قبل فترة وجيزة التقيت بفلبيني - امريكي وبدأنا نتبادل
اطراف الحديث عن رواهن الاحداث واسباب العنف والصدام
فأكد
لى الرجل من انها تعود الى عدم وجود الاحترام بين بعض
الافراد والناس والاحزاب لبعضها البعض وفقدان الارادة
لتفهم والاستجابة لتطلعات الاخرين في الحياة اللائقة
بالانسان مضيفا بانه جال العالم وبلدانه ومنها العراق
ومصر
وايران ألخ ... إذ كان يعمل قبل تقاعده كعضو في فرق حفظ
السلام المرسلة من قبل الامم المتحدة .
لقد أذهلتني صحة ما ذهب اليه هذا الرجل حينما قرأت مقالا
لباحث عراقي معروف إذ خرج علينا بأفكار إحتقارية
للعديد من قوميات ومكونات شعبنا بشكل مكشوف ويبدو واضحا
مدى رغبته الجامحة في إثارة الفتن واستهانته بحقائق
التاريخ وامعانه في هدر الوجود القومي والوطني
للاشوريين والكلدان من ارض الرافدين والمعروف لكل ذي
بصيرة
ووعي انساني ان الوجود السكاني الاصلي والحضاري العريق
للعراقيين القدامى كان متمثلا بالحضارات الكلدانية
وعاصمتها بابل والبابلية وعاصمتها اور والاشورية
وعاصمتها نينوى بما لا يقل عن 5 آلاف سنة قبل الميلاد
اضافة الى
وجود الميديين وهم اجداد الكرد ... وهاكم ما يقوله هذا
الكاتب ـ ألاستاذ سليم مطر ـ في مقال نشرته جريدة
الحياة
( من الملاحظ ان سكان
العراق بمختلف مكوناتهم الاقوامية والمناطقية يتشابهون
من ناحية الاصول العرقية القديمة التي تعود عموما الى
مصدرين ظلا يرفدان وادي دجلة والفرات بالهجرات منذ فجر
التاريخ وحتى اواسط القرن العشرين:
ـ المصدر الآسيوي(الايراني والكردي والتركستاني
والقفقاسي) من الشرق والشمال.
ـ المصدر السامي العربي من الغرب(الشام) والجنوب(الخليج
والجزيرة العربية).
فقط هذان المصدران للتكوين البشري
القومي والديني لشعب العراق ؟ كيف يمكن لاي باحث ذي
مؤلفات وكتب عديدة ان
يتجاوز حقائق تاريخيةوينكر عائدية قطاعات واسعة من الشعب
العراقي للاعراق والاقوام الكلدانية - الاشورية الذين
تقاسموا العراق وما جاوره في ادارة امبراطويتين عظميين
وتعد بالاف مثل ملحمة كلكامش ملك اوروك واور وشعب
جنوب العراق القديم الكلداني ... تلك الاسطورة الادبية -
الانسانية والدينية بل والفلسفية ايضا التي كتبت
بالارامية
والسريانية والعبرية ولم تترجم الا حديثا للعربية وماذا
عن مسلة حمورابي الملك البابلي ... هل عملوا مدة طويلة
لتسنينها وجعلها قانونا لبلاد وشعوب الهند ؟ وماذا عن
مكتبة الملك الاشوري اشوربانيبال التي كانت تتالف من
الاف الكتب
والمراسلات والوثائق المكتوبة على الواح الطين في نينوى
الرافدين ... واي شعب اخترع الكتابة .. الم يكن
السومريون
وهم ابناء الرافدين الاصلاء ؟ الم يبدع كل تلك الاقوام
في مجالات الفنون والرسوم والاشعار والاداب والزراعة وشق
الترع
واكتشاف العجلة والمجرات والنجوم والدراسة العلمية
والدينية وبناء المدن وتحصينها بالاسوار ... هذه مجرد
عينات
مختصرة لحضارات اجدادنا والذين قادوا شعوبا يقدر عددها
بالملايين والدليل في هذه الوثيقة التاريخية الستقاة من
كتبة التوراة اليهود حيث كانوا من الد اعداء الكلدان
