|
هل القرآن كلام الله؟ رد على المستشار شريف هادي
نهرو عبد الصبور طنطاوي
الحوار المتمدن-العدد: 2811 - 2009 / 10 / 26 - 23:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتبت مقالا بعنوان: (هل التوراة والإنجيل والقرآن كلام الله؟) وقمت بنشره على موقع الحوار المتمدن وغيره من المواقع بتاريخ: 3/4/2008م وهذا رابط المقال: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=130165# فكتب المستشار شريف هادي وقتها مقالا بعنوان: (القرآن كلام الله وهو مقدس في الرد على نهرو طنطاوي) وقام بنشره في موقع (أهل القرآن) وموقع (عرب تايمز)، فقمت بالرد عليه في هذا المقال الذي نحن بصدده، ولكن لم أنشر ردي هذا سوى في موقعي (نهروسات) الذي تم تخريبه، وكثير من القراء قاموا بتلاوة رد المستشار شريف هادي على مقالي: ولم يتلو ردي على مقاله، وراسلني العديد من القراء يطلبوا مني ردي على مقال المستشار شريف هادي فوعدتهم بإعادة نشر الرد مرة أخرى على المواقع التي أنشر بها مقالاتي. (ملحوظة: المستشار شريف هادي كان الذراع الأيمن للدكتور أحمد صبحي منصور في موقع أهل القرآن، وقد انشق المستشار شريف هادي على الدكتور منصور وعلى كتاباته وعلى بعض أفكاره مؤخرا وترك الموقع ووعد بإنشاء موقع خاص به).
## ردي على مقال المستشار شريف هادي :
قلت من قبل وأكرر أن موضوع كهذا (هل القرآن كلام الله أم لا) له جوانب كثيرة وتساؤلات متشعبة لن يتسع لها مقال واحد ولا حتى عدة مقالات، لأنها سلسة كبيرة من الموضوعات مترابطة حلقاتها بعضها ببعض، ولذلك جمعتها كلها في كتابين، الأول (مكونات الإدراك في الإنسان) والثاني: (هل تمكن الإنسان من العثور على الله؟)، هذه الجوانب لها علاقة بتصور الناس لماهية الذات الإلهية والأسماء والصفات، وهل الله موجود حقيقة أم لا؟، وهل استطاع الإنسان أن يثبت وجود الله أم لا؟ وكيف؟ ولها علاقة كذلك بمفهوم كل من العقل والروح والفطرة، ولها علاقة بالميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم، ولها علاقة كذلك بماهية طبيعة العلاقة التواصلية بين الله والإنسان، ولها علاقة كذلك بمكونات العلم في الإنسان، كل هذه الجوانب وغيرها الكثير والكثير قد أتيت عليها بالتفصيل في الكتابين سالفي الذكر، وسأنشرهما حين الانتهاء منهما، وكما يعلم الجميع أن هذه الأمور هامة جدا ودقيقة جدا وشاقة جدا ويحتاج العمل عليها إلى جهد كبير وحذر شديد ودقة متناهية لما لهذه الأمور من خطورة في التسرع بعرضها قبل صقلها والتثبت منها، وأعلم أن الجميع يدرك أهمية هذه الموضوعات ومشقة البحث فيها ومدى تحري الدقة والموضوعية والأمانة في تناول مثل هذه القضايا.
لم أجد في مقال الأستاذ شريف أي براهين أو حجج حقيقية قاطعة تنفي ما ذهبت إليه حول (هل القرآن كلام الله على الحقيقة؟) حيث أرى أن ما ذكرته في مقالي (هل التوراة والإنجيل والقرآن كلام الله؟) كاف في توضيح وجهة نظري الكاملة حول هذا الموضوع، ولكن يبدوا أن ما توارثه القرآنيين من علماء أهل السنة والجماعة وما قاله بن تيمية وبن القيم وغيرهما من علماء السلف في قضايا العقيدة مازال مترسبا في نفوسهم بحيث لم يستطيعوا المساس به أو مراجعته أو مناقشته أو حتى طرح الأسئلة عليه خشية الوقوع في الكفر والإلحاد كما يزعم القرآنيون.
إن محاولات القرآنيين الإصلاحية كما يخالون كانت وحسب في تركيز جهودهم الإصلاحية التجديدية فقط على تكذيب روايات البخاري ومسلم وكل كتب الأحاديث الأخرى والسخرية من أبي هريرة وأحاديثه، والنيل من صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام وشيطنتهم وشيطنة تاريخهم، ومناقشة أبوال الإبل ورضاع الكبير ونكاح الصغير وغيرها من الموضوعات التي سبقهم إليها بالسخرية منها والاستهزاء بها المستشرقون منذ مئات السنين أما قضايا العقيدة الهامة التي تمس جوهر العلاقة بين الله والإنسان وهي من صميم جذر الدين الإسلامي اعتبر البعض الاقتراب منها مدعاة للكفر والإلحاد والهلاك، كما ذكر ذلك المستشار شريف هادي واتهمني بالكفر والإلحاد كما سأبين بعد قليل، وقد غفل القرآنيون أو تغافلوا عن حقيقة هامة وهي: إن السلوك الإنساني العام من خير أو شر هو نتيجة طبيعية وحتمية لعقيدة الفرد الدينية الأم، فما أن تفسد العقيدة الدينية الأم إلا ويفسد السلوك والتصورات والأفكار حتما، وما أن تصلح العقيدة الدينية الأم إلا ويصلح السلوك والتصورات والأفكار حتما.
