عهد صوفان
الحوار المتمدن-العدد: 2812 - 2009 / 10 / 27 - 19:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذُ البدءِ يعيشُ الإنسانُ على هذه الأرض حالةَ الصراعِ الداخلي ما بينَ الميولِ الأنانيَّةِ في الإنسان التي تبيحُ أيَّ عملٍ مهما يكنْ ما دامَ يرضي طموحاً أو رغبةً في أعماقِنا ،والميولِ الاجتماعيةِ المنضبطة التي تأخذُ في الاعتبارِ احتياجاتِ ورغباتِ الآخرين ،بحيثُ يكونُ توازنٌ دقيقٌ بين الأنا والآخرْ………
هذا الصراعُ كانَ منذُ فجرِ التاريخ وما يزال ،لأنَّه تعبيرٌ حقيقيٌّ عن الميولِ الموجـودةِ فيـنا ..والصراعُ هنا لايعني بالضرورةِ صراعاً بين مجموعتين مختلفتين .بلْ هو صراعٌ بينَ فكرين أولهُما يؤمنُ بالأنا بشكلٍ مطلقٍ ،والآخرُ يؤمنُ بتوازنِ المصالح ,لذلك نجدَ أنَّ الصراع يشتدُّ أحياناً عند الإنسانِ الواحدِ ما بينَ ميولِه نحو الامتلاكِ وميولِه الاجتماعيَّة القائمةِ على المحبةِ والتعاونْ ……….
وعبرَ التَّاريخِ القديمِ لم يتمكن الإنسانُ من ضبطِ هذا الصراع فكانَ الظلمُ والاستبدادُ والاستعبادْ .بلْ كان القويُّ يأكلُ الضعيفَ بشكلٍ علنيٍّ ،ومن خلالِ عاداتٍ كانت كالقوانينِ في ذلك الوقتِ وللمؤسف مازالَ حتَّى وقتِنا الحاضرِ شيءٌ من هذا السلوك ولكن بأشكالٍ مختلفةٍ فيها المواربةُ والخداعْ . وعندما أتت الأديانُ كانت القانونَ الأساسيَّ لحسمِ هذا الصراع داخلَ الفردِ الواحدِ أو داخلَ الجماعة، ومع تعددِ الأديانِ السماويَّةِ وغيرِ السماويَّة نجدُ أنَّ جميعَ الأديانِ وضَعتْ قوانينَ السلوكِ البشريِّ بغضِّ النظرِ عن قبولِنا حاليَّاً ببعضِ هذه القوانين أو رفضِها وخاصَّةً عندَ بعضِ القدماءِ الذين قدَّسوا الحاكمَ وأطاعوه إطاعةً عمياء، فكانَ هو الإلهُ أو ابنُ الإله, ومعَ تعددِ أسماء الآلهة وتعددِ صفات هذه الآلهة ،فقد كان هناك قانونٌ دينيٌّ سائدٌ ومفروضٌ في هذا المكان أو ذاك,وعندَ نزولِ الدياناتِ السَّماويَّةِ الَّتي كانتْ لجميعِ البشرْ ،فقد شرَّعت الأخلاقَ والمحبةَ ، ساوتْ بينَ الجميعِ حتَّى أنَّها لم تميِّز الحاكمَ عن الإنسانِ العاديِّ وشرَّعت لمبدأ الثوابِ لفاعلي الخير والعقابِ لفاعلي الشَّر, وبالتَّالي فقد كانت هذه الدياناتُ انتصاراً حقيقياً لميولِ الخيرِ والمحبَّةِ عند البشر لأنَّها طالبتْ بعملِ الخيرِ وحثَّتْ على العطاءِ والمحبةِ والتَّفاني وبمعنى آخر شرَّعتْ لقوانينِ البقاءِ والتطوُّرِ الإنسانيِّ ونهتْ عن الشرور أيَّاً كانتْ, ولكن بدون الخوضِ في بعضِ التَّفاصيلِ هنا أو هناك واعتراض البعض على هذه الديانات ،لماذا لم تنتصر الأديانُ فعلـياً ؟ فالشرّ ُفي ازدياد والدَّمُ المسفوكُ يوميَّاً على مسرحِ الحياةِ أكثر منْ أنْ يحُصى ويُعد , لماذا تجمَّدتْ هذه التَّشريعاتُ الأخلاقيَّةُ في الكتبِ بدلاً من أنْ تسودَ وتحكمَ البشر ؟ نجد أنَّ الشرَّ هو الحاكمُ، والظلمُ هو المطبَّقُ، والحقدُ والبغضاءُ والأنانيَّةُ تصولُ وتجولُ والمحبَّة لا تستطيعُ الدخول إلى عالمِنا,
لقد استطاعت الميولُ الأنانيَّةُ بدهاءِ الماكرين وحنكةِ الأشرار أنْ تدخلَ علينا ومن كلِّ الجهات حتَّى أصبحنا لا نعرفُ أيَّ شيءٍ من أيِّ شيء .أين الحقيقة؟؟سلوكُنا أصبحَ تائهاً، لا نميِّز، وأحياناً لا ندرك, فجميعُنا يعلمُ أنَّ الأديانَ السَّماويَّة هي أديانٌ موحَّدة وتعني وحدةُ الخالقِ ووحدةُ القانونِ والتَّشريعْ, ولكنَّ الواقع يقولُ أنَّ الدِّينَ السَّماويَّ حالياً هو مجموعةُ أديانٍ فيها المذاهبُ المختلفةُ والمتعارضةُ والمتحاربة ,وبدلاً منْ أنْ يكون الدِّينُ عاملَ توحيدٍ للبشر، أصبحَ عاملَ تفريقٍ, فهذا من مذهبٍ وذاكَ من آخر، كلُّ واحدٍ يحبُّ مذهبَه ويلتزمُ به ويكرهُ الآخرين , وأحياناً يعملُ على إلحاقِ الضررِ بهم وكلُّ واحدٍ يعتبرُ مذهبَه هو المذهبُ الصحيحُ فقط والآخرون عكسَ ذلك ،بل درجَ حالياً مبدأُ تكفيرِ أصحابِ المذاهبِ المختلفةِ وظهرت الاجتهاداتُ والتَّفسيراتُ المختلفة والَّتي أدتْ إلى زيادةِ الاختلافِ بدلاً من الاتِّفاق وهكذا. تحوَّلت الأديانُ الموحَّدة إلى أديانٍ مفرِّقةٍ للنَّاس، وهذا ليس عيبُها ،بل عيبُ المفسِّرين والفقهاءِ والعلماءِ ورجالِ الدِّين ،الَّذين كرَّسوا مبدأَ الاختلافِ في أمورٍ يُفترضُ ألاَّ يكونُ فيها اختلاف , لأنَّ هذا الاختلاف خلقَ الحواجزَ والسُّدودَ بين البشرِ بلْ لوَّنَ النَّاسَ بألوانٍ مختلفةٍ قادتْ إلى التَّناحرِ والصِّراعِ وسفكِ الدِّماء,ْ لماذا لم نستفدْ من هذه القيمِ والتَّشريعاتِ الرَّاقية ؟
الَّتي تدعو إلى حياةٍ إنسانيَّةٍ آمنةٍ فيها الخيرُ والمحبَّة ، فيها السَّلامُ والعدلُ ، لماذا يسيطرُ علينا الخوفُ في حياتِنا (في عملنا وفي الشَّارع وفي البيت )
نخافُ على أطفالِنا وعلى مستقبلِنا , لأنَّ الواقعَ يقولُ أنَّنا ابتعدنا عن القيم والمحبَّة وأطلقنا العنانَ للأنا فينا، فكبُرَ الدِّكتاتورُ في أعماقِنا وأصبحَ ديناصوراً مرعباً, ولكن لنعلم جميعاً أنَّ انتصارَ الشَّر في وقتٍ ما لا يعني أن نستسلمَ للشرورِ ونسلكَ طريقَها ...
#عهد_صوفان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