مهند صلاحات
الحوار المتمدن-العدد: 854 - 2004 / 6 / 4 - 05:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
دراسة في علم الاجتماع العربي
هذا البحث الذي قمت بالتعمق فيه في تعريف علم الاجتماع وتحديدا العربي والاسلامي من حيث النشأة والاصول والتعرض الى جانب من هذه الجوانب وهو ان الخطأ في النظرة الى مفهوم علم الاجتماع يؤدي الى الخطأ في النظر للحياة كاملة لان علم الاجتماع هو المكون الاساسي لتنشأة الفرد وانعكاس نظرته تجاه الحاية بكافة نواحيها والذي يشغل علم الاجتماع معظمها
ولقلة او بالاصح ندرة المباحث التي بحثت في هذا العلم (علم الاجتماع في التاريخ العربي والإسلامي) وطغيان البحوث الإنسانية على التعريف بعلم الاجتماع إرتأيت ان ابحث فيه وان اقوم بمحاولة معارضة النظريات الخاطئة التي استند عليها الغالبية في تعريف علم الاجتماع العربي والبحث فيه مثل نظرية ابن خلدون الخاطئة في تعريف علم الاجتماع متمنيا ان اكون قد اصبت في وجهة نظري
تمهيد:
أن المجتمع الإنساني مترابط في خطوطه وتفاصيله الدقيقة الواحدة، والمجتمع عبارة عن وحدة واحدة تتكون من أربع عناصر غير قابلة للتجزئة إن فقد عنصرا من هذه العناصر فقد المجتمع مفهومه كمجتمع وتحول إلى المفهوم الرأسمالي المغلوط للمجتمع, فالمجتمع عبارة عن أناس وأفكار ومشاعر وأنظمة, هذه هي عناصر التكوين الأساسية التي تكون المجتمع, فالناس هم النواة والأفكار والمشاعر هي الرابط الذي يربط الناس ولذلك لا بد من أنظمة تحدد هذه العلاقات والتي تقوم على أساس المصلحة بين الناس, ويتميز المجتمع المثالي المتماسك عن المجتمعات الأخرى بارتباط المصلحة بالمشاعر والأفكار والتي يكون أساسها الفكر التي تبنى عليها مما ميزها مثلا عن علاقة المصلحة في المجتمع الرأسمالي الذي يخلو من المشاعر في علاقاته الاجتماعية أو قد تبدو مشاعره مشاعر مزيفة فردية, والمجتمع بدوره جزء من صيغة عامة للحياة، وهذه الصيغة لها أرضية خاصة بها، ويوجد المجتمع الفكري الكامل حين يكتسب الصيغة والأرضية معاً، حين يحصل على النبتة والتربة كليهما، ويستقيم منهج البحث في الاجتماع ، حين يدرس المجتمع بما هو مخطط مترابط، وبوصفه جزءاً من الصيغة الإنسانية العامة للحياة، التي ترتكز بدورها على التربة والأرضية التي أعدها الفكر الناضج للمجتمع الصحيح.
وتتكون التربة أو الأرضية للمجتمع المبني على أساس الفكر السليم، ومذهبه الاجتماعي من العناصر التالية
:
أولاً:الأفكار المستمدة من متطلبات الإنسان وقناعته الراقية بفكرها، وهي القاعدة المركزية في التفكير ، التي تحدد نظرة الإنسان الرئيسية إلى الكون بصورة عامة.
وثانياً: المفاهيم التي تعكس وجهة نظر الفكر في تفسير الأشياء، على ضوء النظرة العامة التي تبلورها العلاقات الإنسانية.
وثالثاً: المشاعر التي يتبنى الإنسان بثها وتنميتها وتبادلها مع الآخرين، إلى صف تلك المفاهيم، لأن المفهوم ـ بصفته فكرة سامية عن واقع معين ـ يفجر في نفس الإنسان شعوراً خاصاً تجاه ذلك الواقع، ويحدد اتجاهه العاطفي نحوه. فالعواطف وليدة المفاهيم الإنسانية، والمفاهيم الإنسانية بدورها موضوعة في ضوء الفكر السليم المؤدلج لخدمة ورقي البشرية, والمفاهيم الإنسانية ثابتة لا تتغير والتغير فيها يخرجها عن نطاقها الإنساني.
رابعا : الناس وهم المجموعة التي يربط بينهم العلاقات وليس بلد أو مساحة جغرافية أو نظام سياسي.
