|
لنناضل من اجل حد أدنى عالمي للمعيشة
باسم محمد حبيب
الحوار المتمدن-العدد: 2809 - 2009 / 10 / 24 - 17:50
المحور:
حقوق الانسان
لم يكن الصراع من اجل العدالة والمساواة صراعا حديثا ، فقد ارتبط هذا الصراع بأقدم العهود الحضارية للإنسان وبأقدم عمليات الاستعباد والاستغلال التي شهدتها البشرية ، حيث كان للدين حضوره الكبير في هذا الصراع وأحيانا في إيجاد واقع فيه بعض التوازن بين ما للأغنياء والفقراء ، فقد مثلت الأديان التوحيدية وسيلة من وسائل ربط الإنسان بمنظومة أخلاقية واحدة وبعلاقات متماثلة بين الأغنياء والفقراء ، السادة والعبيد ... الخ ، حيث اخذ الصراع البشري طابعا أيدلوجيا بعد أن كان صراعا بدائيا تحكمه المصالح والمنافع بشكل مباشر ، ورغم أن الصراع البشري قد بقي على وتيرته الأولى كصراع بين مجموعتين من البشر احدها متخمة والأخرى جائعة ، إلا أن بزوغ الطبقة البرجوازية على اثر التطورات التي شهدتها أوربا خلال القرون الأربعة الأخيرة ، كان له أثره في إنتاج مفهوم جديد للصراع اتخذ هذه المرة طابعا سافرا ومدينيا ، لان الصراع القديم كان في مجمله صراع ريفي ويدور حول طبقتي الملاك والفلاحين ، لكن بعد الثورة الصناعية وتوسع المدن أصبح الصراع مدينيا تمثل المدن ساحته الأولى ، وغدى العمال الذين شكلوا جزءا هاما من مجتمع المدينة الطبقة التي تقود الصراع باسم الفقراء في مقابل طبقة الرأسماليين الورثة الشرعيين لأغنياء العصور السابقة ، والمثير في هذا الصراع انه لم يعد مجرد صراع عضلي أو تستخدم به وسائل القوة وحسب ، إنما صراع برزت فيه الثقافة كأحد أهم وسائل الصراع بحيث استخدمت كأداة فاعلة من قبل كل من الطرفان ، وكان الصراع الأيدلوجي بين المنظومتين الرأسمالية والشيوعية هو أكثر الصراعات البشرية استخداما لعنصر الثقافة ، بحيث شهدنا الكثير من المعارك الزرقاء ( التي تستخدم الحبر كسلاح في المعركة ) والتي نجم عنها تغيرات سياسية وثقافية هامة ، إلى أن تغير ميزان القوى لصالح المعسكر الرأسمالي بقطبيه الغرب وأميركا بحيث أصبح هذا المعسكر هو سيد الساحة وهو المسيطر على حلبة الصراع العالمي . لقد كان كلا المنظومتان يعتمدان على قراءات فكرية معقولة ويطرحان أطرا لحل مشكلة التفاوت بين أبناء الجنس البشري ، لكنهما من جانب أخر كانوا يتغاضون عن أمور أخرى تشكل فقرات أساسية في اطاريحهما الفكرية ، فالرأسماليون الذين يطرحون مبدأ حرية الاقتصاد ويعطون للرأسمال مساحة كافية للتحرك تتيح له بناء عالمه الخاص ، يتجاهلون أن طرحهم الاقتصادي يزيد من حجم التفاوت بين الفقراء والأغنياء ، ويساهم في تصعيد وتيرة العداء بين المجموعتين إلى درجة قد تصل حد القطيعة ، ما يساهم في خلخلة التوازن البشري وإيجاد مناخات جديدة للصراع العسكري لن يسلم منها احد بما في ذلك الرأسماليون أنفسهم ، من جانب أخر نجد أن الشيوعيون والاشتراكيون يدعون إلى تقييد الاقتصاد ووضعه أو جزء منه تحت سيطرة الدولة من اجل ردم الهوة بين الأغنياء والفقراء ، وهؤلاء يتجاهلون أن الاقتصاد المقيد هو اقتصاد مقهور وقد يساهم في تأخير البشرية أو حرمانها من تطورات اقتصادية وعلمية كثيرة ، ناهيك عما يسببه من هيمنة للأنظمة الفردية بكل ما تحمله من لؤم وقسوة . وبالتالي لن يكون الحل في هيمنة نظام ما وتجاهل ما يطرحه النظام الأخر من رؤى وجيهة ، بل في طرح مفهوم مشترك يرسخ حرية الاقتصاد وسلطة الرأسمال ولكن مع إعطاء حق واضح ومعلوم من الحياة الحرة الكريمة للطبقات الأخرى ، وهذا الأمر يجب أن لا