|
الرأسمالية في الزراعة
فلاديمير لينين
(Vladimir Lenin)
الحوار المتمدن-العدد: 2812 - 2009 / 10 / 27 - 19:38
المحور:
الارشيف الماركسي
ترجمة: أسامة توفيق دار ابن خلدون سلسلة دليل المناضل المكتبة الاقتصادية – 7
محتويات المقالة الأولى 4 المقالة الثانية 24 عرض لكتاب كاوتسكي: المسألة الزراعية (نظرة عامة على اتجاهات الزراعة الحديثة والسياسة الزراعية) 32 عرض لكتاب بارفوس "السوق العالمي والأزمة الزراعية" 36
الرأسمالية في الزراعة (كتاب كاوتسكي ومقالة السيد بولجاكوف) · كتب في إبريل – مايو 1899 ونشر في يناير – فبراير 1900 في مجلة جيزن (الحياة) بتوقيع فل. إيلين. · مترجم عن الأعمال الكاملة، مجلد 4، النسخة الإنجليزية، موسكو 1964، دار التقدم.
المقالة الأولى تحتوي مجلة ناتشالو عدد 1-2 (القسم الثاني من ص 1-21) على مقال للسيد س. بولجاكوف بعنوان: "إسهام في مسألة التطور الرأسمالي في الزراعة"، وهو عبارة عن نقد لكتاب كاوتسكي عن المسألة الزراعية. ويقول السيد بولجاكوف عن حق أن "كتاب كاوتسكي يمثل وجهة نظر متكاملة عن العالم"، وأن له أهمية نظرية وعملية كبيرة. وأنه ربما يكون أول بحث منهجي وعلمي لهذه المسألة التي أثارت جدلاً حاميًا في كل البلاد ولا زالت تثير مثل هذا الجدل، حتى بين الكتاب الذين يتفقون في الآراء العامة والذين يعتبرون أنفسهم ماركسيين. إن السيد بولجاكوف "يقصر نفسه على النقد السلبي" وعلى نقد "المسلمات الفردية في كتاب كاوتسكي" (التي عرضها لقراء "ناتشالو" على نحو مختصر جدًا، وغاية في عدم الدقة كما سنبين). ويأمل السيد بولجاكوف "أن يقدم فيما بعد عرضًا منهجيًا لمسألة التطور الرأسمالي في الزراعة" وبهذه الطريقة "يقدم أيضًا وجهة نظر عن العالم متكاملة" في معارضة وجهة نظر كاوتسكي. وليس لدينا أدنى شك في أن كتاب كاوتسكي سيثير جدلاً ليس بالقليل بين الماركسيين في روسيا، وأن هناك في روسيا أيضًا من سيعارضه كما أن البعض الآخر سيؤيده. وعلى أية حال، فإن مؤلف هذه السطور يعارض بكل ما لديه من يقين رأي السيد بولجاكوف وتقييمه لكتاب كاوتسكي. فعلى الرغم من اعتراف السيد بولجاكوف بأن كتاب المسألة الزراعية Die Agrarfrage "عمل مرموق" فإن تقييمه كان حادًا بشكل يدعو للاستغراب، ومكتوب بلهجة غير تلك المعتادة في الجدل بين مؤلفين من اتجاهات متقاربة. وهذه عينات من التعبيرات التي يستخدمها السيد بولجاكوف: "سطحي للغاية"... "ـافه في كل من علم الزراعة الواقعي وعلم الاقتصاد الواقعي بنفس القدر"... "إن كاوتسكي يستخدم عبارات فارغة ليتهرب من المسائل العلمية الجادة". (التشديد من السيد بولجاكوف)... إلخ إلخ. ولذا فإننا سوف نفحص بعناية هذه التعبيرات التي استخدمها ذلك الناقد القاسي، ونقدم في الوقت ذاته كتاب كاوتسكي للقارئ. -1- إن السيد بولجاكوف يوجه بهذه المناسبة ضربة لماركس حتى قبل أن ينصرف لكاوتسكي. وغني عن البيان أن السيد بولجاكوف يؤكد الخدمات العديدة التي قدمها هذا الاقتصادي العظيم إلا أنه يلاحظ أن المرء يصطدم في أعمال ماركس "أحيانًا"، "بآراء خاطئة... رفضها التاريخ على نحو كاف". و"من ضمن هذه الآراء على سبيل المثال ذلك الرأي القائل بأن رأس المال المتغير في الزراعة يتناقض بالنسبة لرأس المال الثابت مثلما حدث في الصناعة المعملية، وهكذا فإن التركيب العضوي لرأس المال الزراعي يزداد باستمرار". من المخطئ هنا هل هو ماركس أم السيد بولجاكوف؟ إن السيد بولجاكوف يضع في اعتباره أن التقدم التكنيكي في الزراعة والكثافة المتزايدة للزراعة يؤديان في الغالب إلى تزايد كمية العمل الضروري لزراعة قطعة معينة من الأرض. وذلك أمر لا جدال فيه، إلا أنه أبعد من أن يكون رفضًا لنظرية تناقص رأس المال المتغير نسبيًا بالنسبة لرأس المال الثابت، وعلى نحو متناسب مع رأس المال الثابت. فنظرية ماركس تؤكد فحسب على أن معدل م/ث (م = رأس المال المتغير، ث = رأس المال الثابت) في عمومه يميل للتناقض عندما يتزايد م في وحدة المساحة. فهل تدحض نظرية ماركس إذا تزايد ث في الوقت ذاته على نحو أكثر سرعة؟ إن الزراعة في البلاد الرأسمالية إذا أخذت في مجملها تبين تناقص (م) وتزايد (ث). فسكان المناطق الريفية وعدد العمال الذين يعملون في الزراعة يتناقص في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا، في حين أن عدد الماكينات المستخدمة في الزراعة يتزايد. وفي ألمانيا على سبيل المثال من 1882 إلى 1895 تناقص عدد سكان الأرياف من 19200000 إلى 18500000 (وتناقص عدد العمال الذين يعملون بالأجر في الزراعة من 5900000 إلى 5600000)، على حين تزايد عدد الماكينات المستخدمة في الزراعة من 458369 إلى 913391 ([1])؛ وتزايد عدد الماكينات التي تدار بالبخار وتستخدم في الزراعة من 2731 (في سنة 1879) إلى 12856 (في سنة 1897) على حين تزايد إجمالي قوة أحصنة الآلات البخارية المستخدمة في أكثر من ذلك. وتزايد عدد المواشي من 15800000 إلى 17500000 وتزايد عدد المواشي من 15800000 إلى 17500000 وتزايد عدد الخنازير من 9200000 إلى 12200000 (في 1883 و1892 على التوالي). وفي فرنسا تناقص سكان الأرياف من 6900000 (مستغلة) في 1882 إلى 6600000 في 1892؛ وتزايد عدد الماكينات الزراعية كالتالي: سنة 1862 – 132784؛ سنة 1882 – 278896؛ سنة 1892 – 355795. وكان عدد المواشي كالتالي: 12000000؛ 13000000؛ 137000000 على التوالي؛ وعدد الخيول 2910000، 2840000، 2790000 على التوالي (إن الانخفاض في عدد الخيول في فترة 1882 – 1892 يعتبر قليل الأهمية بالنسبة للانخفاض في سكان القطاعات الريفية). وبهذه الطريقة فإن تاريخ البلاد الرأسمالية في مجمله لا يدحض بكل تأكيد إمكانية تطبيق قانون ماركس في الزراعة بل يؤكدها. لقد كان الخطأ الذي وقع فيه السيد بولجاكوف هو أنه رفع وقائع معينة في اقتصاديات الزراعة على نحو متسرع دون البحث في دلالتها إلى مستوى القوانين الاقتصادية العامة. ونحن نؤكد على كلمة "العامة" لأن ماركس وتلاميذه لا ينظرون بتاتًا إلى تلك القوانين إلا باعتبارها قوانين لكل الحالات الفردية. ولقد أشار ماركس نفسه إلى أنه حتى في الصناعة تعقب فترات التغير التكنيكي (حيث يتناقص معدل م/ث) فترات تقدم في القاعدة التكنيكية المحددة (حيث يبقى معدل م/ث ثابتًا إلى حد أنه قد يزيد في حالات معينة). ونحن نعرف حالات في التاريخ الصناعي للبلاد الرأسمالية تعارضت مع هذا القانون فروع بكاملها من الصناعة، مثلما حدث عندما انهارت الورش الرأسمالية الكبيرة (التي سميت خطأ مصانع) وحلت محلها الصناعة الرأسمالية المنزلية (Capitalist Domestic Industry). ولا شك في أن عملية تطور الرأسمالية في الزراعة معقدة على نحو يستعصى على القياس وأنها تتخذ أشكالاً لا نظير لها في تنوعها. ولنرجع الآن إلى كاوتسكي. إن المجمل الذي يبدأ به كاوتسكي عن الزراعة في المرحلة الإقطاعية يقال عنه أنه "مصنف سطحي للغاية ولا لزوم له". من الصعب أن نفهم الدافع لمثل هذا الحكم. غير أننا متأكدين من أنه لو نجح السيد بولجاكوف في إنجاز خطته في أن يقدم عرضًا منهجيًا للتطور الرأسمالي في الزراعة، فإنه كان يتعين عليه أن يجمل الملامح الأساسية للاقتصاد الزراعي فيما قبل الرأسمالية. فدون ذلك لا يمكن فهم طابع الاقتصاد الرأسمالي، والأشكال الانتقالية التي تربطه بالاقتصاد الإقطاعي. ويعترف السيد بولجاكوف ذاته بالأهمية البالغة "للشكل الذي تتخذه الزراعة في بداية (التشديد من بولجاكوف) طريقها الرأسمالي". وهذا على وجه الدقة ما يبدأ به كاوتسكي "بداية الطريق الرأسمالي" للزراعة الأوروبية. وهذا المجمل الذي قدمه كاوتسكي عن الزراعة الإقطاعية ممتاز في رأينا؛ وهو يكشف عن وضوح غير عادي وقدرة على اختيار ما هو أكثر أهمية وأساسي دون الانخراط في تفاصيل ثانوية وهو ما يتميز به هذا الكاتب عمومًا. ويقدم في البداية في مقدمته عرضًا دقيقًا للغاية للمسألة. ويعلن بأكثر الألفاظ توكيدًا أنه "ليس هناك أدنى شك – ونحن مستعدين لقول هذا منذ البداية (Von Vornherein) – إن الزراعة لا تتطور على نموذج الصناعة ذاته: فهي موضوع لقوانين خاصة" (ص 5-6). والواجب هو "أن نبحث فيما إذا كان رأس المال يخضع الزراعة لسيطرته، وأن ندرس الطريقة التي يسيطر بها على الزراعة وكيف يغيرها، وكيف يبطل أشكال الإنتاج القديمة وأشكال الملكية القديمة، ويخلق احتياجًا لأشكال جديدة" (ص 6). مثل هذا التقديم للمسألة، ومثل هذا التقديم فحسب يمكن أن يؤدي إلى تفسير كاف "لتطور الزراعة في المجتمع الرأسمالي" (عنوان الجزء الأول – النظري – من كتاب كاوتسكي). في بداية "الطريق الرأسمالي" كانت الزراعة في أيدي الفلاحين الذين كانوا خاضعين بصفة عامة للنظام الإقطاعي في الاقتصاد الاجتماعي. ويصف كاوتسكي في البداية نظام الفلاح في الزراعة الذي يجمع بين الزراعة والصناعة المنزلية، وبالإضافة إلى ذلك يصف عناصر الانهيار في جنة البرجوازية الصغيرة هذه، جنة الكتاب المحافظين (على غرار سيسموندي)، وأهمية الربا والتدرج في "التدخل في الريف، وفي عقر دار الفلاح، وأهمية الصراع الطبقي الذي قضي على جماعية المصالح وقضي على الانسجام القديم" (ص 13). هذه العملية التي بدأت منذ العصور الوسطى لم تنته بعد تمامًا حتى اليوم. نحن نؤكد على هذه العبارة لأنها تبين على نحو مباشر الخطأ التام للسيد بولجاكوف في تأكيده أن كاوتسكي لم يتساءل حتى عمن هو الذي كان رسول التقدم التكنيكي في الزراعة. لقد أثار كاوتسكي هذا السؤال وأجاب عليه على نحو محدد تمامًا؛ وأي أمرئ يقرأ كتابه بعناية سيفهم أن الحقيقة (التي يغفل عنها في غالب الأحيان المتخصصون في الزراعة والشعبيون وغيرهم) هي أن رسول التقديم التكنيكي في الزراعة الحديثة هو البرجوازية الريفية الكبيرة والصغيرة؛ وأن البرجوازية الكبيرة (كما بين ذلك كاوتسكي) تلعب دورًا أهم في هذا الصدد من الدور الذي تلعبه البرجوازية الصغيرة. -2- بعد وصف الملامح الرئيسية للزراعة الإقطاعية (في الفصل الثالث)؛ وسيطرة نظام الحقول الثلاثة أكثر النظم المحافظة في الزراعة، واضطهاد الفلاحين ونزع ملكيتهم من قبل أرستقراطية ملاك الأرض الكبار، وتنظيم الزراعة الإقطاعية – الرأسمالية من قبل الملاك الكبار، وتحول الفلاحين إلى فقراء جائعين (Hunger leider) في القرنين السابع والثامن: وتطور الفلاحين البرجوازيين (Gross bauern) الذين لا يستطيعون تدبير شؤونهم دون عمال زراعيين منتظمين ودون عمال يومية)، والذين كانت لا تناسبهم الأشكال القديمة من العلاقات الريفية ولا شروط امتلاك الأرض؛ وإزالة هذه الأشكال وتمهيد الطريق "للزراعة الرأسمالية المكثفة" (ص 26) بقوة الطبقة البرجوازية التي تطورت من رحم الصناعة والمدن – بعد وصف كل ذلك يواصل كاوتسكي وصف "الزراعة الحديثة" (الفصل الرابع). ويحتوي هذا الفصل على ملخص واضح وشامل ودقيق على نحو غير عادي للثورة الهائلة التي أحدثتها الرأسمالية في الزراعة عن طريق تحويل تلك الحرف الرتيبة عند الفلاحين المسحوقين تحت وطأة الفاقة والجهل إلى تطبيق علمي للهندسة الزراعية، وعن طريق إقلاق الكساد الطويل الأمد للزراعة، وعن طريق إعطاء قوة دافعة (ومواصلة ذلك) للتطور السريع لقوى إنتاج العمل الاجتماعي. ولقد أخلى نظام الحقول الثلاثة Three Field System السبيل لنظام المناوبة بين المحاصيل، وتحسن رعي الماشية وصيانة التربة، وتزايد الناتج وتطور التخصص في الزراعة وتقسيم العمل بين المزارع تطورًا كبيرًا. وحل محل التماثل السابق على الرأسمالية تنوع متزايد مصحوب بتقدم تكنيكي في كل فروع الزراعة. ودخل استخدام المكينة في الزراعة وكذلك استخدام القوة البخارية واجتازا تطورًا سريعًا، أما استخدام الكهرباء الذي يشير المختصون إلى أنه من المقدر أن يلعب دورًا أكبر حتى من الدور الذي لعبه البخار في هذا الفرع من الإنتاج فقد بدأ. ولقد بدأ استخدام الطرق الممهدة وتحسين تخطيط الأرض، واستخدام المخصبات الصناعية وفقًا لتطور فسيولوجيا النبات، وبدأ استخدام البكتريولوجيا في الزراعة. ويؤكد السيد بولجاكوف أن "معطيات ([2]) كاوتسكي غير المصحوبة بتحليل اقتصادي" لا أساس لها بالمرة. لقد بين كاوتسكي على نحو دقيق العلاقة بين هذه الثورة وبين نمو السوق (وعلى الأخص نمو المدن) وخضوع الزراعة للمنافسة تلك التي أدخلت التغيرات والتخصصات قسرًا. "هذه الثورة التي ترجع في أصولها إلى رأس المال المدين Urban Capital تزيد من اعتماد المزارع على السوق، وبالإضافة إلى ذلك تزيد من أهمية التغيرات المستمرة في أحوال السوق بالنسبة له. فالفرع الذي كان مربحًا حين كانت الصلة الوحيدة للسوق المحلي بالسوق العالمي هي الطرق الرئيسية أصبح غير مربح وأصبح من الضروري أن يقضي عليه فرع آخر من الإنتاج عندما شقت السكك الحديدية طريقها عبر الأقاليم. فإذا كانت السكك الحديدية تجلب الحبوب على سبيل المثال بسعر أرخص فإن إنتاج الحبوب يصبح غير مربح، إلا أنه في الوقت ذاته ينشأ سوق جديد للألبان. ويجعل ازدياد تداول السلع من الممكن إدخال أنواع محسنة من المحاصيل إلى الريف.... إلخ (ص 37-38). ويقول كاوتسكي: "من مرحلة الإقطاع كانت الزراعة الوحيدة هي الزراعة الصغيرة، لأن سيد الأرض كان يزرع حقوله بأدوات الفلاح، ولكن الرأسمالية أوجدت لأول مرة إمكانية لإنتاج كبير في الزراعة، وهو إنتاج أكثر ترشيدًا من الناحية التكنيكية عن الإنتاج الصغير". ويفسر كاوتسكي عند مناقشته للميكنة الزراعية – (ويجب أن يقال "يوجد هنا ورقة الكلام فيها ممسوح" فائض قيمة، أن يتحول بصفة عامة إلى رأسمال فعلي. ومن هنا فإن الإنتاج الزراعي الحديث إنتاج رأسمالي" (ص 56). أن هذه الفقرة تمكننا على نحو عارض من أن نقوم بتقييم للعبارة التالية التي قالها السيد بولجاكوف: "إنني أستعمل هذا اللفظ (الزراعة الرأسمالية) بالمعنى المعتاد (ويستخدمها كاوتسكي أيضًا بنفس المعنى) أي بمعنى الإنتاج الكبير في الزراعة. ولكن بالفعل (كذا!) عندما ينظم الاقتصاد القومي في مجمله على النهج الرأسمالي، فلا وجود لزراعة لا رأسمالية، فمجمل وجودها يتحدد بالشروط العامة لتنظيم الإنتاج، ومن خلال هذه الحدود فحسب ينبغي التمييز بين الزراعة الكبيرة زراعة المقاولين وبين الزراعة الصغيرة، وابتغاء الوضوح فإننا نحتاج هنا أيضًا إلى مصطلح جديد". وبهذه الطريقة يبدو أن السيد بولجاكوف يصحح كاوتسكي... "ولكن بالفعل" لم يستخدم كاوتسكي كما يرى القارئ مصطلح "الزراعة الرأسمالية" بالمعنى المعتاد غير الدقيق الذي يستخدمه السيد بولجاكوف. فكاوتسكي يفهم تمام الفهم أن الإنتاج الزراعي في مجمله في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي هو إنتاج رأسمالي "بصفة عامة" وهو يقول ذلك بوضوح تام وبإيجاز تام. وتدعيمًا لهذا الرأي يقدم هذه الواقعة البسيطة وهي أن هناك احتياجًا في الزراعة الحديثة للنقود وأن النقود التي لا توظف لغرض الاستهلاك الفردي في المجتمع الحديث تصبح رأسمالاً. يبدو أن ذلك أوضح قليلاً من "تصحيح السيد بولجاكوف وأن كاوتسكي قد برهن تمامًا عبر إمكانية الاستغناء عن "مصطلح جديد". ويؤكد كاوتسكي في الفصل الخامس، ضمن – يتحدث فيه، أن نظام المزارع المستأجر الذي نص تمامًا في إنجلترا، ونظام الرهن الذي يتطور بسرعة مذهلة في أوروبا القارية يعبران في جوهرهما عن عملية واحدة ومعينة بالذات هي انفصال الأرض عن الفلاح ([3]). وفي ظل نظام المزارع المستأجر فإن هذا الانفصال يبدو واضحًا كالشمس. وفي ظل نفس الرهن فإن الأمر "أقل وضوحًا وليست الأمور بهذه البساطة، بيد أنها في جوهرها تؤدي إلى تغير الشيء". (ص 86). ومن الواضح في الواقع أن رهن الأرض هو رهن أو بيع ريع الأرض، وبالتالي فإنه في ظل تقسيم الرهن، مثلما هو الحال في ظل نظام المزارع المستأجر ينفصل جباة الريع (= ملاك الأرض) عن جباة الربح في المؤسسة (= المزارعون والمقاولون الريفيون) – "وعمومًا فإن دلالة هذا التأكيد عند كاوتسكي غير واضحة" بالنسبة للسيد بولجاكوف. "فمن الصعوبة اعتبار أن نظام الرهن الذي يعبر عن انفصال الأرض عن المزارع، قضية ثابتة". "فليس في الإمكان أولاً إثبات أن الدين يبتلع الريع بكامله، فذلك غير ممكن إلا بطريق الاستثناء..." ونرد على ذلك بالآتي: لا حاجة بنا لإثبات أن فائدة ديون الرهن تبتلع الريع بأكمله، كما أنه لا حاجة بنا لإثبات أن المقدار الفعلي المدفوع إيجارًا للأرض يتطابق مع الريع. فمن الكافي أن نثبت أن ديون الرهن تنمو بسرعة فائقة، وأن الملاك يتجهون إلى رهن كل أرضهم وإلى بيع الريع بأكمله. إن وجود مثل هذا الاتجاه – والتحليل الاقتصادي النظري يمكن أن يبحث فحسب في الاتجاهات وأن يبحثها بصفة عامة – أمر لا شك فيه. وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك ثمة شك في عملية انفصال الأرض عن المزارع. إن اجتماع جابي الريع وجابي ربح المؤسسة في شخص واحد "من وجهة النظر التاريخية استثناء" (ist historuchein ausnahme) (ص 91). "وثانيًا ينبغي تحليل أسباب ومصادر الدين في كل حالة منفصلة حتى يمكن فهم مغزاها". من المحتمل أن ذلك خطأ أو زلة. فليس في مقدور السيد بولجاكوف أن يطلب من الاقتصادي (الذي يبحث علاوة