ما جاء في مقال الأستاذ شريف هادي عبارة عن مجموعة من الآيات التي انتقاها من سور القرآن الكريم من دون تفكر أو تدقيق ليبرهن بها على أن الله سبحانه أنزل كتبه ورسالاته على الأنبياء والرسل الكرام نزولا ماديا محسوسا ورغم محاولات الأستاذ شريف هادي إثبات هذا الأمر إلا أن سيادته قد أوقع نفسه في كثير من المآزق التي أشك أنه سيجد لها مخرجا وسوف أعرض في هذه العجالة بعض هذه المآزق مما جاء في مقاله على النحو التالي:
يقول المستشار شريف هادي في مقاله ما يلي: (كما جاء في مقدمة البحث قوله تعالى (وبالحق انزلناه وبالحق نزل) فإن ذكر فعل النزول في القرآن دائما لمحسوس وليس لمعنوي كما طن نهرو طنطاوي، ولنتدبر الآيات التالية قال تعالى " وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون "البقرة 57 وقال تعالي " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون" الأعراف 26، وقولة تعالى" وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون" الأعراف 57 ، وقال تعالى "وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" الأعراف 160، وقال تعالي "إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض....... الآية" يونس 24، وقولة تعالى "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب أن الله قوي عزيز" الحديد 25، في كل هذه الآيات السابقة وغيرها من الآيات ورد فعل الإنزال على محسوس من نعم الله وآلائه كالمن والسلوى على بني إسرائيل واللباس على البشر والماء من السماء والحديد الذي فيه بأس شديد ومنافع للناس، وانظر كيف عقد الله سبحانه وتعالي في الآية من سورة الحديد بين إنزال الكتب على الرسل تجعلهم منذرين ومبشرين وبين إنزال الحديد فيه منافع للناس، فيكون إنزال الكتب على الرسل كإنزال الحديد على البشر، فهذا محسوس وهذا محسوس). انتهى كلام المستشار شريف هادي.
الرد: يقول الأستاذ شريف هادي فيما سبق في صدر كلامه (أن فعل النزول في القرآن يكون دائما لمحسوس وليس لمعنوي). أقول للأستاذ الفاضل شريف هادي للأسف الشديد لقد جانبك الصواب تماما في كلامك هذا، ولو تأملت في آيات الكتاب قليلا ولو تتبعت فعل النزول والإنزال في القرآن الكريم لو جدت أن النزول يكون للمعنوي كما للمحسوس، وليس للمحسوس وحسب كما قلت، واليك هذه الآيات التي تنص على أن الله أنزل المعنوي كما أنزل المحسوس: قال تعالى: (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً) (154_ آل عمران). (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ) (4_ الفتح). (فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ) (26_ الفتح). وسيادة المستشار يعلم أن أمنة النعاس والسكينة ليسا بالشيء المحسوس أو المادي، وِإنما هي أشياء معنوية لا تدرك بحواس الإنسان، ولو كانت أمنة النعاس أو السكينة بالشيء المحسوس فهل تستطيع أن تدلنا على وصف محسوس لأمنة النعاس أو السكينة وتذكر لنا كيف ندركهما أو نحسهما أو نلمسهما؟؟، ولو كانت السكينة بالشيء المحسوس فكيف ينزلها الله في قلوب المؤمنين وكيف نراها وهي تنزل؟؟ إذاً فبطل استدلالكم بآيات النزول التي ادعيتم أنها لا تكون سوى للمحسوس وحسب كما ذكرت في الفقرة السابقة.
ويقول الأستاذ شريف هادي في مقاله ما يلي: (تعددت الآيات التي تقرر أن الكتب السماوية هي تنزيل من رب العالمين – ويجب التفريق بين التنزيل والرؤيا، فالرؤيا هي عبارة عن أحداث يشاهدها الإنسان كمن يشاهد فيلم سينمائي ويحكيها بلغته وصيغته، كما في رؤيا عزيز مصر في عصر يوسف عليه السلام فقد رأي سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات فحكي ما رآه بلغته وفسره له نبي الله يوسف (يوسف 43 ) أما التنزيل كما في قوله "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب" ص، 29، فهو تنزيل فعلى لكتاب محسوس وقسم إلى آيات، فكيف لنهرو أن ينقله من مرحلة الحس إلى مرحلة الإلهام؟ دونما دليل يمكن معه حمل التنزيل المحسوس على الإلهام المعنوي، ولذلك فإن الرسول يقول، كما في قوله سبحانه وتعالى "وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن اتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم "يونس 15 ، فلو كان القرآن من إبداع الرسول وهو عمل بشري، لكان له الحق أن يبدل باللفظ طالما حافظ على المعني وبذلك يرضى الكفار ويشدهم للإيمان، ولكن الله نسب الآيات لنفسه بقوله (آياتنا) والضمير هنا عائد على رب العالمين) انتهى كلام الأستاذ شريف هادي.