فهذه هي العناصر: الأفكار الإنسانية, والمشاعر والعواطف، والمفاهيم، ومجموعة الناس, التي تشترك في تكوين التربة الصالحة للمجتمع.
ثم يأتي ـ بعد التربة ـ دور الصيغة الفكرية العامة للحياة، كلاً لا يتجزأ، يمتد إلى مختلف شُعب الحياة. وعندما يستكمل المجتمع الإنساني الفكري تربته وصيغته العامة، عندئذ فقط نستطيع أن نترقب من المجتمع، أن يقوم برسالته الفذة في الحياة وهي نهضة الشعوب السليمة,وعندما تتحقق النهضة تحقق للمجتمع السعادة والرفاهة، وتأتي أوكلها بأن نقطف منه أعظم الثمار، وأما أن ننظر من الرسالة الإنسانية الكبرى التي وجد منها أجلها الإنسان، أن تحقق كل أهدافها من جانب معين من جوانب الحياة، إذا طبقت في ذلك الجانب بصورة منفصلة عن سائر شُعب الحياة الأخرى... فهذا خطأ. لأن الارتباط القائم في التصميم الإنساني للمجتمع، بين كل جانب منه وجوانبه الأخرى، يجعل شأنه شأن الشجرة الواحدة.
وشأن المجتمع في تكامله شأن الفكر الراقي بتكامله ووحدته,على أن يطبق هذا النهج في بيئة مؤدلجة قادرة على استيعابه بكل اجزائة كوحدة واحدة لا تجزأ لان تجزئة الفكر كالفكر الاشتراكي مثلا يؤدي الى هلاكه، قد صبغت المجتمعات على أساس فاكرها الحاملة له في وجودها وأفكارها وكيانها كله وأن يطبق كاملاً غير منقوص يشد بعضه بعضاً، فعزل كل جزء من الفكر عن بيئته ـ وعن سائر الأجزاء ـ معناه عزله عن شروطه التي يتاح في ظلها هدفه الأسمى، ولا يعتبر هذا طعناً في الفكر الذي قامت عليه الدول ومن ثم تعرضت لرياح التغير، أو تقليلاً من كفاءة وجدارة الفكر بقيادة المجتمع فإنها في هذا بمثابة القوانين العلمية، التي تؤتي ثمارها متى توافرت الشروط التي تقضيها هذه القوانين.
-قراءة أولية في دراسة علم الاجتماع العربي :
لم تعنى المجتمعات العربية على مرِّ تاريخها الطويل, وعلى الرغم من تراثهم الفكري الهائل في شتى مجالات الحياة بدراسة عميقة مستنيرة إلى المجتمع, وعلى الرغم من أن علماء الإسلام والذين هم المعول الأول عليهم في دراسة المجتمع لكون كما يقولون أن الإسلام يعالج مشاكل الإنسان في الحياة ويعالج الأمراض التي تنشأ في المجتمعات, إلا أن هؤلاء الفقهاء لم يبحثوا في بنية المجتمع حتى ما سمي بعلماء العمران من أمثال ابن خلدون والكتناني والقلشندي, لم يستطيعوا إيجاد تصور حقيقي للمجتمعات, من حيث كيفية بنائها وعلاج الأمراض الاجتماعية التي تنشأ بها أو كيفية علاج هذه المشاكل والأمراض للحفاظ على هذه المجتمعات, لذلك كان أبناء هذه الشعوب العربية و الإسلامية في هذا المجال من مجالات المعرفة الذي يعتبر من أهم المجالات التي كانت الأولى أن تنال العناية لما لها من اتصال وثيق في رقي المجتمعات وانحطاطها, ولما له أيضا من اثر بالغ في تقدم العرب في الحياة من عليّ إلى أعلى, فلو كان قد وضح العرب مفهوم المجتمع, لما رضوا بوجود الأمويين والعباسيين على سدة الحكم, واعتبروا وجودهم وجودا غير مشروع, لأن تركيبة المجتمع الإسلامي الحقيقية الناضجة فكريا لا تسمح باغتصاب السلطة على شاكلة ما قام به الأمويين والعباسيين من اغتصاب للسلطة وأدى في ما بعد إلى تشرذم الدولة الإسلامية وانقسامها, والخروج عن الخليفة الإسلامي كما حدث بعد خروج الأمويين إلى الأندلس وتشكيل الدولة الأموية هناك والذي اعتبر شرخ للدولة الإسلامية الكبرى الواحدة التي لا تقبل التجزئة ومما أدى في نهاية الحال الى اعتبارهم كمحتلين لأسبانيا وليسوا كمنا إدعوا حاملين رسالة حضارة وفكر لان المظاهر التي بدأو فيها في الاندلس والظروف التي عاشوا لم تكن لتدل على انهم يعيشون مرحلة نشر فكر انما مرحلة عهر ورقص وغناء ليس إلا.
