|
مستلزمات تجديد المناهج الدراسية وتجويدها
تركي البيرماني
الحوار المتمدن-العدد: 2802 - 2009 / 10 / 17 - 21:26
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
قبل الحديث عن تجديد المناهج الدراسية وتجويدها لابد من التعريف بالمفاهيم والمصطلحات الأساسية في هذا الحقل الحيوي من المعرفة كالمنهج : يعرف المنهج كل الأنشطة والفعاليات والإجراءات المخطط لها وغير المخطط لها ( الظاهرة ,formalوالمختبئة hidden curriculum ) والمعتمد من قبل المؤسسة التربوية من اجل تحقيق مخرجات مستهدفة. أما البرنامج فيعرف بأنه مجموع المقررات المعتمدة والمختلفة من حيث محتواها وتنظيمها وترمي إلى تحقيق أهداف محددة في حين يعرف المقرر بأنه مجموع الوحدات المراد تدريسها لتحقيق أهداف البرنامج إما الوحدة فهي عدد من الدروس الهادفة وتتطلب عدد من الأيام والأسابيع لتدريسها إضافة لهذا لابد من التعريف بالحوارات الجادة حول مفهوم المناهج وتقنيات تصميمها والعوامل المؤثرة في بنائها والجارية في المؤسسات التربوية في الجامعات المتقدمة كمعيار ومرشد يساعدنا في اعتماد تقنية علمية في تصميم المناهج الدراسية في العراق وتطويرها. من هذا المنطلق نجد لزاما علينا إن نحدد مفهومنا للمنهج والعوامل المؤثرة في بناءه وتصميمه.المنهج نظام وجزء من نظام اشمل هو النظام التربوي وهذا الأخير جزء من النظام الاجتماعي بمفهومة الشمولي وان أي تغير في واحد من هذه النظم سيؤدي إلى تغير في النظام الأخر. ونحن في العراق أمام تحولات راديكالية كبيرة لابل أمام تغير جذري في مختلف النظم لابل في مجالات الحياة المختلفة وفي مقدمة هذا التغير تغير النظام السياسي الذي ساد العراق لعدة عقود وكان له تأثيره السيئ على النظام التربوي بصورة عامة وعلى المناهج بصورة خاصة إن هذا التغير يتطلب تغيرا جذريا في المناهج مفهومها فلسفتها تقنيات تصميمها وتنفيذها. وسنتعامل مع المنهج كنظام وجزء من نظام له مدخلاته وإجراءاته ومخرجاته وسنستعرض العوامل والقوى المؤثرة في تصميم المناهج وتطويرها وسنلقي الضوء على الأسس المعتمدة في تصميم المناهج في بعض من الدول المتقدمة وعلى أهم النظريات ذات التأثير الفاعل في بناء المناهج وتصميمها والتي يمكن الإفادة منها في العراق. من اجل بناء منهج دراسي قادر على تلبية متطلبات الوطن والمواطن والأخذ بيد المتعلمين وتمكينهم من النمو والمواكبة كل حسب قدراته وإمكاناته الذاتية من خلال تلبية حاجاتهم المعرفية والمهارية والقيمية وبالتالي خلق شخصية تكاملية تمتلك عقلا ناقدا وقادرة على التصدي للقوى الظلامية الرافضة لعملية التغير والتجديد والتجويد والتي تريد لنا ولأجيالنا القادمة العيش في حالة اغتراب عن مجريات الإحداث المحلية والإقليمية والدولية. لا نأتي بجديد حين نقول إن العديد من العاملين في الحقل التربوي وفي الوزارتين من لايميزون بين المنهج والمقرر الدراسي فهم ينظرون إليهما كمفهوم واحد ويتعاملان معهما كمفهومين مترادفين كل منهما يعني الآخر. ونتيجة لهذا الفهم القاصر فهم يرون إن تصميم المنهج لايتطلب أكثر من وجود متخصص في المادة المقرر ولم يدر بخلدهم إن هناك فرق كبير بين تصميم المنهج وتصميم البرنامج وبينه وبين تصميم المقرر الدراسي .