على ذلك "تطور الزراعة في المجتمع الرأسمالي" بصفة عامة) أن يبحث أسباب الدين "في كل حالة منفصلة" ولا حتى أنه يتوقع أنه يجب أن يكون قادرًا على فعل ذلك. أما إذا كان السيد بوفجاكوف يود أن يقول أنه من الضروري أن يحلل أسباب الدين في مختلف البلاد في مراحل مختلفة فليس في إمكاننا أن نوافقه. فكاوتسكي على حق تمامًا في قوله أن عديدًا من المصنفات في المسألة الزراعية قد تراكمت وأن المهمة الملحة للنظرية الحديثة ليست إضافة مصنفات جديدة، بل "بحث الاتجاهات الرئيسية للتطور الرأسمالي في الزراعة في مجملها" (المقدمة ص 6). وضمن هذه الاتجاهات الرئيسية بلا شك انفصال الأرض عن المزارع في صورة زيادة ديون الرهن. ولقد حدد كاوتسكي بوضوح، وعلى نحو دقيق الدلالة الواقعية للرهونات، وطابعها التاريخي التقدمي (انفصال الأرض عن المزارع، هو أحد شروط تشريك الزراعة ص 88) والدور الأساسي الذي تلعبه الرهونات في التطور الرأسمالي في الزراعة ([4]). أن أدلة كاوتسكي جميعها عن هذا الموضوع قيمة للغاية من الناحية النظرية، وتمدنا بسلاح فعال ضد الكلام البورجوازي المنتشر (وبخاصة في "أي كتاب جيب عن الاقتصاد الزراعي") عن "محنة" الديون وعن "تدابير الإعانة". ويستنتج السيد بولجاكوف "ثالثًا أن الأرض المؤجرة بدورها يمكن أن ترهن، وبهذا المعنى فإنها قد تتخذ نفس الوضع الذي تتخذه الأراضي غير المؤجرة" يا لها من حجة غريبة! هل يمكن للسيد بولجاكوف أن يدلنا على ظاهرة اقتصادية واحدة على الأقل، أو على مقولة اقتصادية واحدة لا تتداخل مع الظواهر والمقولات الأخرى. فواقع أن هناك حالات يجتمع فيها التأجير والرهن لا يدحض، ولا حتى يضعف القضية القائلة بأن انفصال الأرض عن المزارع يتم التعبير عنه في شكلين: في نظام المزارع المستأجر وفي ديون الرهن. ويعلن السيد بولجاكوف أيضًا أن قول كاوتسكي بأن "البلاد التي ينشأ فيها نظام المزارع المستأجر هي أيضًا البلاد التي تسود فيها الملكية الواسعة للأرض" ص 88، قول "مفاجئ جدًا"، و"غير صحيح البتة". إن كاوتسكي يتحدث في هذا الصدد عن تركز ملكية الأرض (في ظل نظام المزارع المستأجر)، وتركز الرهونات (في ظل النظام الذي يدير فيه ملاك الأرض مزارعهم) بوصفها شروط تعجل إلغاء الملكية الخاصة للأرض. ويواصل كاوتسكي حديثه عن أنه بالنسبة لمسألة تركز ملكية الأرض لا وجود لإحصاءات "يمكن المرء من أن يتعقب اندماج ملكيات عديدة في يد واحدة"، إلا أنه "يمكنه أن يفهم بصفة عامة" أن التزايد في عدد الإيجارات وفي مساحات الأرض المؤجرة يسير جنبًا إلى جنب مع تركز ملكية الأرض. "فالبلاد التي ينشأ فيها نظام المزارع المستأجر هي أيضًا البلاد التي تسود فيها الملكية الواسعة للأرض". من الواضح أن كلام كاوتسكي ينطبق فحسب على البلاد التي ينشأ فيها نظام المزارع المستأجر، ولكن السيد بولجاكوف يشير إلى شرق بروسيا، حيث "يأمل في أن يبين" أن هناك تزايدًا في عدد الإيجارات، جنبًا إلى جنب مع انهيار الملكيات الكبيرة للأرض – وهو يظن أنه يدحض كاوتسكي بهذا المثال الفردي! إلا أنه مما يدعو للشفقة أن السيد بولجاكوف ينسى أن يخبر قراءه، بأن كاوتسكي ذاته يشير إلى انهيار الملكية الواسعة في مقاطعة الألب الشرقية، وأنه عندما يقوم بذلك يفسر – كما سنبين فيما بعد – الدلالة الحقيقية لمثل هذه العمليات. ويشير كاوتسكي إلى تركز مؤسسات الرهن على أنه دليل على أن تركزًا لملكية الأرض يجري في البلاد التي توجد فيها ديون رهن. ويعتقد السيد بولجاكوف أن ذلك ليس دليلاً، ففي رأيه "أن الأمر قد يكون ببساطة هو أن عدم تركز رأس المال (نتيجة للمشاركة) يسير جنبًا إلى جنب مع تركز ربح المؤسسات". حسنًا، سوف لا نناقش السيد بولجاكوف في هذا الموضوع. -3- بعد أن يبحث كاوتسكي الملامح الرئيسية للزراعة الإقطاعية، والزراعة الرأسمالية، يدخل في مسألة "الإنتاج الكبير والإنتاج الصغير" في الزراعة (الفصل السادس). إن هذا الفصل من أفضل فصول كتاب كاوتسكي، وهو يبحث فيه بداية "التفوق التكنيكي للإنتاج الكبير". وعندما يحسم كاوتسكي الأمر لصالح الإنتاج الكبير، لا يقدم صيغة مجردة تتجاهل تنوع العلاقات الزراعية واختلافها (كما يفترض السيد بولجاكوف على غير أساس البتة)، بل أن الأمر على العكس، فهو يشير بوضوح وعلى نحو دقيق إلى ضرورة وضع هذا التنوع في الاعتبار من التطبيقات العملية للقانون النظري. "وغني عن البيان" بادئ ذي بدء أن تفوق الإنتاج الكبير على الإنتاج الصغير في الزراعة يكون أمرًا حتميًا فحسب عندما "تكون كافة الشروط الأخرى متساوية" (ص 100 والتشديد من عندي)، كما أن قانون تفوق الإنتاج الكبير على الإنتاج الصغير في الصناعة ليس مطلقًا كما يظن في بعض الأحيان، فتساوي "الشروط الأخرى" (التي لا توجد في الواقع على الدوام" هو الذي يضمن الانطباق التام لهذا القانون. بل أنه بالنسبة للزراعة التي تتميز بتعقد وتنوع أكبر في علاقاتها إلى حد لا نظير له، تعرقل انطباق قانون تفوق الإنتاج الكبير على الإنتاج الصغير انطباقًا تامًا بشروط أكثر صرامة على نحو ملحوظ. ويلاحظ كاوتسكي بذكاء على سبيل المثال، أنه بالنسبة للحدود الفاصلة بين ملكية الفلاح وملكية الإقطاعي الصغير "تتحول الكمية إلى كيفية": فقد تكون مزرعة الفلاح الكبيرة "متفوقة اقتصاديًا، إن لم تكن متفوقة تكنيكيًا" على مزرعة الإقطاعي الصغير. فاستخدام مدير ذي تربية علمية (وهو أحد الميزات الهامة للإنتاج الكبير) مكلف للغاية للملكية الصغيرة، أما إدارة المالك للمزرعة بنفسه، فهي لا تزيد في الغالب عن أن تكون إدارة "إقطاعي"، ولن تكون بأية حال إدارة علمية. ثانيًا: يتفوق الإنتاج الكبير على الإنتاج الصغير في حدود معينة فحسب، ويبحث كاوتسكي هذه الحدود، فيما بعد على نحو تام. وأنه لمن نافلة القول أن هذه الحدود تختلف في الفروع المختلفة للزراعة، وتختلف في ظل شروط اقتصادية – اجتماعية مختلفة. ثالثًا: إن كاوتسكي لا يجهل على الأقل أنه "إلى الآن" هناك فروع للزراعة يمكن أن ينافس فيها الإنتاج الصغير الإنتاج الكبير، على سبيل المثال زراعة الخضر، وزراعة الكروم والمحاصيل الصناعية. إلخ (ص 165). إلا أن هذه الفروع تحتل مركزًا ثانويًا بالنسبة للفروع الحاسمة في الزراعة (entacheidenden) على الأخص إنتاج الحبوب وتربية الحيوان، وعلاوة على ذلك فإنه "حتى في زراعة الخضر وزراعة الكروم، هناك الآن مؤسسات كبيرة ناجحة إلى حد ما" ص 115. ومن هنا "فإننا عندما نتناول الزراعة في مجملها (in Algemeinen) فإن الفروع التي يتفوق فيها الإنتاج الصغير على الإنتاج الكبير (يمكن إغفالها)، ومن الجائز تمامًا أن نقول أن الإنتاج الكبير يتفوق بلا ريب على الإنتاج الصغير" (ص 116). بعد أن برهن كاوتسكي على التفوق التكنيكي للإنتاج الكبير في الزراعة (وسوف نقدم أدلة كاوتسكي بتفصيل أكبر عند مناقشة اعتراضات السيد بولجاكوف فيما بعد)، يتساءل كاوتسكي: "ما الذي يستطيع الإنتاج الصغير أن يقدمه في مواجهة منافع الإنتاج الكبير"، ويجيب على ذلك بأنه "الداب المتزايد والعناية الزائدة للعامل الذي يعمل لنفسه على خلاف العامل بالأجر، وكذلك المستوى المنخفض لاحتياجات المزارع الصغير المستقل، التي تعتبر أكثر انخفاضًا، حتى عن احتياجات العامل الزراعي" (ص 106). إن كاوتسكي بتقديمه عددًا من الوقائع المدهشة المتعلقة بوضع الفلاحين في فرنسا وإنجلترا وألمانيا لا يدع مجالاً للشك أيًا كان بالنسبة "للعمل الزائد والاستهلاك المنخفض في الإنتاج الصغير". وأخيرًا يشير إلى أن تفوق الإنتاج الكبير يجد تعبيرًا عنه أيضًا في سعي المزارعين لتكوين الجمعيات: "فالإنتاج المجمع إنتاج كبير"، والضجة التي يثيرها أيديولوجيو البرجوازية الصغيرة عمومًا والشعبيون الروس خصوصًا (وعلى سبيل المثال كتاب كابلوكوف السالف الذكر)، عن جمعيات صغار المزارعين معروفة. لذا فإن تحليل كاوتسكي الممتاز لدور هذه الجمعيات يعتبر هامة للغاية. وبطبيعة الحال فإن جمعيات صغار المزارعين تعتبر إحدى حلقات التقدم الاقتصادي، ولكنها تعبر عن انتقال للرأسمالية (Forstschritt zum Capitalismus) لا نحو الجماعية كما قد يظن البعض أو يؤكد ذلك (ص 118). فالجمعيات لا تقلل بل تعزز تفوق (Vorsprung) الإنتاج الكبير على الإنتاج الصغير في الزراعة، لأن كبار المزارعين يتمتعون بفرص أكبر لتشكيل الجمعيات، ولاغتنام منفعة أكبر من هذه الفرص. وغني عن البيان أن كاوتسكي يؤكد بإصرار على أن الإنتاج الجماعي والمشاعي الكبير يتفوق على الإنتاج الرأسمالي الكبير. ويبحث التجارب في الزراعة الجماعية التي قام بها في إنجلترا أتباع أوين ([5]) والمشاعيات المشابهة في ولايات أميركا الشمالية المتحدة، ويقول كاوتسكي أن كل هذه التجارب تبرهن على نحو لا يدحض على أنه من الممكن تمامًا بالنسبة للعمال أن ينجزوا زراعة حديثة كبيرة بصورة جماعية، ولكن لكي تصبح هذه الإمكانية واقعًا، فإن هناك "عددًا من الشروط الاقتصادية والسياسية والعقلية المحددة" ضرورية. إن انتقال المنتج الصغير (كل من الحرفي والفلاح) للإنتاج الجماعي يعرقله النمو المتدني للغاية للتضامن والانتقام، وكذلك العزلة و"تعصب ملاك العقار" الذي لا يلاحظ بين الفلاحين في أوروبا الغربية فحسب، بل – ولنضف إلى ذلك – يلاحظ أيضًا بين فلاحي "المشاعية" الروس (ولنعد إلى الأذهان أ. ن. إنجلهارت Engelhardt و. ج. أوسبنسكي). ويصرح كاوتسكي على نحو قاطع بأنه "من العبث توقع أن الفلاح في المجتمع الحديث سوف يعود للإنتاج المشاعي" (ص 129). هذا هو المضمون الثري للفصل السادس من كتاب كاوتسكي. إن السيد بولجاكوف يعرب عن استيائه بالذات من هذا الفصل. ويقال لنا أن كاوتسكي قد اقترف "خطيئة أصلية"، خطيئة الخلط بين مفاهيم متباينة، "فالمنافع التكنيكية تخلط بالمنافع الاقتصادية"، وأن كاوتسكي "ينطلق من الافتراض الزائف القائل بأنه كلما كان نمط الإنتاج أكثر اكتمالاً تكنيكيًا كلما كان أكثر اكتمالاً اقتصاديًا أيضًا، أي أكثر حيوية". إن عبارة السيد بولجاكوف التوكيدية لا أساس لها على الإطلاق، وهو ما نود أن نقنع القارئ به عن طريق عرض تسلسل مناقشة كاوتسكي، فكاوتسكي يبحث على نحو صحيح – دون أن يخلط أدنى خلط بين التكنيك والاقتصادي ([6]) مسألة العلاقة بين الإنتاج الكبير والإنتاج الصغير في الزراعة، والشروط الأخرى تكون متساوية في ظل نظام الإنتاج الرأسمالي. ويشير كاوتسكي – في الجملة الافتتاحية لقسم الأول من الفصل السادس – على نحو دقيق لهذه الصلة بين مستوى تطور الرأسمالية ودرجة قابلية قانون تفوق الإنتاج الكبير للانطباق بصفة عامة. "كلما أصبحت الزراعة رأسمالية، كلما طورت الاختلاف الكيفي بين تكنيكات الإنتاج الصغير والإنتاج الكبير" ص92، وهذا الاختلاف الكيفي لا يوجد في الزراعة السابقة على الرأسمالية. ما الذي يمكن قوله إذن عن هذا اللوم الصارم الذي يعامل به السيد بولجاكوف كاوتسكي: "في الواقع لا بد من وضع المسألة كالتالي: ما هي الأهمية التي يمكن أن تشمل عليها – في المنافسة بين الإنتاج الكبير والإنتاج الصغير – أي من هذه السمات النوعية لأن من هذه الأشكال في الإنتاج في ظل الظروف الاجتماعية الاقتصادية الراهنة؟". إن هذا "التصحيح" يحمل نفس الطابع الذي يحمله التصحيح الذي ناقشناه من قبل. ولننظر الآن كيف دحض السيد بولجاكوف أدلة كاوتسكي على التفوق التكنيكي للإنتاج الكبير في الزراعة. يقول كاوتسكي: "من أكثر السمات أهمية التي تميز الزراعة عن الصناعة، هو أنه في الزراعة يرتبط الإنتاج بالمعنى الصحيح للكلمة (مؤسسة اقتصادية wirtschaft schetrib) عادة بأهل المنزل (Haushalt)، على حين أن الأمر ليس كذلك في الصناعة". أما أن الأسرة الأكبر تتفوق على الأسرة الصغيرة من توفير العمل والخامات، فإن ذلك أمر يكاد لا يحتاج إلى برهان... فالأولى تشتري (لاحظ ذلك – لينين) "الكيروسين والشيكوريا والسمن الصناعي بالجملة، أما الأخيرة فتشتري هذه الأدوات بالتجزئة إلخ" (ص 93). و"يصحح" السيد بولجاكوف "أن كاوتسكي لا يقصد القول أن ذلك أكثر نفعًا تكنيكيًا، بل أنه أقل تكلفة!"... أليس من الواضح في هذه الحالة (مثلما هو الأمر في غيرها) أن محاولات السيد بولجاكوف لـ"تصحيح" كاوتسكي كانت محاولات عاثرة الحظ؟ ويواصل هذا الناقد القاسي كلامه: "إن هذه الحجة في حد ذاتها مشكوك فيها، لأنه في ظل ظروف معينة قد لا تتضمن قيمة المنتج الأكواخ المبعثرة، على حين أن قيمة المنزل المشترك تتضمنها، حتى مع الفائدة المضافة. وهذا يعتمد أيضًا على ظروف اجتماعية اقتصادية معينة، التي ينبغي بحثها، ولا ينبغي بحث تفوق المنافع التكنيكية للإنتاج الكبير على الإنتاج الصغير"... إن السيد بولجاكوف ينسى في المقام الأول أمرًا بسيطًا، وهو أن كاوتسكي بعد مقارنة أهمية الإنتاج الكبير بالنسبة للإنتاج الصغير، في حين تكون كل الشروط الأخرى متساوية، بمعنى في بحث هذه الشروط بالتفصيل، وبالتالي فإن السيد بولجاكوف يود أن يخلط أمورًا مختلفة ببعضها. وثانيًا كيف لا تدخل قيمة أكواخ الفلاحين في قيمة المنتج؟ إن ذلك يكون بسبب أن الفلاح "لا يحسب" قيمة الحسب الذي يستخدمه، أو العمل الذي ينفق في بناء وإصلاح كوخه. وطالما أن الفلاح لا زال يمارس الاقتصاد الطبيعي فإنه قد "لا يحسب" بطبيعة الحال عمله، وليس هناك أي مبرر للسيد بولجاكوف في أنه لم يخبر قراءة أن كاوتسكي أشار إلى ذلك بوضوح وبدقة في صفحات 165 – 167 من كتابه (الفصل الثامن "تحول الفلاح إلى بروليتاري") ولكننا الآن نناقش "الشرط الاقتصادي الاجتماعي" للرأسمالية لا الاقتصاد الطبيعي أو الإنتاج السلعي البسيط. ففي ظل شروط الإنتاج الرأسمالي يعني "ألا تحسب" عمل المرء، أن تعمل في سبيل لا شيء (في سبيل التاجر أو الرأسمالي الآخر)، يعني أن تعمل في سبيل تعويض ناقص في مقابل قوة العمل المبذولة، ألا يعني أن تخفض مستوى الاستهلاك لمستوى أكثر انخفاضًا. كما رأينا فإن كاوتسكي قد اعترف تمام الاعتراف بهذه السمة المميزة للإنتاج الصغير وقيمها على نحو صحيح. أن السيد بولجاكوف يكرر – في اعتراضه على كاوتسكي – الحيلة المعتادة والخطأ المعتاد للاقتصاديين البورجوازيين والبورجوازيين الصغار. فهؤلاء الاقتصاديين قد أصموا أذاننا بالحديث عن "حيوية" الفلاح – على حد قولهم – إلى حساب عمله الخاس وإلى الجري وراء الربح والريع وهلم جرا. إن هؤلاء القوم الطيبين قد نسوا فحسب أن هذه الحجج تخلط بين "الشروط الاجتماعية الاقتصادية" للاقتصاد الطبيعي، الإنتاج السلعي البسيط، وبين الرأسمالية. لقد بين كاوتسكي هذه الأخطاء على نحو رائع ووضع تفرقة دقيقة بين النظم المختلفة للعلاقات الاجتماعية الاقتصادية. يقول كاوتسكي: "إذا لم يجتذب الإنتاج الزراعي للفلاح الصغير إلى مجال الإنتاج البضاعي وإذا كان فحسب جزءًا من الاقتصاد الأسري house holdeconomy فإنه يظل بعيدًا أيضًا عن أن يكون مجالاً للاتجاهات الممركزة لنمط الإنتاج الحديث. ومهما كان اقتصاده المفتت غير مرشد، ومهما كان ضياع الجهد الذي يؤدي إليه، فإنه يتشبث به بأحكام، تمامًا كما تتشبث زوجته باقتصادها المنزلي البائس، وهو ما يؤدي على نحو مشابه إلى عواقب وخيمة لا حصر لها مع إنفاق متزايد لقوة العمل، ولكنه يمثل المجال الوحيد الذي لا يخضع فيه لسيطرة أخرى والمتحرر من الاستغلال" ص 165.. ويتغير الوضع عندما يحل الاقتصاد البضاعي محل الاقتصاد الطبيعي ويتعين على الفلاح عندئذ أن يبيع منتجه ويشتري أدوات ويشتري أرضًا. وطالما ظل الفلاح منتج سلع بسيط، فإنه يمكن أن يقنع بمستوى حياة العامل بالأجر، فهو لا يحتاج للربح أو الريع، ويمكنه أن يدفع ثمنًا مرتفعًا للأرض أكبر مما يدفعه المقاول الرأسمالي (ص 166). ولكن الإنتاج الرأسمالي يحل محل الإنتاج البضاعي البسيط. فإذا رهن الفلاح أرضه – على سبيل المثال – فإنه يحصل أيضًا على الريع الذي باعه للدائن. في هذه المرحلة من التطور فحسب يمكن اعتبار الفلاح من الناحية الشكلية منتجًا سلعيًا بسيطًا، فهو يتعامل في الواقع عادة مع الرأسمالي – الدائن، التاجر، المقاول الصناعي – الذي يبحث عنده عن "عمل إضافي" أو بعبارة أخرى الذي ينبغي عليه أن يبيعه قوة عمله. في هذه المرحلة – وكاوتسكي (ونكرر ذلك) يقارن بين الزراعة الصغيرة والزراعة الكبيرة في المجتمع الرأسمالي – تعني إمكانية "ألا يحسب" الفلاح "عمله" شيئًا واحدًا فحسب بالنسبة له – على وجه التخصيص – أن يجهد نفسه حتى الموت وأن يواصل تخفيض استهلاكه. وتعادل الاعتراضات الأخرى التي يثيرها السيد بولجاكوف هذا الاعتراض في عدم الصحة. ويقول كاوتسكي أن الإنتاج الصغير يسمح باستخدام الميكنة في حدود أضيق، أن المالك الصغير يكتشف أن الائتمان صعب المنال ومكلف. ويعتبر السيد بولجاكوف أن هذه الأدلة زائفة ويرجعنا إلى الجمعيات الفلاحية! وهو يتجاهل الدليل الذي قدمه كاوتسكي بالكامل، وهو الذي قدمنا تقييمه لهذه الجمعيات وأهميتها في موضع سابق. وفي موضوع المكينة يوبخ السيد بولجاكوف كاوتسكي مرة أخرى لأنه لم يثر "المسألة الاقتصادية الأكثر عمومية": ما هو دور المكينة – إجمالاً – في الزراعة (أن السيد بولجاكوف ينسى الفصل الرابع من كتاب كاوتسكي!) وهل هي حتمية كأداة في الزراعة مثلما هو الحال في الصناعة المعملية؟ "لقد أشار كاوتسكي بوضوح إلى الطبيعة الرأسمالية لاستخدام المكينة في الزراعة الحديثة (ص 39، 40، وما يليها)، ولاحظ السمات النوعية للزراعة التي تشكل "عائقًا اقتصاديًا وتكنيكيًا" في سبيل استخدام المكينة في الزراعة (ص 38 وما يليها)، ويورد البيانات عن الاستخدام المتنامي للمكينة (ص 40)، وعن أهميتها التكنيكية (42 وما يليها) وعن دور البخار والكهرباء. وأشار كاوتسكي إلى حجم المزرعة الضروري – وفقًا لمعطيات الاقتصاد الزراعي لإنجاز أقصى استخدام لمختلف الماكينات (94) وأشار إلى أنه وفقًا للإحصاء الألماني في 1895 ازداد استخدام المكينة بثبات وسرعة من المزارع الصغيرة إلى المزارع الكبيرة (2% في المزارع التي تزيد عن هكتارين، 13.8% في المزارع التي من 2 إلى 5 هكتار، 45.8% في المزارع من 5 إلى 30 هكتار، 78.8% في المزارع من 20 إلى 100 هكتار، 94.2% في المزارع من 100 هكتار فأكثر) وبدلاً من هذه البيانات كان ينبغي على السيد بولجاكوف أن يفضل الأدلة "العامة" عن "عدم طواعية" أو طواعية الآلات!.. ويقول السيد بولجاكوف: "أن القول بأن عددًا أكبر من حيوانات الجر بالنسبة للهكتار يستخدم في الإنتاج الصغير قول غير مقنع.. لأن الكثافة النسبية لتربية الحيوانات في المزرعة.. لم تدرس". ونحن نفتح كتاب كاوتسكي على الصفحة التي تتضمن هذا القول ونقرأ الآتي: "أن عدد الأبقار الكبير في المزرعة الصغيرة (بالنسبة لـ1000 هكتار) تتحدد أيضًا إلى مدى ليس بالقليل بواقع أن الفلاح أكثر انشغالاً بتربية الحيوانات وأقل انهماكًا في إنتاج الحبوب من المزارع الكبير، ولكن ذلك لا يفسر الفرق في عدد الحيوانات المرباة" (ص 96 ويستشهد فيها ببيانات عن سكسونيا في 1860، وعن ألمانيا في مجملها في 1883 وعن إنجلترا في 1880). ونحن نذكر القارئ بواقع أن إحصاءات الإدارات المحلية في روسيا تكشف عن نفس القانون الذي يعبر عن تفوق الزراعة الكبيرة على الزراعة الصغيرة... فمزارع الفلاح الكبير تعمل بعدد أقل من الماشية والأدوات بالنسبة لوحدة الأرض ([7]) أن السيد بولجاكوف يقدم عرضًا أبعد من أن يكون مكتملاً لأدلة كاوتسكي عن تفوق الإنتاج الكبير على الإنتاج الصغير في الزراعة الرأسمالية. وتفوق الزراعة الكبيرة لا يمكن فحسب في واقع أن هناك فاقة أقل في المساحة المزروعة، ووفرًا في الدواب والأدوات، وأقصى استخدام للأدوات، وإمكانيات أوسع لاستخدام الميكنة، وفرصًا أكبر للحصول على الائتمان، بل يكمن أيضًا في التفوق التجاري للإنتاج الكبير واستخدام مديرين مدربين على أحدث التدريبات العلمية (كاوتسكي ص 104). والزراعة الكبيرة تستفيد بتعاون العمال وتقسيم العمل إلى مدى أبعد. ولقد علق كاوتسكي أهمية خاصة على التربية العلمية والاقتصادية للمزارع "فالمزارع الذي تلقى تربية علمية صحيحة، لا يمكن أن يوظف إلا في مزرعة كبيرة بما فيه الكفاية لتستوعب أعمال الإدارة والإشراف فيها قوة عمل الشخص بالكامل" (ص 98: "حجم هذه المزارع يختلف تبعًا لنمط الإنتاج" من ثلاثة هكتارات من الكروم إلى 500 هكتار من الزراعة الكثيفة). ويذكر كاوتسكي في هذا الصدد ذلك الواقع الهام والمميز للغاية وهو أن إنشاء مدارس زراعية أولية وثانوية يعود بالنفع على المزارع الكبير لا على الفلاح من خلال إمداد هؤلاء المزارعين الكبار بالمستخدمين (نفس الشيء ملحوظ في روسيا). "والتعليم العالي المطلوب لإنتاج مرشد تمامًا لا يكاد يتفق مع الظروف الراهنة التي يحياها الفلاح وهذه إدانة بالطبع لشروط حياة الفلاحين لا للتعليم العالي. أنه يعني فحسب أن الإنتاج الفلاحي يمكنه أن يحيا جنبًا إلى جنب مع الإنتاج الكبير، لا بسبب إنتاجيته المرتفعة بل نظرًا لمتطلباته الأكثر انخفاضًا (ص 99). والإنتاج الكبير لا بد له من ألا يستخدم العمال من الفلاحين فحسب بل أن يستخدم أيضًا العمال من المدن، ذوي المتطلبات الأرقى في مستواها بما لا يقارن بمتطلبات الفلاحين. ويسمى السيد بولجاكوف البيانات الهامة والمفيدة للغاية التي يوردها كاوتسكي للبرهنة على "العمل الزائد والاستهلاك المنخفض في الإنتاج الصغير" بأنها استشهادات قليلة (!) وعرضية (؟؟). إن السيد بولجاكوف "يحمل على عاتقه" الاستشهاد بالمثل "باستشهادات ذات طبيعة مضادة" وهو ينسى فحسب أن يقول لنا أيضًا ما هو التأكيد المضاد الذي سوف يبرهن عليه عن طريق "الاستشهادات ذات الطبيعة المضادة".. هذا هو كل ما في الأمر! هل يحمل السيد بولجاكوف على عاتقه التأكيد بأن الإنتاج الكبير في المجتمع الرأسمالي يختلف عن الإنتاج الفلاحي في سيادة العمل الزائد والاستهلاك المنخفض لعماله؟ أن السيد بولجاكوف حذر للغاية من أن يقع في مثل هذا التأكيد المضحك. فهو يعتبر أنه من الممكن تفادي حقيقة العمل الزائد والاستهلاك المنخفض للفلاحين بملاحظة أنه "في بعض المواضع يعتبر الفلاحين في رخاء، وفي مواضع أخرى يعتبرون فقراء"! ما الذي يمكننا قوله للاقتصادي الذي بدلاً من أن يعمم البيانات عن وضع الإنتاج الصغير والإنتاج الكبير يشرع في بحث الاختلاف في "رخاء" السكان في "المواضع" المختلفة؟ ما الذي في إمكاننا قوله للاقتصادي الذي يتهرب من العمل الزائد والاستهلاك المنخفض للحرفيين بالمقارنة مع عمال المدن، بملاحظة أنه "في بعض المواضع يعتبر الحرفيين في رخاء وفي بعض المواضع الأخرى يكونون فقراء؟ وبهذه المناسبة هناك كلمة عن الحرفيين. يكتب السيد بولجاكوف قائلاً: "من الواضح أن كاوتسكي يقيم توازيًا عقليًا مع الصناعة المنزلية (hausindustrie) حيث لا توجد حدود تكنيكية للعمل الزائد (كما هو الحال في الزراعة) ولكن هذا التوازن غير مناسب في هذا الصدد". ونجيب على ذلك بأنه من الواضح أن السيد بولجاكوف لم يكن منتبهًا على نحو مدهش للكتاب الذي ينقده لأن كاوتسكي "لم يقيم بصورة عقلية توازيًا" مع الصناعة المنزلية بل أشار إلى ذلك على نحو مباشر وعلى وجه الدقة في الصفحة الأولى ذاتها من هذا القسم من الفصل، الذي يعالج مسألة العمل الزائد (الفصل السادس، ب2 ص 106) "مثلما هو الحال في الصناعة المنزلية (hausindustrie) فإن عمل أطفال الأسرة في المزرعة الفلاحية الصغيرة أكثر ضررًا حتى من العمل الذي يقوم به الآخرون بالأجر"، ومهما حكم السيد بولجاكوف مؤكدًا أن التوازي غير مناسب في هذا الصدد، فإن رأيه رغم ذلك خاطئ. ويقول السيد بولجاكوف بأنه في الصناعة ليس للعمل الزائد حدود تكنيكية، ولكن بالنسبة للفلاحين فإنه "محدود بالشروط التكنيكية للزراعة". إن القضية التي تنشأ عن ذلك في الواقع هي من الذي يخلط التكنيك بالاقتصاد كاوتسكي أم السيد بولجاكوف؟ ما الذي يفعله تكنيك الزراعة أو الصناعة المنزلية بالنسبة لهذه الحالة التي تبرهن فيها الوقائع على أن المنتج الصغير في الزراعة وفي الصناعة يسوق أولاده للعمل في سن مبكرة، وأنه يعمل أكبر عدد من ساعات اليوم، ويحيا "بأقل القليل" ويخفض متطلباتهم إلى ذلك المستوى الذي يبدو في هذا البلد المتحضر كما لو كان "بربريًا" حقيقيًا (تعبير ماركس)؟ هل يمكن إنكار التجانس الاقتصادي لهذه الظواهر في الزراعة والصناعة على أساس أن الزراعة تتميز بعدد كبير من السمات النوعية (التي لا يغفلها كاوتسكي بتاتًا)؟ ويقول السيد بولجاكوف: "إن الفلاح الصغير ليس في إمكانه أن يقضي في العمل أكثر مما يتطلبه حقله حتى لو أراد ذلك". ولكن الفلاح الصغير يمكنه أن يعمل بل ويعمل بالفعل 14 ساعة لا 12 ساعة في اليوم، ويمكنه أن يعمل وهو يعمل بكثافة تفوق المعتاد تؤدي إلى إنهاك أعصابه وعضلاته على نحو أسرع من الكثافة العادية. وعلاوة على ذلك، يا له من تجريد غاية في التجريد أن يختزل عمل الفلاح في مجمله إلى عمله في الحقل! ولن تجد شيئًا شبيهًا بذلك في كتاب كاوتسكي. فكاوتسكي يعرف على نحو جيد تمامًا أن الفلاح يعمل أيضًا في منزله، يعمل في بناء وإصلاح كوخه، وحظيرة الماشية، والأدوات... إلى آخره، "ولا يحسب" هذا العمل الإضافي، الذي يطلب العامل بالأجر في المزرعة الكبيرة مقابل له بالمعدل المعتاد. أليس من الواضح بالنسبة لكل شخص غير متحيز أن العمل الإضافي له حدود أوسع أو مع بما لا يقارن بالنسبة للفلاح – بالنسبة للمزارع الصغير – أكبر مما بالنسبة للمنتج الصناعي إذا كان كذلك فحسب؟ أن العمل الإضافي المزارع الصغير قد تمت البرهنة عليه على نحو أخاذ بوصفه ظاهرة عامة بواقع أن الكتاب البورجوازيين يستشهدون بالإجماع بـ"كدح" و"تدمير" الفلاح ويتهمون العمال بـ"التراخي" و"التبذير". ويقول أحد الباحثين في حياة السكان الريفيين في فستفاليا – Westphalia – الذي استشهد به كاوتسكي – أن الفلاحين الصغار يجعلون أطفالهم يعملون عملاً إضافيًا إلى حد أن نموهم الجسماني يتوقف؛ أن العمل بالأجر ليست له مثل هذه الجوانب الضارة. ولقد صرح مزارع صغير من لينكو منشاير بالآتي إلى اللجنة البرلمانية التي بحثت الأوضاع الزراعية في إنجلترا (1897): "لقد رعيت عائلة وعملوا إلى حد الموت تقريبًا". وقال مزارع آخر: "أنا وأولادي نعمل لمدة ثمانية عشر ساعة يوميًا لعدة أيام ونعمل بمعدل من عشر إلى أثنى عشر ساعة طوال العام". وقال ثالث: "نحن نعمل بصورة أشق من العمال، نعمل في الواقع كالعبيد". ووصف السيد ريد للجنة ذاتها ظروف المزارع الصغير في المقاطعات التي تسود فيها الزراعة بالمعنى الدقيق للكلمة على النحو التالي: "إن الطريقة الوحيدة التي يمكنه بها أن يكون موفقًا هي أن يقوم بعمل اثنين من العمال الزراعيين ويحيا بنفقة عامل واحد... أما فيما يتعلق بأسرته، فإنهم في وضع تعليمي منحط ويعملون بصورة أشق من أطفال العمال الزراعيين" (اللجنة الملكية عن الزراعة، تقرير نهائي ص ص 34، 358. استشهد به كاوتسكي ص 105). هل سيؤكد السيد بولجاكوف أن ليس أقل تكرارًا أن العامل المياوم يعمل عمل اثنين من الفلاحين؟ أنه لواقع متميز على نحو خاص ذلك الواقع الذي استشهد به كاوتسكي والذي يبين أن "فن الجوع عند الفلاح (hunger kunst) قد يؤدي إلى التفوق الاقتصادي للإنتاج الصغير". فقد بينت مقارنة عن ربحية مزرعتين فلاحيتين بادن عجزًا 933 مارك في إحداهما، المزرعة الكبيرة، وزيادة 191 مارك في الأخرى التي كانت في نصف حجم الأولى فقط. ولكن المزرعة الأولى التي يقوم بتدبير شؤونها العمال بالأجر، كانت تقوم بتغذية هؤلاء الأخيرين تغذية تامة، بتكلفة تقترب من مارك (حوالي 45 كوبيك) بالنسبة للشخص يوميًا. على أن المزرعة الأصغر كان يدير شؤونها فحسب أفراد العائلة (الزوجة والأطفال الستة الكبار) الذين تتكلف تربيتهم نصف القدر الذي انفق على العمال المياومين: 48 منتج للشخص في اليوم. ولو كانت عائلة الفلاح الصغير قد تغذت بنفس القدر الذي تغذي به العمال بالأجر من قبل الفلاح الكبير، فإن الفلاح الصغير كان سيعاني من عجز 1250 مارك! "إن فائضه قد أتى، لا من امتلاء مخزنه بالحبوب، بل من معدته الفارغة". ويا له من عدد هائل من الأمثلة المشابهة الذي يمكن اكتشافه إذا عقدت مقارنة بين "ربحية" المزارع الصغير، والمزارع الكبير، مصحوبة بحساب لاستهلاك وعمل الفلاحين والعمال بالأجر ([8]). وفي هذا الصدد هناك حساب آخر للربح الأكبر لمزرعة صغيرة (4.6 هكتار) بالمقارنة مع مزرعة كبيرة (26.5 هكتار)، حساب قامت به أحد المجلات المتخصصة. ويتساءل كاوتسكي ولكن كيف تم الحصول على هذا الربح الأكبر؟ إن ما يجري هو أن الفلاح الصغير يعاونه أطفاله. يساعدونه منذ أن يشرعوا في المشي، على حين أن الفلاح الكبير يتعين عليه أن ينفق المال على أطفاله (المدرسة، المدرسة الثانوية) في المزرعة الصغيرة حتى العجائز الذين يتجاوزون السبعين عامًا "يقومون بعمل العامل الفتى". إن العامل المياوم العادي، وعلى الأخص في مزرعة كبيرة، يقوم بعمله ويفكر في نفسه: "أتمنى لو ينتهي الوقت". لكن الفلاح الصغير في كل الأحوال في كافة الفصول التي يشتغل فيها يفكر في نفسه: "آه، لو أن اليوم أطول بساعة أو ساعتين". ويقول مؤلف هذه المقالة في المجلة الزراعية بطريقة وعظية أن المنتجين الصغار يستغلون وقتهم أفضل استغلال في فصول الانشغال: "فهم يستيقظون في وقت مبكر، ويعودون في وقت متأخر، ويعملون بسرعة أكبر، على حين أن العمال الذين يستخدمهم المزارع الكبير لا يرغبون في الاستيقاظ مبكرًا أو الذهاب إلى البيت في وقت متأخر، والعمل على نحو أشق مما يعملون في أوقات أخرى". إن الفلاح يمكنه الحصول على دخل صافي بفضل الحياة "البسيطة التي يحياها: يعيش في كوخ من الطين أقيم أساسًا بعمل عائلته، وزوجته تزوجت منذ سبعة عشر عامًا ولم تنل سوى زوج واحد من الأحذية، وهي تمشي في العادة حافية أو تلبس قبقابًا، وهي تصنع ملابس كافة أفراد العائلة. ويتكون غذاؤهم من البطاطس والبن وفي المناسبات الرنجة. ويدخن الزوج البايب في أيام الأحاد فحسب". إن هؤلاء الناس لا يدركون أنهم يحيون حياة بسيطة للغاية ولا يبدون استياءًا من وضعهم... وبإتباعهم لهذه الطريقة البسيطة في الحياة يحصلون على فائض قليل تقريبًا في كل عام من مزرعتهم". وبعد أن ينتهي كاوتسكي من تحليله للعلاقات المتبادلة بين الإنتاج الصغير والإنتاج الكبير في الزراعة الرأسمالية يمضي في القيام ببحث خاص لـ"حدود الزراعة الرأسمالية" (الفصل السابع). ويقول كاوتسكي أن الاعتراض على النظرية القائلة بأن الزراعة الكبيرة تتفوق على الزراعة الصغيرة يثيره بصفة رئيسية "أصدقاء الإنسانية" (ونحن نقول عنهم في غالب الأحيان أصدقاء الشعب...) من البرجوازية، التجار الأحرار الخالصون، والزراعيون. ويدافع عدد من الاقتصاديين في الوقت الراهن عن الزراعة الصغيرة والإحصاءات التي يستشهد بها في العادة هي تلك التي تبين أن المزارع الكبيرة لا تستبعد المزارع الصغيرة. ويستشهد كاوتسكي بالإحصاءات الآتية: في ألمانيا من 1882 إلى 1895، وكانت توجد مساحات ازداد فيها حجم المزارع المتوسطة الحجم؛ وفي فرنسا 1882 إلى 1892 كانت توجد المزارع الأصغر والأكبر في المساحة التي نمت نحو الزيادة. والمزارع الأصغر والأكبر في المساحة التي تناقصت. وفي إنجلترا من 1885 إلى 1895، كانت توجد المزارع الأصغر والأكبر في المساحة التي تناقصت، وكانت توجد المزارع التي تتراوح مساحتها بين 40 و120 هكتار (من 100 إلى 300 فدان) أي أنها مزارع ليس في الإمكان تصنيفها مزارع صغيرة، وهي مزارع نمت بالزيادة. وفي أميركا، يتناقص معدل مساحة المزارع: ففي 1850 كان 203 فدان، وفي 1860 أصبح 199 فدان، وفي 1870 أصبح 153 فدان، وفي 1880 أصبح 134 فدان، وفي 1890 أصبح 137 فدان. ولقد قام كاوتسكي بفحص دقيق للإحصاءات الأميركية وكان تحليله – على الرغم من رأي السيد بولجاكوف – غاية في الأهمية من حيث المبدأ. أن السبب الرئيسي للتناقص في معدل مساحة المزرعة هو انهيار مزارع العبيد الكبيرة plantations في الجنوب بعد تحرير العبيد، ففي الولايات المتحدة الجنوبية انخفض معدل مساحة المزرعة أكثر من النصف. "ليس هناك شخص واحد يفهم الموضوع سوف يعتبر هذه البيانات دليلاً على انتصار الإنتاج الصغير على الإنتاج الكبير الحديث (= الرأسمالي)". وعمومًا فإن تحليل الإحصاءات الأميركية بالنسبة للمناطق يكشف عن تنوع في العلاقات. ففي "ولايات القمح) الرئيسية في القسم الشمالي من غرب الوسط، ازداد معدل مساحة المزرعة من 122 إلى 133 فدان. "إن الإنتاج الصغير يصبح سائدًا فحسب في تلك الأماكن التي تكون فيه الزراعة في حالة انهيار أو عندما يدخل الإنتاج الكبير السابق للرأسمالية في منافسة مع الإنتاج الفلاحي" (135). إن هذا الاستنتاج لكاوتسكي في غاية الأهمية، لأنه يبين أنه إذا لم يكن هناك تمسك بظروف معينة فإن معالجة الإحصاءات قد يصبح مجرد إساءة في المعالجة: ذلك لأنه لا بد من التمييز بين الإنتاج الرأسمالي الكبير، والإنتاج الكبير السابق للرأسمالي. لا بد من القيام بتحليل مفصل في المقاطعات المختلفة التي تختلف ماديًا في أشكال الزراعة وفي شروط تطورها التاريخي. يقال "إن البيانات تبرهن"! ولكن ينبغي على المرء أن يحلل البيانات حتى يتبين علام تبرهن. إنها تبرهن فحسب على ما تقوله مباشرة. والبيانات لا تتحدث مباشرة عن النطاق الذي ينجز فيه الإنتاج، بل عن مساحة المزارع. ومن الممكن بل ومما يحدث كثيرًا أنه "بالنسبة للزراعة المكثفة، يمكن إنجاز الإنتاج على نطاق واسع في عقار صغير أكثر مما يمكن ذلك في عقار كبير مزروع بأسلوب التوسع الأفقي". فالإحصاءات التي تحدثنا فحسب عن مساحة المزارع لا تخبرنا بشيء عما إذا كان التناقص في مساحتها يرجع إلى التناقص الفعلي لنطاق الزراعة أم إلى تكثيفها" (146). فزراعة الغابات والمراعي، تلك الأشكال الأولى من الزراعة الرأسمالية الكبيرة، تلائم المساحات الشاسعة من الأراضي، أما زراعة الحقول فإنها تقتضي مساحة أصغر من الأرض . ولكن تختلف أنظمة زراعة الحقول عن بعضها الأخرى في هذا المجال. فنظام الزراعة المكثفة الذي يستغل التربة أقصى استغلال (الذي انتشر في أميركا حتى الآن) يكون ممكنًا بالنسبة للمزارع الضخمة (أكثر من 10000 هكتار مثل مزارع واليرغيل وجلين وغيرها التي تسمى Bonanza Farms ([9]) وكذلك تتخذ مزارع الاستبس عندنا هذه الأبعاد). ويؤدي إدخال الأسمدة.. إلخ بالضرورة إلى