الرد: في المقطع السابق يحاول الأستاذ شريف هادي أن يفرق بين التنزيل والرؤيا فيرى أن التنزيل هو تنزيل فعلي لكتاب محسوس، وأن الرؤيا هي عبارة عن أحداث يشاهدها الإنسان كمن يشاهد فيلم سينمائي ثم يحكيه بلغته على حد قول الأستاذ شريف، أقول للأستاذ شريف: أما بخصوص الرؤيا فما ذكرته أنا في مقالي حول الرؤيا كان مثالا منى على الوحي الذي هو إلقاء علم في خفاء فلم أجد مثالا أقرب لتقريب فعل الوحي سوى الرؤيا في المنام أو ما نسميه نحن بالحدس والإلهام في حال اليقظة فهذان المثالان هما أقرب شيء لتقريب فهم فعل الإيحاء، وفعل الإيحاء هو من جنس الرؤيا ومن جنس الحدس والإلهام، إلا أن الإيحاء عند الأنبياء متواصل معهم منذ بدء الرسالة وإلى مماتهم بصورة مستمرة منظمة موجهة مرشدة.
أما بخصوص قولك أني نقلت التنزيل من مرحلة الحس إلي مرحلة الإلهام، فيا سيدي الفاضل أنا لم أنقل شيئا إلى شيء من عند نفسي، بل ما قلته في مقالي هو ما أخبر الله به في الكتاب حين قال (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) (51_ الشورى)، وقد سبق وأن فصلت هذا في مقالي: (هل التوراة والإنجيل والقرآن كلام الله؟) وتحدث فيه عن الدلالة الحق لتكليمه لموسى عليه السلام، ففي الآية السابقة قد نفى الله نفيا قاطعا تكليم أحد من خلقه إلا وحيا أو من وراء حجاب كما حدث لموسى أو يرسل رسولا من الملائكة فيوحي الملاك إلى الرسول البشري بإذن الله ما يشاء الله، وفي هذه الآية دلالة واضحة وبرهان قاطع على أن الله لم يتكلم مع أحد من خلقه ولم يكلمه أحد من خلقه بكلام كالكلام الذي نعرفه وندرك حقيقته نحن البشر، ولقد (قلت في مقالي سابق الذكر أن نسبة القرآن إلى الله على أنه كلام الله هو من قبيل التقريب والتمثيل لماهية الخطاب والتواصل التي ندركها نحن ولا نملك وسيلة أو مفردات أخري للتبليغ عن الله سوى هذه المسميات التي يتعارف عليها جميع البشر كالكلام والخطاب والقول والسمع أما التواصل مع خلقه فكان بوحيه الذي أنزله على قلوب أنبيائه ورسله فقاموا بتحويله إلى كلام للتواصل والخطاب مع الناس) فقالوا لنا (كلام الله _ قال الله _ كلمات الله)، وغيرها من الأقوال التي تنقل إلينا رسالة الله بطريقة تمثيلية تقريبية نعيها نحن وبلسان بشري ندرك به ماذا يريد الله منا وبنا.
ويبدو أن الأستاذ شريف وغيره من القرآنيين الذين هاجموا مقالي لم يقرءوا مقالي سالف الذكر أو قرءوه ولم يلتفتوا أو ينتبهوا إلى أن جميع الرسالات السماوية لم تصل إلى الأنبياء والرسل إلا بوحي معنوي غير محسوس كما ذكرت في مقالي السابق، والوحي لا يعني سوى إلقاء علم في خفاء أي بصورة معنوية وليس بصورة محسوسة كما يدعي الأستاذ شريف هادي، وما سبق من كلام لي هو نفسه ما ذكرته في مقالي السابق، لذلك أري أن الأستاذ شريف هادي قد غفل أو تغافل عن أن أساس التواصل بين الله والأنبياء والرسل كان بالوحي وليس بأي شيء آخر.
ويقول الأستاذ شريف هادي: (فهو تنزيل فعلي لكتاب محسوس وقسم إلي آيات، فكيف لنهرو أن ينقله من مرحلة الحس إلي مرحلة الإلهام؟ دونما دليل يمكن معه حمل التنزيل المحسوس على الإلهام المعنوي)انتهى.
