أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - بهيجة حسين - طريق الآلام إلى بغداد















المزيد.....

طريق الآلام إلى بغداد


بهيجة حسين

الحوار المتمدن-العدد: 853 - 2004 / 6 / 3 - 04:55
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


«أنا عائد إلى العراق» جملة بسيطة بساطة الحقيقة، وقاسية قسوة المنفى والمنافى. العودة للعراق، الحلم المستحيل، حملة عراقي المنفى أكثر من ربع قرن صليب على ظهورهم، سائرين به فى طريق الآلآلم الطويل بطول أيام الربع قرن، وعرض المسافات بين عراقهم وبلدان المنفى.
عرفت من ملايين العراقيين الهاربين من وحشية وتوحش «صدام حسين» رفاق شيوعيين فى فترة عملى بالجزائر وكانوا لى فى غربتى وطنا، عشت معهم وجع قهر الديكتاتور، ولم أتوقف عن طرح سؤالى الساذج، «كيف يحرم إنسان من وطنه؟» وأتحسس بطاقة عودتى إلى مصر وأردد: كيف يحرم إنسان من سماع وقع أقدامه على أرض بلاده، ومن رائحة هوائها، ومن حضن جدرانها، كيف يحرم من سماع لهجة أولادها ويرد بنفس اللهجة؟
تساقطت دموعى وأنا أسمع جملة الرفيق العراقى عبر التليفون «أنا عائد للعراق» قلت له عندما تصل إلى بغداد أركع تحت أحلى سما وصلى» فأحلى السماوات، هى سماء بلادنا أملأ كفيك بماء الفرات وأشرب حتى ترتوى، مرغ جبينك فى تراب الأرض، وأقبض حفنة منه ضعها فى حجاب وعلقه على صدرك، إخلع نعليك وتوضأ فأنت تطأ أرضا مقدسة لأنها أرض بلادك.
ولن أسألكم هل أشتقتم للعراق فالشوق كلمة لا تصف ولا تكفى قد نشتاق للأهل وللأحباب أما الأوطان فلم تخترع البشرية لغة تليق بها، يتجلى الوطن عن كل وصف ويسمو!!
ربع قرن وأكثر سجل التاريخ كيف حكم صدام حسين العراق كيف غرز مخالبه فى جسد بلاد الرافدين ومزق لحمه ، سجل التاريخ أن فرق الإغتيالات من زبانية صدام حسين حولت شوارع بغداد إلى مقبرة مفتوحة لمعارضيه، سجل التاريخ، أن صدام أذاب مناضلين من زينة شباب العراق وخيرة عقولها فى الأحماض وفى أقبية سجونه التى لم يفتح ملفها كما لابد له أن يفتح بعد، اعتقل وعذب لحد الموت بالكهرباء وبالجلد وبالتقطيع فى اللحم الحى ونهش الأجساد، كأنه وحش لا يرتوى الا برؤية ضحاياه وهم يرتعدون فاقدى الوعى تحت وطأة التعذيب، أو وهم غرقى فى مواسير المجارى يصارعون موتا مرعبا ومهينا.
صدام حسين الذى اباد الأكراد والشيعة والشيوعيين والسنة والمسيحيين والرجال والنساء وانتهك حقهم فى الحياة أطعم أما لحم طفلها مشويا وسجل التاريخ أن العراق لم يكن محكوما بجلاد واحد أسمه صدام حسين بل كان معه كتائب من القتلة وعلى رأسهم إبنه المقزز «عدى» كما أطلق عليه «روبرت فيسك» فى إحدى مقالاته.
أكثر من ربع قرن لم يكن أحد قادر على التنفس فى العراق حتى داخل جدران بيته فقد اعشش الجلاد فى الزوايا وفى الطرقات وتحت الأسرة وبين الوسائد ومفارشها.
انها ملفات سوداء ومثقلة بما لا يقبله ضمير حى وقد تأخر فتحها أكثر من ربع قرن، تأخر فتح ملف المقابر الجماعية التى دفن فيها الطاغية العراقيين أحياء، واحدة فقط من هذه المقابر يكتبها صديقى العائد «فى صباح مشمس من صباحات أذار، دعا داع، عبر مكبرات، الشباب من 18 إلى 45 للتجمع فى ساحة المدينة كان نداء واحدا فى سدة الهندية والمحاويل والحله، كانت هناك سيارات كبيرة بانتظارهم وحين ضاقت السيارات بركابها، أمروا الباقين بالعودة إلى بيوتهم، وإنطلقت