حتى أن علماء الاجتماع الذين اعتبروا مؤسسين لعلم الاجتماع العربي والإسلامي باعتبار الإسلام تراث العرب الحديث نوعا ما, أمثال إبن خلدون لم يقفوا عند هذا العلم بشكل حقيقي ومحايد وواقعي ولم يقوموا بتفسيره بأسلوب علمي حقيقي بل تأثروا في العوامل السياسية المحيطة
- إبن خلدون مؤسس علم الاجتماع العربي والإسلامي بين الحقيقة والفكر السلطوي:
إن الُمتأمل لحقيقة الصراع في عهد ابن خلدون لا بد أن يضع ملاحظة حول المؤثرات التي تأثر فيها ابن خلدون الذي يعتبر منذ أكثر من ستة قرون مؤسس علم الاجتماع الإسلامي- الحضرمي الأصل - في " مقدمة ابن خلدون" التي بدا البحث فيها في أرضية علم الاجتماع الإسلامي وبدء التأسيس فيه، و العودة لتاريخ ابن خلدون باعتباره مفكرا عربيا و إسلاميا:
أولا :- عودة للرسالة الخلدونية المذكورة التي صارت بالنسبة للبعض المرجع الأساسي لعلم الاجتماع العربي, فهذه الرسالة الخلدونية عبارة عن خرافة ليس إلا قام بها ابن خلدون الذي كان ابنا للدولة القائمة في عصره لخدمة الأهداف السياسية للدولة القائمة وهي عبارة عن عمل سياسي يخدم صراعات سياسية في عصره , حيث شهد عصر ابن خلدون صراعا سياسيا في داخل الدولة الإسلامية القائمة على اثر دخول البربر وغيرهم من غير العرب إلى الدولة الإسلامية وحملهم بالصبغة الإسلامية فقام ابن خلدون بكتابة رسالته للدفاع عن الدولة القائمة ومحاولة استبعاد أي طرف غير عربي لقيادة الأمة الإسلامية في ظل تلك الدولة القائمة ولذلك شاب ابن خلدون أخطاء أساسية وتأثيرات سياسية جعلت بحثه خاطىء في أساسه, وعلى سبيل المثال نذكر من أخطاء ابن خلدون الاجتماعية التي كانت تخدم هدف سياسي محاولته لعقلنة ظاهرة القومية والدين والدولة والعصبية والإزهار والسقوط, ولتهذيب هذه العصبية يقول ابن خلدون تحت عنوان: " إن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية التي كانت في عددها" حيث يقول أن سمو القيم الروحية بالرابطة الاجتماعية الطبيعية الموجودة والقائمة أصلاً، وكيف توجهها إلى الطريق الإنساني السليم: ( ذلك أن الصبغة الدينية تذهب بالتنافس والتحاسد الذي في أهل العصبية، وتفرد الوجهة إلى الحق فإذا حصل لهم الإستبصار في أمرهم لم يقف لهم شيء لأن الوجهة واحدة والمطلوب متساوٍ عندهم.. وهذا وقع للعرب في صدر الإسلام في الفتوحات.. )
ويقول: عن رجال الدين الذين رفضوا ما يسمى بأهمية الرابطة العصبية - (الرابطة القومية) في نجاح الحركات السياسية: ( ومن هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء فإن كثيرًا من المنتحلين للعبادة وسلوك طرق الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء ويعرضون أنفسهم في ذلك للمهالك .. وأحوال الملوك راسخة قوية لا يزحزحها ويهدم بنائها إلا المطالبة القوية التي من ورائها عصبية القبائل والعشائر.. وهكذا كان حال الأنبياء في دعوتهم إلى الله بالعشائر والعصائب )
ويؤكد تضافر العاملين معاً، العامل الطبيعي الاجتماعي والعامل الروحي – اللذين يُراد إصطناع حرب أهلية غير مبررة بينهما اليوم: ( والتغلب إنما يكون بالعصبية واتفاق الأهواء على المطالبة، وجمع القلوب وتأليفها إنما يكون بمعونة من الله في إقامة دينه، قال تعالى: ( لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم)، وسُره أن القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل والميل إلى الدنيا حصل التنافس ونشأ الخلاف، وإذا إنصرفت إلى الحق .. اتحدت وجهتها .. واتسع نطاق الكلمة لذلك، فعظمت الدولة) ؟