الرد: أقول سبحان الله، والله إني لأعجب لرجل بحجم الأستاذ شريف هادي له مكانته العلمية والفكرية أن يتفوه بهذا الكلام؟؟، بل كيف برجل قرآني بارز مثله قضى سنوات طويلة من عمره في البحث في القرآن وتدبره أن يقول كلاما يخالف نصوص القرآن الواضحة البينة، فكلام الأستاذ شريف هذا يدل بوضوح وجلاء وقد أكون مخطئا أنه لم يقرأ القرآن الكريم كله حتى ولو مرة واحدة في حياته، لأن كثرة تلاوة القرآن والتفكر فيه لا يمكن أن تدع المتفكر فيه أن يقع في مثل تلك الزلة الكبيرة، فالأستاذ شريف يقول: (فهو تنزيل فعلي لكتاب محسوس) انتهى. وهنا أسأل الأستاذ شريف عن الكتاب المحسوس الذي أنزله الله هل كان كتابا على هيئة مجلد؟ وماذا كانت نوع الأوراق التي نزل فيها القرآن؟ هل كانت أوراق بردي أم أوراق كأوراقنا اليوم؟؟، وهل كان القرآن مخطوطا في ذلك الكتاب بخط اليد أم بالطباعة؟؟، وإذا كان كلام الأستاذ شريف صوابا وأن الله قد أنزل بالفعل كتابا محسوسا كما يدعى فلماذا ألح أهل الكتاب وأهل مكة على النبي محمد أن ينزل عليهم كتابا من السماء؟؟، ولماذا طلب أهل مكة من النبي محمد أن ينزل عليهم كتابا من السماء ليقرءوه؟، اتل معي يا أستاذ شريف هاتين الآيتين:. (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ) (153_ النساء). (أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً) (93_ الإسراء). ففي هاتين الآيتين دلالة قاطعة وحاسمة على أن الله لم ينزل على رسوله من السماء كتاب محسوسا كما زعم الأستاذ شريف هادي، ولو كان الله قد أنزل على رسوله كتابا فعليا محسوسا كما زعم الأستاذ شريف هادي، فلماذا طالب أهل الكتاب وأهل مكة النبي محمد أن ينزل الله عليهم كتابا من السماء ليقرءوه؟؟، إذاً في هاتين الآيتين دلالة واضحة وقاطعة علي أن الله لم ينزل كتاب محسوسا قط علي نبيه محمد عليه الصلاة والسلام ولا على أي نبي قبله مثل ذلك، ولو كان الله قد أنزل كتابا محسوسا فلماذا لم يكشف عنه الرسول لأهل مكة وأهل الكتاب حين طلبوا منه ذلك؟؟، بل لو كان الله قد أنزل كتابا محسوسا كما يدعى الأستاذ شريف لأصبحت مطالبة أهل الكتاب وأهل مكة للرسول بإنزال كتاب من السماء لهو عين السفه بل هو الجنون بعينه. بل ما يثبت خطأ الأستاذ شريف في تصوره هذا هو رد الله على أهل مكة وأهل الكتاب الذين طالبوا النبي محمد بإنزال كتاب مادي محسوس ليقرءوه وكان رده حاسما قاطعا في نفي إنزال مثل ذلك الكتاب المحسوس، فقال: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) (7_ الأنعام). ففى هذه الآية رد حاسم على أهل مكة وعلى أهل الكتاب وعلى الأستاذ شريف هادي، بأن الله لم ينزل من السماء كتابا محسوسا ملموسا، لأنه سبحانه لو أنزل كتابا محسوسا لقال الذين كفروا من أهلة مكة وأهل الكتاب إن هذا إلا سحر مبين، ولأجل ذلك لم ينزل الله كتابا محسوسا ملموسا بالأيدي كما طالب أهل مكة وأهل الكتاب وكما زعم الأستاذ شريف هادي في مقاله.
وإن ما يحزنني حقا ويملأني بالإحباط واليأس من أي إصلاح فكري أو ديني وأشعر أني كمن يؤذن في مالطة هو أن أهل مكة البدائيين الوثنيين الجاهلين عباد الأصنام كانوا أكثر علما وفهما وإدراكا لطبيعة القرآن والوحي من معظم مستخدمي الإنترنت اليوم في القرن الواحد والعشرين قرن العلم والحضارة، وصدق الله إذا يقول: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (7_ الروم). فأهل مكة كانوا أكثر إدراكا ووعيا وفهما لطبيعة القرآن الذي يتلوه عليهم النبي محمد من معظم من يمتهنون الكتابة في الدين اليوم، فأهل مكة كانوا يدركون تماما أن ما يتلوه محمد عليه الصلاة والسلام من قرآن ليس فيه أي دليل مادي محسوس على أن هذا القرآن نزل عليه من الله, وكانوا يظنون أن هذا القرآن الذي يتكلم به الرسول كان من تلقاء نفسه أو يعلمه بشر أو أساطير الأولين تملى عليه من قبل الجن وليس نقلا من قلبه عن الوحي إلي لسانه الذي يتكلم به ليخاطبهم به، ولو كان هناك كتاب محسوس كما ظن الأستاذ شريف لما طلب أهل مكة من الرسول عليه الصلاة والسلام أن ينزل عليهم كتابا من السماء ليقرءوه.
وبدأ الأستاذ شريف في تكفيري فقال في مقاله: ( ثم لنتدبر كيف يضاهى قول نهرو قول الكفار، فقد قال نهرو (ولذلك فجميع الرسالات المسماة بالسماوية بكلماتها المخطوطة في الصحف والمتداولة على الألسنة وبما تحمل هذه الكلمات من أنباء وأخبار ومعاني وأوامر ونواهي كلها أفعال بشرية محضة ولم تنزل من السماء بهذه الهيئة التي بين أيدينا ولم يتكلم بها الله كما يظن الناس جهلا منهم، وليس فيها شيء من ذات الله سبحانه)، وقد قال الكفار (أم يقولون افتراه) (يونس 38،هود13 ، 35 ، السجدة 3 ، الأحقاق8) وقال الكفار (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فلياتنا باية كما أرسل الاولون ) (الأنبياء 5)، وقال الكفار (وقال الذين كفروا ان هذا الا افك افتراه واعانه عليه قوم اخرون فقد جاؤوا ظلما وزورا ) الفرقان 4 . انظر كيف تشابه قول نهرو مع قولهم، فالافتراء إبداع للقول من غير نقل من الله ونهرو يقول وليس فيها شيء من ذات الله، ولا يسعنا إلا أن نقول له قوله تعالي "تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون " البقرة 118.) انتهي كلام الأستاذ شريف هادي.
