضاربة للجيش المصري والعراقي والسوري.الطيار منير روفا يتمتع بصلات قربى مع نائب رئيس الوزراء المخلوع طارق عزيز الذي لم يكن الرئيس السابق احمد حسن البكر يطيق وجوده في الحزب او السلطة. ويبدو ان البكر ، وهو الامين العام لحزب البعث في العراق والذي لم يكن على دراية كافية باسرار حزب البعث وعلاقاته الدولية ، ذهب ضحية جهله لهذه العلاقات بعد ان رتب السعوديون والاميركيون عزله وتقديم صدام حسين الى الكرسي الاول بعد ايام من اجتماع صدام حسين وطارق عزيز مع جورج براون وزير الخارجية البريطاني الاسبق تمهيدا لشن الحرب ضد ايران ووقف شعار تصدير الثورة الذي رفعه الخميني في بداية الثورة الاسلامية. يبدو كل شئ في اطاره السياسي طبيعيا. فالسياسة تقتضي تغيرات دراماتيكية في العلاقات والمنافع. ولكن ماهو اهم من السياسة ذلك الجموح الايديولوجي للسياسة وليس السياسة نفسها.ان مشكلة العراق حتى الان هي مشكلة تفوق الايديولوجيا على كل شئ، على السياسة والثقافة والقانون.وهذا يفسر غياب وتغييب الوقائع والحقائق ويجعل القناعات الايديولوجية راسخة ويقينية وصوفية لاتقبل المنطق والعقلانية.لذلك يتفوق الالغاء وعدم التصديق على الجدل والحوار. انها حالة تشبه اليقين القبلي والعشائري بالاعراف.وحين لم تعد العشيرة وحدة اجتماعية مؤثرة عمد صدام الى تحويل المدينة الى ديوان قبلي بدون قيم واعراف قبلية.لقد هوست العشائر في عراضات امام الرئيس لكي تمنحه تاييدها. لكنه كان يريد ان يرى تحت منصته حشودا طالما وجد الفرق شاسعا بينه وبينها من قبل كما كان يجد الفرق شاسعا بينه وبين الثقافة والمثقفين. لذلك عمد الى التفوق بطريقة استعراضية يوثقها تلفزيون هو بمثابة سلطة مادية تحيل الاعراف العشائرية الى رماد. وضعت الاستخبارات البريطانية تقريرا سريا عن العشائر العراقية عام 1917 صدرت طبعته العربية في العراق بترجمة الدكتور عبد الجليل الطاهر في نهاية عام 1958 بعنوان (العشائر والسياسة: تقرير سري لدائرة الاستخبارات البريطانية عن العشائر والسياسة يبين الاحوال الاجتماعية والسياسية للعشائر العراقية وعلاقاتها بالادارة البريطانية).وهو جهد كبير بغض النظر عن هدفه الاستخباري لانه يعطي السوسيولوجي وحتى الانثربولوجي معرفة موثقة عن العلاقات الاجتماعية والعلاقة مع الارض والعادات والتقاليد والسلوك الاجتماعي لعراق خارج لتوه من حقبة العثمانيين المظلمة باحثا عن هوية مستقلة وعن اطار وطني للعيش. كان هذا عام 1917 لكن العراق تطور باتجاه دولة مدنية ومجتمع حديث وطبقات وسطى ومجتمع مدن وتجمعات مدنية تقوم على اهمية التعليم والسلوك والسمعة العلمية والاكاديمية ودور الجامعة والادارات المدنية للدولة والنشاط الفكري والسياسي ودور السوق والتجارة والعلاقات مع العالم الخارجي العلمي والتقني.لكن سنوات الثمانين شهدت عودة الى قطع جذور العشيرة من التراب والماء والزرع الى المال النقد، في وقت عمد فيه نظام البعث الى تدمير الطبقة الوسطى وتدمير البيئة في وقت واحد فخسر العراق الكفاءة الزراعية للعشيرة والكفاءة التقنية للتكنوقراط وهو مايشهده العراق حتى اليوم بعد ست سنوات على نهاية نظام صدام.انه ثمن قد يستمر دفعه الى زمن طويل.فهل فكر احد من البعثيين بالذي فعله هو وهو يغمض عينيه ليرى قائده ضرورة كالماء والهواء والطعام والجنس. من الواضح ان تاريخ صعود صدام حسين الى السلطة لم يكن غائبا عن عين احد ممن كان يستلم رسائل من صدام حسين بين حين وآخر في محطات النوايا التي كان صدام يجتازها واحدة بعد اخرى , واشهرها محطة تصفية الخصوم الشيوعيين عام 1971 -1972وخاصة بعض قياداتهم مثل شاكر محمود ومحمد الخضري وستار خضير , ثم تصفية الحلفاء الشيوعيين عامي 1978-1979، ومحطة مؤتمر الجزائر عام 1975 واتفاقية شط العرب بين صدام وشاه ايران والقضاء على الثورة الكردية . هذا السياق يسعى لنزع المبرر الاساسي الذي تقوم عليه ايديولوجيا العنف الذي مارسه البعثيون ضد العراقيين يحجة التعاون مع الامريكيين. لم يعد صدام موضوعا مؤثرا ، لكن اتباعه مايزالون يصرون على طهريته وبكارته السياسية.