|
د(بمثابة موضوعات لحزب سياسي) منطق التاريخ والحياة السياسية في سورية.
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 854 - 2004 / 6 / 4 - 04:46
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
(3) إن الحديث عن الحياة السياسية في سورية هو حديث عن السلطة ودورها في إنجاز مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية، وعن البديل المحتمل والممكن.وهو كذلك حديث عن المعارضة السياسية..الخ. في المبحث السابق كنا قد ألقينا الضوء على الخلفية الاجتماعية للسلطة، وتبين لنا أنها ضيقة جداً، تنتمي بمجملها إلى الطبقة البرجوازية المسيطرة بشرائحها المختلفة، وهي كما بينت التجربة لم تستطع إنجاز مهام المرحلة، بل زادتها تعقيدا على تعقيد، من خلال تعميمها للفساد في جميع مجالات الحياة الاجتماعية، وبناء نظام في المصالح يقوم أساسا على العلاقات الشخصانية، فسادت قيم اللصوصية وأخلاقها. لقد أصبحت المناصب العامة في الدولة وأجهزتها المختلفة، على مختلف مستوياتها امتيازاً، فضاعت المسؤولية، وغابت المحاسبة وفي المحصلة زاد بؤس الناس ونمى التخلف. كيف يبدو مشهد السلطة من موقع الأحزاب السياسية؟ هو سؤال ذو شقين: من جهة الأحزاب التي في السلطة، ومن جهة الأحزاب التي تحتل موقع المعارضة. وما هو حال هذه الأحزاب؟ وما هي إمكانياتها على التصدي لمهام المرحلة الوطنية الديمقراطية؟. لكن قبل ذلك لا بد من بضع كلمات تشخص طبيعة السلطة في سورية. من الناحية النظرية السلطة تتكون من ثلاث مستويات: المستوى الأول يضم الأشخاص الحاكمين، وهم دائما أشخاص حقيقيون. المستوى الثاني ويضم مؤسسات الحكم، وهي دائماً هيئات اعتبارية. المستوى الثالث يضم الصيغة التعاقدية للسلطة، أي منظومة التشريعات والقوانين والأوامر الإدارية..الخ التي تضبط عمل السلطة وتوجهه. في السلطات الاستبدادية كما هو حال السلطة في سورية، يندمج المستوى الأول للسلطة بالمستوى الثاني، فتفقد مؤسسات الحكم طابعها المؤسساتي، وتتحول إلى مجرد أجهزة للتوصيل الأوامري والضبط المجتمعي. أضف إلى ذلك يضيق كثيراً المستوى التعاقدي، ويبرز فيه الدور الإرادوي للمستوى الأول بحسب مصالحه، وفي القلب منها مصلحته في استمرار السلطة ذاتها، واستمرار بيئتها المحافظة على طابعها كسلطة استبدادية. في إطار ذلك من الخطأ التصور بأن حزب البعث هو الحزب الحاكم فعلاً، بل هو كحزب ضحية الاستبداد مثله في ذلك مثل جميع الأحزاب الأخرى. لقد أفقدته السلطة طابعه كحزب وحولته إلى مجرد جهاز من أجهزتها، يؤدي دوره المنوط به في إعادة إنتاج السلطة، والمحافظة عليها. بل طاله التخريب المتعمد أكثر من بقية الأحزاب، فتم تضخيمه كثيراً من خلال عمليات التنسيب الجماعي، والتركيز على الكم دون النوع، ومنع من إعادة النظر في منطلقاته الفكرية والتنظيمية لعقود من السنين، فكثر الانتهازيون والفاسدون والمفسدون في صفوفه. إن إعادة الروح الحزبية إلى حزب البعث، وإلى جميع الأحزاب المتحالفة معه في إطار الجبهة الوطنية التقدمية، التي هي في أحسن حالاتها ليست أكثر من صورة كاريكاتورية عنه، يتطلب قبل كل شيء إخراجه من السلطة ومن مختلف أجهزتها، ومن مختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها، إلى الحياة المدنية، هذا أولاً. وثانيا يتوجب عليه القيام بعملية مراجعة جذرية وعميقة لتجربته في السلطة، وأن يتساءل بجدية لماذا لم يستطع تحقيق أي هدف من أهدافه، بل على العكس أوصل البلد إلى حالة من التأزم، بحيث توشك على الانهيار اقتصادياً واجتماعياً..الخ. وثالثا عليه أن يتحمل المسؤولية الأخلاقية، في الحد الأدنى، عن تعميم مظاهر الخوف في المجتمع، من جراء تعميم القمع و كم الأفواه، حتى طال ذلك أعضاء الحزب ذاته ففقدوا القدرة على التساؤل، وعلى توليد الأسئلة الجدية. ويجب عليه أيضاً تحمل المسؤولية السياسية عن تعميم الفساد في المجتمع، واستمرار الحكم بقوانين الطوارئ والأحكام العرفية، وحرمان الشعب السورية من حياته السياسية الطبيعية، مما تسبب في تخريب شخصية المواطن السوري بصورة عميقة..