الرد: أولا أقول للأستاذ شريف: (بارك الله فيك يا سيادة المستشار على وجبة التكفير الدسمة هذه). ثانيا: حين قرر الأستاذ شريف هادي الرد علي مقالي (هل التوراة والإنجيل والقرآن كلام الله؟) لم ينقل كلامي كاملا، وإنما اكتفى وحسب بنقل بضعة أسطر من مقالي، مع العلم أن مقالي جاء فيما يقرب من خمس عشرة صفحة كاملة، وما نقله الأستاذ شريف هو فقرة لا تتجاوز خمسة عشر سطرا، وهذا يخالف المصداقية والأمانة العلمية وأصول الموضوعية الجادة، ما علينا، في الفقرة السابقة يتهمني الأستاذ شريف هادي اتهاما مباشرا بأنني أنفي أن يكون القرآن الكريم مصدره الله سبحانه وبذلك يكون قولي مشابها لقول الكفار بل يحكم الأستاذ شريف أن قلبي قد تشابه مع قلوب الكفار، ولو كان الأستاذ شريف قد أمعن النظر فيما نقله من كلامي لما قال ما قال، ولو كان الأستاذ شريف قد كلف نفسه بقراءة مقالي كاملا ولم يقف عند فقرة صغيرة قام بتحويرها وتدويرها لحاجة في نفسه لما قال ما قال، ولذلك لن أرد عليه إلا من مقالي السابق لأثبت له ولكل قارئ أن كلامي لا يضاهي كلام الكفار كما زعم الأستاذ شريف ولأثبت له أنني أومن وأوقن بأن القرآن الكريم مصدره الله سبحانه ولكن أنزله بالوحي علي قلب نبيه محمد عليه الصلاة والسلام ولم ينزله في كتاب محسوس والنبي محمد عليه الصلاة والسلام قام بنقله من قلبه إلى لسانه بكلام متلو مسموع بالأذان ومخطوط بالمداد في القرطاس، ولم يكن نزول القرآن بالحس كما يزعم الأستاذ شريف هادي.
وحتى أثبت للجميع أن الأستاذ شريف إما أنه لم يتل مقالي كاملا، وإما أنه تلاه كاملا ولكن تعمد أن يسيء إلي ويتهمني بالكفر سأنقل بعض الفقرات من مقالي السابق (هل التوراة والإنجيل والقرآن كلام الله؟)، التي تجاهلها الأستاذ شريف، ولا أدري هل كان تجاهله ذلك عن قصد أو دون قصد فالله وحده أعلم بنيته، فلا تهمة إلا ببينة. ولأثبت له من خلال هذه الفقرات أني أومن وأوقن بأن القرآن هو من عند الله ولكن بالوحي. ## جاء في مقالي ما يلي:
(إنما هي رسالات أوحي الله بها إلي الأنبياء والرسل أنزلها على قلوبهم وهم قاموا بنقلها إلي كلمات بشرية مسموعة منطوقة، ومخطوطة بالمداد على القراطيس والصحف).
وما لم يذكره الأستاذ شريف من مقالي: (القرآن بكلماته المتلوة بالألسن المسموعة بالآذان والمخطوطة في الصحف، ومعانيه المفهومة، هو من فعل النبي محمد عليه الصلاة والسلام بتوجيه الله له. فالقرآن وغيره من الرسالات كعلم وأحداث تشريعية إخبارية قصصية أخلاقية قيمية سلوكية وأوامر ونواهي وأحكام كلها علم من الله أنزله على قلوب الأنبياء والرسل لا بلسان يتكلم ولا بصوت يسمع وقد نطلق عليه من باب المثال اللفظي كلام الله كما أطلق الله عليه ذلك في القرآن وفي الرسالات الإلهية الأخرى، لأننا نحن البشر ليس لدينا علم عن ذات الله سبحانه وليس لدينا حتى مثالا لذاته سبحانه، فالآمر يقتضي عندما يخاطبنا الله سبحانه أن يخاطبنا من جنس ما نعلمه نحن عن أنفسنا وبما نعيه وبما ندركه من وسائل الخطاب التي نملكها ونعلمها، فحين تخبرنا الكتب والرسالات الدينية بأن الله تكلم أو قال، أو حين تخبرنا بأن الله له كلام وقول فهذا من باب المثال اللفظي لنعي ما يريده الله منا ولنعي ما يريد أن يخبرنا به سبحانه)
وما لم يذكره الأستاذ شريف من مقالي: (فحين أقول في كلامي أنا أو غيري قال الله أو كلام الله إنما هو من باب المثال أو المجاز أو التعبير اللفظي الذي نعيه عن أنفسنا ونتخاطب به في محيط ما ندركه ونملكه من أدوات للتواصل في أنفسنا، فلا يمكننا أن ندرك حقيقة ما يريده الله منا إلا من خلال هذه الأدوات والمكونات والأسماء والمعاني والمصطلحات البشرية التي نعيها ولا نعي غيرها، أما أن نظن أن الله يتكلم وله لسان وصوت وأن صوته وكلامه يمكن لمخلوق أن يسمعه بأذنه لهو من السفه والظن الخاطئ والجهل بالله سبحانه الذي ليس كمثله شيء أما من جهة الحقيقة فالله ليس كمثله شيء وليس بمتكلم وليس بصامت ولا يتكلم أو يقول بمفهومنا نحن البشري لماهية الكلام والقول).