ويستخدمون موضوع امريكا لمواصلة حرب ضد العراقيين هم اصلا متورطون يذيولها منذ مجيئهم لحكم العراق. دخل صدام حسين الى حزب البعث عن طريق عائلي. وذلك حين احتاج حزب البعث الى عدد من الاشخاص لتنفيذ عملية اغتيال رئيس الوزاء العراقي في اول عهد جمهوري، الزعيم عبد الكريم قاسم. تم ادخاله في فريق الاغتيال من قبل خاله خير الله طلفاح الذي لم يكن بعثيا ولكنه كان فاشيا معجبا بهتلر.كان طلفاح شخصية متناقضة فاشية وهازلة في نفس الوقت. معلم في مدرسة ويطمح لمنصب عسكري استثناه منه مولود مخلص التكريتي الذي كان احد رجالات الملك فيصل الاول الذي طلب بدوره من مخلص ترشيح ابناء عشائر تكريت للدخول في الجيش العراقي الذي تأسس حديثا آنذاك. واتيح لطلفاح منصب ضابط احتياط يؤيد الاتجاه النازي الذي ظهر في العراق بشكل محدود وضيق عام1941 حين دخل الانجليزلاعادة الملك والوصي على العرش عبد الاله ونوري السعيد الذين فروا من انقلاب رشيد عالي الكيلاني والعقداء الاربعة الذين كانوا مؤيدين لالمانيا آنذاك. حين تولى طلفاح منصب محافظ بغداد حاول كتابة تاريخ مزور له ولدوره وحجمه، كما حاول ان يقلد عمر بن الخطاب بطريقة خرقاء تكشف الاستخفاف برجال التاريخ ومحاولة تشويههم من خلال تقليدهم. كان عمر زاهدا وكان طلفاح حراميا مفضوحا.كان عمر رجل ادارة لدولة تتشكل حديثا وكان طلفاح سفيها يستغل ابراهيم الزبيدي ليظهره على التلفزيون باعتباره وريثا لعمر بن الخطاب في خطاب تغلب عليه السخرية والمهازل والادعاءات.كان طلفاح يخوض صراعا من خلال منصبه وقرابته للبكر وصدام ضد الثقافة والمثقفين والتاريخ والفكر والفلسفات ليطيح بالانجازات الثقافية للعراق منذ فجر التاريخ حتى سبعينات القرن العشرين. وللحقيقة فانه لم ينجح شخصيا ولكنه ارسى منهجا لتدمير هذه الثقافة نفذه ابن اخته صدام حسين بواسطة جوقات المثقفين الذين وجدوا دورا قمعيا لهم هم بحاجة اليه لمختلف الاسباب. هل يمكن ان ينتبه البعثيون الى التاثير النازي الهتلري بما فيه صورة الحشود وصورة الوله والوجدان المضلل المشترك بين النازية والبعث وبين صدام وهتلر؟ ظل صدام وفيا لهذا الولاء الحزبي-العائلي الذي لم يكن له اطار او ولاء غيره.وطبقه حالما دخل في صفوف السلطة اذ وضع اخاه غير الشقيق برزان ابراهيم التكريتي مديرا لمكتبه الخاص حين كان نائبا للرئيس ثم وضعه على رأس جهاز المخابرات بعد ان تمكن صدام من احكام قبضته اثر تصفية الجناح الاقوى في الحزب الذي كان يتزعمه عبد الخالق السامرائي عضو القيادتين القطرية والقومية لحزب البعث بعد (حشره) في العملية التي قادها مدير الامن العام ناظم كزار في حزيران عام 1973 وتمت تصفية عضو القيادة القطرية فيها محمد فاضل وهو شقي معروف في اجهزة حزب البعث وعدد من البعثيين القياديين حيث وزع صدام حسين نشرة حزبية محدودة الانتشار ومستنسخة بالة الرونيو على قياديي الحزب( الذين اطلعني احدهم عليها وقرأتها واعدتها له) يرسم فيها معالم (المؤامرة) وضلوع السامرائي وفاضل فيها. وهي العملية التي قتل فيها وزير الدفاع الفريق حماد شهاب التكريتي الذي لم يكن بعثيا ولكنه يتمتع بموقع عشائري هام في تكريت وله قاعدة عسكرية فقد كان آمر اللواء المدرع العاشر الذي نفذ انقلاب 17 تموز 1968 وكان يشكل تهديدا مباشرا لصعود صدام حسين الذي كان قد حاول في فترة سابقة التقرب منه وقد عرف انه طلب يد ابنته فلم يوفق . وستلعب هذه العقد الشخصية دورها في تحويل حزب البعث والبعثيين الى وسائل وادوات لتصفية حسابات العقد النفسية والاجتماعية لصدام مع مسببي عقده. ونجا من العملية وزير الداخلية الفريق سعدون غيدان التكريتي الذي جرح وكان احد آمري الحرس الجمهوري الذي ساعد البعثيين ليلة الانقلاب وكان هو الاخر يشكل تهديدا لصعود صدام حسين. وماتزال اسرار هذه العملية التي وصفت بانها محاولة انقلابية استهدفت اغتيال الرئيس البكر ونائبه صدام في مطار بغداد اثر عودة الاول من بلغاريا مجهولة وطي الكتمان. وهذه احدى صفات الانظمة الشمولية الدكتاتورية التي تقدم تاريخا تبتكره هي وتخفي التاريخ الحقيقي. ومايزال العراق مسكونا بسرية التاريخ الحديث له. ولم يلعب المثقفون العراقيون دورا في تمزيق