خاض شعبنا انتخابات البلدية لأول مرة في تاريخ البحرين في عام 1919 وهي الأولى في تاريخ الوطن العربي وعدد أعضائه 20 عضوا بالتعيين وتطورات الآلية في عام 1929 حيث تم تعيين النصف والنصف الآخر منتخبا، وتم زيادة العدد إلى 24 عضوا في عام 1949 ومع الاستقلال عام 1970 انتهت صلاحية هذه المجالس حيث تحولت البلدية إلى وزارة من وزارات الدولة لها هيئة مركزية تزاول اختصاصات مجالس البلدية. ومع التغيرات السياسية الجديدة التي صاحبت مجموعة من الإصلاحات تمثلت بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين وإلغاء قانون أمن الدولة والاستفتاء على ميثاق العمل الوطني الذي يتضمن انتخابات البلدية والمجلس النيابي صدر المرسوم رقم 35 لسنة 2001 بشأن إصدار قانون البلديات وذلك بتاريخ 31 ديسمبر 2001م واصدر مرسوم بقانون (3) لسنة 2002م بشأن انتخابات أعضاء المجالس البلدية في 31 فبراير 2002م حيث تم تحديد يوم الانتخابات في 9 مايو 2002م و كان يوما مختلفا عن بقية الأيام حيث تحول إلى عرس من أعراس الوطن، وسبقته تحضيرات كثيرة من دعاية وإعلان وتنظيم زيارات ميدانية من قبل المرشحين أو من يمثلوهم شملت المواقع السكنية والمآتم والمساجد والأندية والمجالس الخاصة والجمعيات الأهلية والسياسية ونصبت الخيام في كل حي وقرية ومدينة في صبيحة هذا اليوم تحولت المواقع الانتخابية إلى طوابير من المنتخبين وفرق متكاملة لكل مرشح، وجاءت النتيجة الحاسمة والمعروفة سلفا للتيار الإسلامي بكل طوائفه سواء الملتزم بخط سياسي بحد جمعيات مثل جمعية الوفاق الوطني أو جمعية الإصلاح أو جمعية التربية أو شخصيات دينية غير ملتزمة بهذه الخطوط ولكنها بشكل أو بآخر حصلت على الدعم والتأييد منها. نحن نبارك كل من فاز في هذه الانتخابات ونبارك حسن التنظيم والمجهود الذي بذل وبالرغم من السلبيات المخالفة لقواعد الديمقراطية ألا انهم في نهاية الأمر اصبحوا واقعا يمثلون هموم وقضايا الشارع في هذه المجالس، يجب أن يحملوها بصدق وأمانة بعيدة عن المجالات وبعيدة عن التباهي أمام المجالس والناس، وليعلموا بأن الجماهير هي التي أوصلتهم وهي التي تستطيع أن تسقطهم في حالة الإخلال بواجبهم المناط إليهم. أن المكسب الحقيقي للقوى الديمقراطية ليس الفوز بالكراسي وإنما تجسيد مفهوم الديمقراطية والمنافسة السليمة ما بين كل التيارات، وهذه ظاهرة صحية مشروعة طالما الهدف منها خدمة الشعب، والوطنية ليست محتكرة لتيار واحد أو فئة واحدة بل هي حق طبيعي لكل التيارات والقوى والمستقلين الوطنيين على اختلاف عقائدهم واتجاهاتهم السياسية، ويخطئ من يعتقد بأن القوى الديمقراطية متضايقة لفوز التيار الإسلامي وأنها الوحيدة القادرة على كسب الجماهير إليها. فالتشدد ظاهرة مرفوضة في الممارسة الديمقراطية، والمتشددون يرفضون ويخشون التنافس السلمي بين كل التيارات، ويخشون تنامي الحركة الجماهيرية أما التيارات الديمقراطية ذات الجذور الديمقراطية في ممارستها يجب أن لا تخشى التنافس السلمي والمباراة السلمية المبنية على قواعد ديمقراطية وبعيدة عن كل وسائل العنف لأنها واثقة تماما من صواب أفكارها وعدالة قضيتها التي تناضل من اجلها وأنها من صميم مصالح الشعب، حتما للتجربة لها سلبيات ربما ليست جوهرية لدى البعض ولكنها ضمن