السيارات المغلقة بحمولتها البشرية، وبعد بضعة كيلو مترات توزعت إلى موكبين، دخل كل منهما ممرا ترابيا إلى اليسار من الطريق العام الواصل بين الحلة والمحاويل، القت السيارات حمولتها فى حفر أعدت على عجل، وأهيل التراب على الأجساد الشابة الحية. لم يشهد المأساة أحد، سوى باص عابر فأهالوا عليه التراب أيضاً. وجدوا فيما بعد هذا الشاهد الوحيد بكل هيئته ركابه فوق مقاعدهم وكأنهم بانتظار أن ينطلق السائق بعد حين، لكنهم لم يكملوا الرحلة قط ظلوا منتظرين هناك إلى الأبد فى منتصف الطريق.
كان ذلك النداء الرهيب صادرا من حسين كامل، وكان المطلوب حسب أوامر صدام حسين نسبة معينة من الأموات فى كل مدينة أنتفضت عام 1991.
بعد كل حكايات الجرائم التى شاركتنا ليالى شتاء الجزائر الباردة والجرائم التى ظلت تتواصل من جلاد رهيب اسمه صدام حسين كان لابد أن يقول صديقى الذى عاد «وأكتشفت أنى لا أعرف عن وطنى سوى نصف الرعب كيف عشتم لحد الآن أيها الأموات»..
لم أقل لصديقى العائد «مبروك» عودة المنفيين ولا عودة الروح لمن عاشوا بين جدران محرقة كبيرة أسمها العراق ولا أعرف متى أقولها فكلاب أمريكا الشرسة تنهش بانيابها كل ما هو عراقى منذ أن وطأت أقدامها بلاد الرافدين لم تسلم الأرض ولم يسلم العرض ولا التاريخ فمتى نلتقط أنفاسنا ونقول «مبروك» وبالأمس قذفت طائراتها عرسا فى قرية قائم الصغيرة على الحدود، قتلت الفرحة وإغتالت الأعمار وقطعت الأيدى التى كانت تصفق للعروسين والألسن التى كانت تزغرد وتهنئ وتقول «مبروك عرسكم» سوت خيمة الفرح بالأرض وأغرقتها فى الدم الذى اختلط بالشربات المحلى بالسكر ولا أعرف هل عرائس العراق يحنون أىاديهم أم لا، وهل تسرب الدم المراق إلى الأيادى المحناة؟ إن العراق لم تضع الحناء فى أياديها بعد ومازالت تتحنى بالدم؟
لم أقل لرفاقى العائدين من المنافى إلى «عراق الروح» ولا لمن عاشوا فى المحرقة الكبيرة «مبروك» فقد كنت اتابع نظام التعذيب فى السجون العراقية على أيدى الكلاب الأمريكية وأحاول تفسير رمزه «أر 21» وجدت التفسير الحرفى للرمز فى تاريخهم القذر. فيما كتبه الكاتب الأمريكى نعوم تشومسكى المناهض لسياسات وتاريخ بلاده المنحط ففى كتابه الأخير «الغزو مستمر» ذكر أن الغزاة البيض المستعمرين كانوا يسمون الهنود الحمر أصحاب الأرض «البهائم الأجلاف».
وجدت تفسير رمز التعذيب الحرفى عند «هوجو جروتيوس» مؤسس القانون الدولى فى القرن السابع عشر «إن أكثر الحروب عدالة هى تلك التى تشن ضد البهائم المتوحشة، ثم الحرب ضد الناس الذين على شاكلتهم».
ووجدته عند جورج واشنطن أول رؤساء دولة القراصنة السفلة وقبل تولية رئاستها بست سنوات أى عام 1783: «إن التوسع التدريجى لمستوطناتنا سيجعل المتوحشين يتراجعون تدريجيا وكذلك الذئاب فكلاهما هدف للصيد مع إنهم مختلفون فى الشكل» ولسنا فى حاجة لرموز لنفهم أن صاحب القانون الدولى وصاحب الدولة قصد بالمتوحشين والبهائم والذئاب الهنود الحمر.
ويقصد أحفادهم الان بمن هم عل شاكلة البهائم المتوحشة «العرب» أى نحن الذين يواصلون «حروبهم العادلة» ضدنا إبادة وقتلا وسرقة ونفيا واغتصابا.
لم أقل «مبروك» لرفاقى العراقيين فقد كنت أتقيأ من صور اهتزاز الاجساد وارتعاشاتها تحت وطأة الاسلاك الكهربائية الموصولة باعضائهم التناسلية. بينما ابتسامة السجانة تملأ وجهها وهى تتابع محاولاتها فى اقامة حفل جنس جماعى بين المعتقلين العراقيين، وأرى تلهفها وتلهف زميلها على اجبار معتقل على وضع عضوه فى فم معتقل آخر. ترى هل كان بينهما رهان على حدوث الأثارة لا استبعد خسه ونذاله من هذا النوع؟