سرية التاريخ. ان العراق بلد غير وثائقي. بلد اوهام واشاعات وتضليل يحتاج الى توثيق. ومنع التوثيق خدمة ايديولوجية ستكلف العراق ثمنا باهضا. بعد هذه المحاولة بدأ صعود صدام السريع وتوسعت صلاحياته ومد يديه على قطاعات الدولة واحدا بعد الاخر بعد ان نجح في عقد المؤتمر القطري الرابع مطلع عام 1974 الذي جاء بطارق عزيز الى القيادة القطرية مرشحا بعد ان كان مطرودا من المهمات الحزبية ويعمل في مدرسة خارج بغداد. كانت عودة طارق عزيز مساومة وبرنامجا لمستقبل دام هو مانشهده اليوم. كما جاء بعدد من اعضاء جهاز العلاقات العامة الذي تحول الى جهاز المخابرات العامة الى القيادة القطرية ومنهم سعدون شاكر مدير المخابرات آنذاك. فهل كانت خطة من صدام حسين اوقع فيها ضحاياه بتدبير محكم؟ سعى طارق عزيز لابعادي عن الصحافة منذ عام 1969. وبعد ان طرد من رئاسة تحرير جريدة الحزب(الثورة) التقيته صدفة عام 1971 في نفق الشورجة وكلانا يحمل اكياسا. شكا لي انهم اهانوه وابعدوه الى الرمادي معلما. تاكدت من هشاشته الشخصية التي اكتشفتها يوم ان اختلفنا وهددني باستدعاء رجال الامن عام 1969. لكني تعاطفت معه وقلت له : لا دخل لي بكم وودعته. لقد شاع وقتها بان المخابرات السوفيتية كشفت العملية واخرت وصول طائرة البكرالذي كان في زيارة الى موسكو، من صوفيا الى بغداد. غير ان عددا كبيرا من البعثيين القياديين والكتاب والمحللين يشكون في ان صدام رتب نواياه بشكل معقد ومتشابك هذه المرة فضرب اكثر من عصفور بحجر واحد، وضرب بعضا ببعض ونجح. وغير شقيقه برزان وجد في جهاز حماية صدام منذ وقت مبكر عدد من اقربائه كان منهم ابن عمه حسين كامل المجيد الذي كان عريفا في الشرطة ، وابن عمه الآخر علي حسن المجيد الذي كان عريفا في الجيش وابن خالته نائب الضابط كامل ياسين الذي اصبح مديرا للمكتب العسكري وشقيقه ارشد المرافق الاقدم لصدام والذي تحول الى اكبر مهرب اثار عراقية في التسعينات وشقيقه الاخر اسعد الذي تردد انه هو الذي قاد الاميركيين الى وكر صدام الذي تم فيه القاء القبض عليه. لكنه قبل ذلك كان قد تزوج ساجدة ابنة خاله خير الله طلفاح ودفع اخاها عدنان طلفاح الى واجهة المكتب العسكري للحزب ثم الى اسناد وزارة الدفاع اليه بعد تولي صدام رئاسة مجلس قيادة الثورة اثر عزل الرئيس السابق احمد حسن البكر الذي احتفظ بوزراة الدفاع لنفسه بعد مقتل حماد شهاب عام 1973 . عين عدنان وزيرا للدفاع في العام 1978 فقد كان قريبا من البكر و زوج ابنته. كل هذه التفاصيل هي محاولة استعادية للواقع الذي بدآ يتقلص ويتحد ويتمازج وينفصل عن تاريخ البعث ليشكل بعثا داخل البعث. هل فكر البعثيون بتسلسل هذه الاحداث وكيفية وقوعها وهم اعضاء في حزب لم يعود لهم فيه تاثير وكلمة وراي حيث يحدث كل شئ فوق رووسهم وضد حياتهم ومصالحهم؟ واقع الامر بالنسبة لسلطة العائلة هو تلخيص من قبل صدام حسين لسلطة العشيرة التي تسلمت الحكم باسم حزب البعث عام 1968 . كان حردان التكريتي وحماد شهاب التكريتي وسعدون غيدان التكريتي وخير الله طلفاح التكريتي وصلاح عمر التكريتي اضافة الى احمد حسن البكر التكريتي وصدام حسين التكريتي على رأس قيادة مجلس قيادة الثورة والحكومة والحزب في السنتين الاوليتين للحكم.وكانت الوزارت الاساسية مثل الداخلية والدفاع بيد العشيرة الحزبية حيث يرتبط هؤلاء بعضهم ببعض لا في اطار تكريت المدينة فحسب وانما في اطار العلاقات العائلية والعشائرية المتشابكة ، حتى ان الصراع سرعان ماتفجر بين الجناح التكريتي والجناح السامرائي في الحزب الذي كان يمثله الدكتور عبد الله سلوم السامرائي عضو القيادة القطرية القوي واول وزير للاعلام حيث تمت تنحيته من القيادة والحزب في اول مؤتمر بعد اربعة اشهر من استلام البعث وعبد الخالق السامرائي الذي تمت تنحيته عام 1973 ثم اعدامه فيما بعد كما ذكرنا. ان تقليص الصراع كان يقتضي تقليص مساحاته وتكريس اجنحته وتعزيز وسائله. فقد كان هناك ايضا جناح حزبي من غرب العراق تمثله مدن مثل عانة وراوة وحديثة تم تقليص نفوذه شيئا فشيئا حتى عام 1979 في الاعدامات الجماعية لقادة الحزب اثر صعود صدام حسين لرئاسة الجمهورية والحزب.