واشور إذ تبلغنا بتجهيز نبوخذنصر جيشا ينوف عدده على 140
الف
مقاتل في غزوات استعمارية تجاه الاقوام المجاورة في
اراضي بني يهوذا وفلسطين وحتى مصر إذ عادت الجيوش
الكلدانية والاشورية وهي تجر معها الاسرى اليهود بعشرات
الالاف ... الم يتصاهر هؤلاء ويتزاوجوا او اغتصبوا
ليشكلوا
دماء يهودية بين بني اهل الرافدين ؟ غير ان السيد مطر
يشير الى ) ان مسيحيي العراق جاؤا من الشمال ( ) اما
الارمن فمن ارمينيا ( ؟ عجيب حقا كلام مثل هذا حيث انه
لم يذكر ان الارمن فروا من اكبر مجزرة عنصرية حاقدة على
يد القوميين والاسلاميين الاتراك بين اعوام 1915 و1918
الى العراق وايران وارمينيا وغيرها إذ اُبيد عن الوجود
1,5 مليون
ارمني وعودة الى مسيحيي العراق بقوله انهم جاؤا من
الشمال فذلك يعني الاقلية التي فرت هي بدورها من مجازر
تركيا ولم نزوحهم الا الى وطنهم الاصلي ليس الا ثم ان
لهم تسمية وهي الاشورية فالمسيحية دين اعتنقه غالبية
سكان
العراق والشام الا ان الكثير منهم أُرغم على اعتناق الين
الجديد إما عنوة على قاعدة ـ إسلم تسلم ـ الشهيرة وقد
نفذها
ابو بكر الصديق بعنف ضد القبائل العربية التي تركت
الاسلام بعد وفاة النبي محمد فيما يعرف بـحـروب الردة
والتي
شملت اقواما غير عربية كانت تقطن الجزيرة كاليهود
والسريان والحبشيين وإما عن طريق عدم تحملهم دفع اموال
الجزية الجائرة فدخلوا اكراها في الدين الجديد واستعربوا
ومن المفيد ذكر سطور من كتاب الحركات السرية في
الاسلام لمؤلفه د. محمود اسماعيل اذ يخبرنا بالوقائع
التالية ص 63 ) وكانت السياسة المالية الجائرة من اهم
اسباب
حنق الخراسانيين على الخلافة الاموية وتمثيل تلك السياسة
انتهاكا صارخا لتعاليم الاسلام فكانوا يفرضون الجزية على
من اسلم من الموالى - اي غير العرب - ويتفننون في فرض
ضرائب جديدة ... ناهيك عن الوسائل المهينة التي اتبعها
الجباة مع دافعي الضرائب وطرق التعذيب الوحشية التي
سلكوها في معاملة العاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم
المالية
وفي ذلك يذكر ابو يوسف ان الجباة كانوا يلزمونهم بحمل
بعض الحجارة او جرار الماء في رقابهم كما كانوا يوقفونهم
على ساق واحدة لساعات طويلة ثم يوثقونهم بحيث لا
يستطيعون السجود للصلاة (. مع ان القرآن يقول ) وتعاونوا
على
البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان (.
ثم يذكر امور ظالمة ولكنها من نتاج واقعنا المتخلف
والغير تسامحي مع تحقير مبطن حينما يسوق كلمة ( سهلا )
على
النحو التالي (
ـ القسم السهلي وهو الاكبر والمتمثل بمنطقتي الوسط
والجنوب، ابتداءا من بغداد حتى البصرة. يتميز هذا القسم
بوجود سهل الرافدين الذي يمتد منسابا حول نهري دجلة
والفرات وتحيطه من الشرق جبال زاغاروس الكردية والحدود
الايرانية ومن الغرب هضبة السماوة ـ الشام. هذه الارض
"السهلية" الخصبة جعلت الاندماج بين الفئات السكانية
المختلفة"سهلا"، فليس هنالك تضاريس وحواجز صعبة تسمح
بوجود جماعات لغوية او دينية متمايزة ومنطوية على ذاتها.