وما لم يذكره الأستاذ شريف من مقالي : (وكما سبق وأن قلت في أكثر من موضع أن كتب الله ورسالاته إلي الأنبياء والرسل هي علم ينزل علي قلوب الأنبياء والمرسلين كحال من يرى رؤيا في منامه أو يشعر بشيء يتوقعه في يقظته حول أمر ما من الأمور، فيقوم من حدث له ذلك بنقل ما حدث له في نفسه من أمر إلي كلمات ترددها الألسن، أو يقوم بخطها بالمداد في القراطيس والصحف، وهذا مثال فقط للتقريب، وهذه هي الطريق الوحيدة للاتصال بين الله والبشر وليس هناك من طريق آخر غيرها).
وما لم يذكره الأستاذ شريف من مقالي: (أن قضية القرآن والرسالات السماوية الأخرى هل هي كلام الله أم كلام البشر، فهي بالطبع من كلام البشر بهيئتها وصفاتها ومعانيها، وهي من الله كعلم منزل على قلوب الأنبياء والمرسلين).
وما لم يذكره الأستاذ شريف من مقالي : (فكتب الله ورسالاته إلى الأنبياء والرسل كالتوراة والإنجيل والقرآن ليست بكلام الله حقيقة كما يظن البعض ويخرصون بجهلهم وغيهم، وليست بالكلام والأقوال الصوتية المسموعة أو المخطوطة المتلوة إنما هو علم انزله الله على قلوب الأنبياء والمرسلين، فقام الأنبياء والمرسلين بحمل ما نزل على قلوبهم من علم إلى الألسن لنقله إلى الناس وتحويله إلى قول وكلام مسموع ومخطوط في الصحف، أما الظن بأن الله كلم جبريل بلسان وبصوت سمعه جبريل، وجبريل تكلم بلسان ناطق وصوت مسموع إلى الأنبياء والمرسلين فسمعوه بآذانهم، أو أن الله انزل من السماء كتاب مخطوطا نتلوه لهو من السفه والظن والخرص والجهل البشري بالله الذي ليس كمثله شيء).
وما لم يذكره الأستاذ شريف من مقالي : (فالقداسة لا تعني إطلاقا أن المقدس له طبيعة إلهية، أو أن له طبيعة متعالية ومغايره للطبيعة البشرية، ولو كان ذلك كذلك، لما وصف الله به الوادي الذي كلم فيه موسى، ولما وصف به الأرض التي أمر موسى قومه بأن يدخلوها ولا يعني أن الأرض المقدسة أو الوادي المقدس هو مقدس بذاته، أو من ذاته، أو خال من الدنس بذاته، كلا، إنما القداسة أتته بأمر إلهي تشريعي تكليفي للناس بأن يجعلوا من هذه الأرض أو هذا المكان مكانا مقدسا نقيا خاليا من الدنس، لا يقترف فيه إثما أو خطيئة). وهذا هو رابط النص الكامل للمقال لمن أراد تلاوته: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=130165#
وأتوجه بسؤال للأستاذ الفاضل شريف هادي أقول له فيه: بالله عليك هل في كلامي هذا أدنى مضاهاة لكلام الكفار الذي اتهمتني بأن كلامي يضاهيه؟؟، وبالله عليك هل تلوت مقالي كاملا، وإن كنت تلوته كاملا فهل فهمته؟؟. وأقدم لسيادتك بعضا من اتهاماتك الصريحة لي تقارن فيها بين كلامي وكلام الكفار على النحو التالي ، يقول الأستاذ شريف هادي : ( وقد قال الكفار ( أم يقولون افتراه ) يونس 38 ، هود 13 ، 35 ، السجدة 3 الاحقاف (8) ، وقال الكفار (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بأية كما أرسل الأولون ) (الأنبياء 5) ، وقال الكفار ( وقال الذين كفروا ان هذا إلا أفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤوا ظلما وزورا ) الفرقان 4) . انظر كيف تشابه قول نهرو مع قولهم، فالافتراء إبداع للقول من غير نقل من الله، ونهرو يقول وليس فيها شيء من ذات الله ولا يسعنا إلا أن نقول له قوله تعالى "تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يقنون، البقرة 118) انتهى.
أقول: بالله عليك يا أستاذ شريف هل قلت أنا أن الرسول قد افترى القرآن؟؟، وهل قلت أن القرآن أضغاث أحلام؟؟، وهل قلت إن القرآن أفك افتراه الرسول وأعانه عليه قوم آخرون؟؟، يا سيدي الفاضل انتم أهل القرآن ما زالت على قلوبكم أكنة من أفكار الأشاعرة وأهل السنة والجماعة، وأكنة من كلام ابن تيميه وابن القيم في العقائد ولن تستطيعوا لها نزعا إلا أن يشاء الله شيئا.