وكان على رأس هذا الجناح تايه عبد الكريم العاني وزير النفط وعضو القيادة القطرية ومرتضى الحديث عضو القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة ووزير الخارجية وعزت مصطفى العاني عضو القيادة القطرية ووزيرالصحة وغيرهم.اما مرتضى الحديثي فقد ارتبط اسمه بالتفاوض مع شركات النفط لتأميمه عام 1972 فتخلص منه صدام ثم اعدمه عام 1979 جالبا اياه من اسبانيا حيث كان سفيرا وزج اسمه في المؤامرة المزعومة ضده ، ثم استوزر اخاه ، او ابن عمه، ناجي صبري الحديث وزيرا للخارجية وظل حتى هربه بعد سقوط بغداد . اما تايه عبد الكريم فلم يكن قويا وظل في الظل، في حين ابعد عزت مصطفى من مناصبه بعد حادث خان النص الذي كان عبارة عن تظاهرة واسعة ضد النظام بمناسبة زيارة الاربعين الحسينية عام 1977 تم اعتقال عدد من منظميها ومحاكمتهم امام محكمة خاصة كان مصطفى رئيسها فلم يحكم باعدامات كثيرة وانما محدودة فكان سببا للتخلص منه. ومن التناقضات التي سادت تاريخ حزب البعث في العراق ان مؤسسيه وقادته الشيعة سرعان ما اختفوا في عمليات متعددة.مؤسسه فؤاد الركابي اغتيل في السجن عام 1971على يد قاتل محترف . وهاب كريم اغتيل ، بعد الانقلاب ببضعة اشهر ليلا في حادث سيارة في طريقه الى بابل (الحلة) حيث يسكن .جبار كردي واخوه ستار كردي اللذان كانا من ضمن جهاز العمليات الخاصة مع صدام حسين في جهاز(حنين) الخاص بالاغتيالات والتصفيات صفيا في عمليات مشابهة للعمليات التي كانا ينفذانها. طالب شبيب ابتعد قبل ان يعود عضوا في المؤتمر الوطني العراقي بعد عام 1992 وسرد ذكرياته على شخص آخر ولم يتبناها في حياته فصدرت بعد موته الذي قيض لي ان اكون شاهدا عليه بالصدفة المحضة. فقد كنا عائدين في الساعة العاشرة ليلا من اجتماع سياسي عام1996 في سيارة الاخ سامي عزارة المعجون الذي اقترح على السيد محمد بحر العلوم المرور على مستشفى سانت ماري في وسط لندن ، طالبا مني الذهاب معهم لزيارة شخص مريض في ساعات النزع الاخيرة كما قال. وصلنا المستشفى في العاشرة والنصف. في الطابق الرابع ، طلب الشيخ سامي ان اسآل الممرضة عن مكان المريض طالب شبيب ، فاصبت باحباط لانني لم اتخيل انني سازور شبيب ذات يوم . بعد ان دلتنا الممرضة رأيت سريرا مهملا وقدمين تتحركان بلوعة من تحت بطانية المستشفى. ظل السيد بحر العلوم يتمتم وكأنه يستغفر له فيما ذهب عزارة يسأل الممرضة عن وضعه. عاد وقال انه ينتهي. ابتعدت عنهما ولحقا بي بعد خمس دقائق. كان قد فارق الحياة. كذلك حازم جواد الذي نطق اخيرا بعد اعتقال صدام. اذ يبدو انه اطمأن الى انه بامكانه ادعاء فكر البعث ومافعل هذا الفكر من جرائم له ولمواهبه. وقادة انقلاباته العسكريين لقوا حتفهم على يد صدام حسين نفسه . وابرز مثل على ذلك اللواء عبد الكريم مصطفى نصرت الضابط البعثي المتقدم الذي اشترك في انقلاب شباط 1963رتبت له قضية اخلاقية عام 1969حيث ظهر على شاشة التلفزيون سائقه الجندي المكلف علي الخزعلي الذي اجبر على الاعتراف بان نصرت كان شاذا جنسيا وكان يريد الاعتداء عليه مما اضطره الى قتله.الفريق حردان التكريتي ابعد عن السلطة واغتيل في الكويت عام1970، الفريق صالح مهدي عماش ابعد من السلطة عام1971بعد غذاء فاخر في مطعم فاروق الذي اعتاد صدام ارتياده ثم ابعد سفيرا في هلسنكي وقتل عام 1984 وكان عماش ملحقا عسكريا في واشنطون في الخمسينات ومن ابرز قياديي حزب البعث الذين نفذوا انقلاب 8 شباط1963 بالتنسيق مع واشنطون. اعتمد صدام اول الامر على خطوط القرابة المشتركة بينه وبين البكر، ثم قلص هذه الخطوط الى الخط الاقرب اليه(الاشقاء وابناء العم حين كان ولداه عدي وقصي صغيرين بعد). لم ينج من هؤلاء الا الشيخ راضي بأعجوبة او بسر فقد ظل في العراق ولم يقتله صدام، بل امعن في تكريمه ماليا. يمكن لرؤية دقيقة لتطور الصراع ان تكتشف ان الصراع كان يدور في الواقع بين اجهزة امنية واستخباراتية وبين الحزب كمؤسسة سياسية. فالصراع الحزبي لم يكن متعادلا. ولم يحسم الحزب اي صراع او خلاف .اذ كانت اجهزة صدام المباشرة هي التي تنفذ حسم الصراع . وهذه الاجهزة هي:حرسه الخاص ،حمايته، مخابراته،وامنه الخاص. وبكلمة ادق :اقرباؤه.