لهذا فان سكان هذا القسم ظلوا على مدى التاريخ متشابهون
لغويا ودينيا وسياسيا مع فروق مذهبية ثانوية لولا
التأثيرات السياسية الخارجية. يلاحظ ان السكان عموما
ناطقون بالعربية ومسلمون باغلبية شيعية مع نسبة اقل من
السنة الحنفية في الانبار وبغداد وسامراء الواقعة تقريبا
ضمن سهل بغداد).
اننا لسنا ضد الاندماج
في بوتقة الوطن وضد الانطواء والتقوقع ولكن على الانسان
الذي لا يميز بين قوميات بلاده وينظر
بعين العطف للقوميات والاقليات والطوائف المغبونة
والمعذبة تاريخا وحاضرا ان يدين ويفضح الظروف الاجتماعية
وغيرها مهما كانت التي لا تسمح بالتنوع القومي والديني
وهذا اقل الايمان إذ ان التنوع باشكاله المختلفة يمكن ان
يكون عاملا داعما لحب الوطن العراق ونسيجا صلبا للوحدة
الوطنية ومن المعيب حقا ان لا يذكر الكاتب وهو يبحث في
مسائل التبعية والتنوع والممارسات القومية والاثنية على
اساس جغرافي وتضاريسي خروقات نظام البعث اثناء اجراء
احصاء السكان في عام 77 إذ عومل الكلدان والاشوريين
والارمن والصابئة بوحشية فظة حينما ابلغتهم فرق الاحصاء
الامنية من ان عواقب وخيمة تنتظرهم إذا رفضوا تسجيل
انفسهم إما كعرب او اكراد لا غير ومن الممارسات
العنصرية الفاشية التي هي الاخرى غابت عن قلم الباحث
الحملات الشعواء المستمرة حد هذه الساعة بطرد الاكراد
والتركمان والاشوريين من مواطنهم الاصلية العريقة نحو
صحارى الجنوب ومنع استخدام الاسماء الغير عربية لابناء
وبنات القوميات الشريكة في الوطن ؟ ثم يؤكد على حقيقة
تاثر كل العراقيين مهما كانت ديانتهم بالثقافة الاسلامية
...
هذا صحيح وجيد ايضا اذا حصل طوعا ، فهل هذا هو الواقع
؟؟ ومن ناحية اخرى نؤتي باثباتات بتأثر الاسلام نفسه
وبشكل جوهري من الاديان والثقافات الاخرى ففي ص 9 يقول
د.محمود ما يلى ) فدار الاسلام كانت زاخرة بميراث
حضارات شتى من هيللينية ـ اي يونانية ـ ومشرقية الى
اسرائليات ووثنيات والفكر الاسلامي لم يكن ليصم اذنيه او
يغلق
عينيه عن هذا الميراث الحضاري الضخم الذي صنعته البشرية
في عصور سالفة بل انفتح عليه وتهل منه وتمثـــــله
واخــــذ منه( مضيفا في ص 131 ) لقد احتذى الفلاسفة
المسلمون حذو افلاطون وتأثروا بافكاره الى حد بعيد
ومنهم
جماعة اخوان الصفا ).
وأدرج هنا بيتين للشاعر الجاهلي ؟ قيس بن
الخطيم هما على شأن كبير من البلاغة ـ أنظر ديوانه ص 72
×××
وقد علمُوا أنْ متى ننبعثْ *** على
مثْلها تَـذكُ نيرانُهـا
ولولا كراهةُ سفك ألدماء *** لعَــــادَ
ليـثربَ أديانـــــُها
يقول الامام الرازي في معجم ـ مختار
الصحاح ـ في باب تعريفه بالقبط بانهم ـ سكان مصر
الاصليين ـ ومصريو اليوم
يؤكدون بفخر من ان ـ كل مصري هو قبطي في الاصل ـ غير انه
يوجد بعض الافراط في هذا الانتماء فاقوام عديدة
تعايشت على مر التاريخ في مصر مثل الرومان واليهود
والكلدان في غزواتهم القديمة فلابد وان تصاهروا وتخالطت
الدماء غير انهم مع ذلك يفخرون بالانتماء القبطي كقوم
اصيل عاش في مصر قبل الغزوات الاسلامية واسلام معظم
سكان البلد وفي بلاد كامريكا جرى الاعتراف رسميا عام
2000 بكون الكلدان والاشوريين والسريان اقلية قومية بحد
ذاتها
لها امتيازات وحقوق في بلد غريب بينما لم يذكر السيد مطر
مرة واحدة بكون هذه ـ الجماعات ـ اقليات قومية تقيم في
بلدها الاصلي والذي خرج اول الانبياء من رحمها وهو النبي
ابراهيم الخليل المولود في مدينة اور الكلدية وهذه امور
صارت تُدرس لطلاب المرحلة الابتدائية في الغرب! غير انه
يصر في كل مرة بالاشارة الى دين هذه الاقوام ومذاهبهم
الدينية المتنوعة غافلا الانتماء القومي والوطني.
