نقاش مع انجلز وماركس حول المجتمع البشري ومملكتي النحل والنمل

محمد نفاع

الحوار المتمدن-العدد: 854 - 2004 / 6 / 4 - 05:38
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    

النقاش معكما لانكما من عظماء الطبيعة البشرية، وهذه المقارنة بين المجتمع البشري – ومنها حتى احزاب شيوعية – وبين ممالك النحل والنمل توحي بأكثر من تساؤل، وحتى نتخلص من صيغة المثنى المعقدة، نستعمل صيغة المفرد لتشمل كليكما، وهذا ينطبق على النحل والنمل.

صحيح ان النحل لم يتطور ولن يتطور كما يبدو منذ حقب سحيقة لا في بناء البيت ولا في تقسيم العمل، فما هندسه من اقراص الشمع ومن خلايا هي هي كما كانت على الدوام، منها المستطيل ومنها المدور ومن نفس المواد، ويقوم بذلك بلا كليات هندسة وبلا لجان تنظيم قطرية ولوائية ومحلية وخرائط هيكلية وضرائب متنوعة وهدم بيوت بعد انشائها اذا ادعى المدعون انها على املاك الدولة او تشوه مناظر الطبيعة، وتطور البناء من الكهف حتى القصور، فالمجتمع البشري خلاق ومبدع، ونحن نؤمن بذلك.
ويبدو انه لا توجد اجازات مرضية هناك، ولا تأمينات اجتماعية وصحية، ولا اجازات وفترات نقاهة ولا دور حضانة بالمعنى المألوف لدينا مع معرفتي التامة برعاية صغار النحل على احسن ما يرام لأني تعاملت كثيرا مع هذه المخلوقات حتى مرضت وقضي عليها قبل ثلاثة عقود من السنين وافكر اليوم بتجديد اللقاء معها.
والسؤال الاول الموجه: هل يوجد بينها مرضية اليسارية الطفولي؟ او مرض الطفولية اليساري؟؟ وحمل شعارات والقيام بنشاطات محمومة من مظاهرات واعتصامات، فماذا افاد المجتمع البشري والحركة الشيوعية من هذا الابداع الخلاق.
- لم ألاحظ ابدا عقد اجتماعات مطولة ومنهكة ونقاشا صاخبا في المواضيع الفكرية والسياسية والتنظيمية ومن النادر ان تأتي بالثمر المطلوب، لا توجد اجتماعات عند النحل والنمل.
- وهل عندها انتهازية!! لا يبدو لي ذلك، ولا حتى انتخابات، بينما نحن نولي الانتخابات اهمية قصوى، وتضرب شعوب بكاملها من اجل ان ينجح رئيس في الانتخابات كما تتطلبه الدمقراطية المقدسة ذات الهالة المشعة الواسعة، ولا يجري طبعا إعداد قوائم للناخبين هناك ولا للمرشحين، فتصوروا ان ينشغل النمل بالدعوة المحمومة: صوتوا لهذه النملة وليس لتلك، وتقوم لجان انتخابات وصناديق وفرز اصوات وادعاءات بالتزوير والتوجه الى محاكم واعادة انتخابات.
وطبعا لا توجد هناك قوائم عائلية، ولا قبلية ولا عشائرية.. فماذا خسر النمل من فقدانه لهذه النعمة التي نتمسك ونتشدق بها نحن!! باب دارنا اكثر من مملكة نمل اراقبها ساعات، تعمل حتى في ضوء القمر، دون كسل او تقاعس لم الاحظ بينها تكتلات ابدا ولا يوجد لديها دستور مكتوب يمنع التكتلات كما هي الحال عندنا ولم تصدر عن النحل ولا عن النمل دعوات محمومة لوحدة عربية ولا افريقية ولا اوروبية ولا آسيوية ولا حتى في اطار الاقليم الواحد والموقع الواحد.
- على امتداد العصور والدهور لم يكن بين هذه المخلوقات هتلر واحد، ولا موسوليني ولا نيرون ولا بوش ولا شارون ولا ليبرمان، فلو كان هنالك ليبرمان من النمل وانتقل من وطن الى وطن لقتلوه خاصة وهو يدعو الى ترحيل اهل البيت.
صحيح انه لم ينوجد بين النحل والنمل مفكرون ومبدعون واصحاب معلقات وممثلون وفنانون وصحيح ايضا انه لم ينوجد هناك غورباتشوف ويلتسين ولا أي خائن ولا مرتد من اتباع كاوتسكي. ولا توجد مؤتمرات قمة لفحول النحل والنمل، ولا توجد عولمة ولا بنك دولي ولا منظمة تجارة عالمية وصندوق نقد ونظام عالمي جديد، ولا فضائيات ولا حلف شمال اطلسي ولا هجوم على عراق وفلسطين بصمت عربي ناطق بالذل والرخص والهوان، ولا توجد لديهم جنين ورفح وقانا وصبرا وشاتيلا وماي لاي ومقابر ارقام.
لا اعرف اذا كان النمل علمانيا او متدينا ولا هو يعرف، ولا يشغل فكره بمثل هذه الامور، ولا توجد لا محجبات ولا عاريات ولا سوالف ولا لحى، ولا عروض ازياء ولا مسابقات لملكات جمال، ولا اصباغ ولا الوان ولا حلاقون ولا حلاقات، فماذا خسر النمل والنحل من انعدامها!!