ويمكن البحث في أصول هذه الأخطاء بالردود التالية على تحديدا محاولاته التعصب للقومية على حساب الفكر, فالربط بين الشوكة العصبية, وبين الرابطة القومية العربية التي هي رابطة خيالية ومغالطة كبرى وقع بها أو تعمد الوقوع بها الكثيرين من الكتاب الإسلاميين الذين قاموا على أساس خدمة النظام القائم لان أساس الفكرة خيالي غير واقعي يستحيل الحدوث , وهي فكرة تضرب الجذور الحقيقية لعلم الاجتماع الإسلامي الشمولي للعرب والعجم ولأن الرابطة القومية في جميع أشكالها هي رابطة منحطة توجد في التفكير البدائي للإنسان قامت عليها المجتمعات البدائية الإنسانية في بداية تكون الخليقة عبر العيش في مجموعات حاولت الدفاع عن نفسها للحفاظ على عرقها قبل ظهور الأفكار والمبادئ التي قامت عليها المجتمعات الإنسانية الراقية فيما بعد كالمجتمع الإسلامي الذي قام على أساس الفكر العقائدي الرباني وهذه الفكرة (فكرة القومية) هي فكرة عامة في كل بني البشر , استغلها فيما بعد الدول الاستعمارية ونشرتها في داخل المجتمعات ومنها الإسلامية لتساعد في تفكيك المجتمعات ,
فمثل هذه الدعوات القومية هي دعوات هدامة تدعو لتفكيك المجتمعات وهدمها لا لإصلاحها والرقي بها, وخير شاهد حي على هذه المأساة ما حدث في أوروبا حيث ظهرت مثل هذه الدعوات القومية من دعوات للجنس الآري وغيره كلفت أوروبا مئات الملايين من الضحايا عبر الحروب التي خاضتها أوروبا, أيضا كلفت أمريكا الملايين عبر الحروب العرقية, في النهاية اكتشف أوروبا أنها لن ترتقي بشعوبها إلا بعد أن تقوم على أساس الاتحاد الفكري الذي هو أرقى أسمى من التعصب القومي الفاشل تاريخيا وهذا ما أتثبته الاتحاد الأوروبي الذي يحاول حاليا أن يقوم مقام الكفة الأخرى بالميزان في العالم مقابل الولايات المتحدة باعتبارها اكبر قوة اقتصادية في العالم لأنها قامت على أساس وحدوي فكري اقتصادي رأسمالي, لا على أساس تعصب قومي.
كذلك الفكرة الإسلامية كأيدولوجيا في حياة البشر هي فكرة للناس أجمعين ولا تخص العرب وحدهم وهذا ما أوضحته الرسالة الإسلامية في خطابها (أيها الناس ) فالخطاب الإسلامي كان خطاب عالمي موجه ولم يكن عربيا, وعليه فأن العرب في فترة خضوعهم لنظام للإسلام مثلا أو في حال تبني الفكر كأساس بناء الحضارات, جعل الفكر لا التعصب القومي موجها حضاريا للشعوب والقبائل التي تتوحد عليه وتعالج مشاكلها فيه والمجتمع تشكل من قبائل عربية وأعجمية مما يناقض فكر ابن خلدون بفكرة أن المجتمع يقوم على أساس المحور القومي لا الفكري وأن شمولية الخطاب الإسلامي تعني أن كل من يدخل في الإسلام هو صار جزءا من المجتمع الإسلامي المتماسك ولا يقتصر على العرب المسلمين وحدهم, وقمة انصهار العرب وغيرهم في داخل المجتمع الإسلامي الواحد لا يبقى للعرب أي شوكة ولا عصبية قبلية أو قومية وإنما تنتقل العصبية تلقائيا لغيرهم من الشعوب والمجتمعات المفككة والمنحطة تاريخيا, والتاريخ خير شاهد على ذلك كيف أن الموالي استبدوا بالسلطان دون غيرهم ولم يثبت السلطان للعرب, رغم وضع ركام من الأحاديث الضعيفة وتحريف تفاسير بعض الأحاديث لتدعيم موقف السلطان العربي في الحكم.