ثم يصور الكاتب ان ثمة اربعة مشاريع
انفصالية امبراطورية انفصالية وهي الاكراد والتركمان
والاشوريون والعرب ونود
ان نتفق معه بوجود بعض التيارات الانفصالية والوحدوية
الانفة الذكر ولكنها صغيرة وغير مؤثرة إزاء الاتجاه
العام
للحركات الكبيرة الممثلة لقومياتها مع تاكيدنا ان هذه
التيارات الانفصالية انما نمت وعلا اصوات مريديها
القلائل كان
بفعل السياسات العنصرية الهمجية للنظام المذكورة اعلاه
اضافة الى قصف المدنيين الكرد بالغازات السامة وتدمير
الاف القرى الكردية والاشورية على رؤوس سكانها وعمليات
الانفال السئية السيط ناهيك عن الممارسات التمييزية
المجحفة والمشرعة قانونا وهذا لا يعني ابدا عدم تعرض
العراقيين العرب لنفس السياسات الهوجاء والمدمرة للحمة
الوطنية ومن المفيد هنا ادراج ما ورد في قانون الحكم
الذاتي لعام 70 والذي وافق عليه الشعب الكردي وممثلوه
الرئيسيون ولا زالوا إذ نصت الفقرة د. من المادة الاولى
على ان ) المنطقة جزء لا يتجزا من ارض العراق . وشعبها
جزء
لا يتجزأ من شعب العراق ( .
على المثقفين كما والسياسيين سؤال انفسهم : ياترى ما
الذي يحدو بالاكراد والتركمان والشيعة من طلب الحماية من
الغرب او تركيا .... حينها نتعرف على الخلل الكبير
القائم في تعاطي الدولة للمسائل القومية والانسانية
عموما والضرر
الكبير الذي ينجم منها ونتفق مع الكاتب مرة اخرى بفشل
الخيارات الاممية والدينية والقومية لكن التخندق في
متاهاتها لن تؤدي الى الجادة الصواب وتحقيق امال كل
العراقيين من حميع المشارب والانتماءات الا في حال توفر
قناعات مسيطرة في السياسة العراقية حكومة ومعارضة
قوامها الاحترام والاعتراف المتبادل وتبني مواثيق حقوق
الانسان وتطبيقها حينها سوف لا ترى اندفاع كل المواطنين
الهائل في حب الوطن والافتخار بعراقيتهم بل اولا بكونهم
بشر
يبغون العيش الامن والحريات تحت حماية وسيادة دولة
القانون والدستور الديمقراطي حينها لا يكون لاصوات
الانفصاليين والوحدويين المتعصبين اي صدى يستحق الالتفاف
بسبب تعارضه مع امال الاغلبية الرافلة بحياة كريمة
تحميها الدولة ومؤسسات المجتمع المدني المنتخبة والتي
توفر الحريات لجميع الافراد والتنظيمات المؤمنة بالحياه
السياسية السلمية فليس بالامر العسير للشعب الحر معرفة
ان مصلحته تكمن في الاتحاد مع اخوانه من المجازفة
بسياسات تؤدي الى المزيد من الويلات والماسي والانقسام
واراقة الدماء ... انه شعور فطري !