تناقص مساحة المزارع وعلى المزارع التجارية، التي كانت على سبيل المثال أصغر في أوروبا عنها في أميركا. كما أن الانتقال من الزراعة الحقلية إلى تربية الحيوانات يتسبب أيضًا في تناقص مساحة المزارع! ففي إنجلترا في سنة 1880 متوسط حجم مزارع تربية الماشية كانت 52.3 فدان إنجليزي (يساوي 4840 ياردة مربعة – المترجم) على حين كان معدل حجم المزارع الحقلية 74.2 فدان إنجليزي. وهذا هو السبب في أن الانتقال من الزراعة الحقلية إلى تربية الماشية الذي يجري الآن في إنجلترا لا بد أن يؤدي إلى اتجاه إلى تناقص مساحة المزارع: "ولكن لا بد أن يكون حكمًا في غاية السطحية إذا كان هناك ثمة استنتاج من ذلك بأن هناك تدهورًا في الإنتاج" (149). ففي شرق الألب (الذي يأمل السيد بولجاكوف أحيانًا من خلال دراسته أن يدحض كاوتسكي)، فإن ما يجري على وجه الدقة هو إدخال الزراعة المكثفة. ويقول سيرنج الذي يقتطف منه كاوتسكي أن المزارعين الكبار يزيدون من إنتاجية أرضهم ويبيعون أو يؤجرون للفلاحين الأجزاء البعيدة من عقاراتهم طالما أنه بالنسبة للزراعة المكثفة من الصعب الانتفاع بهذه الأجزاء البعيدة من الأرض "وهكذا فإن العقارات الواسعة في شرق الألب تقل في الحجم وتنشأ إلى جوارها مزارع فلاحية صغيرة، ولكن ذلك لا يكون بسبب تفوق الإنتاج الصغير على الإنتاج الكبير، ولكن لأن مساحة الأراضي الأولى كانت مهيأة لمتطلبات الزراعة المكثفة" (150). ويؤدي التناقص في مساحة المزرعة في كل هذه الحالات في العادة إلى زيادة في كمية المنتجات (في وحدة الأرض) ويؤدي على الدوام إلى زيادة في عدد العمال المستخدمين، أي إلى زيادة فعلية في نطاق الإنتاج. ويتضح من ذلك. كم هو قليل ما تبرهن عليه إحصاءات الزراعة العامة التي تدور حول مساحة المزارع، وإلى أي مدى ينبغي أن نتعامل معها بحذر. ففي الإحصاءات الصناعية نحصل على قوائم مباشرة عن نطاق الإنتاج (كمية البضائع، القيمة الإجمالية للناتج، وعدد العمال المستخدمين)، وإلى جانب ذلك فإنه من الميسور أن نميز بين فروعها المختلفة. أما بالنسبة للإحصاءات الزراعية فإنها لا تكاد تفي إلا بصعوبة هذه الشروط الضرورية للبرهنة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن احتكار ملكية الأرض يحد من الرأسمالية الزراعية. ففي الصناعة ينمو الرأسمال نتيجة التراكم، نتيجة لتحول فائض القيمة إلى رأسمال، فالمركزة centralisation، أي إدماج عدة وحدات صغيرة من الرأسمال في وحدة كبيرة، تلعب دورًا أقل، أما في الزراعة فإن الوضع يختلف عن ذلك. فالأرض في مجملها تم تشغيلها (في البلاد المتحضرة) ولا يمكن أن تتسع مساحة المزرعة إلا بمركزة قطع عدة من الأرض، ولا بد أن يتم ذلك بهذه الطريقة لكي تتشكل مساحة واحدة متصلة. ومن البديهي أن توسيع عقار عن طريق شراء قطع الأرض المحيطة مسألة صعبة للغاية، خاصة إذا وضعنا في اعتبارنا واقع أن قطع الأرض الصغيرة يملك جزءًا منها العمال الزراعيون (الذين يحتاج إليهم المزارع الكبير)، ويملك الجزء الآخر منها الفلاحون الصغار وهم أساتذة في فن المحافظة على ملكيتهم عن طريق التقليل من استهلاكهم إلى حد أدنى يصعب تصديقه. ولسبب أو لآخر فإن إقرار هذه الحقيقة الواضحة جدًا والبسيطة والتي تنم عن حدود الرأسمالية الزراعية بدا للسيد بولجاكوف أنه مجرد "لغو" (!؟؟) وأنه يتيح مجالاً لتهكم لا أساس له بالمرة: "وهكذا(!) فإن تفوق الإنتاج الكبير يواجهه الفشل (!) عند أولا صعوبة". أن السيد بولجاكوف في البداية يسيء فهم قانون تفوق الإنتاج الكبير وينسب إلى كاوتسكي الإفراط في التجريد وهو بعيد عن ذلك كل البعد، ثم يستخدم إساءته للفهم كحجة ضد كاوتسكي! ذلك أن اعتقاد السيد بولجاكوف أن في إمكانه أن يدحض كاوتسكي بالاستشهاد بأيرلندا (هناك ملكية كبيرة للأرض ولكن دون وجود إنتاج كبير) اعتقاد غريب حقًا. فواقع أن ملكية الأرض الكبيرة هي أحد شروط الإنتاج الكبير لا يعني بالمرة أنها شرط كاف. وبطبيعة الحال ليس في وسع كاوتسكي أن يدرس الأسباب التاريخية وغير ذلك من الأسباب التي أدت إلى هذه السمات النوعية لأيرلندا أو أي بلد آخر في كتاب عام عن الرأسمالية في الزراعة. فليس في وسع أي إنسان أن يعن له أن يطالب ماركس في تحليله للقوانين العامة للرأسمالية في الصناعة، بأن يفسر السبب في أن الصناعة الصغيرة قد استمرت في فرنسا وقتًا أطول. والسبب في أن الصناعة كانت تنمو ببطء في إيطاليا إلخ.. كما أن قول السيد بولجاكوف أن التمركز "يمكن" أن ينشأ على نحو تدريجي قول لا أساس له بنفس القدر: فليس من الميسور أن توسع العقار من خلال شراء قطع الأرض المجاورة مثلما هو الحال عندما تضيف مبان وأراض جديدة لمصنع لعدد إضافي من الماكينات.. إلخ. فالسيد بولجاكوف حين يشير إلى هذه الإمكانية الوهمية الخالصة لتركز الأرض التدريجي أو تأجيرها بهدف تكوين مزارع كبيرة، يغفل عن السمة النوعية الحقيقية للزراعة في عملية التركز – وهي سمة أشار إليها كاوتسكي. إنها العزبة (اللاتيفونديا) أي تركز عقارات عدة في يد مالك واحد. وتسجل الإحصاءات عادة عدد العقارات الفردية ولكنها لا تخبرنا بشيء عن عملية تركز عقارات عدة في أيدي الملاك الكبار. ويستشهد كاوتسكي بأمثلة غاية في الروعة – في ألمانيا والنمسا – على مثل هذا التركز الذي يؤدي إلى شكل أرقى وخاص للزراعة الرأسمالية الكبيرة، ذلك الشكل الذي تتجمع فيه عقارات عدة كبيرة لكن تشكل وحدة اقتصادية واحدة تديرها هيئة مركزية واحدة. ومثل هذه المؤسسات الزراعية العملاقة يمكن من تجميع معظم فروع الزراعة المتباينة ومن أقصى استخدام مكثف لمزايا الإنتاج الكبير، وسوف يتبين القارئ إلى أي مدى كان كاوتسكي بعيدًا عن التجريد وعن الفهم الجامد "لنظرية ماركس" التي ظل مخلصًا لها. ولقد حذر كاوتسكي من هذا الفهم الجامد، بل وأدخل قسمًا خاصًا عن هلاك الإنتاج الصغير في الصناعة ضمن الفصل الذي نناقشه – وهو يشير عن حق أنه حتى في الصناعة لا يعتبر انتصار الإنتاج الكبير أمرًا ميسور الإنجاز إلى هذا الحد، وأنه ليس على هذا النمو من الاطراد، كما هي عادة التفكير عند أولئك الذين يتحدثون عن أن نظرية ماركس لا تنطبق على الزراعة. ويكفي أن نشير إلى الصناعة الرأسمالية المنزلية، ويكفي أن نتذكر الملاحظات التي أبداها ماركس عن التنوع الهائل للأشكال الانتقالية والمختلفة التي تجعل انتصار نظام المصنع الكبير أمرًا ملتبسًا. لكم هي الأمور أكثر تعقيدًا في الزراعة! فزيادة الثروة والترف يؤديان على سبيل المثال إلى أن يشتري أصحاب الملايين عقارات ضخمة ليحولوها إلى غابات لمتعهم الخاصة. أن عدد المواشي في سالزبورج وفي النمسا يتناقص منذ 1869. والسبب هو بيع مرتفعات الألب لعشاق الصيد الأثرياء. ويقول كاوتسكي – بصورة تكشف عن حصافة – أن المرء إذا تناول الإحصاءات الزراعية في عموميتها وعلى نحو غير نقدي، فإنه من السهل التوصل إلى اكتشاف أن هناك ميلاً في نمط الإنتاج الرأسمالي لتحويل الأمم الحديثة إلى قبائل صيد! وأخيرًا، يشير كاوتسكي أيضًا ضمن الشروط التي تؤدي إلى الحد من الزراعة الرأسمالية إلى واقع أن النقص في العمال – الذي يرجع إلى هجرة السكان الريفيين – يجبر ملاك الأرض الكبار على أن يقطعوا الأرض للعمال لكي ينشئوا فلاحين صغار يمدون الملاك بقوة العمل. أن العامل الزراعي الذي لا يملك على الإطلاق يعتبر نادرًا، ذلك لأن الاقتصاد الزراعي الريفي بالمعنى الدقيق للكلمة يرتبط بالاقتصاد المنزلي. فكافة قطاعات العمال بالأجر يملكون أرضًا أو لهم حق الانتفاع بالأرض. وعندما يزول الإنتاج الصغير إلى درجة كبيرة، فإن ملاك الأرض الكبار يحاولون أن يدعموه أو يبعثوه للحياة عن طريق بيع الأرض أو تأجيرها. ويقول سيرنج Sering الذي يستشهد به كاوتسكي. "في كافة البلاد الأوروبية هناك تحرك ملحوظ في هذه الأيام نحو... إقرار أوضاع العمال الريفيين عن طريق إقطاعهم قطعًا من الأرض". وبهذه الطريقة، فإنه من المستحيل الظن أن الإنتاج الصغير قد زال تمام الزوال من الزراعة في حدود نمط الإنتاج الرأسمالي، ذلك لأن الرأسماليين والزراعيين أنفسهم يميلون إلى إحيائه عندما يوغل الخراب بين الفلاحين. ولقد أشار ماركس إلى هذه الدورة لتركز الأرض وتفتتها parcellisation of land في المجتمع الرأسمالي لزمن بعيد يرجع إلى 1850 في نويه راينيشه زايتونج (ص 4). ويرى السيد بولجاكوف أن حجج كاوتسكي تتضمن "عنصرًا من الحقيقة، ولكنها مع ذلك أكثر خطأ". ومثل كافة أحكام السيد بولجاكوف الأخرى فإن هذا الحكم ضعيف للغاية وأسسه غامضة، ويعتقد السيد بولجاكوف أن كاوتسكي قد "أنشأ نظرية عن الإنتاج البروليتاري الصغير" وأن هذه النظرية صحيحة بالنسبة لمناطق محدودة للغاية. أما نحن فإن لنا رأيًا مختلفًا. أن العمل الزراعي المأجور الذي يقوم به المزارع الصغير (أو وهو الشيء ذاته العامل الزراعي والعامل المياوم الزراعي بالمحاصة) هو ظاهرة تميز بدرجات متفاوتة كافة البلاد الرأسمالية. فليس في وسع الكاتب الذي يريد أن يصف الرأسماليين في الزراعة أن يخفي هذه الظاهرة دون أن يلوي عنق الحقيقة ([10]). ويقدم كاوتسكي في الفصل الثامن من كتابه أي الفصل عن "تحول الفلاح إلى بروليتاري" استدلالاً شاملاً للبرهنة على ذلك في ألمانيا، وعلى الأخص، البرهنة على أن الإنتاج الصغير البروليتاري عام. ويقول السيد بولجاكوف أن الكتاب الآخرين بما فيهم السيد كابلوكوف أشاروا إلى أن "نقص العمال" ينحي جانبًا أكثر الأمور أهمية – أي الاختلاف الهائل في المبدأ بين نظرية السيد كابلوكوف ونظرية كاوتسكي. فالسيد كابلوكوف "يؤسس" على نقص العمال نظرية فحواها أن الإنتاج الكبير غير مستقر وأن الإنتاج الصغير مستقر، وذلك نظرًا لوجهة نظره البورجوازية الصغيرة (بالألمانية في الأصل klemburger – المترجم) المميزة. ويقدم كاوتسكي وصفًا دقيقًا للوقائع ويشير إلى دلالتها الحقيقية في المجتمع الطبقي الحديث: أن مصالح ملاك الأرض الطبقية تجبرهم على أن يعملوا جاهدين على أن يقطعوا العمال قطعًا من الأرض. أما فيما يتعلق بالوضع الطبقي فإن العمال الزراعيين العاملين بالأجر والذين يملكون قطعًا من الأرض فإنهم في وضع بين البورجوازية الصغيرة والبروليتاريا، ولكنهم أقرب إلى هذه الأخيرة وبعبارة أخرى، فإن السيد كابلوكوف يطور جانبًا واحدًا من عملية معقدة إلى نظرية عدم استقرار الإنتاج الكبير، على حين أن كاوتسكي يحلل الأشكال الخاصة للعلاقات الاقتصادية الاجتماعية التي نشأت عن مصالح الإنتاج الكبير في مرحلة معينة من تطوره وفي ظل شروط تاريخية معينة. -5- والآن سننتقل إلى الفصل التالي من كتاب كاوتسكي الذي اقتطفنا عنوانه منذ قليل. يدرس كاوتسكي في هذا الفصل أولاً: "الاتجاه نحو تفتيت حيازة الأرض"، وثانيًا: "أشكال استخدام الفلاح الإضافية"، وعلى هذا النحو توصف في هذا الصدد تلك الاتجاهات الهامة للغاية للرأسمالية في الزراعة وهي اتجاهات نموذجية في الغالبية العظمى من البلاد الرأسمالية. ويقول كاوتسكي أن تفتيت حيازات الأرض يؤدي إلى طلب متزايد على القطع الصغيرة من جانب الفلاحين الصغار، الذين يدفعون ثمنًا أعلى في مقابل الأرض من المزارعين الكبار. ويورد عديد من الكتاب هذا الواقع لإثبات أن الزراعة الصغيرة تتفوق على الزراعة الكبيرة. ويرد كاوتسكي على ذلك بطريقة صائبة عن طريق مقارنة سعر الأرض بسعر المنازل: فمن المعروف أن المنازل الصغيرة والرخيصة أندر من وحدة الاتساع (في الأقدام المكعبة... إلخ) من المنازل الكبيرة والغالية. فالسعر الأعلى لقطع الأرض الصغيرة لا يرجع إلى تفوق الزراعة الصغيرة بل إلى الظرف القهري بصفة خاصة للفلاح ويمكن تبين العدد الهائل للمزارع القزمية التي أوجدتها الرأسمالية من البيانات الآتية: في ألمانيا (1890) فمن أصل 5500000 مزرعة هناك 4،250000 مزرعة أي أكثر من ثلاث أرباح مساحتها أقل من خمس هكتارات (58 في المائة منها أقل من هكتارين). وفي بلجيكا 78%، (709500 من أصل 909000) أقل من هكتارين، وفي إنجلترا (1895) 118000 من أصل 520000 أقل من هكتارين. وفي فرنسا (1892) 2200000 مزرعة (من أصل 5700000) أقل من هكتار واحد، 4000000 مزرعة أقل من خمس هكتارات، ويظن السيد بولجاكوف أن بإمكانه أن يدحض قول كاوتسكي بأن المزارع القزمية غير مرشدة على الإطلاق (غير مكتفية من الماشية والأدوات والمال وقوة العمل التي تتحول إلى الأعمال الإضافية) عن طريق القول بأن الأرض "في الغالب"؟؟ تزرع "بدرجة من الكثافة يصعب تصديقها" حتى ولو "بالإنفاق غير المرشد على الإطلاق لقوة العمل".. وغني عن البيان أن هذا الاعتراض لا أساس له البتة، فهذه الأمثلة الفردية للزراعة الممتازة للأرض من قبل الفلاحين الصغار أضعف من أن تفند وصف كاوتسكي العام لهذا النمط من الزراعة مثلما أن المثل الذي اقتطفناه من قبل عن زيادة مربحية المزرعة الصغيرة أضعف من أن يفند أطروحة تفوق الإنتاج الكبير. أما عن أن كاوتسكي كان على صواب تمامًا في وصفه لهذه المزارع في مجملها ([11]) ضمن مقولة "البروليتارية" فإن ذلك يتبين من الواقع الذي تكشف عنه الإحصاءات الألمانية لسنة 1895 وهو أن العديد من صغار المزارعين ليس في إمكانهم الاستغناء عن الدخول الإضافية. فمن إجمالي 4700000 شخص يحصلون على معاشهم المستقل من الزراعة هناك 2700000 شخص أو ما يعادل 57% لهم دخول إضافية. ومن مجمل 3200000 مزرعة أقل من هكتارين هناك 400000 مزرعة فحسب أو ما يعادل 13% ليس لهم دخول إضافية أو في ألمانيا ككل من أصل 500000 مزرعة هناك 1500000 مملوكة لعمال زراعيين وصناعيين يعملون بالأجر (+ 704000 مملوكة للحرفيين) وبعد ذلك يخلص السيد بولجاكوف إلى تأكيد أن النظرية القائلة ببروليتارية حيازة الأرض قد "ابتدعها" كاوتسكي([12])! لقد درس كاوتسكي تمام الدراسة الأشكال التي يتخذها تحول الفلاحين إلى بروليتاريا (أشكال عمل الفلاح الإضافي) ص 174 – 193) ويسمح لنا ضيق المجال هنا للأسف أن نبحث باستفاضة وصفة لهذه الأشكال (العمل الزراعي بالأجر، الصناعة المنزلية hausindustrie، "أحط نظم الاستغلال الرأسمالي" – العمل في المصانع والمناجم وهلم جرا.). وملاحظتنا الوحيدة هي أن كاوتسكي قام بنفس التقييم للعمل الإضافي مثلما فعل الاقتصاديون الروس. أن العمال المهاجرين أقل تطورًا، كما أن مستوى احتياجاتهم أكبر انخفاضًا من العمال الحضريين، وفي كثير من الأحوال يكون لهم أثر مسيء على الظروف المعيشية للعمال الحضريين. "ولكن بالنسبة لتلك الأوطان التي أتوا منها والتي يعودون إليها فإنهم بمثابة رواد التقدم.. فهم قد اكتسبوا رغبات جديدة وأفكارًا جديدة". (ص 192) فهم يوقظون في وعي الفلاحين المتخلف إحساسًا بالكراهية الإنسانية والثقة بقوتهم. وفي الختام سوف نعالج الهجوم الأخير والحاد على نحو خاص للسيد بولجاكوف ضد كاوتسكي. يقول كاوتسكي أنه في ألمانيا من 1882 إلى 1895 قد زادت أكبر المزارع وأصغرها (مساحة) من حيث العدد (وبهذه الطريقة فإن تفتيت الأرض يتقدم على حساب المزارع المتوسطة). فالواقع هو أن عدد المزارع الأقل من هكتار تزايدت بنسبة 8،8% والمرزاع من 5 إلى 20 هكتار تزايدت بنسبة 7،8%، بينما تزايدت المزارع الأكبر من 1000 هكتار بنسبة 11% (لم يتزايد عدد المزارع من الفئات التي تقع بينها إلا بالكاد، بينما تزايد إجمالي عدد المزارع بنسبة 5،3%). إن السيد بولجاكوف مستاء غاية الاستياء لأن النسبة المئوية مأخوذة عن المزارع الأكبر التي هي عديمة الأهمية من حيث عددها (515، 572 بالنسبة للسنوات على التوالي). إن استياء السيد بولجاكوف لا أساس له بالمرة. فهو ينسى أن هذه المزارع غير الهامة من حيث العدد هي الأكبر حجمًا وإنها تحتل ما يقارب 2300000 إلى 2500000 من المزارع القزمية (حتى هكتار) وإذا كان لي أن أقول أن عدد المصانع الكبير في بلد ما، تلك المصانع التي تستخدم ألف عامل وما يزيد عن الألف، يتزايد ولنقل من 51 إلى 57 بنسبة مئوية 11% على حين أن العدد الإجمالي للمصانع يتزايد بنسبة 5.3%، إلا يبين ذلك زيادة الإنتاج الكبير، رغم واقع أن عدد المصانع الكبيرة قد يكون عديم الأهمية بالمقارنة مع العدد الإجمالي للمصانع؟ إن كاوتسكي منتبه تمام الانتباه إلى واقع أن المزارع الفلاحية من 5 إلى 20 هكتار هي التي نمت في إجمالي المساحة (السيد بولجاكوف ص 18) وعالج ذلك في الفصل التالي. فكاوتسكي إذن يضع في اعتباره التغييرات التي طرأت في المساحة في الفئات المختلفة في 1882، 1895. وتبين أن الزيادة الكبرى (+563477) حدثت في المزارع الفلاحية من 5 إلى 20 هكتار وأن الزيادة التالية في المزارع الكبرى أي تلك المزارع الأكبر من 1000 هكتار (+ 94014)، على حين أن مساحة المزارع من 20 إلى 1000 هكتار تناقصت 86809 هكتار. أما المزارع بمستوى هكتار فقد تزايدت مساحتها 32683 هكتار والمزايع من 1 إلى 5 هكتار تزايدت بما قيمته 45604 هكتار. ويصل كاوتسكي إلى الاستنتاج التالي: أن التناقص في مساحة المزارع التي مساحتها من 20 إلى 1000 هكتار (والذي هو أكثر من أن توازنه الزيادة في مساحة المزارع ذات الألف هكتار وما يزيد) لا يرجع إلى تدهور الإنتاج الكبير بل يرجع إلى تكثيفه. ولقد رأينا منذ قليل أن الزراعة المكثفة قد أحرزت تقدمًا في ألمانيا، وأنها تتطلب على الدوام التناقص في مساحة المزارع. إما أن هناك تكثيفًا للإنتاج الكبير فإن ذلك يمكن تبينه من تزايد استخدام الماكينات التي تدار بالبخار، كما يتبين من الزيادة الهائلة في عدد المستخدمين الزراعيين غير اليدويين، الذين يستخدمون في ألمانيا في المزارع الكبيرة فحسب. ولقد تزايد عدد مديري العقارات (المفتشين) والمشرفين وكاتب الحسابات وغير ذلك من 47456 في 1882 إلى 76978 في سنة 1895 أي بنسبة 62%، ولقد ارتفعت النسبة المئوية للنساء بين هؤلاء المستخدمين من 12% إلى 23.4%. "يبين كل ذلك بوضوح إلى أي مدى أصبحت الزراعة أكثر كثافة وأكثر إيغالاً من الرأسمالية منذ بداية الثمانينات. وسوف يبين الفصل القادم السبب في أنه كان هناك في الوقت نفسه هذا التزايد الهائل في مساحة المزارع الفلاحية المتوسطة" (ص 174). إن السيد بولجاكوف يعتبر أن هذا الوصف "مناقض للواقع على نحو صارخ"، لكن الأدلة التي يستعين بها مرة أخرى تفشل من تبرير مثل هذا الحكم القاطع والجريء ولا يهتز لها استنتاج كاوتسكي أدنى اهتزاز. "ففي المحل الأول، لن يفسر تكثيف الزراعة في ذاته إذا حدث التناقص النسبي والمطلق للمساحة المزروعة، والتناقص في النسبة الإجمالية للمزارع من فئة 20 إلى 1000 هكتار. فالمساحات المنزرعة يمكن أن تتزايد في آن واحد مع الزيادة في عدد المزارع. ولا تحتاج هذه الأخيرة إلا مجرد (كذا!) أن يتزايد على نحو أسرع، حتى تتناقص مساحة كل مزرعة" ([13]). لقد تعمدنا اقتطاف هذه المناقشة بكاملها، التي خلص منها السيد بولجاكوف بالاستنتاج القائل بأن: "تناقص حجم المزارع الذي يرجع إلى نمو الزراعة المكثفة ليس إلا وهمًا خالصًا" (كذا!) لأنها تكشف بصورة أخاذة الخطأ الذي حذر منه كاوتسكي بكل جدية، أي إساءة تناول "الإحصاءات". فالسيد بولجاكوف يلقي بمطالب محددة على عاتق الإحصاءات الخاصة بمساحة المزارع، وينسب إلى هذه الإحصاءات دلالة لا يمكن أن تتضمنها. فما السبب حقًا، الذي يجعل المساحة المزروعة تتزايد "إلى حد ما"؟ وما السبب في أن تكثيف الزراعة (الذي يؤدي أحيانًا – كما سبق وأوضحنا – إلى بيع الفلاحين وتأجيركم قطعًا من الأرض بعيدة عن المركز) "لا ينبغي له" أن ينقل عددًا معينًا من المزارع من مرتبة أعلى إلى مرتبة أقل؟ ولماذا لم يكن من المتعين إنقاص المساحة المنزرعة من المزارع التي تتراوح مساحتها من 20 إلى 1000 هكتار([14])؟ في الإحصاءات الصناعية لا بد أن التناقص في عائدات المصانع الكبيرة يشير إلى تدهور الإنتاج الكبير. ولكن تناقص مساحة الضياع الكبيرة بنسبة تقارب 1.2% لا يشير وليس في وسعه أن يشير إلى حجم الإنتاج، الذي يتزايد في أغلب الأحوال مع تناقص مساحة المزرعة. نحن نعرف أن عملية تربية الماشية تحل محل زراعة الحبوب – هذا ملحوظ في إنجلترا على وجه الخصوص – لا تزال تمضي قدمًا في مجمل أوروبا. ونحن نعرف أن هذا التغيير يتسبب أحيانًا في تناقص مساحة الأرض، ولكن أليس من الغريب أن نستنتج من ذلك أن مساحة المزرعة الأصغر تعني هنا تدهورًا في الإنتاج الكبير؟ هذا هو السبب في أن "الجدول البليغ" الذي قدمه السيد بولجاكوف في صفحة 20 – والذي يبين التناقص في عدد المزارع الكبيرة والصغيرة والتزايد في عدد المزارع المتوسطة (من 5 إلى 20 هكتار) التي تمتلك حيوانات للعمل في الحقل – لا يبرهن في هذه المناسبة على أي شيء، ولعل هذا يرجع إلى التغيير في نظام الزراعة. أما عن كون الإنتاج الزراعي الكبير في ألمانيا قد أصبح أكثر كثافة وقد أصبح رأسماليًا على نحو أكبر فإنه واضح أولاً من الزيادة في عدد المستخدم من الماكينات التي تدار بالبخار: فلقد تضاعف عددها من 1879 إلى 1897 خمس مرات. ولن يفيد السيد بولجاكوف أن يلحق بالاعتراض بأن عدد كافة الماكينات بصفة عامة (لا الماكينات التي تدار بالبخار فحسب) التي تملكها المزارع الصغيرة (التي تصل إلى 20 هكتار) أكبر من عدد الماكينات التي تملكها المزارع الكبيرة، ولن يفيده أيضًا القول بأن الآلات في أميركا تستخدم في المزارع المكثفة. فنحن لا نناقش أميركا الآن بل ألمانيا حيث لا توجد مزارع الذهب Bonza Farm ([15]) والجدول التالي يوضح النسب المئوية للمزارع الألمانية (في 1895) التي تستخدم محاريث بخارية وآلات الدرس البخارية: المزارع النسبة المئوية للمزارع التي تستخدم المحاريث البخارية النسبة المئوية للمزارع التي تستخدم آلات الدرس البخارية أقل من 2 هكتار - 1.01 من 2 إلى 5 هكتار - 5.20 من 5 إلى 20 هكتار 0.01 10.95 من 20 إلى 100 هكتار 0.10 16.60 من 100 فما فوق 5.29 61.22 والآن، إذا كان مجمل عدد الآلات التي تدار بالبخار المستخدمة في الزراعة في ألمانيا قد ازداد بنسبة خمسة أضعاف، ألا يبرهن ذلك على أن الزراعة الكبيرة قد أصبحت أكثر كثافة؟ إن ما ينبغي علينا ألا ننساه – كما فعل السيد بولجاكوف في ص 21 – أن التزايد في حجم المشاريع الزراعية لا يتطابق دومًا مع التزايد في مساحة المزارع. وثانيًا يتضح واقع أن الإنتاج الكبير قد أصبح أكثر رأسمالية من الزيادة في عدد المستخدمين الزراعيين اليدويين. ولا يفيد السيد بولجاكوف أن يسمى هذا الدليل الذي قدمه كاوتسكي بأنه "أمر غريب": "تزايد في عدد الضباط، جنبًا إلى جنب مع تناقص الجيش" – مع التناقص في عدد العمال الزراعيين بالأجر. ونقول مرة أخرى: إن من سيضحك كثيرًا هو من سيضحك في النهاية Rira bien qui rira le dernier! ([16]). إن كاوتسكي لم يكن فحسب غير غافل عن تناقص عدد العمال الزراعيين، بل يبينه بالتفصيل في نسبة إلى عدد البلاد، غير أن هذا الواقع لا صلة له بتاتًا بما نعالجه الآن، لأن سكان الريف ككل يتناقصون، بينما يتزايد عدد المزارعين الصغار البروليتاريين. ولنفرض أن المزارع الكبير قد هجر إنتاج الحبوب واشتغل بإنتاج بنجر السكر وتصنيع السكر (في ألمانيا 1871 – 1872 تم تصنيع 2200000 طن من البنجر إلى سكر، في 1881 – 1882 تم تصنيع 6300000 طن وفي 1891 تم تصنيع 9500000 طن، وفي 1896 – 1897 تم تصنيع 13700000 طن)، فإن عليه حتى أن يبيع ويؤجر الأجزاء البعيدة من ممتلكاته للفلاحين الصغار، وبخاصة إذا كان يحتاج إلى زوجات وأطفال هؤلاء الفلاحين كعمال باليومية في غرس البنجر، ولنفرض أنه أدخل محراثًا بخاريًا استأصل شأفة عمال الحراثة السابقين (في زراعة البنجر في سكسونيا – "نماذج من الزراعة المكثفة" ([17]) - أصبحت المحاريث البخارية شائعة الاستعمال)، يتناقص عدد العمال المأجورين، ويتزايد بالضرورة عدد المرتبة الأعلى من المستخدمين (موظفو الحسابات والمديرون والفنيون.. إلخ)، هل في وسع السيد بولجاكوف أن ينكر أن ما نراه هنا هو زيادة في تكثيف الزراعة في الرأسمالية في الإنتاج الكبير؟ هل سيؤكد أن لا شيء من هذا النوع قد جرى في ألمانيا؟ ولكي نجمل عرض الفصل الثامن من كتاب كاوتسكي، أي الفصل الخاص بتحويل الفلاحين إلى بروليتاريا، فإننا بحاجة إلى اقتطاف الفقرة التالية، يقول كاوتسكي بعد الفقرة التي اقتطفناها من قبل: إن ما يهمنا هنا هو أن واقع تحويل السكان الريفيين إلى بروليتاريا يمضي قدمًا في ألمانيا كما في الأماكن الأخرى على الرغم من واقع أن الاتجاه نحو تفتيت الملكيات المتوسطة قد توقف. فمنذ 1882 إلى 1895 تزايد مجمل عدد المزارع بنحو 281000. ويرجع الجزء الأعظم من هذه الزيادة إلى حد بعيد إلى العدد المتعاظم في المزارع البروليتارية التي تبلغ مساحتها هكتار فلقد تزايد عدد هذه المزارع إلى نحو 206000، "وكما رأينا، فإن تطور الزراعة له خصوصية مختلفة تمامًا عن تطور الرأسمال الصناعي والتجاري. ولقد أشرنا في الفصل السابق إلى أنه بالنسبة للزراعة لا يؤدي الاتجاه إلى مركزة المزارع إلى استئصال شأفة الإنتاج الصغير تمامًا. فعندما يمضي هذا الاتجاه إلى غايته فإنه يؤدي إلى نشأة الاتجاه المضاد، وبهذه الطريقة فإن الاتجاه إلى التركز والاتجاه للتفتيت يتناوبان. وكما بينا الآن فإنه بالإمكان أن يكونا قائمين جنبًا إلى جنب. وأن هناك تزايدًا في عدد المزارع التي ينضم ملاكها إلى سوق السلع بوصفهم بروليتاريين، بوصفهم بائعين لقوة العمل... وكافة المصالح المادية لأولئك المزارعين الصغار بوصفهم بائعين لسلعة قوة العمل تتطابق مع مصالح البروليتاريا الصناعية، ولا تؤدي ملكيتهم للأرض إلى نشأة صراع بينهم وبين البروليتاريا. فهذه الملكية تحرر إلى هذه الدرجة أو تلك المالك الفلاح الصغير من تاجر المنتجات الغذائية، ولكنها لا تحرره من استغلال المقاول الرأسمالي سواء كان مقاولاً صناعيًا أو زراعيًا" (ص 174). سوف ندرس في المقالة التالية الجزء المتبقي من كتاب كاوتسكي، وسوف نقيم الكتاب بصفة عامة، وسوف نناقش الاعتراضات التي يثيرها السيد بولجاكوف في مقالته الأخيرة.
المقالة الثانية -1- يمضي كاوتسكي في الفصل التاسع من كتابه بعنوان "الصعوبات المتنامية للزراعة التجارية" قدمًا في تحليل التناقضات الكامنة في الزراعة الرأسمالية. ومن الاعتراضات التي يثيرها السيد بولجاكوف ضد هذا الفصل، الذي سنناقشه فيما بعد، يتضح أن الناقد لم يفهم الدلالة العامة لهذه "الصعوبات" على نحو صحيح تمامًا. فهناك "صعوبات" تشكل "عقبة في سبيل الزراعة المرشدة ولكنها في الوقت ذاته تحفز تطور الزراعة الرأسمالية. ومن بين "الصعوبات" التي أشار إليها كاوتسكي – على سبيل المثال – هجرة السكان من الريف. فلا ريب أن هجرة أفضل وأذكى العمال من الريف تشكل "عقبة" في سبيل التطور الكامل للزراعة المرشدة، ولكن ليس هناك بنفس القدر أدنى ريب في أن المزارعين يقاومون هذه العقبة بتطوير التكنيك، بإدخال المكينة على سبيل المثال. ويناقش كاوتسكي "الصعوبات" التالية: أ- ريع الأرض. ب- حق الميراث. جـ- الحد من حق الميراث، وقف الإرث على ورثة معينين (fideicommissum, anerbenrecht) (7)؛ د- استغلال المدينة للريف؛ هـ- هجرة السكان من الريف. إن ريع الأرض هو ذلك الجزء من فائض القيمة الذي يتبقى بعد استخلاص متوسط الربح على رأس المال الموظف. ويمكن احتكار الأرض لمالك من امتلاك هذا الفائض، وسعر الأرض (= الريع المرسمل) يبقى على الريع عند الحد الذي بلغه. ومن الواضح أن الريع "يعوق" الترشيد الكامل للزراعة: ففي ظل نظام المزارع المستأجر يصبح الدافع للتحسينات أضعف، وفي ظل نظام الرهن يتعين توظيف الجزء الأعظم من الرأسمال لا في الإنتاج بل في شراء الأرض. ويشير السيد بولجاكوف في اعتراضه أولاً إلى أنه "لا وجود لأي شيء مفزع" في ازدياد ديون الرهن. ولكنه ينسى أن كاوتسكي يشير بهذا المعنى على وجه الدقة لا بأي "معنى آخر" – إلى ضرورة ازدياد الرهونات حتى عندما تزدهر الزراعة (أنظر فيما سبق – المقالة الأولى (2)). وفي هذا الصدد، فإن كاوتسكي لا يثير مسألة ما إذا كان ازدياد الرهونات "مفزعًا" أم لا، بل يتساءل عن الصعوبات التي تعوق الرأسمالية عن إنجاز رسالتها. ثانيًا: في رأي السيد بولجاكوف – "فإنه نادرًا ما يكون من الصحيح النظر إلى الريع بوصفه عقبة فحسب.... فارتفاع الريع وإمكانية ارتفاعه هما بمثابة الحاضر المستقل بالنسبة للزراعة، ويحفز تقدم التقنية وكافة الأشكال الأخرى من التقدم process (من الواضح أن كلمة "عملية" progress خطأ مطبعي). إن حوافز التقدم في الزراعة الرأسمالية هي: نمو السكان، ونمو المنافسة، ونمو الصناعة، ولكن الريع، جزية يجيبها مالك الأرض من التطور الاجتماعي، من نمو التقنية. وعلى ذلك ليس من الصحيح القول بأن زيادة الريع "حافز مستقل" للتقدم. فمن الناحية النظرية يمكن أن يوجد الإنتاج الرأسمالي في غياب الملكية الخاصة للأرض، أي عند تأميم الأرض (كاوتسكي ص 207)، حيث ينعدم وجود الريع المطلق، وحيث تضع الدولة يدها على الريع التفاضلي. ولن يضعف ذلك التقدم الاقتصادي الزراعي، بل أن الأمر على عكس ذلك، فسوف يزيده. يقول كاوتسكي: "لا يمكن أن يكون هناك شيء أكثر خطأ من الظن بأن من مصلحة الزراعة أن ترفع قسرًا (in die Hohe treiben) أسعار العقارات أو أن تبقى عليها مرتفعة على نحو مصطنع، إن هذا في مصلحة الملاك الحاليين augenblick lichen، في مصلحة بنوك الرهن والمضاربين على الممتلكات العينية، ولكنه ليس في مصلحة الزراعة، ولا هي في مصلحة مستقبلها على أقل تقدير، ولا في مصلحة الجيل المقبل من المزارعين" (ص 199). أما فيما يخص سعر الأرض فهو ليس سوى الريع المرسمل Capitalised rent. أما الصعوبة الثانية التي تواجه الزراعة التجارية فهي إنها تتطلب بالضرورة الملكية الخاصة للأرض. وهذا يؤدي إلى وضع تصبح فيه الأرض أما مفتتة من خلال انتقالها للورثة (بل، إن هذا التفتت يؤدي إلى التقهقر في بعض الأماكن) أو مثقلة بالرهونات (عندما يدفع الوارث الذي تلقى الأرض للورثة الآخرين رأس المال النقدي الذي أخذه كرهن الأرض). ويلوم السيد بولجاكوف كاوتسكي لأنه "أغفل، في عرضه، الجانب الإيجابي" في عملية تداول الأرض. إن هذا اللوم لا أساس له على الإطلاق، لأن كاوتسكي بين لقرائه بكل وضوح في الجزء التاريخي من كتابه (وعلى الأخص في الفصل الثالث من الجزء الأول الذي يدرس الزراعة الإقطاعية وأسباب قهر الزراعة الرأسمالية لها) وكذلك في الجزء التطبيقي ([18]) الجانب الإيجابي والضرورة التاريخية للملكية الخاصة للأرض، ولإخضاع الزراعة للمنافسة وبالتالي لعملية تداول الأرض. وأما اللوم الآخر الذي يوجهه السيد بولجاكوف إلى كاوتسكي بالذات لأنه لم يدرس مسألة "الدرجات المختلفة لنمو السكان في المناطق المختلفة" فإنه لوم ليس في وسعنا فهمه. فهل يتوقع السيد بولجاكوف حقًا أن يجد في كتاب كاوتسكي دراسات في علم توزيع السكان؟ ودون أن نخوض في مسألة الوقف التي لن تضيف شيئًا جديدًا إلى ما قلناه، سوف نمضي إلى دراسة استغلال الريف من قبل المدينة. إن تأكيد السيد بولجاكوف على أن كاوتسكي "لم يضع الجوانب الإيجابية في مواجهة الجوانب السلبية، وعلى رأس ذلك أهمية المدينة كسوق للإنتاج الزراعي"، تأكيد متناقض تمامًا مع الحقيقة. فكاوتسكي يدرس على نحو محدد تمامًا أهمية السوق بالنسبة للزراعة في الصفحة الأولى من الفصل الذي يدرس "الزراعة الحديثة" (ص 30 وما يليها). وكذلك فإن كاوتسكي قد عزا الدور الرئيسي في تحول الزراعة وفي ترشيدها... إلخ، إلى "الصناعة المدينية" على وجه الدقة ([19]). من المحتمل أن هذا هو السبب في أننا لم نفهم كيف تسنى للسيد بولجاكوف أن يكرر في مقاله (ص 32) منتشالو العدد 3) هذه الأفكار ذاتها على أنها معارضته لكاوتسكي! إن هذا لمثال صارخ على طريقة هذا الناقد الصارم في عرض كتاب يقوم بنقده. يقول السيد بولجاكوف لكاوتسكي موبخًا إياه "لا ينبغي نسيان أن جزءًا من القيم (التي تتدفق على المدينة) يعود للريف". من ذا الذي يظن أن كاوتسكي يغفل عن هذه الحقيقة البسيطة. والحقيقة أن كاوتسكي يميز بين تدفق القيم (من الريف إلى المدينة) في حالة عودتها بمردود يكافئ حالة عدم عودتها على نحو أكثر وضوحًا مما يسعى السيد بولجاكوف للقيام به. فلقد درس كاوتسكي أولاً تدفق القيم السلعية من الريف إلى المدينة دون مردود مكافئ gegenteistung (ص 210) (الريع الذي ينفق في المدن والضرائب والفوائد على القروض التي تحصلها بنوك المدينة) ويرى في ذلك – عن حق – استغلالاً اقتصاديًا للريف من قبل المدينة. بعد ذلك يناقش كاوتسكي مسألة تدفق القيم الذي يعود بمردود مكافئ، أي تبادل الإنتاج الزراعي في مقابل البضائع المصنفة. يقول: من وجهة نظر قانون القيمة فإن هذا التدفق لا يعني استغلال الزراعة ([20])، ولكنه يؤدي في الحقيقة – على نفس النحو الذي تؤدي به العوامل التي ذكرناها – إلى استغلالها الاقتصادي الزراعي stofflichen، يؤدي إلى إفقار الأرض من العناصر الغذائية". (ص 211) وفيما يتعلق بالاستغلال الاقتصادي الزراعي للريف من قبل المدن، فإن كاوتسكي يؤكد هنا أيضًا واحدة من القضايا الأساسية لنظرية ماركس وانجلز، أي التناقض بين الريف والمدينة، الذي يدمر الانسجام الضروري والاعتماد المتبادل الضروري بين الزراعة والصناعة، ذلك الشكل من التناقض الذي ينبغي أن يتلاشى مع انتقال الرأسمالية إلى مرحلة أرقى ([21]). يعتقد السيد بولجاكوف أن رأي كاوتسكي عن الاستغلال الاقتصادي الزراعي للريف agronomic ewxploitation من قبل المدينة رأي "غريب"، وأن "كاوتسكي يقف في هذا السبيل – وفي كافة الأحوال – على أرض من الوهم المطلق" (كذا!!!!) وما يدهشنا هنا هو أن السيد بولجاكوف أن رأي كاوتسكي الذي ينتقده يتطابق مع واحدة من الأفكار الأساسية لماركس وانجلز. ولسوف يكون للقارئ حق في استنتاج أن السيد بولجاكوف يعتبر فكرة القضاء على التناقض بين الريف والمدينة "وهم مطلق". وإذا كان ذلك رأي الناقد حقًا، فإننا لن نتفق معه بكل تأكيد وسوف نتخذ جانب "الوهم" (في الحقيقة ليس جانب الوهم طبعًا، بل جانب الانتقاد الأكثر عمقًا للرأسمالية). وليس الرأي القائل بأن إزالة التناقض بين الريف والمدينة بالرأي الجديد على أية حال، بل هو رأي الاقتصاديين البرجوازيين المعتاد، بل لقد استعاره بعض الكتاب ذوي النظرة الأكثر عمقًا. وعلى سبيل المثال، فإن دوهرنغ يرى أن التناقض بين المدينة والريف "حتمي بطبيعة الأشياء ذاتها". وفضلاً عن ذلك فإن السيد بولجاكوف "مندهش"(!) من أن كاوتسكي يشير إلى تزايد حدوث الأوبئة بين النباتات والحيوانات، على أنه أحد الصعوبات التي تواجه الزراعة التجارية والرأسمالية. ويتساءل السيد بولجاكوف "وما علاقة ذلك بالرأسمالية...؟ فهل في وسع أي نظام أرقى أن يزيل ضرورة تحسين سلالات الماشية؟" ونحن بدورنا مندهشون لفشل السيد بولجاكوف في أن يفهم تمامًا رأي كاوتسكي الواضح. لقد اكتسحت السلالات "المحسنة" بالانتخاب الصناعي السلالات القديمة التي نشأت عن الانتخاب الطبيعي. لقد أصبحت النباتات والحيوانات أكثر حساسية وأكثر احتياجًا للرعاية، فمع وسائل الاتصال الحديثة تنتشر الأمراض بسرعة مذهلة، في الوقت الذي لا زالت فيه الزراعة فردية ومفتتة، زراعة (فلاحية) صغيرة تفتقر دومًا للمعرفة للمصادر الحديثة وتسعى الرأسمالية المدينية إلى استغلال كافة مصادر العلم الحديث لتطوير التكنيك الزراعي ولكنها تترك الوضع الاجتماعي للمنتجين عند المستوى البائس القديم، ولا تنقل الحضارة المدينية إلى المناطق الريفية على نحو منسجم ومنهجي. لا وجود لنظام اجتماعي أرقى سوف يقضي على ضرورة تحسين سلالات الماشية (وبطبيعة الحال فإن كاوتسكي لم يفكر في قول شيء من قبيل هذا الهراء)، ولكن كلما تطور التكنيك، أصبحت سلالات الماشية والنبات ([22]) أكثر حساسية للأمراض، وعانى التنظيم الاجتماعي الرأسمالي من ضعف السيطرة الاجتماعية ومن انحطاط أوضاع الفلاحين والعمال. و"الصعوبة" الأخيرة التي تواجه الزراعة التجارية والتي يذكرها كاوتسكي "نزوح السكان من الريف"، وامتصاص المدينة لأفضل القوى العاملة وأكثرها فعالية وذكاء. أما السيد بولجاكوف فيرى أن هذه العبارة من حيث الصياغة العامة "غير صحيحة في كافة الأحوال" وأن "النمو الراهن للسكان المدينيين على حساب الريفيين لا يعبر بأي معنى عن قانون تطور الزراعة الرأسمالية"، بل هجرة السكان الزراعية إلى المستعمرات. أعتقد أن السيد بولجاكوف مخطئ، فنمو السكان المدينيين (أو الصناعيين على نحو أعم) على حساب السكان الريفيين ليس ظاهرة تخص الوقت الراهن فحسب بل ظاهرة عامة تعبر على وجه الدقة عن قانون الرأسمالية والأسس النظرية لهذا القانون. كما أشرت إلى ذلك في موقع آخر ([23]) هي أولاً: أن نمو تقسيم العمل الاجتماعي ينتزع من الزراعة البدائية عددًا متزايدًا من فروع الصناعة ([24]) وثانيًا أن رأس المال المتغير اللازم للعمل في قطعة أرض معينة يتناقص في مجمله. (قارن رأس المال (الألمانية) الجزء الثالث (2) ص 77، الترجمة الروسية ص 526 (8)، الذي اقتطفته من كتابي تطور الرأسمالية في روسيا ص 4، 444) ([25]). لقد أشرنا من قبل إلى أننا نلاحظ في حالات معينة وفترات معينة زيادة في رأس المال المتغير اللازم لزراعة قطعة معينة من الأرض، ولكن ذلك لا يؤثر على صحة القانون العام. وبطبيعة الحال فإن كاوتسكي لا يفكر في إنكار أن التناقض النسبي للسكان الزراعيين لا يصبح في كل الأحوال تناقصًا مطلقًا، فهذه الدرجة من التناقض المطلق تتحد بنمو المستعمرات الرأسمالية. ويشير كاوتسكي إلى نمو هذه المستعمرات الرأسمالية التي تغمر أوروبا بالحبوب الرخيصة (هروب سكان الأرياف من الأرض land flucht الذي يؤدي إلى هجرة سكان الريف الأوروبي، يجلب حشودًا من سكان الريف النشطاء والمفتولي العضلات لا إلى المدن فحسب بل وإلى المستعمرات أيضًا، ص 542). فظاهرة حرمان الزراعة من أقوى عمالها وأنشطهم وأذكاهم، ظاهرة لا في البلاد الصناعية فحسب بل في البلاد الزراعية أيضًا، لا في أوروبا فحسب بل وفي أميركا وروسيا أيضًا. ويؤدي إلى ذلك التناقض الذي تخلقه الرأسمالية بين حضارة المدن وبربرية الريف. والحجة القائلة بأن "تناقص سكان الأرياف مع وجود زيادة عامة في السكان (ونمو في المدن) شيء مفهوم تمامًا دون استيراد الحبوب (فإنتاجية العامل الزراعي تتزايد وهذا يمكن عددًا أقل من العمال من إنتاج قدر مساو بل قدر أكبر مما كان ينتج في السابق). فالزيادة العامة في السكان تتوارى مع تناقص سكان الأرياف والتناقص (أو الزيادة غير المتناسبة) في كمية المنتجات الزراعية أيضًا شيء مفهوم – "مفهوم" لأن إفقار الناس قد ازداد سوءًا في ظل الرأسمالية. ويؤكد السيد بولجاكوف أن الزيادة في المزارع الفلاحية المتوسطة الحجم في ألمانيا في الفترة من 1882 إلى 1895، وهي حقيقة يعتبرها كاوتسكي، ويربطها بحقيقة أخرى هي أن هذه المزارع تعاني بعض النقص في القوى العاملة، هذه الزيادة "قادرة على زعزعة مجمل بنية" حجة كاوتسكي. فلنتمعن في عبارات كاوتسكي على نحو أكثر دقة. طبقًا للإحصاءات الزراعية، فإن أكبر زيادة في المساحة في الفترة من 1882 إلى 1895، جرت في المزارع من 15 إلى 20 هكتار. فقد احتلت هذه المزارع 28،8% من جملة مساحة المزارع وفي 1895 احتلت 29،9%. ولقد صاحب هذه الزيادة في مجمل مساحة المزارع المتوسطة الحجم الفلاحية تناقص في مساحة المزارع الكبيرة (من 20 إلى 100 هكتار في سنة 1882، 31،1%، 1895، 30،3%) ويقول كاوتسكي: "أن هذه البيانات سرت قلوب كافة المواطنين الصالحين الذي يعتبرون الفلاحين أقوى الدعامات طرأ للنظام القائم. وصاحوا بانتصار "وبهذه الطريقة، فإن هذه الزراعة برسوخها وثباتها لا تنطبق عليها عقيدة ماركس". إن هذه الزيادة في المزارع الفلاحية المتوسطة تفسر بأنها فاتحة عهد جديد من ازدهار الزراعة الفلاحية ويرد كاوتسكي على أولئك المواطنين الصالحين: "ولكن هذا الازدهار ضارب بجذوره في مستنقع"، "فهو لم ينشأ من رفاهية الفلاحين، ولكن من ركود الزراعة ككل" (230)، ويقول كاوتسكي قبل ذلك بقليل "ورغم كل التقدم التكنيكي الذي تم إنجازه في بعض الأماكن (التشديد من عند كاوتسكي) فإن هناك تدهورًا في الزراعة، ولا ريب في ذلك" (228). ويؤدي هذا التدهور – على سبيل المثال إلى أحياء الإقطاع – إلى محاولات لربط العمال بالأرض، وفرض التزامات معينة عليهم. فهل من الغريب أن تعود إلى الوجود هذه الأشكال المتخلفة من الزراعة على أرض هذا الركود؟ وأن يكون في وسع الفلاحين – الذين يتميزون بصفة عامة عن العمال الذين يستخدمون في الإنتاج الكبير، بمستوى احتياجاتهم المنخفض وبأنهم أكثر قدرة على الجوع، وأكثر بذلاً للجهد أثناء العمل، بأن يكون في وسعهم الصمود لمدة أطول أثناء الأزمة ([26])؟ "إن الأزمة الزراعية تؤثر في كافة الطبقات الزراعية المنتجة للسلع، ولا يتوقف أثرها عند الفلاحين المتوسطين" (ص 231). ولا ريب أن هذه العبارات التي كتبها كاوتسكي واضحة للغاية بحيث لا يظن المرء أن من المستحيل فهمها.. ومع ذلك فقد فشل الناقد في فهمها. ولا يصل السيد بولجاكوف إلى رأي: فهو لم يخبرنا عن الكيفية التي يفسر بها هذه الزيادة في المزارع الفلاحية المتوسطة، بل ينسب إلى كاوتسكي الرأي القائل بأن "تطور الخط الإنتاجي الرأسمالي يدمر الزراعة" ويهتف السيد بولجاكوف غضبًا "أن قول السيد كاوتسكي بأن الزراعة تصثيبها الدمار قول خاطئ، ومتعسف ولا برهان عليه ويتناقض مع حقائق الواقع الأساسية". وبالنسبة لذلك فإننا نقول أن السيد بولجاكوف ينقل أفكار كاوتسكي بصورة خاطئة. ذلك أن كاوتسكي لم يقل أن تطور الرأسمالية يدمر الزراعة، بل يقول العكس. فليس في وسع المرء أن يستنتج من كلام كاوتسكي عن ركود (= أزمة) الزراعة وعن التدهور التكنيكي الذي يلاحظ في بعض الأماكن (لاحظ ذلك جيدًا) أنه يتحدث عن "دمار" و"هلاك" الزراعة، إلا إذا كان عديم الانتباه عند قراءته لكتاب كاوتسكي. ففي الفصل العاشر الذي يدرس بصفة خاصة مسألة المنافسة عبر البحار (أو بعبارة أخرى، السبب الرئيسي للأزمة الزراعية) يقول كاوتسكي: "أن الأزمة الوشيكة لا تستلزم بالضرورة (braucht nicht) بطبيعة الحال naturlich دمار الصناعة التي تؤثر فيها، فهي لا تفعل ذلك إلا في حالات نادرة. وفي أغلب الأحيان، لا تتسبب الأزمة إلا في تغيير علاقات الملكية القائمة في المجتمع الرأسمالي" (273 – 274). إن هذه الملاحظة التي قيلت بصدد الأزمة في الصناعات الزراعية تبين بوضوح رأي كاوتسكي عمومًا عن دلالة الأزمة. وفي الفصل ذاته يعرب كاوتسكي عن هذا الرأي مرة أخرى في صلته بالزراعة في مجملها: "ما قلناه من قبل لا يعطي المرء أدنى حق في الحديث عن هلاك الزراعة، Man braucht deswegen noch lange nichte von einem untergang dev landwirtschaft zu sprechen. ولكن حيث يترسخ نمط الإنتاج الجديد فإنها تفقد الطابع المحافظ للأبد. فاستمرار النظام القديم das verharrenbien alfen يعني إلحاق الدمار بالمزارع إلى حد ما، فعليه أن يكون يقظًا باستمرار لتطور التكنيك وأن يعدل أساليب إنتاجه وفقًا للشروط الجديدة... فحتى في الحياة الاقتصادية للقطاعات الريفية، التي ظلت حتى الآن تسير بأسلوب أبدي لا تحيد عنه، قد شملتها حالة من التثوير الدائم، وهي حالة يتميز بها نمط الإنتاج الرأسمالي" (289). "ولا يفهم" السيد بولجاكوف كيف أن الاتجاهات نحو تطور القوى المنتجة في الزراعة يمكن أن تقترن باتجاهات تؤدي إلى زيادة المصاعب التي تواجه الزراعة التجارية. فما هو غير المفهوم في هذا؟ إن الرأسمالية في كل من الزراعة والصناعة تعطي دفعة قوية لتطور القوى المنتجة؟ ولكن هذا التطور على وجه التحديد هو الذي يتسبب كلما تقدم في أن تصبح تناقضات الرأسمالية أكثر حدة، ويخلق مصاعب جديدة للنظام. إن كاوتسكي يطور واحدة من أفكار ماركس الأساسية، الذي أكد فيها على نحو قاطع الدور التاريخي التقدمي للرأسمالية الزراعية (ترشيد الزراعة، انفصال الأرض عن المزارع، تحرير سكان الريف من علاقة السيد والعبد.. إلخ)، وفي الوقت ذاته أشار على نحو لا يقل عن ذلك في قطعية إلى إفقار واضطهاد المنتجين المباشرين وإلى واقع أن الرأسمالية لا تنسجم مع متطلبات ترشيد الزراعة. فمن الغريب حقًا أن السيد بولجاكوف الذي يعترف بأن "وجهة نظره الاجتماعية الفلسفية العامة هي ذاتها وجهة نظر كاوتسكي ([27])، يفشل في ملاحظة أن كاوتسكي يطور هنا فكرة أساسية من أفكار ماركس. ولا بد أن يظل قراء ناتشالو في حيرة من موقف السيد بولجاكوف تجاه هذه الفكرة الأساسية وأن يصيبهم العجب من الكيفية التي يقول بها السيد بولجاكوف "لا خلاف على المبادئ"؟! ([28]) وذلك نظرًا لتطابق نظرتهم العامة للعالم. ونحن نسمح لأنفسنا بعدم تصديق قول السيد بولجاكوف، ونعتبر النقاش بينه وبين غيره من الماركسيين ممكن بسبب هذه المشاركة في "المبادئ" Principin على وجه الدقة. فالسيد بولجاكوف يردد ببساطة أحد هذه "المبادئ" حين يقول أن الرأسمالية ترشد الزراعة وأن الصناعة تمد الزراعة بالمكينة.. إلخ، ولكن ما يجب عليه فحسب هو ألا يقول "نقيض ذلك على طول الخط" في هذا السياق. فقد يظن القراء أن كاوتسكي يتمسك برأي مخالف، في حين أنه يطور على وجه التحديد والتأكيد هذه الأفكار الرئيسية لماركس في كتابه. يقول "أن الصناعة على وجه الدقة هي التي خلقت الشروط التكنيكية والعملية لزراعة جديدة ومرشدة. فالصناعة هي التي ثورت الزراعة على وجه الدقة، عن طريق الماكينات والأسمدة الصناعية، وعن طريق الميكروسكوي والمعمل الكيميائي، وأدت بهذه الطريقة إلى نشأة التفوق التكنيكي للإنتاج الرأسمالي الكبير على الإنتاج الفلاحي الصغير" (ص 292). وبهذه الطريقة فإن كاوتسكي لم يقع في التناقض الذي نجد السيد بولجاكوف يتخبط فيه. فمن ناحية نجد السيد بولجاكوف يعترف بأن "الرأسمالية (أي الإنتاج الذي ينجز بمساعدة العمل المأجور أي غير الفلاحي، بل الإنتاج الكبير؟) ترشد الزراعة"، بينما يزعم من ناحية أخرى "أن الإنتاج الكبير ليس هو ناقل التقدم التكنيكي!".
-2- يدرس الفصل العاشر من كتاب كاوتسكي مسألة المنافسة عبر البحار وتصنيع الزراعة. والسيد بولجاكوف يتعامل بخشونة مع هذا الفصل ويقول: "لا شيء جديد أو أصيل على نحو خاص، والحقائق الأساسية معروفة إلى هذه الدرجة أو تلك"، تاركًا في الخلفية المسألة الأساسية، إلا وهي مفهوم الأزمة الزراعية ودلالتها وجوهرها. مع أن هذه المسألة ذات أهمية نظرية هائلة. أن مفهوم الأزمة الزراعية ينتج بالضرورة عن المفهوم العام للتطور الزراعي الذي عرفه ماركس وشرحه كاوتسكي. يرى كاوتسكي أن جوهر الأزمة الزراعية في واقع أن الزراعة في أوروبا قد فقدت فرصة تحويل الأعباء المفروضة عليها من خلال الملكية الخاصة للأرض والإنتاج السلعي الرأسمالي، نظرًا لمنافسة البلاد التي تنتج حبوبًا رخيصة للغاية، ومن الآن فصاعدًا فإن الزراعة في أوروبا "لا بد لها أن تتحملها (أي هذه الأعباء)، وهذا ما يعتبر بمثابة الأزمة الزراعية". (ص 239 – التشديد لكاوتسكي). فريع الأرض هو العبء الرئيسي. في أوروبا ارتفع ريع الأرض بتطور تاريخي سابق إلى مستوى مرتفع للغاية (كل من الريع التفاضلي والمطلق). ويثبت من خلال سعر الأرض ([29]) ومن ناحية أخرى في المستعمرات (أميركا والأرجنتين وغيرهما)، بقدر أنها لا تزال مستعمرات، نجد أرضًا مجانية free يحتلها مستوطنون جدد أما على سبيل الهبة أو في مقابل أسعار زهيدة، فضلاً عن أن خصوبة الأرض البكر تخفض تكاليف الإنتاج إلى أدنى حد. وحتى الآن كانت الزراعة الرأسمالية في أوروبا تنقل أعباء الإيجارات العالية جدًا إلى المستهلك بطبيعة الحال (في شكل ارتفاع أسعار الحبوب)، أما الآن فإن أعباء الإيجارات هذه تقع على كاهل المزارعين وملاك الأرض أنفسهم وتصيبهم بالخراب ([30]) وبهذه الطريقة فإن الأزمة الزراعية تعكر – وستظل تعكر – صفو الرخاء الذي تمتعت به في السابق الملكية الرأسمالية للأرض والزراعة الرأسمالية. لقد فرضت الملكية الرأسمالية للأرض حتى الآن إتاوة دائمة التزايد على التطور الاجتماعي، وحددت مستوى هذه الإتاوة بثمن الأرض. والآن يتعين عليها أن تمتنع عن هذه الإتاوة ([31]) فالزراعة الرأسمالية قد ردت إلى حالة عدم الاستقرار التي تتميز بها الصناعة الرأسمالية، وهي مجبرة على أن تكيف نفسها وفقًا لشروط السوق الجديدة. أن الأزمة الزراعية مثلها في ذلك مثل كل أزمة تفلس الكثير من المزارعين، وتؤدي إلى نشأة تغييرات هامة في علاقات الملكية المستقرة، وتؤدي في بعض الأماكن إلى تدهور التكنيك، وإلى إحياء علاقات وأشكال اقتصادية في العصر الوسيط. ولكنها إذا فهمت في مجملها تؤدي إلى تعجيل التطور الاجتماعي، وتحرم الركود الأبوي (البطريركي) من ملاذه الأخير، وتجعل المزيد من التخصص الزراعي ضروريًا (وهو عامل رئيسي في تقدم الزراعة في المجتمع الرأسمالي). وتجعل من الضروري أيضًا ازدياد استخدام المكينة. وعلى وجه الإجمال، كما يوضح ذلك كاوتسكي ببيانات عن عدة بلدان – في الفصل الرابع من كتابه – نجد تقدمًا تكنيكيًا حتى في أوروبا الغربية، رغم الكساد الزراعي في فترة 1880 – 1890، ونحن نقول حتى في أوروبا الغربية لأن هذا التقدم في أميركا على سبيل المثال لا يزال مرموقًا. وباختصار، لا توجد هناك أسباب لاعتبار الأزمة الزراعية عقبة في سبيل الرأسمالية والتطور الرأسمالي. الملاحظات 1- كانت النية معقودة على نشر دراسة لينين: "الرأسمالية في الزراعة لكتاب كاوتسكي ومقالة السيد بولجاكوف" في مجلة ناتشالو ولكنها نشرت في مجلة جيزن نظرًا لإغلاق هذه المجلة. جيزن (الحياة) مجلة سياسية وأدبية وعلمية صدرت في سانت بطرسبورج من 1897 إلى 1901 وفي سنة 1902 كانت تصدر في الخارج، ومن عام 1899 فصاعدًا كان يسيطر على المجلة "الماركسيون الشرعيون". 2- كارل ماركس، رأس المال، المجلد الثالث، موسكو 1959 ص 603. 3- روسكوي بوجاتستفو (ثروة روسيا) مجلة شهرية صدرت في سان بطرسبرج من 1976 إلى أواسط 1918 – وفي باكورة التسعينات من القرن التاسع عشر أصبحت جريدة الشعبيين الليبراليين وكان يحررها كريفنكو Krivenko ون. ك. ميخايلوفسكي Mikhailovsky. ولقد كانت المجلة تدافع عن المصالحة مع الحكومة القيصرية، وتشن حملة ضارية على الماركسية والماركسيين الروس. وفي عام 1906 أصبحت جريدة الحزب الاشتراكي الشعبي شبه الكادش. 4- الإشارة هنا لمقال ماركس الذي ينتقد مقالة كتبها أ. دي جيراردين "الاشتراكية والضرائب Socialisme et empot". وقد صدر المقال في العدد الرابع من الجردية الرينانية الجديدة – مجلة سياسية اقتصادية Nev Reinische Zeitung – Politisch – okonomische Revuee الصادرة في مايو 1850. وهذه الجريدة أصدرها ماركس في هامبورج في 1850 وهي استمرار للجريدة الرينانية الجديدة. 5- إشارة لكتاب أثر أسعار الحبوب والمحاصيل على بعض جوانب الاقتصاد الروسي في جزئين، صنفه مجموعة من المؤلفين الليبراليين البرجوازيين وذوي الاتجاهات الشعبية (النازودنية) وأشرف على تحريره الأستاذ أ. ي. تشوروف، أ. س. كوسينكوف 1897 وقد قرأ لينين هذا الكتاب حين كان في السجن ونقده في كتابه: تطور الرأسمالية في روسيا. 6- كارل ماركس، رأس المال، الجزء الثالث، موسكو 1959 – من ص 600 إلى ص 793. 7- وقف الأراضي fidei commissum في ظل هذا النظام تنقل الأرض إلى الابن الأكبر لصالح الوصية ولا يمكن رهنها أو تقسيمها أو بيعها جزئيًا أو كليًا. ونظام anerbenecht نوع من وقف الأراضي الفلاحي يخول مالك الأرض حقًا أكبر إلى حد ما فيما يتعلق بالأرض الموروثة ولكنه يحظر تقسيم الإرث. 8- رأس المال، المجلد الثالث، موسكو 1959 – ص 622.
