|
قشرة البرتقال/ 11 حالة حب في المشرحة
حامد مرساوي
الحوار المتمدن-العدد: 2807 - 2009 / 10 / 22 - 19:19
المحور:
سيرة ذاتية
البعد أفق مشبع بالتناقض مع حالة الحب. وكأن المعاناة التي تشل القدرات الإيجابية لدى العاشقين، تتحول إلى تسمم في الحواس فتفرز الحوار المر، مثل العسل المر والفلفل الحار وطعم المرارة اللذيذ في كؤوس الكحول بمختلف أنواعه. يتطابق الحب مع المشاعر الجميلة دائما في لحظات القرب بعد فجوة بعد. لكن العلاقة بالحساب الجبري بين حصص البعد والقرب ضمن نفسية الحب القاهر، تحتاج إلى معادلة معينة كي لا تتحول حصص البعد إلى مرارة طافحة في كأس المحبة. فكل واحد من المحبين لا يملك إلا أن يعطي عمره فداء للآخر، لكن حالة التسمم في المشاعر تحول التعبير إلى سعير وعذاب غير منته. إن انغلاق المحبين في نفق الخط المستقيم بينهما، يحول التناقض بين واقع البعد وهواجس التأويل المغرض إلى طلقات نارية قاتلة لعذرية المودة الجميلة التي تطبع بدايات الغرام بينهما. هكذا سيحلل الاختصاصي السيكولوجي لعل. ولعل دخول المحلل السوسيولوجي مفيد لفتح نوافذ مضيئة على النفق الثنائي المظلم. لكن للتدبير أم للتبرير؟ هذه الثنائية بعد آخر للاختلاف في التأويل بين العاشقين. يعمل التسمم على الإيغال في المسافة الفاصلة بين طرفي التأويل. الواحد منهما لا يدخر جهدا لتدبير ظروف الحب في سياقه الاجتماعي. قصد هدم كل الأسوار التي تقف في وجه الحب. هناك تحايل مستمر على العلاقات المؤسساتية لتوسيع مساحة القرب في سياق اجتماعي يفرض على المحبين سجن البعد اللعين. شجاعتهما مدمرة لكل القيم السائدة البالية التي تتناقض كليا مع حريتهما باعتبارهما فردين لا قيمة معترف بها من طرفهما سوى قيمة الحب. شجاعتهما مكسرة لكل الأغلال. فقد تمكنا من استغفال الكل، والالتحام ببعضهما البعض سبع مرات في أقل من عشرين يوما. كما وفرا لنفسيهما اللقاء المباشر والحياة في لحظات ثنائية خمس مرات، تجاوزا خلالها كل الحرج بل ركبا خلالها أخطار موغلة في الخسارة حالة وقوعها. إن المسافة المقطوعة ليلتقيا خلال تلك المرات الخمس وصلت ثلاث آلاف كلم. مع ما يلفها من رصيد مالي لتدليل الظروف المصاحبة للحب التليد. إن أي قارئ ليس له سوى استصغار كلمة الشجاعة عند ذكرها هنا. لكن المعاينة من طرف الباحث السوسيولوجي للمبادرات الفريدة من نوعها التي بادرت بها سعاد من أجل حبيبها، لا يمكن إلا أن تضع المجتمع المغربي ضمن طليعة المجتمعات التي يناضل أفرادها بمختلف الأساليب لتجاوز الانغلاق والقهر المتولد عنه. للقاء أولا لحظات من الجرأة. للخلوة لحظات أخرى من نوع ثان من الجرأة. ولتكرار الفرص والتحايل على الأوضاع الساكنة في مستنقع مجتمع المؤسسات لحظات من نوع مضاعف ومركب من الجرأة. من جانبه، لم يفتأ يبادل مؤسسة الزواج الصبر و المراوحة في المعاناة والمداراة إلى درجة الانمحاء أمام صلف الإذعانية والتبريرية باسم مركزية الزواج في البنية المجتمعية بكاملها. لكن عودة ظهورها، وبناء على عمق انغراسها في ذاكرته الطفولية، خلقت كيمياء ثورية لم يعهدها في نفسه منذ إقراره لاستراتيجية التلاؤم مع مقتضيات مؤسسة الزواج. هو الذي سبق أن اعتبر كتاب فريديريك انجاز "أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة" بمثابة كتابه المقدس! لكنه تنازل كأي شاب بطموح برجوازي صغير عن هذا المكون القيمي النظري من مقومات المنظومة النظرية للاشتراكية العلمية واعتنق ديانة الزواج وبناء الأسرة. في الحقيقة كان حب دلال وراء هذا الخنوع. ها هي سعاد توقظ فيه ثورته الأولى. بعدما كانت في صيغة حبه الأول لها رمز القيم النبيلة التي تعهد لنفسه أن يلتزم بها. ضمنها قيمة المسؤولية تجاه المجتمع. فكانت طفلة محبوبة يتشخص فيها المجتمع بكل تناقضاته. وأصبحت سعاد عبر معاناتها، وقد كان حب أحمد لها أحد معابر العذاب من جنة وزان نحو سعير ما بعد ذلك، أصبحت امتحانا لالتزاماته. لذلك، زاوج بين التزامه السياسي التنظيمي في اليسار السبعيني وبين التزامه الاجتماعي اتجاهها مباشرة بعد التحاقه بالكلية وكذا بعد خروجه من السجن. لكن خوفه من إفساد تجربة " زواجها" بعد المساهمة في تحطيم استقرار طفولتها بوزان، أوقف مسلسل التزامه تجاهها عن غير قصد. لو عرضنا على المحلل الانتروبولوجي تركيب المستوى النفسي مع الشبكة الاجتماعية لهذا الحب العنيد الذي تعيشه سعاد رفقة حبيب القلب أحمد، ما الذي يمكن أن يستخرج من العناصر الفكرية والثقافية من حالة معيشة معقدة ومركبة من صبر حد العناد ومن صدق حد المعاناة الصوفية. والحال أن الجانب الفردي يتلخص في التردد غير المحدود ما بين الوله العذب والعتاب المر بين أحمد وسعاد. في حين يتلخص التعامل مع الأوضاع الاجتماعية ما بين الثورة والمواجهة وبين الاحتياط والمواربة. في الحالتين، السيكولوجية والسوسيولوجية مد وجزر. جواب الانتروبولوجي في قياس أفق الزمن المقبل. ما إذا كان التغيير مطابق للحب أو النكوص مآل للحب والأوضاع جميعا؟ وإذا لم يوفر الانتروبولوجي على مفتاح الإرادة المباشرة للمعنيين بمصير حالتهما المزمنة الجميلة منذ 38 سنة من الحب، وما يوازيها من العراقيل القهرية والمؤسساتية. مما يقتضي منهما أولا وقبل كل شيء أن يتوفرا على الإرادة الصلبة لتوليد حالة اجتماعية مكتملة الوجود، قبل طلب الاعتراف من أي طرف آخر. لا تعتذر عما اقترفت من الحب كما قال محمود درويش.
#حامد_مرساوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قشرة البرتقال/ 9 الإقبال على الحياة
-
قشرة البرتقال/ 5 تسميم الحلم
-
قشرة البرتقال/-4 -موت- كالذبح الخاطف
-
قشرة البرتقال/ 3 - -الخلوة- بسعاد
-
قشرة البرتقال/2-الخرجة- مع سعاد
-
قشرة البرتقال/ 1- السفر الحزين
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|