أبعادها السياسية والاجتماعية تعتبر منعطفا مهما لابد من التطرق إليه واهم هذه السلبيات عدم وصول امرأة إلى هذه المجالس علما بأن تاريخ المرأة ونضالاتها في البحرين مشهودة في القاموس السياسي في الوطن العربي بأكمله، وإذا خاضت المرأة التجربة إنما تعبيرا عن هذه النضالات وهذه التضحيات وإيمانا منها بالمشاركة في القرار السياسي. فكانت صدمة للجميع عدم وصول أي امرأة في مجتمع متطور اجتماعيا مقارنة بدول الخليج. ربما اتفق مع بعض الآراء التي تضع مواصفات للمرأة المرشحة من حيث الكفاءة والشخصية ومكانتها السياسية في وسط المثقفين والجماهير كل هذه المواصفات لم تكن متوفرة في الأغلبية ممن تقدموا وبالرغم من ذلك فالقوى الديمقراطية دعمت بعض النساء في محافظة المحرق ولانعدام التنسيق ما بين هذه القوى حال دون وصول أي امرأة. بالإضافة إلى أن المرأة نفسها لم تدعم المرأة بل تبعت الرجل في قراره. ومن السلبيات الأخرى التي تعتبر ثانوية وليست رئيسية بحكم التجربة الأولى مثل المضايقات التي حصل عليها بعض المرشحين مثل المطالبة بهم بالانسحاب بالتهديد وليس بشكل أخلاقي وعقلاني من اجل مصلحة الدائرة الانتخابية. ومن جانب آخر الفتاوى الدينية بأحقية هذا المرشح على غيره بدرجة قوة إيمانه وكأن هناك ترمومتر أو مقياس استطاعوا فيها قياس درجة إيمانه على الآخرين وهذه تعتبر مزايدة على وطنية الآخرين ومدى إخلاصهم لوطنهم وللجماهير. ومن حق أي مرشح سواء كان رجل دين أو رجل آخر أن يمارس حقه في الترشيح والدعاية التي يرتئيها ولكن ليست على حساب شخص آخر أو تضليل الجماهير أو تشكيكها بإيمان هذا المرشح وذاك وتكفير الآخرين كما حدث في اكثر من منطقة ونتمنى أن لا تحدث مثل هذه التجاوزات في انتخابات أكتوبر لأنها ستكون اكثر قوة واكثر جرأة لأنها تمثل مستقبل بلد في القضاء على الفساد الإداري والتخطيط لمستقبل هذه الأمة. أما السلبيات التي واجهت القوى الديمقراطية فيما يتعلق بالأمور الإدارية والتنظيم وإعداد القوائم وكثافة اللجان والمسح الميداني كلها أمور ليست صعبة إذا تم تجسيدها على ارض الواقع وتم التنسيق ما بين هذه القوى وتم توحيد القوائم الانتخابية فحتما ستكون النتيجة مختلفة تماما. فالقوى الديمقراطية معروفة بجذورها ونضالها على الساحة امتدادا بنهاية الأربعينات والخمسينات والستينات مع انتفاضة 56 والسبعينات مع التحركات العمالية في 72م وتواجدها داخل مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية وكل هذا سهل على القوى الديمقراطية وحلها مرتبط بمجرد الجلوس معا ورسم سياسة المستقبل، إن السلبيات التي تم ذكرها ليست كل العوامل في تراجع المد الديمقراطي دائما هناك أسباب وعوامل موضوعية وذائقة لعبت دورا كبيرا لا يمكن ذكرها بشكل عابر ولكن ممكن ذكر بعضها وهي الأزمة التي يمر بها المثقفون في الوسط الديمقراطي من فن ومسرح وأدب وشعر ولغة ورواية وعدم ربط هذه الهموم وهذه القضايا بهموم المجتمع ومشاكله وقضاياه مما خلق حاجزا ما بين المثقف والجماهير هذا الموضوع بحاجة إلى من يطرقه ويبحث في دهاليزه ويحرك عقلية مثقفينا كأزمة مرتبطة بهم وليست في الجماهير. وفي النهاية المكسب الحقيقي هو الديمقراطية بكل سلبياتها وإيجابياتها طالما هناك ممارسة حقيقية بعيدة عن التطرف والعنف.