وهم الاقرباء نفسهم الذين نفذواعام 1996 تصفية حسين كامل واخيه صدام كامل القريبين اللذين نفذا تصفية الآخرين من قبل. هذا التاريخ اصبح عاما ويعرفه جميع البعثيين , المقربين منهم الى صدام والبعيدين, القدماء منهم والذين دخلوا ال البعث خلال حكمه.غير ان التذكير بهذا التاريخ جزء من كارثة البعث برمتها.فكل هذا السرد الغرائبي، اذا شءتم، للتذكير بموقع البعثيين في حزبهم الذي لم يشاطروا صدام في رآي او فكرة او قرار. صراع الاجنحة في الحزب انتهى الى سيطرة حزبيي مدينة تكريت. وصراع الاجنحة العشائرية في الحزب انتهى الى سيطرة صدام حسين واقاربه. وشهد تاريخ الصراع وتحولاته داخل العائلة تصفيات دموية. مظهر المطلك التكريتي الشاب الوسيم كان متزوجا من ابنة الرئيس احمد حسن البكر.يعمل مديرا عاما لمؤسسة الاستيراد والتصدير . كان يشرف بهذا المعنى على التجارة الخارجية للعراق.رتب له جهاز مخابرات صدام حسين قضية اغتياله التي آلمت الرئيس البكر اخلاقيا. فقد وجدت عاهرة الى جانبه في السيارة التي اصدمت بشاحنة وانحرفت لتستقر في نهر دجلة قبالة القصر الجمهوري في الساعة الثانية فجرا.حمل صدام حسين الخبر الى البكر.قال له انه كان مخمورا جدا. وزاد ان عاهرة كانت برفقته.واصيب البكر بصدمة نفسية وهو العشائري الذي تهمه قضايا من هذا النوع فكيف لزوج ابنته ان يصطحب عاهرة في ذلك الليل الصدامي البهيم. حزن البكر. لكن حزنه تضاعف بعد اشهر باغتيال ابنه محمد على طريق تكريت -بغداد وهو في ريعان شبابه مع زوجته الشابه.رجع محمد في الليل من تكريت بصحبة زوجته في سيارته المرسيدس. بعد اجتياز سامراء وقبل الدخول الى بغداد اصدمت سيارته بشاحنة مجهولة مات على اثرها هو وزوجته. كمد آخر للرئيس البكر الذي يعاني من ازمات قلبية وامراض اخرى. كان لمحمد، الذي ينتقد صدام علنا، ان يكون منافسا قويا جدا لصدام حسين اكثر من الابن البكر للبكر هيثم المتزوج هو الاخر من اخت زوجة صدام، ابنة خير الله طلفاح الثانية التي سيجبر صدام زوجها هيثم على تطليقها بعد وفاة البكر. قبل ذلك كان جهاز صدام الامني والمخابراتي قد صفى قادة الجناح اليساري من الحزب الشيوعي العراقي الذي يرفض التحالف مع حزب البعث او يؤجله: محمد الخضري وستار خضير وكاظم عبد الامير. وجد الاول قتيلا في آذار عام 1970في شمال بغداد قبيل يوم واحد من انتخابات نقابة المعلمين التي كان الخضري متشائما من مستقبلها وغير راض عنها وكنت قدعدت معه مساء من بيتنا الذي كان في زيارة له على الغداء الى مبنى مجلة (الثقافة الجديدة ) قبل يوم واحد من اغتياله. واغتيل خضير الذي كان من اشد المعارضين لاتفاق مع جلاوزة الامس في نفس العام في شارع الرشيد ،وقتل كاظم عبد الامير وكاظم الجاسم والبرزنجي والعبايجي ومجيد حميد وهم من كوادر الخط الاول في الحزب في سجن قصر النهاية وصدمت سيارة مخابرات في خريف عام 1972(قبل توقيع اتفاق التحالف) شاكر محمود ، عضو اللجنة المركزية ومزقته على جدار مستشفى اليرموك ونجت طفلته ذات الاعوام الاربعة اماني باعجوبة حيث تعيش اليوم في فرنسا بعد ان اصبحت مغنية اوبرالية . تصفية بعض قادة الحركة الكردية معروفة وشائعة هي الاخرى. واشهر محاولة في هذا الصدد هي وفد (علماء الدين) برئاسة الشيخ عبد الجبار الاعظمي الذي تفجر امام الملا مصطفى البارزاني عام 1971 حيث اهداهم صدام حسين جببا دينية جديدة ملغومة ومسجلا ملغوما وضع سرا في جبة احد رجال الدين هؤلاء من قبل رجال الامن الذين اقنعوه بتسجيل كلام الملا مصطفى لتوثيقه وامروه ان يضغط على زر التسجيل حالما يجلسون مع الملا مصطفى. كان صدام قد طلب عن طريق مدير امنه ناظم كزار ان يتوجه وفد من رجال الدين للتوسط بين الحركة الكردية والحكومة العراقية. وما ان التقاهم الملا وبدأ توزيع الشاي حتى تفجر علماء الدين بعد الضغط على الزر ، وكان هناك جهاز توقيت آخر كان لدى سائق السيارة التي اقلتهم وتمزقوا مع الرجل الذي كان يقدم لهم الشاي وكان حاجزا بين الملا وبين الشظايا. كل هذا السرد الغرائبي، مرة اخرى،للتذكير بحزب يقول عنه اعضاؤه انه حزب ثوري وديمقراطي وقراراته جماعية واجراءاته علنية واهدافه انسانية. كل هذا السرد الطويل لاعادة قراءة حقوقية وثقافية لجوهر فكر البعث واجراءاته القمعية المنافية للقانون وحقوق اعضاء الحزب نفسه فكيف بحقوق المواطنين العراقيين. اننها ، جميعا، بحاجة الى تصفية الحساب مع جميع الاجراءات والاحداث والافكار والشعارات المعادية للحرية والقانون والحق. تصفية اجنحة في حزب البعث واعضاء ارتباطه شائعة ايضا. اولها تصفية السفير ووزير الخارجية الدكتور ناصر الحاني عام 1968 بعد اشهر من الانقلاب من قبل وهاب كريم الذي اغتيل هو الاخر بعد ان نفذ مهمته بشهرين . هنا يكمن سر مايزال طي الكتمان هو الاخر، ويمكن له ان يفسر مضمون العلاقة بين صدام حسين والولايات المتحدة الاميركية .كان شائعا عن الحاني صلته الاميركية.وهناك حديث يدور عن كونه كان صلة الوصل بين السفير الاميركي في بيروت وصدام حسين وقيادة البعث اثناء تحضير خطة انقلاب البعثيين . والواقع ان صلة صدام بالسفارة الاميركية في بيروت لم تعد اعجوبة.فقد كان الحاني، استاذ الادب ، سفيرا في بيروت لحكومة عبد الرحمن عارف. درس في الولايات المتحدة وكان من القوميين المحافظين المعادين للشيوعية والاتحاد السوفياتي آنذاك.وبعد ان سهل الاتصال لقادة البعث بالسفير الاميركي قبل الانقلاب واصبح وزيرا للخارجية بعد الانقلاب في حكومة الفريق عبد الرزاق النايف قتل عند ( قناة الجيش ) من قبل من سيقتلون لاحقا( جبار كردي واخيه ستار كردي ووهاب كريم ورضا باوي ومحيي مرهون اعضاء جهاز الاغتيالات).ثم اصبح الفريق حردان التكريتي مطلوبا في سياق التصفيات . طرد من وزارة الدفاع ونيابة رئاسة الجمهورية وابعد سفيرا الى الجزائر واغتيل في الكويت في خريف عام 1970 من فرقة اغتيالات خاصة وذهب وزير الخارجية آنذاك عبد الكريم الشيخلي ليعود بالقتلة في طائرة خاصة ، ثم اغتيل الشيخلي في بغداد عام 1982 امام انظار زوجته واولاده بينما كان يترجل لدفع قائمة كهرباء منزله. اما عبد الرزاق النايف رئيس الوزراء العراقي فقد اغتيل اثناء خروجه من فندق هليتون في لندن عام 1978 وهو الذي اتى بحزب البعث الى السلطة حين كان معاونا لمدير الاستخبارات العسكرية العراقية وكان خطط وهو مبعد الى الخارج مع اللواء عبد الغني الراوي لانقلاب عسكري عام 1970 لكن الانقلاب فشل. تفاصيل لابد منها لكي نتعرف اكثر على (الشرعية الثورية) وهوسها بالقتل والاغتيال والتصفية الجسدية. شرعية ثورية او انقلابية ، لافرق، طالما ان ميتشيل عفلق قد اعتبرها ممارسة تطهيرية واقصائية ضرورية تحل محل القانون والدستور والمواطنة وحقوق الانسان والعدالة والحرية.كل ذلك ونحن نسمع حتى الآن اصواتا عالية مؤمنة بشرعية القتل والابادة والتصفية الجسدية باعتبارها مهمة وطنية وانسانية.وحتى الآن نقرآ اسماء ضحايا البعث من قبل البعث واسماء ضحايا الشيوعيين الذين يتحالفون مع البعث في اطار ( جبهة وطنية تقدمية) . ولابد لنا ان نتفحص جيدا ضحايا الوطنية وضخايا التقدمية، وهما مفهومان حصدا الاف الارواح. وبعد تصفية خصوم الصعود الحزبي والرسمي ضاقت حلقة التصفيات في صعود العائلة نفسها التي باتت تضيق من حلبة الصراع. واشهر مثل على ذلك هو مقتل وزيرالدفاع السابق عدنان خير الله طلفاح ،ابن خال صدام واخ زوجة صدام الاولى ساجدة خير الله طلفاح، في تحطم طائرة مروحية بعد انتهاء الحرب مع ايران عام 1989وصار شائعا ان صهر صدام حسين، حسين كامل المجيد هو الذي نفذ العملية .فقد كان صدام وعائلته يقضون عطلة صيفية في ربوع الموصل الخضراء مع ابن خاله واخ زوجته عدنان خير الله وزير الدفاع، وتقرر فجأة ان يعود الوزير الى بغادا وحده بطائرة هيليوكوبتر فتحطمت في سماء العراق الصافية آنذاك رغم ان البيان الرسمي عزا الحادث لعاصفة رملية. اما تصفية جاسم مخلص التكريتي الذي اطلقت عليه كلاب بوليسية حتى مات عام 1994 فقد كانت بتأثير الشكل الذي راود صدام بانه يشترك في محاولة انقلابية مدعومة من الخارج. انتقلت التصفيات الى العائلة في سياق الصراع على السلطة بين الابناء والاشقاء .وابرز مثل على ذلك هو اطلاق الرصاص من قبل عدي صدام حسين على وطبان الحسن شقيق صدام ووزيرالداخلية السابق عام 1995 . وفي سياق الصراع العائلي على السلطة اكتفت بعض المحاولات بالتحجيم والابعاد ومنها تحجيم برزان التكريتي الذي ابعد الى جنيف وتحجيم الفريق ماهر عبد الرشيد التكريتي والد زوجة قصي صدام حسين،الذي اقيل من الجيش ووضع رهن الاقامة الاجبارية. وكان نجم الرشيد قد برز في الحرب العراقية -الايرانية وبالذات بعد استرجاع الفاو من ايدي الايرانيين وكان قائد الفيلق الثالث.ولم ينفعه اتجاره في الابل من الابعاد والعزل وهو الذي كان يخدم الصحفيين العرب والاجانب اثناء الحرب العراقية الايرانية في مقاصف تحت الارض يقوم على الخدمة فيها ندل يلبسون البدلات السوداء والقمصان البيضاء ووردة العنق ليدلل على ان الحرب عيش هانئ ورغيد. في خضم هذه التصفيات والصراعات كانت مراكز القوى العائلية والعشائرية تتغير. كان الصراع قائما اصلا بين آل خطاب وآل عبد الغفور اللذين تتشكل منهما عائلة صدام حسين وعائلة اشقائه وابناء عمومته الذين ينتهون الى مسلط الذي كان شهيرا في العائلة باعتباره شجاعا قاطع طريق يأخذ الاتاوة من العابرين. ان تغير الاجنحة وتغير موازين الصراع كان يغذي فروعا ويضعف فروعا اخرى .فقد شهد منتصف الثمانينات ، وفي ظل صبا نجلي صدام حسين ، صعودا سريعا لنجمين اخوين هما حسين وصدام كامل المجيد اللذين تزوجا بابنتي صدام . وكذلك صعودا لعمهما علي حسن المجيد الملقب بالكيمياوي لاستعماله الاسلحة الكيمياوية ايام كان حاكما عسكريا مطلقا للمنطقة الشمالية. وهيمن هؤلاء على المؤسسة العسكرية والحرس الخاص لصدام.وتم هذا الصعود في نفس الفترة التي هيمن فيها اشقاء صدام من امه ، برزان ووطبان وسبعاوي على الاجهزة الامنية والمخابراتية. وفي نفس الوقت تم صعود ابناء الخالات في الحرس الخاص وحماية صدام مثل عبد حمود وارشد ياسين اللذين تمتعا بصلاحيات واسعة . بعد هذا العرض نستطيع ان نطرح السؤال التالي: اين كانت الولايات المتحدة من كل هذا الصراع؟ وكيف تعاملت مع نظام وقع معاهدة صداقة وتعاون مع موسكو عام 1972 التي احتكرت العمل في حقل الرميلة النفطي اكبر حقول الانتاج في العراق وزودت العراق باحدث الاسلحة السوفيتية من طائرات ميغ وسوخوي ودبابات 2 7 وصواريخ سام وكاتيوشا ومدافع ثقيلة مقابل تمور واحذية وترجمات متبادلة لخطب بريجنيف وخطب صدام حسين. كان العراق في خندق(معاداة الامبريالية) من الناحية الايديولوجية. ولكن ميزان التجارة العراقية من الواردات طوال فترة معاداة الامبريالية وبناء الاشتراكية كان يميل لصالح الدول (الامبريالية) بنسبة سبعين الى ثلاثين.فضلا عن ذلك كان صدام حسين مستميتا للتنسيق مع تلك الامبريالية لشن الحرب ضد ايران باسم العالم العلماني الغربي المتحضر. وتوج ذلك التنسيق عام 1984بعودة العلاقات بين بغداد وواشنطون بعد جهود مضنية بذلها وزير الخارجية طارق عزيز وتم منح العراق قرضا زراعيا بقيمة مليار دولار وماتزال زيارة وزير الدفاع الميركي الحالي رامسفيلد لبغداد ولقاءه مع صدام حسين تثير التساؤلات عن مدى مسؤولية واشنطون في تطوير صدام لاسلحة دمار شامل.واسهمت اقمار التجسس الاميركية في الحرب عبر تزويد القيادة العراقية باخر المعلومات عن تحرك القوات الايرانية وكانت هذه المعلومات عاملا حاسما في استرجاع الفاو.وطوال فترة الصداقة والتعاون مع موسكو كان صدام يرسل الاشارات الى واشنطون علانية وهو يضرب امثاله السياسية ومقارناته ويجري حساباته الشهيرة جاعلا من العلاقة مع موسكو علاقة عابرة في تلك الرسائل. كان من تلك الرسائ ان العراق لن يسكت مثلا لو اعتدت موسكو على المملكة العربية السعودية. كان ذلك في نهاية السبعينات وبعد استلام العسكري الشيوعي طراقي للسلطة في افغانستان بعد انقلابه على الجنرال داود ولم تكن هناك ارضية تجعل من هذا المثل ممكنا.لكنها رسالة واضحة في وقت كانت السعودية على خصام مع العراق. كانت الحرب العراقية-الايرانية فرصة العودة الى واشنطون.اربع عواصم اساسية اسهمت في الالتفاف حول صدام حسين طوال فترة الحرب. موسكو وواشنطون وباريس ولندن.