الخ. إن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الأكثر تضرراً من سياسات السلطة التي تحكم باسمه، ولذلك على الشرفاء والوطنيين فيه، وهم كثر، أن يرفعوا الصوت عاليا حول ضرورة التغيير باتجاه نظام يعمم مناخات الحرية والديمقراطية، بما يعني ذلك من خلق الظروف لترسيخ فكرة القانون والمسؤولية والمحاسبة، والحق في الاختلاف، والتعدد..الخ. إن دور حزب البعث لا يزال أساسيا في حياة سورية، سواء بالمعنى المباشر، أو باعتباره إحدى التيارات الرئيسة المعبرة عن حركة القومية العربية، ولا نتفق مع الفكرة التي تقول بأن الحياة قد تجاوزته. وعلى العموم إن مصير حزب البعث وغيره من الأحزاب السياسية الأخرى في جبهة السلطة أو في المعارضة يقرره الناس أنفسهم، في ظروف الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع، وليس من خلال ردات الفعل أو الأحكام المسبقة..الخ. أما بالنسبة لأحزاب المعارضة، فهي ليست بأفضل حال من شقيقاتها أحزاب السلطة، أليس حال المعارضة من حال السلطة؟. من الخطأ أن نتصور أن الاستبداد هو نظام في السياسة فقط، بل قبل ذلك ومن حيث الأساس هو نظام في الاجتماع، وفي الثقافة..الخ. في مثل هذه البيئة من الصعوبة بمكان وجود أحزاب ديمقراطية. ويزيد المشكلة تعقيداً كون السلطة حاولت خلال عقود متواصلة نزع السياسة من المجتمع، وقمع أي عمل سياسي معارض، فتحولت الأحزاب المعارضة ( بل بقايا أحزاب) إلى نوع من الأخويات التي تجمعها طقوس السرية. مع ذلك لم تفقد روح الحياة السياسية المعارضة، وقدمت على هذا الطريق تضحيات كبيرة، هي في الذاكرة المجتمعية باقية كعلامات مضيئة على طريق التقدم الاجتماعي. وهي أيضاً نظيفة من الفساد والانتهازية، على خلاف شقيقاتها في السلطة، ولم تفقد روح المبادرة الوطنية، والقدرة على التعالي على الجراح في سبيل المصالح الوطنية والقومية العليا، فدعت إلى مصالحة وطنية شاملة. في العقدين الأخيرين، وتحت ضغط المتغيرات الداخلية والخارجية، بدأت تراجع تجربتها السياسية بروح عالية من الجدية والمسؤولية، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح لدى التنظيم العام للإخوان المسلمين، ولدى الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي، وعلى الطريق يسير حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، وحزب العمل الشيوعي، وتيار قاسيون، والعديد من الأحزاب الكردية..الخ. يضاف إلى هؤلاء عشرات الآلاف من الأفراد والشخصيات الوطنية المعارضة، من بقايا الأحزاب التي حطمها الاستبداد، أو ممن تركوا أحزابهم في فترات مختلفة، أو من المثقفين..الخ. في ضوء هذا المسح المكثف لواقع الحياة الاجتماعية والسياسية في سورية، وهو واقع يدعو بمجمله للإحباط والتشاؤم، أصبح واضحاً أن المسؤول الأول والأخير عنه هو الاستبداد. وإن المخرج من كل ذالك هو في نقيض الاستبداد، إنه في نظام يعمم مناخات الحرية والديمقراطية. في هذا الزمن العربي الدائري، حيث كل شيء يعيد ذاته، ففي تشخيص الداء، كما في وصف الدواء، لم نبتكر شيئا ذو أهمية خاصة، بل أعدنا وكررنا ما توصل إليه الشيخ عبد الرحمن الكواكبي منذ قرن ونيف من السنين.
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
د (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) الوضع الداخلي والمهام المطلوبة
...
-
د - (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) الوضع الداخلي والمهام المطلو
...
-
ج- بمثابة موضوعات لحزب سياسي- الوضع العربي والمهام المطلوبة
-
ب - (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) طبيعة العصر والمهام المطلوبة
...
-
أ - بمثابة موضوعات لحزب سياسي
-
كيف ينظر بعض السوريين لما حدث في مساء 27/4 في دمشق
-
حول - الإرهاب يدخل إلى سورية -
-
تنمية الموارد المائية ف سورية وترشيد استعمالاتها
-
الدولة والسلطة في سورية
-
منظمة التجارة العالمية-الفلسفة والأهداف
-
منظمة التجارة العالمية -المخاض الصعب
-
بمثابة بيان من أجل الديمقراطية
-
الديمقراطية في ميزان القوى الاجتماعية
-
الاوالية العامة للحراك الاجتماعي
-
التغيرات العالمية والديمقراطية
-
إشكالية الديمقراطية في سورية
-
دكتاتورية البروليتاريا أم الديمقراطية الشاملة
-
هل تعود سورية إلى النظام الديمقراطي
-
سيادة الرئيس....
-
الحزب السياسي ودوره في الصراع الاجتماعي
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|