ويقول الأستاذ شريف هادي في مقاله : ( ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن في تسع مواضع قوله (قال الله)، فلو سلمنا جدلا بصحة كلام نهرو أن القرآن ليس هو كلام الله، فوجب علينا حمل قوله تعالى (قال الله) على المجاز، ولو حملناه على المجاز كان معنى ذلك ان الرسول عندما اخبرنا بقوله تعالى (قال الله) كان يخبرنا بقوله هو وليس قول الله أي انه اخبرنا (بالكذب) حاشا الله وتعالى الله عن ذلك اللغو والفجور علوا كبيرا، او نقول كما قالت الحلولية (اصحاب عقيدة الحلول والاتحاد) ان روح الله قد حلت فيه فقال هو ويقول قال الله لاتحاد الروحين فانتفت الاثنية وبقى قوله قال الله، وهو كفر والعياذ بالله أبرأ منه نفسي واياكم تعالى الله عن ذلك اللغو والفجور علوا كبيرا 2- يوجد في القرآن 333 اية بها (قل) فلو كان النص القرآني ابداع بشري من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلماذا يبدأ هذه الايات بـ (قل) ؟ ألا بعد ذلك تدليسا منه –حاشا الله– ان ينسب تدليس لرسوله عليه السلام وتعالى الله سبحانه وتعالى عن هذا اللغو علوا كبيرا).
أقول: والله لولا أني شاهدت هذا المقال بأم عيني يحمل اسم الأستاذ شريف هادي في موقع أهل القرآن لظننت أنه فتوى لابن باز أو أسامة بن لادن، ولما صدقت أن هذا الكلام قد صدر من الأستاذ شريف هادي الذراع الأيمن للدكتور صبحي منصور، ولكن لا ضير أن نرد عليه، يا سيدي الفاضل إن كنت لا تعتبر كلمة (قال الله) الواردة في القرآن ليست من المجاز وتعتبرها (قال الله) حقيقة، فقل لي بربك هل تكلم الله بالقرآن بلسان يتلو وصوت يسمع؟؟، وإن كنت تعتقد أن الله قال حقيقة بلسان يتلو وصوت يسمع فبأي لسان تكلم الله هل تكلم بلسان العرب أم بلسان الله الإلهي؟؟، وإذا كان الله قد تكلم بلسان العرب (اللغة العربية) أليس في هذا تشبيه له سبحانه بالمخلوقين؟؟ وإذا كان الله قد تلكم بلسان الهي فكيف استطاع النبي محمد أن يسمع صوت الله اللامحدود الذي ليس كمثله شيء بأذنه البشرية المخلوقة المحدودة؟؟ وكيف استطاع الرسول أن يفهم لسان الله الإلهي اللامحدود الذي ليس كمثله شيء ولا يمكن إدراكه؟؟، وأين برهانك من القرآن الكريم على أن الله قد خاطب نبيه محمد عليه الصلاة والسلام بالقرآن بصوت مسموع ولسان يتكلم؟؟، وإذا كان الله قد أنزل القرآن على النبي محمد بصوت الله وكلام الله، فما معنى الوحي إذاً؟؟، وماذا تعني هذه الآية: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) (51_ الشورى)؟؟.
ثم يناقض الأستاذ شريف نفسه ويستظرف، فبعد أن يقول: (فلو سلمنا جدلا بصحة كلام نهرو ان القرآن ليس هو كلام الله، فوجب علينا ان نحمل قوله تعالى (قال الله) على المجاز، ولو حملناه على المجاز كان معنى ذلك ان الرسول عندما اخبرنا بقوله تعالى (قال تعالى) كان يخبرنا بقوله هو وليس قول الله أي انه اخبرنا (بالكذب) انتهى. ثم يتناقض الأستاذ شريف مع قوله السابق فيقول: (لا يجب حمل الكلمات في القرآن على المجاز الا اذا وجد في القرآن دليل يؤكد حملها على المجاز، ولكي نوضح هذا المعنى نقدم المثال التالي، قال تعالى "ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة اعمي وأضل سبيلا" الإسراء72، فهذه الآية يحمل فيها كلمة (اعمي) على المجاز لقوله تعالى "فإنها لا تعمى الإبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" الحج 46، فيكون العمى المذكور في سورة الإسراء ليس هو العمى الحسي ولكن العمى المجازي المرادف لمعنى الكفر، ولذلك جعل الله عقوبته في الآخرة هي العمى الحسي جزاء من جنس العمل لقوله تعالى "ومن أعرض عن ذكري فإن له معية ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى" طه 24، لذلك لما يؤكد الحق أن القرآن هو كلامه سبحانه وتعالى (التوبه 6 ، الفتح 15) فيحمل على الحقيقة لا على المجاز ما لم يوجد في كتاب الله دليل يزحزحه عن الحقيقة للمجاز ولكن كل الآيات تؤكد هذه الحقيقة، وهي أن جميع الرسالات السماوية هي كلام الله سبحانه وتعالى) انتهى . أقول: يبدو أن الأستاذ شريف حين كتب هذا الكلام كان يمزح أو يستظرف فهل يستطيع الأستاذ شريف أن يأت بنص قرآني واحد يبرهن به على أن الله يتكلم حقيقة وليس على سبيل المجاز والتمثيل؟؟ بل إن نص سورة الشورى ونص سورة البقرة ونص سورة الشعراء يدحضون كل ما قاله الأستاذ شريف هادي وهذه هي النصوص: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) (51_ الشورى). (قُلْ مَن كَانَ عَدُواًّ لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ) (97_ البقرة). (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ(192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ(193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ) (194_ الشعراء). هذه النصوص تثبت ببرهان قاطع وحاسم بأن القرآن لم ينزل على النبي محمد إلا وحيا نزل على قلبه، ولم ينزل على أذنه بصوت مسموع، ولم ينزل على عينيه بكتاب محسوس مخطوط كما يظن الأستاذ شريف.