المصمم للبرامج الدراسية يجب إن يكون متخصص في المناهج مهمته أشبه بمهمة المهندس الذي يصمم خارطة بناء العمارة وعلى العاملين الآخرين تنفيذ متطلبات الخارطة كل في اختصاصه مدرس المقرر مهمته اختيار المادة العلمية وتنظيمها وعرضها وفقا للمخطط المرسوم من قبل متخصص المناهج وهكذا بقية العاملين الآخرين التي تتطلبهم العملية التربوية. إن وجود مثل هذا الخلط في التعامل مع هذه المفاهيم يعود في المقام الأول إلى إن البرامج الدراسية الجامعية لاتعير تدريس المناهج الاهتمام المطلوب فاغلب البرامج الدراسية لاتحتوي مقرراتها على مادة المناهج حتى في كليات التربية حيث تعامل هذه المادة كمادة ثانوية تدمج مع طرائق التدريس وتعطى ساعة واحدة ولمرحلة واحدة فقط. لهذا ليس مستغربا أن لايعرف خريجوا هذه الجامعات عن المناهج وكيفية تصميمها وفلسفتها والفرق بينها وبين المقررات الدراسية اوبينها وبين الكتاب المنهجي ولايدركواأهميتها ودورها في العملية التربوية. الأخطر من ذلك إن اللجان المشكلة لبناء المناهج هي الأخرى لم تأخذ بنظر الاعتبار إن هذا الحقل هوحقل أكاديمي تخصصي لايخضع للمحاصصة وان إقحام المحاصصة في بناء وتصميم المناهج سيخرجها عن طابعها الأكاديمي التخصصي السؤال الذي نطرحه على المسؤلين في الوزارتين كم متخصص في المناهج الدراسية عضوا في لجان تصميم المناهج وتطويرها ؟ ! والسؤال الأخر كم قسم علمي في الجامعات العراقية يمنح شهادة الماجستير والدكتوراه في المناهج كما هو الحال في الجامعات المتقدمة.حسب علمي لايوجد متخصصون في المناهج في هذه اللجان وان وجدوا لايتجاوز عددهم 1% ! ! كما لايوجد قسما في الجامعات العراقية يمنح شهادة علمية في هذا الاختصاص. في المقابل نجد العديد من جامعات العالم يوجد لديها قسم علمي للمناهج فعلى سبيل المثال في عشرينيات القرن المنصرم فتح قسم في جامعة كولومبيا وتبعتها العديد من الجامعات في الولايات المتحدة وفي دول العالم المختلفة ويمنح القسم شهادة الماجستير والدكتوراه في المناهج وطرق التدريس. إن اهتمام جامعات العالم بهذا الحقل لم يأتي من فراغ بل لإيمان هذه الجامعات بأهمية هذا التخصص ودوره في عملية التعليم والتعلم. لهذا كله فان من غير المستغرب إن تتسم المناهج الدراسية في العراق بالتقليدية وضعف المواكبة وتقديم معارف خامدة ومملة أكل الدهر عليها وشرب تدفع بالمتعلمين إلى التسرب لابل إلى كره المدرسة والدراسة ويصدق ذلك على المناهج بجميع المراحل الدراسية. لاناتي بجديد حين نقول إن المناهج الدراسية التي تبنى وفقا للأسس العلمية وتحت إشراف متخصصين في المناهج تجعل عملية التعليم والتعلم أكثر حيوية وجاذبية وتسهم في تجويد مخرجات العملية التربوية وتجعل هذه المخرجات قادرة على تلبية متطلبات سوق العمل وتطويره وتمكنها من الإسهام في خلق الحراك الاجتماعي الهادف القادر على مواجهة الاتجاهات التخلفية والتكفيرية. من هذا يتبين إن لامناص من إعادة النظر بالمناهج الدراسية وفي مختلف المراحل وفي آن واحد وفقا للأسس العلمية في بناء وتصميم المناهج وان يتولى هذه العملية متخصصون في المناهج وان لاتخضع اللجان التي تتولى هذه المهمة للمحاصصة . إن ما تقوم به الوزارتين من تنقيح للكتب المنهجية أو إدخال مقررات جديدة أو إرسال بعوث للدراسة أو التدريب في الجامعات الأجنبية على الرغم من أهميتها إلا أنها لاتعدو إن تكون عملية ترقيع بعيدة كل البعد عن مفهوم المناهج كنظام لان