حتى أنهم عندما اغفلوا المبدأ الفكري الذي قاموا عليه وركزوا على العصبية القبلية أضاعوا سلطانهم, وأضاعوا أمتهم, ولوثوا فكرهم وزالت حضارتهم الراقية وزالت كافة الروابط العصبية عربية وغير عربية.
- تاريخ المجتمعات والأمم يرتبط في نشأته بالأفكار التي تقوم عليها, وليس بالعصبيات والروابط القومية, والفكر وحده هو القادر على صنع الوحدة الحقيقية القادرة على الرقي بالمجتمع.
لذلك لا تعتبر أفكار ابن خلدون هي أساس لعلم الاجتماع الإسلامي لأنها أفكار مسيسة تخدم هدف سياسي بالدرجة الأولى ولم يكن القصد منها بحث منهجي يبحث في أصول علم الاجتماع الإسلامي بحثا حقيقيا
.
أسباب عدم عناية العرب والمسلمين في إيجاد منهج حقيقي لعلم اجتماع واقعي
ويرجح السبب في عدم عناية العرب في إيجاد علم اجتماع في الفترات التي سميت فترات العصر الذهبي من تاريخهم في التاريخ الإسلامي لأسباب منها:
1- الدعاية السياسية التي قام بها الأمويون والعباسيون في صرف الناس عن دراسة جذرية معمقة للواقع وطبيعته ومطابقته للفكر السائد.
2- اعتقال علماء المسلمين ومنع غير المسلمين واضطهادهم وتعذيبهم –كما حدث للإمام أنس بن مالك في فترة حكم أبو جعفر المنصور- وإبعاد الناس عنهم عن طريق التشكيك فيهم والتجريح في عدالتهم.
3- إيجاد منظومة من الأحاديث الدينية الموضوعة التي تظهر مشروعهم في الحكم وتدعم وجودهم في السلطة
4- إيجاد نخبة من المفكرين والفقهاء ورجال الدين ممن رضوا المسير في ظلال السلطان كابن خلدون مثلا لتثبيت دعائمهم في الحكم عبر البحث في معظم مناحي الفقه الإسلامي وتأويله لصالح النظام السياسي القائم –بالرغم من رقي الاعمال الفكرية التي قدمها ابن خلدون-.
5- بعث مفهوم القدرية في أذهان الناس حتى يعتقدوا أن وجودهم في الحكم كان بقضاء الله وقدره, وهو أمر واقع لا يمكن دفعه أو النهوض بما يخالفه.
6-إنشاء الفرق الدينية والفرق السياسية والجدلية والفلسفية التي صرفت الناس عنهم واشغلتهم في علم الكلام والمنطق.
8- القمع الفكري لغير المسلمين في ظل المجتمع الاسلامي الذي دعى بعض العلماء والمفركين والمضطهدين الى محاربة الفكر العربي الاسلامي عبر الثقافات الأخرى كالفلسفات الإغريقية والرومانية والتوسع في نشرها لمحاولة إيجاد منظومة جدلية حديثة تبعد العرب عن التوسع في واقعهم كمحاولة من النضال السياسي لقلب أنظمة الحكم الديكتاتورية الاموية والعباسية.
9- احتكار البحث الفكري على علماء المسلمين دون غيرهم من الطوائف والشعوب التي عاشت في داخل المجتمع الاسلامي ومنعها من البحث والهجوم على اعمالهم ونتاجهم الفكري من باب المعارضة للدين والنظام الاسلامي القائم لذلك على سبيل المثال نجد اسبانيا مثلا التي وقعت تحت الحكم الاسلامي مدة 600 عام خالية من أي علم او فكر غير اسلامي, أي انت كل انتاجها الفكري كان اسلامي فقط ومنع الاخرون من الابداع والانتاج.
10 – الانغلاق الذي عاشته الدولة الاسلامية على نفسها في مراحل بدايات التفكير ونشأة الفكر وانتقاء ما يناسبها فقط من الثقافات الاخرى.
ضمن هذه الظروف التي عاشتها الشعوب العربية في ظل الدولة الإسلامية, كان من الصعب على العرب وهم يعيشون ضمن المُلك العضوض, أن تنشأ محاولة أو ما يمكن تسميته بحركة نهضوية جادة لدراسة المجتمع والتوصل بها إلى ما يسمى بعلم الاجتماع الحقيقي.
- خطأ النظرة للمجتمع تؤدي إلى الحيلولة دون النهضة
إن العرب والمسلمين في هذا العصر قد تأثروا بالفلسفات الإنسانية كالاشتراكية والرأسمالية التي أهلكت عبر صراعها منذ النشاة الحرث والزرع, وجعلتهم يدورون في حلقة مفرغة, وجعلت للرأسماليين سبيلا على البشرية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, وكان من ابرز ما عانى منه العرب هو خطأ نظرتهم وتصورهم للمجتمع.
إن جميع العرب والمسلمين, بل جميع العالم قد وقع أسيرا لمفهوم الرأسماليين عن المجتمع بأنه مجموعة من الأفراد, حتى أن الاشتراكيين وجدوا أنفسهم متورطين في قبول هذا التعريف الذي يتعارض مع التعريف الذي وضعه ماركس نفسه للمجتمع الذي يمكن إختصاره على أنه مجموعة الافراد وعلاقتهم ببعض وعلاقتهم بوسائل الانتاج.
وبناء على هذا التعريف اندفع العرب والمسلمين, لا سيما الحركات الإصلاحية منهم والجمعيات الخيرية التي تحولت فيما بعد لحركات ذات رأي ومكانة سياسية نتيجة تدعيمها من قبل السلطة والراسمالية الامبريالية, إلى الدعوة لإصلاح الفرد كنواة لإصلاح المجتمع, ووقعوا رهينة التمويه الرأسمالي في نشر فكره الرأسمالي للشعوب, ولأن المجتمع الرأسمالي يسعى لنشر فكره كهدف أساسي لحروبه وصراعاته التي يخوضها.
وقد ساعد الرأسماليين في تكريس هذا المفهوم في العالم اجمع والذي يعتبر المجتمع العربي جزء منه عبر الأساليب منها:
1-إيجاد حركات دينية تعمل ضمن النهج الحضاري الفردي في إصلاح المجتمع الإسلامي.
2- إيجاد معاهد ومراكز بحوث علمية رأسمالية الفكر تدرس مادة علم الاجتماع وتصدر المؤلفات فيها وكذلك علم النفس والتربية وهي ما سميت فيما بعد بالعلوم الإنسانية, لتكريس مفاهيم الحضارة الرأسمالية في أذهان الإنسانية للحيلولة دون وجود مفاهيم دافعة ومنهضة للدول المستعمرة للتحرر والثورة على الرأسمالية عدوة الانسانية.
3- إيجاد فئة من أبناء المسلمين تعلموا ومن ثم تشربوا حتى الثمالة الثقافة الرأسمالية ومضبوعين بثقافته لتكريس مفاهيم الرأسمالية عن الحياة والإنسان والحرية والمجتمع ومن أبرزها مفهوم المجتمع, ومن أبرز هذه الدعوات التي انطلقت في مصر وكان من أبرز رموز هذا الاتجاه رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني وخير الدين التونسي وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده وعبد الحميد بن باديس و قاسم أمين واحمد لطفي السيد.
إن مفهوم النهضة قد أعيا المفكرين في هذا العصر وكذلك المفكرين الإسلاميين من أمثال سيد قطب ومحمد الغزالي وأبو الأعلى المودودي ومحمد قطب وغيرهم, ولكنهم لم يستطيعوا أن يصلوا إلى تحديد واضح لمعالم النهضة, والسبب في ذلك عدم بلورة مفهوم المجتمع في أذهانهم ولتأثرهم في المفاهيم التي بلورتها الرأسمالية عن المجتمع وكذلك انهم وقعوا تحت تأثير الرأسمالية الفكري المموه الذي بدأه جمال عبد الناصر حين إخترع ما يسمى بالاشتراكية العربية التي هي عبارة عن ستار حديدي يمنع دخول الاشتراكية الحقيقية الى المجتمعات العربية فقام بفكر راسمالي بأنشاء فكرة الاشتراكية العربية التي قامت عليها فيما بعد ديكتاتوريات من امثال البعث العربي وغيرها لمنع زحف الفكر الاشتراكي السوفيتي للبلدان العربية والتأثير فيها فبقيت بفضل عبد الناصر والأفغاني وأمثالهم رهينة للإمبريالية الرأسمالية.
أما عن كيفية أن يكون الخطأ إلى النظرة للمجتمع سببا في عدم تبلور مفاهيم نهضوية فبأمكاننا إعطاء مثالين على ذلك
1- إن الفهم المغلوط لمعنى المجتمع عند العرب والمسلمين عموما جعلهم يلجأون إلى المفكرين الرأسماليين الأقرب لهم في مفاهيم وأساسيات الحكم, فالفكر الرأسمالي يرى :
أ?- أن الحكم للشعب
ب?- وأن السيادة للشعب
ت?- وأن القيادة جماعية
ث?- وأن الأمة مصدر السلطات
وهذه المفاهيم هي أفكار تتعلق بالعلاقات في السياسة, أي العلاقات في رعاية الشؤون, وهذه المفاهيم نشأت لدى الشعوب الرأسمالية من جراء الظلم السياسي الذي حصل في أوروبا ثم في أمريكا من قبل الملوك والأمراء إبان عصر الإقطاع ومن بعده.
فنشأ من هذا الظلم محاولات من قبل مفكرين أدت إلى هذه المفاهيم, فجعل الشعب كل شيء من أجل رفع الظلم السياسي عن الناس.
بالرغم من لمسهم أن واقع الحكم هو غير هذه المفاهيم ويستحيل قيامه فيها, مع ذلك ظلت هي المسيطرة عليهم وعلى مفكريهم وأخذها عنهم بعض مفكرينا وتشدقوا بالفكرة بالرغم من قناعتهم بعدم جدواها وأنها تظل ضمن ديكورات النظام الرأسمالي وهي مجرد ديكورات تزينه ليس إلا.
ولما كان المجتمع عندهم – أي الرأسماليين- هو مجموعة من الأفراد فأنهم لم يلحظوا أن رعاية الشؤون السياسية هي علاقات الناس في من يسوسهم, أي يرعاهم وليست علاقة حاكم ومحكوم, ولهذا اعتبروا مجموعة الأفراد هي المجتمع واعتبروا أن الأفراد هم الذين يحكمون أنفسهم, والغريب أنهم لم يلحظوا, أن الشعب لا يحكم فهو لا يتولى السلطة وإنما الذي يتولاها جورج بوش في أمريكا ومستعمراتها الحديثة والقديمة وان الذي يحكم هو بلير في بريطانيا وشيراك في فرنسا...........إلخ
ومع ذلك ظلوا يقولون أن الشعب هو الذي يحكم.
ولم يلحظوا أيضا أن الشعب لا يتولى التشريع وحتى النواب في ما يسمى بمجلس النواب لا يتولون التشريع أصلا وإنما يتولاها رجال القانون في الدولة وتصدق عليه الحكومة أو الحاكم الواحد ولا يعتبر القانون الوضعي نافذا إلا بعد مصادقة الحاكم عليه و إلا اعتبر غير نافذ ويرد إلى الهيئة القضائية التي وضعته حتى يتم تعديله كما يراه الحاكم مناسبا, ومع ذلك أيضا بقيت مقولات وأفكار أن الحكم للشعب تسري وأن الشعب هو المشرع عبر مندوبيه المنتخبين ديمقراطيا كما يقولون.
ولم يلحظوا أن الشعب ليس له بالواقع إلا اختيار الحاكم فقط, هذا إن جاء عن طريق الانتخاب ولم يأتي بانقلاب إن صح ذلك,ولكن هذا الحاكم الذي يأتي ينتخبه الشعب فقط ولا يستطيع عزله أو إقصائه عن منصبه, وان الحاكم هو الذي يشرع وهو الذي يحكم وهو الذي يسيطر على القضاء وهو فوق القانون وانه لا توجد إلا سلطة واحدة هي سلطة الحاكم الواحد ومع ذلك قالوا: إن هناك ثلاث سلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية ) بل وأضافوا إليها شكلا أخر من الديكورات بتسمية الصحافة بالسلطة الرابعة.
كل هذا كان بسبب المفهوم المغلوط عن المجتمع هذا بالنسبة لمفاهيم الحكم الرأسمالية. وللأسف فقد تشربها أبناء الشعوب العربية وصاروا من روادها وصارت مفاهيمهم الأساسية عن المجتمع لأنهم حملوا نفس المفهوم المغلوط عن المجتمع عن الرأسماليين ولم يدروا أن المجتمع هو عبارة عن علاقات دائمة بين الناس عن مصالحهم نتجت عن وحدة أفكارهم وأيقظت مشاعرهم.
كذلك وجود نظام ينظم إشباع هذه المصالح بينهم.
2- خطأ النظرة إلى المجتمع أدت إلى مفاهيم مغلوطة في الاقتصاد:
3-
لقد وجد المفكرين الرأسماليين فكرة توفير المال للناس يأخذونه على مقدار قدرتهم على تحصيله وتوصلوا إلى أن المشكلة الاقتصادية هي الندرة للمال أي عدم كفاية المال المطلوب لحاجات الناس(1).
ومن هنا كان الفقر بتعريفهم هو: حاجة البلاد للمال وليست حاجة الأفراد له, والذي هو مجموعة من الناس وليس أفراد وهؤلاء الناس.
وبناء على ذلك أيضا التفكير على إيجاد المال في البلد بكميات تكفي لحاجات مجموعة من الأفراد, وليس توفيرا لحاجة كل فرد من الناس وبالرغم من لمسهم الواقع والاختصاص هو حاجة كل فرد من الأفراد وليس مجموعة من الأفراد.
بالرغم من لمسهم أن ظلم الأغنياء لا يزال قائما بل ازداد وان التفاوت الفاحش بين الناس في العيش قد ازداد, أي بالرغم من لمسهم من أن واقع الاقتصاد هو غير هذه المفاهيم, مع ذلك ظل مفهوم المشكلة الاقتصادية عندهم هو الندرة النسبية والتي تعني: ندرة الاحتياجات والموارد للناس الذين هم بازدياد والتي فسروها أن حاجات الناس بازدياد طالما هم في حالة ازدياد وهذه الموارد محدودة, فهنا يأتي دور ما سماه الاشتراكيون بالسياسة الاقتصادية أي تسييس وتوجيه الاقتصاد بالشكل السليم أو ما سمي بالاقتصاد الموجه حتى يستطيع أن يجعل من هذه الموارد المحدودة قادرة على إشباع الحاجات للناس المتزايدة.
ظلت هذه المفاهيم الاقتصادية هي المسيطرة عليهم وعلى مفكريهم ونسوا أن الواقع لا يمت بصله إلى هذه المفاهيم.
ونظرا لان المجتمع حسب مفهومهم هو مجموعة من الأفراد, فلم يلحظوا أن الاقتصاد أي توفير المال هو علاقات بين مجموعة من الأفراد ومن هو مسؤول عن توفير حاجاتهم, وليست مالا يوضع في اليد ويأخذ منه كل بحسب قدرته.
ولهذا اعتبروا مجموعة الأفراد هي المجتمع, واعتبروا أن الأفراد هم الذين يوفرون لمجتمعهم المال وان الحاكم مسؤول عن توفير المال للبلد بوصفه كلا (أي مجموعة من الناس)
وهكذا ظلوا تائهين عن معاني هذه المفاهيم يعتنقونها وإن كانت مخالفة لواقعهم الذي هم عليه وإن لحقت بهم الأضرار, وركزت ظلم الأغنياء ووسعت التباعد الفاحش بين الناس في العيش وفجرت الصراعات الطبقية.
هذا هو المفهوم المغلوط للمجتمع, وهذه المفاهيم المغلوطة عن الحكم وعن الاقتصاد وكل ما يترتب على معنى المجتمع عندهم من مفاهيم أخرى هي التي نقلت العلاقات بين الناس, ونقلت مفاهيم الناس وحتى أذواقهم إلى الخضوع للحضارة الرأسمالية الحديثة.
بل إلى طريقة عيش الرأسماليين ووجهة نظرهم في الحياة.
لذلك كان من أهم ما على الناس جميعا حتى في الغرب الرأسمالي ولا سيما الناس في العالم العربي أن يتبنوا المعنى الصحيح للمجتمع وان ينبذوا ويحاربوا المفهوم الرأسمالي الغربي عن المجتمع كخطوة أولى لنبذ سائر مفاهيم الحكم ومفاهيم الاقتصاد لأنها الركيزة الأساسية في التأثير.
لذلك كان لا بد من أن يرتكز المفكرين على أن المجتمع هو مجموعة من الناس بما بينهم من علاقات وليست البلد ولا مجموعة الأفراد, وبناء على هذا التركيز يبنون عليه أي أن المجتمع هو أناس وأفكار ومشاعر وأنظمة.
وان ما بين مجموعة الأفراد هو علاقات وان ما بين مجموعة وما يتولى السلطان فيها أي يتولى رعايتها وشؤونها هو علاقات.
وان ما بين مجموعة من الناس هذه ومجموعة أخرى أي أمم ودول أخرى هو العلاقات,
وان المسألة كلها تتعلق بالعلاقات والمصالح القائمة فيكون البحث في أساس ونوع هذه العلاقات وطبيعتها.
بقلم : مهند صلاحات / طلوزة – نابلس
www.talluza.jeeran.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السياسة الاقتصادية المثلى / عبد الرحمن المالكي
#مهند_صلاحات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