عرض لكتاب كاوتسكي: المسألة الزراعية (نظرة عامة على اتجاهات الزراعة الحديثة والسياسة الزراعية) شتوتجارت – ديتز 1899 يعتبر كتاب كارل كاوتسكي أعظم حدث في الكتابات الاقتصادية الراهنة منذ صدور المجلد الثالث من رأس المال. فلقد كانت الماركسية تفتقر حتى الآن إلى دراسة منهاجية للرأسمالية في الزراعة. ولقد سد كاوتسكي هذه الثغرة بكتابه "تطور الزراعة في المجتمع الرأسمالي" وهو الجزء الأول (يقع في 300 صفحة) من كتابه الذي يقع في حجم مجلد (450 صفحة). فهو يشير على نحو صائب في تصديره للكتاب إلى أن "الغالبية العظمى" من كم المادة الإحصائية والوصفية الاقتصادية الهائل عن مسألة الرأسمالية الزراعية قد تراكم وأن هناك احتياجًا ملحًا للكشف عن "الاتجاهات الأساسية" للتطور الاقتصادي في هذا الفرع من الاقتصاد بهدف البرهنة على مختلف ظواهر الرأسمالية الزراعية بوصفها "تجليات جزئية في عملية عامة واحدة (متكاملة)" eines gesammtprozesses وأنه الأمر صحيح أن الأشكال الزراعية والعلاقات بين السكان الزراعيين في المجتمع المعاصر تتسم بمثل هذا التنوع الهائل إلى حد أنه لا شيء أسهل من الإمساك بكمية إجمالية من الوقائع والمؤشرات المأخوذة من أي بحث بحيث "تؤكد" آراء أي كاتب. وهذا على وجه التحديد هو المنهج الذي اتبعته الصحافة الشعبية (النارودنية) عندنا في عدد كبير من المناقشات، تلك الصحافة التي تسعى للبرهنة على حيوية الاقتصاد الفلاحي بل وحتى تفوقه على الإنتاج الكبير في الزراعة. ويعتبر بمثابة الملمح المميز لكافة هذه المناقشات أنها تعزل الظواهر الفردية وتستشهد بالحالات الفردية ولا تقوم حتى بمحاولة ربطها بالصورة العامة للبنية الزراعية للبلدان الرأسمالية بصفة عامة ولا بمحاولة ربطها بالاتجاهات الأساسية لمجمل التطور الراهن في الزراعة الرأسمالية. لم يقع كاوتسكي في هذا الخطأ الشائع. فلقد قضي ما يربو على العشرين عامًا يدرس مسألة الرأسمالية في الزراعة، وكان في حوزته مادة غزيرة، خاصة وأن كاوتسكي يرتكز في بحثه على بيانات أحدث الإحصاءات الزراعية واستمارات الاستبيان في إنجلترا وأميركا وفرنسا (1892) وألمانيا (1895). ولم يضل طريقه وسط أكوام الوقائع كما أنه لم يغفل عن رؤية الترابط بين أدق ظاهرة والبنية العامة للزراعة الرأسمالية والتطور العام للرأسمالية. ولم يقصر كاوتسكي نفسه على دراسة مسألة جزئية واحدة، على سبيل المثال العلاقات بين الإنتاج الكبير والإنتاج الصغير في الزراعة، بل بحث المسألة العامة التي تتعلق بما إذا كان رأس المال قد وضع الزراعة تحت سيطرته أم لا والتي تتعلق بما إذا كانت توجد أشكال متغيرة للإنتاج وأشكال متغيرة للملكية في الزراعة، وكيف تجري هذه العملية. ولقد اعترف كاوتسكي تمام الاعتراف بالدور الهام الذي تلعبه أشكال الزراعة السابقة على الرأسمالية pre-capitalist والزراعة اللارأسمالية non-capitalist في المجتمع الحديث، واعترف بضرورة بحث العلاقة بين هذه الأشكال وبين الأشكال الرأسمالية الخالصة، ولقد بدأ بحثه بوصف رائع ودقيق للغاية للاقتصاد الفلاحي الأبوي (البطريركي) وللزراعة في مرحلة الإقطاع. وبعد أن برهن على نقطة البداية بالنسبة لتطور الرأسمالية في الزراعة يمضي في وصف "الزراعة الحديثة". ولقد قدم الوصف بادئ ذي بدء من وجهة النظر التكنيكية (نظام المناوبة في المحاصيل، تقسيم العمل، المكننة، الأسمدة، البكتريولوجيا)، ويقدم للقارئ صورة مشرفة عن الثورة العظيمة التي أحدثتها الرأسمالية في عقود قليلة بجعلها الزراعة علمًا بدلاً من كونها حرفة روتينية. بعد ذلك يأتي بحث "الطابع الرأسمالي للزراعة الحديثة" – مكتوبًا بلغة شعبية مختصرة، لكنه عرض دقيق للغاية وموهوب لنظرية ماركس عن الربح والريع، ويوضح كاوتسكي أن نظام المزارع المستأجر ونظام الرهن ليسا سوى جانبين لعملية واحدة بذاتها كما لاحظ ماركس عملية فصل المنتجين الزراعيين عن الملاك. فالعلاقات بين الإنتاج الكبير والإنتاج الصغير تبحث إذن، ويصبح من الواضح أن التفوق التكنيكي للأول على هذا الأخير أمر لا ريب فيه. ويبرهن كاوتسكي باقتدار على هذه الأطروحة ويوضح بالتفصيل كيف أن استقرار الإنتاج الصغير في الزراعة لا يرتكز بأية حال على الترشيد التكنيكي للإنتاج الصغير بل على واقع أن الفلاحين الصغار يعملون عملاً أكثر مشقة من العمال بالأجر ويختزلون ضروريات حياتهم إلى مستوى أدنى من هؤلاء العمال. وكانت البيانات المدعمة التي استشهد بها كاوتسكي ممتعة للغاية وقاطعة، ولقد أدى تحليل مسألة الجمعيات في الزراعة بكاوتسكي إلى الاستنتاج القائل بأن الجمعيات تعتبر بلا ريب مؤشرًا إلى التقدم ولكنها انتقال إلى الرأسمالية لا إلى الإنتاج المشاعي فالجمعيات لا تؤدي إلى الإقلال بل تؤدي إلى ازدياد تفوق الإنتاج الكبير على الإنتاج الصغير في الزراعة. وأنه من العبث الظن بأن الفلاح في المجتمع الحديث يمكن أن يرجع إلى الإنتاج المشاعي. وفي العادة تتم الإحالة للبيانات الإحصائية التي لا تبين أن المنتج الصغير لا يستبعد من قبل المنتج الكبير بل التي تساعد فحسب في تبيان أن تطور الرأسمالية في الزراعة أكثر تعقيدًا بما لا يقاس عنه في الصناعة. وفي الصناعة أيضًا لا ترتبط مظاهر مثل انتشار العمل الرأسمالي في المنزل... إلخ على الدوام مع الاتجاه الأساسي للتطور. وبالنسبة للزراعة فإن تعطل استبعاد المنتج الصغير بادئ ذي بدء بسبب حجم مساحة الأرض المحدود، وبسبب بيع الحيازات الصغيرة لتكوين حيازة كبيرة يعتبر أمرًا صعبًا للغاية، فبالنسبة للزراعة المكثفة تكون الزيادة في كمية المنتجات متطابقة مع مدى صغر مساحة الأرض (ولهذا السبب فإن الإحصاءات التي تقدم بيانات عن حجم المزرعة على وجه الحصر ليس لها سوى أهمية ضئيلة). ويجري تركز الإنتاج من خلال بيع الحيازات المتعددة عن طريق المالك الواحد، ومن هنا فإن العزبة (اللاتيفونديا Latifundia) تشكل عونًا بوصفها أساسًا لواحد من أعلى أشكال الزراعة الرأسمالية الكبيرة. وأخيرًا فإنه لن يكون حتى من المفيد بالنسبة لكبار الملاك أن يطردوا الملاك الصغار كلية: فهؤلاء يمدونهم بالأيدي العاملة! وهذا هو السبب في أن كبار الملاك والرأسماليين يمررون على الدوام القوانين التي تدعم الفلاح الصغير على نحو مصطنع. فالزراعة الصغيرة تصبح مستقرة عندما لا تنافس الزراعة الكبيرة عندما تتحول إلى متعهد قوة العمل لهذه الأخيرة، فالعلاقات بين الملاك الكبار والملاك الصغار تشبه على نحو قريب العلاقات بين الرأسماليين والبروليتاريين. ولقد خصص كاوتسكي فصلاً خاصًا لـ"تحول الفلاحين إلى بروليتاريا" وهو فصل غني بالمعلومات، وعلى الأخص في موضوعات "الأعمال الإضافية" للفلاحين أي مختلف أشكال العمل بالأجر. وبعد أن يوضح كاوتسكي السمات الأساسية لتطور الرأسمالية في الزراعة، يمضي في البرهنة على الطابع الانتقالي تاريخيًا لذلك النظام من الاقتصاد الاجتماعي. فكلما تطورت الرأسمالية كانت المصاعب التي تواجه الزراعة التجارية (البضاعية) أكبر. فاحتكار ملكية الأرض (ريع الأرض) وحق الإرث والعقارات الموقوفة (1)، تعوق ترشيد الزراعة، أن المدن تستغل القرى إلى أبعد مدى، تأخذ أفضل القوى العاملة من المزارعين، وتمتص قسمًا متعاظمًا باستمرار من الثروة التي ينتجها السكان الريفيون، حيث لم يعد السكان الريفيون يستطيعون العودة للأرض التي أخذت منهم. ويدرس كاوتسكي بتفصيل كبير بصفة خاصة إخلاء السكان من الريف ويعترف تمامًا بأن الطبقة الوسطى من المزارعين هم الذين يعانون من نقص القوة العاملة، وهو يضيف أن "المواطنين الصالحين" (وينبغي علينا أن نضيف: والشعبين (النارودنيك) الروسي) يخطئون في فرحهم بهذا الواقع، وبظنهم أنهم يمكنهم أن يروا في ذلك ميلادًا جديدًا للفلاحين وذلك ما يدحض إمكانية تطبيق النظرية الماركسية على الزراعة. فالفلاحون قد يعانون أكثر من غيرهم من نقص العمل المأجور ولكنهم يعانون أكثر من ذلك من الربا والاضطهاد الضريبي وعدم ترشيد اقتصادهم وإجهاد التربة والكدح المكثف والاستهلاك المنخفض. فواقع أن لا العمال الزراعيين فحسب بل حتى أطفال الفلاحين يهربون إلى المدن هو دحض واضح لآراء الاقتصاديين البرجوازيين الصغار ذوي العقول المتشائمة! ولكن التغيرات الهائلة في ظروف الزراعة الأوروبية نتجت عن منافسة الحبوب الرخيصة التي تستورد من أميركا والأرجنتين والهند وروسيا وغيرها من البلاد. لقد قام كاوتسكي بدراسة مفصلة لدلالة هذا الواقع الذي نشأ عن تطور الصناعة في البحث عن أسواق. لقد وصف انهيار إنتاج الحبوب في أوروبا تحت وطأة هذه المنافسة وكذلك انخفاض الريع، وقام بدراسة مفصلة على نحو خاص لـ"تصنيع الزراعة" الذي يتبدى من ناحية في العمل الصناعي بالأجر لصغار الفلاحين ومن ناحية أخرى في تطور الإنتاج التكنيكي الزراعي (التقطير، وتكرير السكر... إلخ)، حتى في حالة استبعاد بعض فروع الزراعة من قبل الصناعات المعملية. ويقول كاوتسكي أن الاقتصاديين المتفائلين يخطئون في الظن بأن مثل هذه التغيرات في الزراعة الأوروبية يمكن أن تنقذها من الأزمة؛ فالأزمة تنتشر ويمكن أن تنتهي فحسب بالأزمة العامة للرأسمالية ككل. ولا يعطي ذلك بطبيعة الحال أي امرئ الحق في الحديث عن خراب الزراعة، بل أن طابعها المحافظ هو الذي مضى إلى غير رجعة وهي تمر بحالة من التغيير الدائم، وهي حالة تعتبر نموذجًا لخط الإنتاج الرأسمالي في عمومه. "مساحة كبيرة من الأرض في ظل الإنتاج الزراعي الكبير، تلك التي يصبح الطابع الرأسمالي لها أمرًا مسلمًا به على نحو متزايد؛ وازدياد التأجير والرهن، وتصنيع الزراعة – هذه هي العناصر التي تمهد الأرض لإضفاء الطابع الاجتماعي socialization على الإنتاج الزراعي..." ويقول كاوتسكي في الختام أنه من العبث الظن أن جانبًا في المجتمع يتطور في اتجاه والجانب الآخر في الاتجاه المضاد، ففي الواقع الفعلي "يتخذ التطور الاجتماعي في الزراعة نفس الاتجاه الذي تتخذه الصناعة". إن كاوتسكي بتطبيقه لتحليله النظري على مسألة السياسة الزراعية يعارض بطبيعة الحال كل المحاولات الرامية لتدعيم أو "لإنقاذ" الاقتصاد الفلاحي. ويقول كاوتسكي أنه ليس هناك من سبب معقول حتى للظن بأن مشاعية القرية يمكن أن تعيد إلى الوجود الزراعة المشاعية الواسعة النطاق (338 قسم "مشاعية القرية der dorfkommunismus" قارن ص 339). "إن حماية الفلاحين der bauernschutz لا تعني حماية شخص الفلاح (فلا أحد يعترض بطبيعة الحال على مثل هذه الحماية)، بل حماية الملكية الفلاحية. فإن ما حدث على وجه الدقة هو أن ملكية الفلاح هي السبب الرئيسي في فقره ومهانته. فالعمال الزراعيون بالأجر أصبحوا الآن أفضل حالاً في غالب الأحيان من الفلاحين الصغار. أن حماية الفلاح ليست حمايته من الفقر بل حمايته من القيود التي تشده لفقره" (320). إن التغيير الجذري للزراعة من قبل الرأسمالية عملية في بدايتها فحسب، ولكنها عملية تتقدم على نحو سريع، وتواصل تحويل الفلاح إلى عامل بالأجر وتزيد من هرب السكان من الريف. والمحاولات التي تسعى لكبح هذه العملية لا بد أن تكون رجعية وضارة. وليس المهم هو إلى أي مدى هي ثقيلة عواقب هذه العملية في المجتمع المعاصر، فعواقب كبح هذه العملية لا بد أن تكون أكثر سوءًا فسوف تضع السكان العاملين في وضع ميئوس منه ولا نجاة منه على الدوام. والعمل التقدمي في مجتمعنا المعاصر يمكنه أن يسعى فحسب للتقليل من الآثار الضارة التي يمارسها التقدم الرأسمالي على السكان، وأن يسعى لرفع وعي الشعب وقدرته على الدفاع الذاتي الجماعي. ولذا فإن كاوتسكي يؤكد على ضمان حرية الحركة.. إلخ للقضاء على كل مخلفات الإقطاع في الزراعة (مثل قانون الأقنان die Gesindeordnungen الذي يضع عمال المزرعة في تبعية شخصية في وضع شبيه بالقن)، وحظر عمل الأطفال دون سن الرابعة عشر، وإقامة يوم عمل من ثمان ساعات، وسياسة صحية صارمة لممارسة الأشراف على مساكن العمال.. إلخ.. إلخ. نأمل أن يظهر كتاب كاوتسكي في ترجمة روسية (2). نشر وفقًا لنص المجلة كتب في مارس 1899 ونشر في إبريل 1899 في مجلة ناتشالو عدد (4) بتوقيع ف. إيلين
الملاحظات 1- العقارات الموقوفة entailed estates نظام في الميراث ظل مستمرًا في بعض البلاد الرأسمالية منذ عهود الإقطاع. وفي ظل هذا النظام تورث العقارات بلا تقسيم لأكبر أفراد العائلة أو لأكبر أبناء المالك. 2- نشرت ترجمة لأحد فصول كتاب كاوتسكي المسألة الزراعية die Agrarfrage في Nachnoye Obozreniye عدد 8 سنة 1899 تحت عنوان "الزراعة الحديثة".
عرض لكتاب بارفوس "السوق العالي والأزمة الزراعية" مقالات اقتصادية ترجمها عن الألمانية ل. ي. سان بطرسبورج، 1898 الناشر أ. ن. بوبوفا (المكتبة التعليمية، مجموعة 2 العدد 2) 142 صفحة السعر 40 كوبيك هذا الكتاب الذي كتبه صحفي ألماني موهوب يكتب بالاسم المستعار بارفوس Parvus، يتألف من عدة مقالات تصف بعض ظواهر الاقتصاد العالمي الحديث، مع توجيه جل الاهتمام لألمانيا. والفكرة المحورية عند بارفوس هي تطور السوق العالمي وهو يصف بصفة رئيسية المراحل الراهنة من هذا التطور في عهد أفول السيطرة الصناعية لإنجلترا. ومن الأهمية بمكان ملاحظاته عن الدور الذي لعبته البلاد الصناعية القديمة التي خدمت كسوق للدول الرأسمالية الأصغر: إنجلترا مثلاً تستوعب الكميات المتزايدة من البضائع الصناعية الألمانية، وهي تأخذ في الوقت الحاضر من 1/5 إلى ¼ مجمل الصادرات الألمانية. ويوظف بارفوس بيانات الإحصاءات الاقتصادية والصناعية ليصف التقسيم الخاص للعمل بين مختلف الدول الرأسمالية، فبعضها ينتج أساسًا لأسواق المستعمرات، والبعض الآخر للسوق الأوروبية. وفي الفصل المعنون "المدن والسكك الحديدية" يبذل المؤلف محاولة شيقة جدًا لوصف أهم "أشكال المدن الرأسمالية" وأهميتها في النظام العام للاقتصاد الرأسمالي. أما الجزء الباقي والأكبر من الكتاب (ص 33، 142)، فهو مكرس للمسائل المتعلقة بالتناقضات في الزراعة الرأسمالية في الوقت الراهن والأزمة الزراعية. ويشرح بارفوس أولاً تأثير تطور الصناعة على أسعار الحبوب وعلى ريع الأرض.. إلخ. ثم يلخص نظرية ريع الأرض التي طورها ماركس في الجزء الثالث من رأس المال ويشرح السبب الأساسي للأزمة الزراعية الرأسمالية من وجهة نظر تلك النظرية. ويضيف بارفوس بيانات عن ألمانيا إلى التحليل النظري الخالص لتلك المسألة ويصل إلى استنتاج أن "السبب الأخير والأساسي للأزمة الزراعية هو زيادة ريع الأرض التي ترجع بصفة خاصة للتطور الرأسمالي ومن ثم زيادة سعر الأرض". ويقول بارفوس "الغ تلك الأسعار، فيمكن للزراعة الأوروبية أن تتنافس مرة أخرى مع الزراعة الروسية والأميركية". "إن سلاح (ملكيتها الخاصة) الوحيد ضد الأزمة الزراعية، باستثناء الاتحادات العرضية المواتية على صعيد السوق العالمي، هو بيع كل الملكيات الرأسمالية للأرض في مزاد علني" (141). وعلى ذلك، يتفق الاستنتاج الذي استخلصه بارفوس، بصفة عامة، مع رأي إنجلز، وقد أشار إنجلز في الجزء الثالث من رأس المال إلى حقيقة أن الأزمة الزراعية في الوقت الراهن تجعل ريع الأرض الذي كان يجنيه ملاك الأرض الأوروبيين فيما سبق أمرًا مستحيلاً (1). وأنا لنوصي بشدة كل القراء المهتمين بالمسائل المذكورة عاليه أن يطلعوا على كتاب بارفوس. أنه رد ممتاز على حجج الشعبيين (النارودنيين) الدائرة الآن حول الأزمة الزراعية الراهنة والتي تقابلها دائمًا في الصحافة الشعبية (النارودنيين) الدائرة الآن حول الأزمة الزراعية الراهنة والتي تقابلها دائمًا في الصحافة الشعبية (النارودنية) والتي تعاني من قصور أساسي جدًا. فواقعة الأزمة يتم بحثها في انفصال عن التطور العام للرأسمالية الدولية، إنها لا تبحث من وجهة نظر طبقة اجتماعية محددة، ولكن تمامًا بغرض استنباط أخلاق البرجوازية الصغيرة من حيوية نظام الزراعة الفلاحية الصغيرة. ويمكن اعتبار ترجمة كتاب بارفوس مرضية على وجه العموم، رغم أن القارئ قد يصادف في بعض المواضع بعض الصياغات اللغوية الصعبة والعسيرة. نشر طبق الأصل في المجلة كتب في فبراير 1899 نشر في مارس 1899 في مجلة ناتشالو (2) العدد الثالث بإمضاء فل الين Vl Ilin ملاحظات كارل ماركس. رأس المال الجزء الثالث، 1959، ص 708، 710. ناتشالو (البداية) – مجلة شهرية أدبية سياسية صدرت في سانت بطرسبورج خلال الأشهر الأولى لعام 1899. أصدرها "الماركسيون الشرعيون" وكان محررها ب. ب. ستروفه، م. أ. تيوجان – بارنوفسكي وآخرون ونشرت مقالات لـ ج. ف. بليخانوف، ف. أ. زاسوليتش وغيرهم. وقد أغلبت سلطات القيصر المجلة في يونيو 1899.
([1]) الماكينات من مختلف الأنواع مجتمعة. حتى يثبت عكس ذلك، وكل البيانات مأخوذة عن كتاب كاوتسكي. ([2])يظن السيد بولجاكوف "إن كافة هذه المعطيات يمكن الحصول عليها من أي (كذا!) كتاب جيب في اقتصاديات الزراعة". ونحن لا نشارك السيد بولجاكوف آراءه المتفائلة عن "كتب الجيب". ولنأخذ "أية" كتب من الكتب الروسية، كتب السادة سكفورتسوف (النجار والنقل) أو ن. كابلوكوف (محاضرات تلك التي أعيد طبع نصفها في كتاب "الجديد" هو شروط تطور الاقتصاد الفلاحي في روسيا) فلن يكون في مقدور القارئ أن يستخلص من هذا أو ذاك تصور من ذلك التحول الذي أحدثته الرأسمالية في الزراعة، لأن كليهما لم يشرع حتى عن تقديم تصور عام للانتقال من الاقتصاد الإقطاعي إلى الاقتصاد الرأسمالي. ([3])أشار ماركس إلى هذه العملية في المجلد الثالث من رأس المال (دون أن يدرس أشكالها المتنوعة في مختلف البلاد) ولاحظ أن هذا الفصل لـ"الأرض بوصفها أداة إنتاج من الملكية العقارية والمالك" يعتبر "أحد النتائج الرئيسية لنمط الإنتاج الرأسمالي" مجلد 3 القسم الثاني ص 156 – 157 الترجمة الروسية (ص 509 – 510). ([4])إن الزيادة في ديون الرهن لا تعني على الدوام أن الزراعة في حالة ركود... فتقدم وازدهار الزراعة (وكذلك انهيارها) "يجد تعبيرًا عنه في ازدياد ديون الرهن – أولاً بسبب الاحتياج المتزايد لرأس المال من قبل الزراعة المتقدمة، وثانيًا بسبب الزيادة من ريع الأرض، تلك التي تيسر التوسع في الائتمان الزراعي" (ص 87). ([5])يصف كاوتسكي في الصفحات 124 – 126 المشاعية الزراعية في رالاهين Relahine التي أخبر بها السيد ديو نيوي M. Dioneo قراءة الروس بالمصادفة في روسكوي بوجاتستفو 51 عدد 2 من هذا العام. ([6])الشيء الوحيد الذي أمكن للسيد بولجاكوف أن يقتطفه تدعيمًا لزعمه هو العنوان الذي دفعه كاوتسكي للجزء الأول من الفصل السادس: "(1) التفوق التكنيكي للإنتاج الكبير"، على الرغم من أن هذا الفصل يبحث في كل المنافع التكنيكية والاقتصادية للإنتاج الكبير. ولكنه ألا يبرهن ذلك أن كاوتسكي يخلط التكنيك بالاقتصاد؟ أو إذا شئنا الدقة في التعبير، أن مسألة ما إذا كان عنوان كاوتسكي دقيقًا مسألة لا زالت موضع بحث. لقد كان الأمر أن كاوتسكي كان يهدف إلى المقابلة بين محتوى التسمية الأول والثاني من الفصل السادس: من القسم الأول (1) يتناول التفوق التكنيكي للإنتاج الكبير في الزراعة الرأسمالية، وهو يذكر في هذا الصدد على سبيل المثال بالإضافة للمكينة الائتمان. وهو "نوع خاص من التفوق التكنيكي"، كما يقول السيد بولجاكوف ساخرًا، ولكن من يضحك أخيرًا يضحك كثيرًا (بالفرنسية في الأصل – المترجم). ألق نظرة عامة على كتاب كاوتسكي، وسوف ترى أنه يضع في اعتباره بصورة مبدئية التقدم الذي تم إحرازه في تكنيك العمل الائتماني (وبالإضافة إلى ذلك في تكنيك التجارة)، وهو ما يناسب المزارع الكبير فحسب، ومن ناحية أخرى يقارن في القسم الثاني من الفصل (ب) بين كمية العمل المبذول ومعدل استهلاك العمال في الإنتاج الكبير، وبين أولئك الذين يعملون في الإنتاج الصغير. ونتيجة لذلك يبحث كاوتسكي في هذا القسم الفرق الاقتصادي الصرف بين الإنتاج الصغير والكبير. فاقتصاد الائتمان والتجارة واحد بالنسبة لكليهما، ولكن التكنيك هو الذي يختلف. ([7])أنظر ف. ى. بوستنيكوف، الزراعة الفلاحية في جنوب روسيا. قارن ف. إيلين تطور (Peasant Farming in Russia) الرأسمالية الفصل (2) قسم (1) (أنظر الطبعة الحالية المجلد الثالث – الناشر). ([8])قارن ف. إيلين تطور الرأسمالية في روسيا ص 112، 175، 201 (أنظر الطبعة الحالية مجلد 3 ص 168 – 170، 144 – 246، 273 – 275 – الناشر). ([9])هذه الكلمات بالإنجليزية في الأصل – الناشر وترجمتها العربية الحرفية (مزارع الذهب) المترجم. ([10])قارن تطور الرأسمالية في روسيا الفصل الثاني القسم 12 ص 120 (أنظر الطبعة الحالية مجلد 3 ص 178 – الناشر). ويقدر عدد العمال الريفيين الذين يملكون أرضًا في فرنسا بـ75% وهناك أمثلة أخرى موجودة في الكتاب. ([11])% نؤكد على قولنا "في مجملها" لأنه ليس من الممكن بطبيعة الحال إنكار أنه في صلات معينة فإن بإمكان هذه المزارع ذات المساحات الضئيلة أن تغل كمية كبيرة من المنتجات ودخلاً كبيرًا (الكروم، وبساتين الخضر وغيرها) ولكن ما عسانا أن نقوله في عالم اقتصادي يحاول أن يفند أن السبب في الافتقار إلى الخيول بين الفلاحين الروس بالإشارة – على سبيل المثال – إلى زراع الخضر في ضواحي موسكو الذين قد ينجزوا في بعض الأحيان زراعة مرشدة ومركبة دون استخدام الخيول! ([12])يقول السيد بولجاكوف في هامش ص 15، أن كاوتسكي يعتقد أن رسوم الحبوب ليست في مصلحة الغالبية العظمى من السكان الريفيين، ويكرر خطأ اقترفه أحد المؤلفين عن أسعار الحبوب. وليس في وسعنا أن نتفق مع هذا الرأي. لقد وقع مؤلفو كتاب أسعار الحبوب في عدة أخطاء (أشرت إليها مرارًا في الكتاب السالف الذكر) ولكن ليس هناك ثمة خطأ في الاعتراف بأن أسعار الحبوب المرتفعة ليست من مصلحة جماهير السكان. ولكن الأمر الخاطئ هو الاستدلال مباشرة أن مصالح الجماهير تتطابق مع مصالح التطور الاجتماعي في مجمله. ولقد أشار السادة توجان بارانوفسكي وسترونه عن حق أن معيار تقدير أسعار الحبوب ينبغي أن يكون ما إذا كان يستبعد – على نحو متفاوت السرعة في الرأسمالية – مصلحة العمل، ما إذا كان يحفز التطور الاجتماعي. وهذه مسألة حقيقية عالجتها على نحو مختلف عن النحو الذي عالجها به سترونه. فأنا لا أعتبر أن انخفاض أسعار الحبوب والنمو السريع على نحو خاص لصناعة المكينة الزراعية، والدافع نحو التخصص في الزراعة الذي دفع إليه انخفاض أسعار الحبوب والنمو السريع على نحو خاص لصناعة المكينة الزراعية، والدافع نحو التخصص في الزراعة الذي دفع إليه انخفاض أسعار الحبوب يبين أن الأسعار المنخفضة تحفز تطور الرأسمالية في الزراعة الروسية (قارن تطور الرأسمالية في روسيا الفصل الثالث القسم الخامس ص 147، هامش 2) (أنظر الطبعة الحالية مجلد 3 ص 212، 213 – الناشر). أن انخفاض أسعار الحبوب له تأثير تحويلي عميق على سائر العلاقات في الزراعة. يقول السيد بولجاكوف: "يعتبر ارتفاع أسعار الحبوب أحد أهم شروط تكثيف الزراعة". (ويعبر السيد ب. س. في عمود "عرض موجز للشؤون الداخلية" ص 299 في نفس العدد من ناتشالو). وهو الكلام غير دقيق. فلقد بين ماركس من الجزء 6 من المجلد 3 من رأس المال أن إنتاجية رأس المال الإضافي المستثمر في الأرض يمكن أن تتناقص، ولكن يمكن أيضًا أن تتزايد، مع الانخفاض في سعر الحبوب، والريع يمكن أن ينخفض ولكنه يمكن أن يزيد أيضًا، وبالتالي فالزراعة الكثيفة قد ترفع في حقب تاريخية إلى شروط مخالفة تمامًا بغض النظر عن مستوى أسعار الحبوب. ([13])يورد السيد بولجاكوف بيانات بتفصيل أكثر ولكنها لا تضيف أي شيء إلى بيانات كاوتسكي، طالما أنها تبين التزايد في عدد المزارع ذاتها في أحد فئات الملاك الكبار والتناقص في مساحة الأرض. ([14])يوجد تناقص في هذه الفئة من المزارع من 16986 هكتار إلى 16802.115 هكتار أي في مجمله 1.2%! ألا يفصح ذلك عن شيء يؤيد رؤية السيد بولجاكوف للإنتاج الكبير على أنه "يعاني من سكرات الموت"! ([15])هاتان الكلمتان بالإنجليزية في الأصل – الناشر. ([16])إن ما يعتبر أمرًا غريبًا حقًا هو ملاحظة السيد بولجاكوف أن الزيادة في عدد المستخدمين غير اليدويين ربما كانت تدل على نمو الصناعة الزراعية، ولكنها لا تدل (!) على نمو الزراعة الكبيرة المكثفة، حتى الآن لا زلنا نعتقد أن واحدًا من أهم أشكال التكثيف هو نمو الصناعة في الزراعة (وصفها كاوتسكي في فصل خمسة بالتفصيل وقيمها). ([17])كيرجر Karger الذي اقتطف منه كاوتسكي ص 45. ([18])أعرب كاوتسكي بكل ما لديه من تأكيد عن معارضته لأي تقييد من تقييدات. العصور الوسطى لحركة تداول الأرض للوقف (Fiedeicommissum, Anerbenred). وللإبقاء على مشاعة العصور الوسطى الفلاحين (ص 332).. إلخ. ([19])قارن أيضًا ص 214 حيث يناقش كاوتسكي الدور الذي يلعبه رأس المال المديني في ترشيد الزراعة. ([20])فليقارن القارئ بين عبارة كاوتسكي الواضحة التي اقتطفناها هنا وبين الملاحظة التالية السيد بولجاكوف: "إذا كان لكاوتسكي أن ينظر لإعطاء الحبوب للسكان غير الزراعيين بوصفه استغلالاً من قبل المنتجين المباشرين للحبوب"... إلخ ليس في مقدور المرء تصديق أن يكتب ناقد قرأ كتاب كاوتسكي بل انتباه كلمة "إذا" هذه! ([21])وغني عن البيان أن الرأي القائل بأنه من الضروري إزالة التناقض بين المدينة والقرية في مجتمع المنتجين المتعاونين لا يتناقض أدنى تناقض مع الاعتراف بأن اجتذاب السكان للصناعة من الزراعة يلعب من الناحية التاريخية دورًا تقدميًا ولقد ناقشت ذلك في مكان آخر (دراسات ص 81 حاشية 69) "أنظر الطبعة الحالية مجلد 2 ص 229" – الناشر. ([22])تطور الرأسمالية في روسيا الفصل الأول قسم 2 والفصل الثامن قسم 2 (أنظر الطبعة الحالية الإنجليزية المجلد الثالث – الناشر). ([23])وهذا هو السبب في أن كاوتسكي يوصي في الجزء العملي من كتابه بالفحص البيطري للماشية وبالشروط اللازمة لرعايتها. ([24])يقول السيد بولجاكوف مشيرًا إلى هذا الظرف أن "السكان الزراعيين يمكن أن يتناقصون نسبيًا (التشديد من عنده) حتى عندما تزدهر الزراعة". إن هذا ليس "ممكنًا" فحسب بل هو "ضروري" في المجتمع الرأسمالي.... ويستنتج السيد بولجاكوف "أن التناقص النسبي (في السكان الزراعيين) يشير هنا فحسب (كذا!) إلى نمو فروع جديدة من العمل الإنساني" أن هذا لأمر غريب "فحسب" فالفروع الجديدة من الزراعة تجتذب في الواقع "أكثر القرى العاملة فاعلية وذكاء" من الزراعة. ومن هنا فإن هذا السبب البسيط كاف لأن يتمكن المرء من الموافقة على أطروحة كاوتسكي على اعتبار أنها صحيحة تمامًا: فالتناقض النسبي للسكان الريفيين يؤكد بما فيه الكفاية صحة الأطروحة العامة القائلة "بأن الرأسمالية تستقطب أكثر القوى العاملة فاعلية وذكاء من الزراعة". ([25])أنظر الطبعة الحالية مجلد (3) ص 40، 561 – الناشر. ([26])يقول كاوتسكي في موقع آخر: "إن المزارعين الصغار يصمدون لفترة أطول في وضع ميئوس منه. ولنا كل الحق في أن نشك في أن هذا يشكل ميزة للإنتاج الصغير". وبهذه المناسبة فلنتذكر بيانات تؤيد رأي كاوتسكي أوردها كوينج Koenig في كتابه، الذي وصف فيه تفضيلاً حالة الزراعة الإنجليزية في عدد من الأقاليم التي اتخذت كنموذج (حالة المزارع الإنكليزية) إلخ Dielage die englischen landwirtschaft… etc. Jena 1896 von Dr. E. Koenig) في هذا الكتاب نجد أي قدر من الأدلة على العمل الزائد والاستهلاك المتضائل من جانب المزارعين الصغار، بالمقارنة بالعمال بالأجر، بل ولا نجد دليلاً على عكس ذلك. فنحن نقرأ على سبيل المثال أن المزارع الصغيرة تدفع "نظرًا للكد الهائل immence والاكتفاء بأقل القليل (88)"، "وأن مباني المزارع الصغيرة متدنية (107)، وأن الملاك الصغار yeoman farmen الكلمتان بالإنجليزية في الأصل" أسوأ حالاً من المزارعين المستأجرين (149)، "وأن حالتهم بائسة للغاية (في لنكولنشير)، وأن أكواخهم أسوأ من العمال المستخدمين في المزارع الكبيرة، وأن بعضهم في أسوأ حال. وأن الملاك الصغار يعملون بكد ساعات أكبر من العمال العاديين، ومع ذلك يحصلون على الأقل. منهم يعيشون حياة أكثر بؤسًا ويأكلون كمية أقل من اللحم... وأولادهم وبناتهم يعملون بلا مقابل ويلبسون الأسمال" (157). "إن المزارعين الصغار يعملون كالعبيد، وفي الصيف يعملون من الثالثة صباحًا إلى التاسعة مساءًا، (تقرير الغرفة الزراعية في بوسطن ص 158). ويقول أحد كبار المزارعين "لا ريب أن المزارع الصغير (حرفيًا الرجل الصغير derkleine mann الذي يملك رأسمالاً صغيرًا والذي يقوم أفراد أسرته بكل العمل في مزرعته، يجد من السهل عليه أن يقتطع من نفقات المنزل، بينما يتعين على المزارع الكبير إطعام عماله بنفس القدر من الجودة سواء في سنوات الرخاء أو سنوات الفقر" (218) فالمزارعون الصغار (في أيرشاير Ayreshire "يبذلون جهدًا فوق الطاقة ungehener ولا يبذل أطفالهم ونساؤهم جهدًا أقل من ذلك، فهم يعملون دائمًا أكثر من العمال المياويمن، ويقال أن اثنين منهم ينجزان من العمل قدر ما ينجز ثلاثة من العمال بالأجر" (231) "أن حياة المزارع المستأجر الصغير، الذي يعمل وتعمل معه أسرته كلها هي حياة العبيد" (253) "وإذا تحدثنا بصفة إجمالية... فإن المزارعين الصغار من الواضح أنهم أكثر قدرة على الصمود في مواجهة الأزمة من المزارعين الكبار ولكن ذلك لا يعني حتمًا أن المزارع الصغير (حرفيًا الرجل الصغير klemo mann أكثر ربحًا. فالسبب في ذلك في رأينا هو أن المزارع الصغير يستغل المساعدة غير المدفوعة الأجر لأسرته.. وعادة ما تعمل أسرة المزارع الصغير بأكملها في الزراعة... فالأطفال يأكلون ويلبسون ونادرًا ما يحصلون على أجر محدد" (277 – 278)... إلخ. ([27])بالنسبة لوجهة النظر الفلسفية للعالم، فنحن لا نعرف ما إذا كان يقوله السيد بولجاكوف صحيحًا. على أن كاوتسكي لا يبدو مناصرًا للفلسفة النقدية كما هو حال بولجاكوف. ([28])باللاتينية في الأصل: de principils nonest disputandum. ([29])بالنسبة لعملية تضم الريع وتثبيته أنظر ملاحظات بارفوس Parvus القديرة في السوق العالمي والأزمة الزراعية، ويشارك بارفوس كاوتسكي الرأي فيما يتعلق بالأزمة الزراعية والمسألة الزراعية بصفة عامة. ([30])بارفوس، المرجع السابق ص 141، وهي مقتطفة في عرض كتاب بارفوس في ناتشالو العدد 3 (أنظر المجلد 4 ص 66 من أعمال لينين – الناشر) وينبغي علينا أن نضيف أن "مصاعب" الزراعة التجارية الأخرى التي تواجه أوروبا تؤثر في المستعمرات بدرجة أقل من أن تقارن بها. ([31])ينتج الريع المطلق عن الاحتكار. "ولسوء الحظ فإن الريع المطلق له حد... ولقد كان حتى الوقت الراهن يتزايد بثبات في أوروبا مثلما هو حال الريع التفاضلي ولكن المنافسة عبر البحار قضت على هذا الاحتكار إلى حد بعيد. وليست لدينا أسباب للظن بأن الريع التفاضلي في أوروبا يعاني نتيجة للمنافسة عبر البحار، ما عدا في بعض الأنحاء في إنجلترا... ولكن الريع المطلق قد انخفض وهذا يعود بالنفع (zugute gekommen) على الطبقات العاملة بصفة أولية" (ص 80 – قارن أيضًا ص 328).
#فلاديمير_لينين (هاشتاغ)
Vladimir_Lenin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صعوبات السلطة السوفيتية ومصاعبها ..كيف نبني الاشتراكية . مقت
...
-
صعوبات السلطة السوفيتية ومصاعبها -كيف نبني الاشتراكية - مقتط
...
-
هل يجب الاشتراك في البرلمانات البرجوازية؟
-
دور البروليتاريا الثوري
-
ُمهمَّات الاشتراكيّين الديمقراطيين الرُّوس
-
حول حق المراة ومساواتها مع الرجل
-
موقف البروليتاريا من البرلمانات البرجوازية. مقتطف ..ج2
-
موقف البروليتاريا من البرلمانات البرجوازية. مقتطف ..ج1
-
في الثورة الاشتراكية..مقتطف
-
المهام المباشرة امام السلطة السوفيتية ..مقتطف..
-
الثقافة البروليتارية
-
الثقافة الاممية -مقتطف-
-
بعض خصائص تطور الماركسية التأريخي
-
تكتيك نضال البروليتاريا الثوري
-
موضوعات لينين حول الديموقراطية البرجوازية وديكتاتورية البرول
...
-
رسالة إلى رفيق حول مهامنا التنظيمية- الجزء 3 و الأخير /لينين
-
رسالة إلى رفيق حول مهامنا التنظيمية-الجزء 2
-
رسالة إلى رفيق حول مهامنا التنظيمية -لينين (الجزء 1)
-
الديمقراطية والشعبية في الصين.
-
مُهمَّات الاشتراكيّين الديمقراطيين الرُّوس
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|