- اما بخصوص حرية النساء فقد قطعوا هنالك الشوط منذ اللحظة الاولى. في ممالكهم فقط ملكات اناث، نساء، اما لدينا نحن البشر فقد حدث مرة واحدة ان كان هنالك عدد من الملكات في فترة واحدة متقاربة امثال كاترين وماري تيريز وفكتوريا وماري انطوانيت التي ظلمها التاريخ ظلما فادحا ولاقت الموت بالمقصلة بإباء وشمم. ثم انقضت عهود آل رومانوف والهابسبورغ والهوهنزلرن في اوروبا فهل تحسنت الاوضاع كثيرا!!
صحيح اننا تعرفنا عندنا على زنوبياء في تدمر وكليوباترا في النيل وبلقيس في اليمن التي جاءت الى بلادنا لتتزوج مع العلم ان اهل العريس هم الذين يذهبون لجلب العروس، ولكن ما حدث افضل، كانت ستكون هناك اليوم مملكة شارون ثانية في اليمن السعيد وستقوم باحتلال اجزاء من السعودية وعُمان لتصل الى منابع البترول وتكلف هذه الامة العديد من مؤتمرات القمة، الله ستر.
اذا لا توجد هناك منظمات تطالب بحقوق المرأة، ولا مؤسسات للمضروبات، هناك هن في الحكم، لا شغلة ولا عملة الا استقبال ذكور النحل والنمل، ولهن حجم خاص وغذاء خاص وصرنا نحن نشتري – عسل ملكات – فالسطو على الملكات داء قديم لدينا، وكذلك على الملوك، لكن فترة الهدنة والانقطاع عن السطو اليوم طالت.
وهنا اصل الى امر جوهري في النقاش، فملكة النحل تخلق ملكة منذ البداية، ولها خصائصها الخلقية، فلماذا لا تهبنا الطبيعة ملوكا وملكات منذ البداية، والا فسيصل الى سدة الحكم من كل من هب ودب.
ومع كل ما وهبنا من تطور وابداع لم نصل الى حد ان نطلق على ملكة النمل رئيسة جمهورية فلماذا هذا الادعاء الفارغ بكرهنا للملكية؟؟ وتستطيع الجمهوريات ايضا ان تكون وراثية. يجب عقد مجمع علمي ومؤتمرات قمة وحتى جمعية عامة للامم المتحدة برئاسة الامين العام كوفي عنان المبدع في مرض الاسترخاء فقد يكون احد اقرباء ملوكنا – مع نفضة زيق –
بروليتاريا النحل تأكل عسلها بعرق جبينها وبينها مساواة تامة مثل جمهورية كوريا الدمقراطية، في تلك الممالك من النحل والنمل، البروليتاريا لا تنجب، فقط الملكات، اما عندنا فالبروليتاريا هي التي تتكاثر الامر الذي يقلق اساطين الحكم مثل ليبرمان، والعاملات هنالك عند النحل يقضين بالموت الزؤام على الذكور عند انتهاء موسم التلقيح. اما عندنا فهذا الموسم دائم الخضرة، فاذا انتهى – لا قدر الله – فهي الطامة الكبرى، واللعنة الابدية.
واية توزيعة عمل دقيقة هناك في المملكتين اما عندنا نحن البشر فهذا الامر يهلكنا ونقع في اخطاء فاحشة. فكيف انهار الاتحاد السوفييتي ولم يحدث ولن يحدث أي انهيار في مملكة النحل والنمل!! واين تكمن الاسباب! في دكتاتورية البروليتاريا لدى النحل حيث يوزع العمل وينفذ بكل دقة بلا تلون ولا تكتل ولا انتهازية ولا تقديس شخصية لم يحدث انهيار، ونحن جئنا وتخلينا عن دكتاتورية البروليتاريا واصبحنا نتمسك بأهداب التعددية ونوجه الاصوات المزمجرة ضد المركزية الدمقراطية لنتحلل من كل مسؤولية ونؤدلج كل موقف حتى لو كان خطأ فادحا.
النحل يتخلص من الطفيليين ونحن لا نستطيع ان نعمم الانتقاد والانتقاد الذاتي، حتى ولا النقد الذاتي بعد الهزيمة.
هناك لا يوجد استغلال، فقط الملكة لا تعمل، فهي دائما في حالة حمل ووضع ونفاس، ويكفيها ذلك كملكة وام، والامهات لدى الوحش والطير يتحملن العبء الاكبر، بل كل العبء، اما الآباء هناك فبعضها يقتل او يأكل اولاده حتى.
والرجال عندنا يقومون بدورهم على اكمل وجه ومع ذلك فهذا لا يعجب النساء، فهاكن اللبُوات والنمرات والذئبات والغزالات كيف يتصرفن وكيف يتصرف ذكورهن ومع ذلك لا يقمن القيامة مثلكن ولا يكشرن ولا يبرطمن على الطالع والنازل.
وانا اقول على انجلز وماركس وحتى لينين، اعادة النظر، واعطاء اكبر التقدير لممالك النحل والنمل، فقط هنالك لا توجد ملكية خاصة ولا حتى ملكية شخصية كما اسموها في النظام الاشتراكي.

#محمد_نفاع (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات