|
مستلزمات بناء دولة القانون
تركي البيرماني
الحوار المتمدن-العدد: 2810 - 2009 / 10 / 25 - 00:38
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
يعاني الشعب العراقي من ارث ثقيل يتمثل باستلاب الإرادة وبالقهر والاستغلال والدكتاتورية بدء من زياد ابن أبيه وصولا إلى الحجاج ابن يوسف الثقفي مرورا بالدولة العثمانية . ولم يكن موقف الاستعمار البريطاني أفضل من الاستعمار التركي فقد أشاع مناخ التجهيل والتفرقة وشجع العشائرية والمحسوبية والرشوة من خلال إغداق المال على الحكام والمتنفذين وخلع عليهم الضياع والأراضي ووضع العملاء والوصوليين في مراكز القرار. ولم يكن موقف الحكومات الوطنية المتعاقبة منذ 1921 - 2003 أفضل من سابقاتها على الرغم من المحاولات الجادة لإصلاح الوضع من بعض هذه الحكومات إلا إن السمة الغالبة على سلوك هذه الحكومات تمثلت بشخصنة العمل والتفرد باتخاذ القرار وبروز ظاهرة الزعيم الأوحد والقائد الضرورة والمحسوبية والعشائرية وتجسدت هذه الظواهر بشكل جل في سلوك النظام المباد فقد أرسى نظرية الكل في الواحد ونمى المحسوبية والشللية وحول الدولة بمؤسساتها إلى مزرعة عائلية وانتشر الفساد الإداري والمالي وتولى المتخلفون معرفيا مقاليد الأمور وتحول المثقفون وأصحاب الكفاءات إلى أرقام لايعتد بها لان القائد الضرورة يريد الذي – يكاون ولايريد المثقف-. أيتام ذلك النظام والزمر التكفيرية ومناصريهم من الداخل والخارج تحلم بإعادة العراق إلى ذلك الوضع البائس الحزين أو على الأقل تحجيم دوره وجعله مهمشا ومعزولا بإرادته أو رغما عنه. لقد استخدمت هذه الزمر أساليب القتل والترهيب والسرقة والاغتصاب التي تمرست عليها إثناء حكم النظام البائد وتسلل البعض منها إلى مراكز صنع القرار من اجل استغلال الوطن والمواطن وسلب إرادته مرة أخرى وزعزعت ثقته بالنظام الجديد وبمؤسساته واسهم العديد من رجال هذا العهد بخلق مناخ مكن القوى الشريرة والمتآمرة من الاستمرار بأفعالها الشنيعة ضد هذا الشعب من خلال المحاصصة الطائفية والبحث عن الوصوليين والانتهازيين والتخلي عن تطبيق العدالة والديمقراطية. هذه الأجواء فسحت المجال واسعا إمام العصابات وسراق المال العام والعناصر التكفيرية والمعادية إن تأخذ زمام المبادرة وتحول الدولة إلى سلطة منفعلة وليست فاعلة خاصة في السنوات الأربع الأولى بعد التغير أدى ذلك إلى التشكيك بقدرة الدولة وبمؤسساتها بل أصبح المواطن يتساءل من يحكمه ويدير شؤونه هل الحكومة المنتخبة والشرعيةام قوى التخلف والطائفية أم رجال صدام الوصوليون والمتملقون والقادرون على تغير جلودهم في كل موسم وحين إن بناء دولة العدل والقانون دولة الوطن والمواطن. ليس حتمية تاريخية أو اجتماعية بل خيار وأراده حرة وتصميم وعزم على العمل الجاد المنتج فإذا أريد بناء مجتمع ديمقراطي تسوده العدالة والحرية لابد لهذه القيادات المتصدية للعملية السياسية من إعادة النظر بمواقفها الخاطئة وتبني اتجاها يلتزم بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وإنصافا للحقيقة فقد حاولت الحكومة الحالية تطبيق هذا المبدأ الاانها لم تتمكن من ذلك وسرعان ما تراجعت القهقرى نتيجة لضغوط الأحزاب المتحاصصة التي تبحث (عن أهل الثقة قبل أهل الخبرة والعلم والمهارة ) والثقة بالنسبة لهم الإخلاص للحزب والمسئول قبل الإخلاص للدولة لهذا الاتجاه السيئ تأثيره المدمر على الوطن والمواطن إضافة لمخالفته لكل الشرائع السماوية وفي مقدمتها الإسلام الذي ترفع يافطته بعض من هذه الأحزاب. الإسلام يدعو إلى العدل والى المساواة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب وقول الرسول (ص) (إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة) ويقصد بالساعة ساعة الفوضى والعبث بالمال العام والتخلف. وقول الصحابي ابوذر قلت لرسول الله (ص) الاتستعملني (تجعلني مسئولا) فضرب بيده على منكبي ثم قال ( يااباذر انك لضعيف وإنها لأمانة وإنها يوم القيامة خزي وعار وندامة إلا من أخذها بحق وأدى الذي علية فيها) ومن المعلوم إن اباذر من العشرة المبشرة بالجنة ومع ذلك لم يكلف بعمل إداري وقوله (ص) (إنكم ستحرصون على الاماره وستكون ندامة يوم القيامة)1: تحث هذه الأحاديث على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب الاان بعض الأحزاب الإسلامية المتصدية للعمل السياسي تنسى أو تتناسى هذه الأحاديث لا بل تعمل ضدها حتى إننا نجد في الدائرة الواحدة هرما إداريا عائليا لم يبنى هذا الهرم على أساس الكفاءة العلمية أو المهنية بل العكس هو الصحي .لقد مد هذا الإخطبوط اذرعه في كل حدب وصوب وفي مختلف مؤسسات الدولة حتى وصل إلى المؤسسات العلمية( الجامعات) وأصبح تعين قياداتها وفقا للمحاصصة والعلاقات الشخصية( وهذه الجامعة المستنصرية وما يجري فيها من فوضى إدارية نتيجة للصراعات الحزبية دليل صارخ على صحة هذا الرأي) .إذا ألقيت نظرة فاحصة على هذه المؤسسات ستجد واقعا مزريا مرا ومتخلفا ورائحته تزكم الأنوف. هذا الاتجاه لايوصلنا إلى بر الأمان ولا يؤدي إلى بناء دولة القانون بل يؤدي إلى التخريب والتغريب والى الصمت واللامبالاة والى عدم الحرص على المال العام وبالتالي الاساءه إلى الوطن والمواطن. لا نأتي بجديد حين نقول إن الإدارة علم وفن والنجاح فيها لايتوقف على الشهادة فحسب بل على الخبرة والمهارة حتى وان كانت شهادة الدكتوراه في اختصاص لاتربطه رابطة في العمل الذي يؤديه. الأستاذ الجامعي في الكيمياء أو العربي أو الحاسوب أو البيولوجي الذي يتولى مهام إدارية لايمكنة التفكير إداريا بصورة صحيحة لاكاديميتة ولبعد اختصاصه عن العمل الذي يؤديه. الإداري الذي لايعرف فلسفة الإدارة ونظرياتها وتقنياتها وكيفية اتخاذ القرار والعوامل المؤثرة في قراره لايفشل في عملة فحسب بل يدفع بالمؤسسة إلى الرتابة والسكون تيمنا بالمقولة مكانك تحمدي أو تستريحي لا بل سيجد نفسه في أحضان الفاسدين والمفسدين هناك أدلة صارخة على صحة هذا الرأي وفي العديد من مؤسسات الدولة. إن بناء دولة عصرية قادرة على الاضطلاع بمهامها يتطلب في المقام الأول وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وهذا يتطلب وجود أصحاب قرار يؤمنون إن تحقيق هذه المهمة ليس شعارا يرفع بل فكر وفلسفة و عمل ميداني يعتمد على نظريات علمية في الإدارة وعلم النفس وله اختباراته ومقاييسه الخاصة المعتمدة في اختيار القيادات الإدارية للتحقق من الموائمة بين الإمكانات التي يمتلكها المتقدم وطبيعة العمل ومهامه. لهذا نجد الدول المتقدمة تعتمد على معايير علمية لاختيار قياداتها الإدارية وفي مختلف مراحل السلم الإداري. لهذا يعزى تقدم الولايات المتحدة على أوربا نتيجة لتقدم نظامها الإداري. وان تخلفنا مركون بتخلف نظامنا الإداري. علما إن تحقيق هذه المهمة ليس بالأمر السهل بل يتطلب الإيمان والتضحية بالمصالح الذاتية من اجل اتخاذ القرار المصيري والصائب والمتمثل بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب إن مثل هذا القرار قادر على حل العديد من المشكلات المستعصية وفي مقدمتها حالة الإرباك والفوضى وضعف الانجاز وسوء المخرجات والفساد الإداري والمالي في العديد من مؤسسات الدولة لأبل انه قادر على تحويل هذه المؤسسات من مؤسسات طاردة للكفاءات إلى مؤسسات جاذبة نحن بأمس الحاجة إلى هذه الكفاءات لبناء دولة القانون ودولة المؤسسات
#تركي_البيرماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مستلزمات تجديد المناهج الدراسية وتجويدها
-
التدريسي الجامعي ومستلزمات تجديد التعليم العالي وتجويده
-
مستلزمات تجديد التعليم الجامعي وتجويده
-
الثقافة التخلفية في العديد من مؤسسات التعليم العالي من أهم ا
...
-
التراث ومستلزمات المواجهة
-
هل اصبح التكنوقراط معضلة السياسين العراقيين؟
-
التدريسي الجامعي وتحديات القرن الحادي والعشرين
-
التربية التقدمية اداة للتطوير والتحديث
-
مدرسة شيكاكو ا لتجريبية
-
المدرسة الابتدائية وضرورة تطويرها
-
العراق ومستلزمات المواجة 3
-
( 2 )العراق ومستلزمات المواجهة والتصدي
-
العراق ومستلزمات المواجهة والتصدي
-
التربية من وجهة نظر براجماتية
-
فلسفة التربية
-
البرجماتية فلسفة وتربية
-
المناهج العراقية بين الواقع والطموح
-
تجويد التعليم الجامعي في العراق
-
النتائج الكارثية للمحاصصة على التعليم في العراق
-
القيادة وامن المجتمع
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|