ثم يسوق الأستاذ شريف كلاما قالته الأشاعرة وأهل السنة وبن تيمية منذ قرون طويلة حول الأسماء والصفات وعلاقتها بالذات الإلهية وهذا الموضوع قد سبق وأن كتبت فيه مقالين مطولين، الأول بعنوان :(العقيدة الكاثوليكية لمذهب أهل السنة والجماعة) والثاني بعنوان (العقيدة الأرثوذكسية لمذهب الشيعة والمعتزلة) وهذه روابط المقالين لمن أراد تلاوتهما: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=81314 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=81878
لكن ما يخص موضوعنا في كلام الأستاذ شريف هادي هو قوله: (وبتطبيق هذه القاعدة على صفة الكلام، فإن الله تكلم كما أثبت هو سبحانه ذلك وكتبه التي أنزلها على رسله هي من كلامه سبحانه وتعالى، ولكننا لا نعرف الكيف الذي تكلم به الحق سبحانه وتعالى وليس لنا ان نعرف ولكن نؤمن ونؤكد ما أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نؤمن به وهو القائل "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا" الكهف 109 ) انتهى.
أقول: إذا كان الله قد تكلم، وإذا كانت الكتب التي انزلها على رسله هي من كلامه سبحانه كما يقول، فهل تكلم الله بلسان العرب الذي عليه القرآن الآن؟؟ يرد علينا الأستاذ شريف بقوله: (ولكننا لا نعرف الكيف الذي تكلم به الحق سبحانه وتعالى وليس لنا أن نعرف ولكن نؤمن ونؤكد ما أمرنا سبحانه وتعالى ان نؤمن به). أقول : إذا كنا لا نعرف الكيف الذي تكلم به الله، وليس لنا أن نعرف كما يقول الأستاذ شريف فكيف نوفق بين القرآن الذي نعرفه ونتلوه بلسان قوم الرسول البشري وبين كلام الله الذي لا نعرف كيفه وليس لنا أنعرفه؟؟. وإذا كان القرآن كلام الله كما يقول الأستاذ شريف هادي إذاً فالله حتما تكلم بالقرآن مع رسوله محمد بلسان قومه البشري وذلك لعدم علم الرسول بلسان سوى لسان قومه وهذا محال، أما إذا كان كلام الله غير معروف الكيف وليس لنا أن نعرفه إذاً فالله لا يتكلم بلسان قوم الرسول وبهذا يصبح القرآن الذي بين أيدينا متلوا ومخطوطا بلسان قوم الرسول لم يتكلم به الله حقيقة، لأن الله لا يتكلم بلسان قوم الرسول ولا بأي لسان آخر، لأن كلامه غير معروف لنا ولا يمكننا معرفته كما ذكر الأستاذ شريف، لأن الله لو تكلم بالقرآن كما يقول الأستاذ شريف لكان حتما قد تكلم بلسان قوم الرسول التي يتحدث به النبي محمد حتى يفهم عن الله ما يكلمه به، أما لو كان الله قد تكلم بكلام لا ندرك كيفه أو كنهه فبالله عليكم كيف فهم الرسول محمد كلام الله غير معروف الكيف والكنه؟؟، فهل يستطيع الأستاذ شريف هادي أن يخرجنا ويخرج نفسه من هذا المأزق؟؟.
نهرو طنطاوي كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر مصر_ أسيوط موبايل/ 0164355385_ 002 إيميل: [email protected]
#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عقوبة السجن وصمة عار في جبين البشرية
-
ويبقى موقع الحوار المتمدن هو الأمل
-
خروج الريح لا ينقض الوضوء
-
آدم ليس خليفة الله في الأرض
-
أعِدُكْ أني لن أفلح
-
يا أبت أين أجد الله؟؟
-
المثالية الوهمية عدو الإنسان الأكبر
-
هل التوراة والإنجيل والقرآن كلام الله؟
-
الدكتور أحمد صبحي منصور يستشهد بالسنة
-
هل البكاء على وفاء سلطان، من أجل حرية التعبير أم من أجل حرية
...
-
الإنسان هو الحل
-
هل فازت مصر حقا بكأس الأمم الأفريقية؟؟
-
فكر القرآنيين تحت المجهر، الحلقة الثانية: (السنة والتراث-2)
-
فكر القرآنيين تحت المجهر، الحلقة الثانية: (السنة والتراث-1)
-
فكر القرآنيين تحت المجهر، الحلقة الأولى: (المنهج)
-
محاكم تفتيش أهل القرآن في الطريق إليكم
-
أهل القرآن كلاكيت تاني مرة
-
ماذا قدم أهل القرآن للإسلام؟؟.
-
البوذية ديانة سماوية: الإيمان باليوم الآخر- الجزء الثالث
-
كتابي: قراءة للإسلام من جديد
المزيد.....
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|