إجراءات النظام تتطلب النظر إلى النظام وفق منظور شمولي وان إصلاح محور من محاور النظام لايعني إصلاح النظام ولا يمكن لهذه العملية إن تأتي أكلها وان تحقق الأهداف المرجوة منها والمتمثلة في تحسين مخرجات العملية التربوية وتجويدها خاصة إذا علمنا إن النظام التربوي في العراق نظام تقليدي محافظ يمتلك ميكانزمات دفاعية تؤهله لترويض كل جديد مبتكر على سبيل المثال كم من الأكاديميين جاءوا بأفكار ونظريات وتقنيات مبتكرة الاانهم اصطدموا بفكر تقليدي محافظ دفع بهم إلى التقوقع والانزواء أو الهروب إلى الأماكن التي جاءوا منها نظامنا التربوي بوضعه الراهن طارد للكفاءات ولكل جديد مبتكر . على أصحاب القرار في الوزارتين التعامل مع الظواهر التربوية وفقا لأسلوب تحليل النظم والتخلي عن الأسلوب ألترقيعي عند التعامل مع الظواهر التربوية أنهم مدعون أكثر من غيرهم إلى اعتماد الأسلوب المنظومي عند تصميم المناهج والبرامج الدراسية وإيكال المهمة إلى الاكاديمين المتخصصين في تصميم المناهج الدراسية لأنهم على بينة واطلاع بالكيفية التي تبنى بها المناهج أو البرامج أو المقررات والتخلي عن الأسلوب ألترقيعي الذي اعتمد خلال العقود المنصرمة والذي اثبت فشله. إن على المجتمعات التي تريد أن تؤسس لنظام ديمقراطي حقيقي عليها اعتماد التربية الديمقراطية في مؤسساتها وان تخلق مناخ ديمقراطي يحترم الخبرة والتخصص في مختلف مجالات العمل الأكاديمي بدءا من تشكيل اللجان وصولا إلى كل مفاصل العملية التربوية . على المجتمعات التي تريد أن تواجه الظلم والاستغلال والفساد وان تحقق الديمقراطية والحياة المرفه لشعوبها عليها أن تسلح شعوبها بالتربية الديمقراطية لأنها الأداة الأكثر أهمية في إرساء أسس الديمقراطية تفوق أهمية صناديق الاقتراع لان الأخيرة لايمكنها خلق ديمقراطية حقيقية على الرغم من أهميتها. علما إن خلق نظام تربوي قادر على الاضطلاع بهذه المهمة يتطلب أن يتولى مسؤولية هذا النظام متخصصون أكاديميون لهم باع طويل في تصميم النظم التربوية وإدارتها وتنفيذها وإيمانا منا بأسلوب تحليل النظم في تصميم المناهج وتخطيطها وكون هذا الأسلوب يتعامل مع كل محاور النظام وإجراءاته . سنستعرض
في المقالات القادمة أهم المحاور والإجراءات التي تسهم في تجديد المناهج وتجويدها
#تركي_البيرماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التدريسي الجامعي ومستلزمات تجديد التعليم العالي وتجويده
-
مستلزمات تجديد التعليم الجامعي وتجويده
-
الثقافة التخلفية في العديد من مؤسسات التعليم العالي من أهم ا
...
-
التراث ومستلزمات المواجهة
-
هل اصبح التكنوقراط معضلة السياسين العراقيين؟
-
التدريسي الجامعي وتحديات القرن الحادي والعشرين
-
التربية التقدمية اداة للتطوير والتحديث
-
مدرسة شيكاكو ا لتجريبية
-
المدرسة الابتدائية وضرورة تطويرها
-
العراق ومستلزمات المواجة 3
-
( 2 )العراق ومستلزمات المواجهة والتصدي
-
العراق ومستلزمات المواجهة والتصدي
-
التربية من وجهة نظر براجماتية
-
فلسفة التربية
-
البرجماتية فلسفة وتربية
-
المناهج العراقية بين الواقع والطموح
-
تجويد التعليم الجامعي في العراق
-
النتائج الكارثية للمحاصصة على التعليم في العراق
-
القيادة وامن المجتمع
-
المعلم وتقنيات المواجهة
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|