ينظر له على انه تنازل من طبقة الرأسمال الفائزة في معركة الصراع الأيدلوجي ، بل هو نتيجة من نتائج هذا الصراع وحقيقة افرزها الواقع العالمي المنهك من جراء الصراعات العالمية ، فلا ضمانة يمكن أن تجعل الرأسمال يطمئن إلى انتصاره مع وجود الجوعى والمعوزين ، فهؤلاء سيجدون يوما ما التغذية الفكرية التي تساهم في استثارتهم من جديد ، فالصراع البشري لن يتوقف مع وجود حالة كبيرة من التفاوت بين طبقات البشر وكم هائل من شعارات العداء والمواقف المتناقضة ، وستبقى صفحات التاريخ حبلى بالكثير من الأحداث المريعة والقاسية قبل أن يصل التاريخ إلى نهايته ، عندما يطمئن الجميع إلى انه قد اخذ حقه وحاز على ما يرضيه دون أي شعور بالغبن . فمن مصلحة الجميع وعلى الأخص الرأسمال المتحكم بسلطة إصدار القرار ، وضع حد لهذا الصراع الذي لم يبلغ بعد نهايته بل بلغ نهاية واحدة من معاركه الكثيرة بانتظار معركة جديدة لاحقة ، واعتقد أن أفضل سبيل هو في وضع تسوية مناسبة لهذا الأمر، تسوية تبقي للرأسمال مركزه العالمي وتعطي للفقراء حق في وليمة الرأسمال الكبرى ، هو حق تفرضه معايير الصراع التي لا تحتكم إلى للعروض الحقيقية ، فلكي يحوز الرأسمال على سلطته ومكانته لابد أن يعطي للفقراء مالهم عليه من حق ، فهم جزء من عالمه ولبنات أساسية في بنائه ، ومن اجل وضع هذا الأمر موضع التنفيذ ، لابد من إنشاء صندوق عالمي يوضع بعهدة الأمم المتحدة ، مهمته سحب الأموال من الشركات العالمية بنسب محددة وإعطاءها إلى الفقراء في جميع أنحاء العالم وبنسبة واحدة لا تزيد ولا تنقص ، وبالإمكان تمويل الكثير من المؤسسات الإنسانية من موجودات هذا الصندوق بدل الاعتماد على التبرعات والمساهمات غير الملزمة ، ليكون للفقراء حق في أموال الأغنياء ، حق لا يمكن الجدال عليه أو تجاهله .
#باسم_محمد_حبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سكة حديد برلين – بغداد
-
العراق : هل يستطيع أن يحلم بالانضمام للاتحاد الأوربي ؟
-
مشروع تقييم أداء البرلمان العراقي ورفع دعوى ضده
-
الإخوة اليمنيين : احذروا الفتنة الطائفية
-
دعوة لإنهاء معاناة معتقلي أشرف بالعراق بمناسبة العيد
-
حتى لا تؤدي ممارسة الطقوس الدينية إلى انتهاك حقوق الإنسان
-
القران والنظرة الايجابية إلى تاريخ اليهود القديم
-
من اجل هيئة شعبية عراقية لجمع المعلومات عن المفقودين الكويتي
...
-
ما بين العقل العربي الإسلامي والعقل العراقي
-
وكالة الأنباء الالكترونية الحرة
-
معسكر اشرف والحلول الإنسانية
-
اتحاد كتاب الانترنيت ..اتحاد لكل المثقفين العراقيين
-
ولادة اتحاد كتاب الانترنيت العراقيين
-
الكون: ماذا كان قبل الانفجار الهائل
-
الكهرباء في موسم الزيارة
-
دراسة في جدوى مشروع القمر الصناعي العراقي ( عراق سات )
-
التفجيرات الطائفية
-
العراق ليس بغداد وحسب...
-
هل تتحول بلاد النهرين إلى بلاد بلا نهرين ؟
-
العراقيون والدرس الإيراني
المزيد.....
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
-
-الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
-
مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا
...
-
اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات
...
-
اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
-
ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف
...
-
مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
-
الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|