لم أقل لرفاقى الشيوعيين العراقيين «مبروك» فقد تكومت على نفسي كالخرقة المهلهلة وأنا أشاهد ارجل السفلة تتقاذف كالكرة المعتقلين المقيدين بالسلاسل وفوق رؤوسهم أكياس سوداء أحالت حرافهم ومهانتهم إلى عار لطخ البشرية كلها.
لم أقل «مبروك» فقد اغلقت غصة العجز حلقى وأنا أقرأ على صفحات الصحف كيف أجبروا عراقية على تمثيل المتعة الجنسية حتى يصوروها ويعرضوا صورها على أخوتها وابيها المعتقلين.
ولم اقف أمام الرقم القائل بأنه تم اغتصاب الفى امرأة بينهن «عالمات» فالرقم أكبر من أن يسجل بالأرقام.
وأكبر من كل الأرقام إجابة أحد السفلة على سؤال «ماذا كنتم تفعلون بالنساء»؟ الاجابة «مارسنا معهن الجنس عنوة، واجبرناهن على المبيت فى الماء وعدم النوم والوقوف لمدة 24 ساعة» وقالت التقارير ايضا تم قطع أطراف الأطفال وضربهم على الرأس بألة حادة، وحرقهم بالنار فى اجزاء من أجسادهم أمام امهاتهم وأخواتهم مات اطفال من التعذيب ودفنوا فى الصحراء، أما الكلاب المقاتلة فى الجيش الأمريكى فقد اطلقت لتعبث بأعضاء النساء التناسلية لمزيد من الإذلال والمهانة.
لم أقل لاصدقائى ورفاقى ومن كانوا لى فى غربتى وطن «مبروك» فقد كان الحذاء الأمريكى يجثم فوق صدر الزمن والضمير والمستقبل بينما المجرم بوش يقول لوزير دفاعة رامسفيلد «شكرا لقيادتك.. انت تقوم بمهمة جليلة وتقود أمتنا بشجاعة فى الحرب ضد الإرهاب.. أنت وزير دفاع قوى وأمتنا مدينة لك بالشكر».
إنه يواصل رؤية اجداده لنا وللآخر إننا بهائم واجلاف والان اضاف مجرم الحرب بوش «ارهابيين»الذى يشكر وزير دفاعه على جرائمه فى العراق، ذلك الوزير الذى ارسل إلى جنوده قائلا «احيلو العراق إلى جهنم وابيدوهم بالنار».
وماذا عن بقية السجون فى العراق اذا كان هذا ما كشف فى سجن أبو غريب فقط ماذا عن السجون العشرة التى بناها المحتل الأمريكى فى عام واحد منذ احتل العراق؟
ومتى أقول لاصدقائى ورفاقى «مبروك» وهل يذكرون انتظارى لدعوتهم لى لزيارة بغداد التى وعدونى بها منذ اكثر من ربع قرن وهل سيطول انتظارى حتى اقف أمام مرقد «الإمام على» وأرمم معهم قبته التي خربها السفلة، هل سيطول انتظارى لدعوتهم لى لزيارة «عراق الروح» فعندى ما اريد قوله على قبر الرفيق سلام عادل وعندى وردة سوف اضعها على قبر الرفيق «فهد» وعندى نذر ليشهد عليه «مقام الإمام على» و«دم الحسين» ووعد لسلام عادل»، وحلم فهد ووعد لشهدائنا بالا تسقط بوصلتهم من يدى ولكن متى يا رفاقى تعبرون طريق الآلام الطويل وتدعونى إلى العراق وإلى العتبات المقدسة.
فأنتم يا رفاقى لم تعودوا، والمحرقة لم تنطفئ نيرانها وتراث من النضال الطويل يطالبكم بالتقاط البوصلة حتى يقبل «فهد» وردكم على قبره.
الكاتب والشاعر فاضل السلطانى «جريدة الشرق الأوسط».
الرفيق فهد أمين عام الحزب الشيوعى العراقى اعدمه نورى السعيد عام 1949. الرفيق سلام عادل الأمين العام للحزب الشيوعى العراقى اعدمه البعثيون عام 1963.



#بهيجة_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر الطاردة لاهلها


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - بهيجة حسين - طريق الآلام إلى بغداد