كان صدام حسين يعطي الاشارات بانه يخوض الحرب نيابة عن الاخرين : العرب والدول الاقليمية(تركيا التي وقع معها اتفاقية للتوغل مسافة 30 كيلومترا لملاحقة الثوار الاكراد داخل الازاضي العراقية وهي الاتفاقية التي تستند عليها اليوم للتوغل مجددا ) والغرب.بالنسبة للعرب كان يؤكد انه يخوضها نيابة عن الامة العربيةالاسلامية ضد الفرس المجوس ليمنع تصدير الثورة. اما بالنسبة للغرب فقد كان يوحي انه يخوضها نيابة عن العلمانية الغربية ضد الدولة الاسلامية، ولذلك اختلطت الشعارات ببعضها وغطت على تدفق هائل للسلاح وعلى نقص هائل في الاموال، وعلى نتائج لم تكن تلك العواصم تتوقع بعضها ومنها قدرة العراق على تصنيع اسلحة الدمار الشامل. ليست نية صدام حسين الحسنة بالعرب هي التي قادته الى الكويت ، وانما ثقته ان واشنطون تقدم له اخيرا ثمن خوض الحرب نيابة عنها وانها ستعطيه الثمن ،لا من جيبها، وانما من جيوب جيران العراق. لم يكن صدام حسين يشك في ان لفتة السفيرة غلاسبي حول عربية وداخلية الخلاف مع الكويت خدعة او فخا.وظل (واثقا) حتى اللحظة التي رمى فيها طارق عزيز اثناء لقائه جيمس بيكر وزير الخارجية الاميركي رسالة الرذيس الاميركي جورج بوش على مائدة المفاوضات في جنيف ان الحرب لن تقوم وانها اذا قامت فانها لن تستمر سوى يومين او ثلاثة لانها ستكون حربا برية على طريقة الحرب العراقية -الايرانية. هو الذي يملك اسلحة الدمار الشامل كان يفكر باستخدام هذه الاسلحة بشكل بدائي ناسيا تماما الشكل الليزري والكومبيوتري الذكي لاسلحة الدمار لدى الطرف الاخر ، واشنطون، التي حولت قضية احتلال الكويت الى مرحلة تدشين العولمة بجانبها العسكري فاتحة الطريق للشرخ الذي قام بين العراق وبين الحضارة والاستقرار والاندماج بالمجتمع الدولي في عملية يمكن وصفها بانها ليست عملية ردع لنظام سياسي بقدر ماهي عملية تأديب عميقة المستوى للتمرد الذي ابداه صدام حسين ضدالالتزام بقواعد اللعبة عبر تهديم البنيان العراقي الاجتماعي والاقتصادي تدميرا كاملا. غدا الحلقة الثالثة(الثمن الباهض لتمثيل التاريخ)
#نبيل_ياسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة من رئيس تيار العدالة والحرية الى الديمقراطيين والليبرا
...
-
ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث-االفصل الثاني-الحلقة الاولى
-
ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث-الحلقة السابعة
-
ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث-الحلقة السادسة
-
ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث-الحلقة الخامسة
-
ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث-الحلقة الرابعة
-
ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث-الحلقة الثالثة
-
ايديولوجيا العنف .. تشريح االبعث-الحلقة الثانية
-
ايديولوجيا العنف .. تشريح االبعث
-
مسؤولية الاحزاب في حماية الديمقراطية في العراق
-
المراة مواطنة ام لا؟ المواطنة اولا
-
هل نحقق الدولة المدنية بالتوقيعات
-
زينب
-
مؤتمر بغداد
-
مؤتمر بغداد دور النخب العراقية في العملية السياسية والمصالحة
...
-
منفى الكتابة
-
في الدولة والمواطن
-
الدولة المفتوحة
-
الاسلام والديمقراطية
-
ايديولوجيا النفط - قانون النفط والغاز وايديولوجيا النفط الوط
...
المزيد.....
-
مصر: الدولار يسجل أعلى مستوى أمام الجنيه منذ التعويم.. ومصرف
...
-
مدينة أمريكية تستقبل 2025 بنسف فندق.. ما علاقة صدام حسين وإي
...
-
الطيران الروسي يشن غارة قوية على تجمع للقوات الأوكرانية في ز
...
-
استراتيجية جديدة لتكوين عادات جيدة والتخلص من السيئة
-
كتائب القسام تعلن عن إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح به
...
-
الجيشان المصري والسعودي يختتمان تدريبات -السهم الثاقب- برماي
...
-
-التلغراف-: طلب لزيلينسكي يثير غضب البريطانيين وسخريتهم
-
أنور قرقاش: ستبقى الإمارات دار الأمان وواحة الاستقرار
-
سابقة تاريخية.. الشيوخ المصري يرفع الحصانة عن رئيس رابطة الأ
...
-
منذ الصباح.. -حزب الله- يشن هجمات صاروخية متواصلة وغير مسبوق
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|