|
نظرية الصمت ... أول الطريق الى الديمقراطية .. أم هي المقبرة لها !؟
سعد الغالبي
الحوار المتمدن-العدد: 2801 - 2009 / 10 / 16 - 20:42
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في البلدان االتي تمر حياة شعوبها بفترة من الزمن ، وطول المدة تعني الكثير ، وقد تلظت بنيران سلطة النظم الدكتاتورية ، فإن تلك الشعوب تظل على الدوام في إنتظار القادم من الأيام ، والتي ربما تحمل بشارة اليمقراطية لتكون كنظام للمارسة في الحياة السياسية ، وما يظهر من نتائج إيجابية نتيجة تلك السياسة ترتقي بالنهاية بالحياة العامة لمواطني ذلك البلد .
لو إنحدر الحديث بي الى الأمة العراقية ، وتم إستعراض زمن العراق الحديث ، لرأينا العجب في كيفية توالي الأنظمةالدكتاتورية التي حكمت العراق وشعبه ، وكيفيــــة وصول تلك الأنظمة الى مركز القيادة ،ومن ثم الإلتصاق بكرسي الحكم والقيـــــادة ذلك الإلتصاق الإلتصاق الذي يخالف كل القوانين الفيزياويةالتي يندرج تحتها أي إلتصاق . القيادة في النظم الدكتاتورية والتي حكمت العراق كانت تستند الى نظرية بسيطة جداً ، وتلك النظرية مفادها " إنهض من فراشك ، وعاقب شعبك مباشرة ودون تفكير "والعقاب يتم بدون سبب يذكر ، فقط عاقب لأجل العقاب ، والذي يكون ، سوف يكون مرهون بفكرك أيها الدكتاتور .. فراح البعض منهم يعمل بالفكرة القديمة " فكرة التجويع " في كل شيء ، في الثقافة ، أو الخبر على حد سواء ، وما إن لم تستطع فكرته تلك في أن تؤتي ثمارها ، قرر أن يجهز الجيوش لمعركة تبقيه يمتلك الوقت الذي يجعله حاكم قائم في مكانه لوقت يظنه سيكون طويل .
ذلك ماكان يفكر به آخر دكتاتور حكم العراق بقوة لا تضاهيها أي قوة حكمت في بلد ما من بلدان الدنيا ، لذا أصبح لزاماً على الشعب المحكوم في ظل هذا الحاكم أن يلتزم (الصمت) وإن كان شعب حي ، ولكنه إنحدر نحو حالة الصمت ، رغبة منه للتكيف ، ليحفظ حيويته تلك من الفقدان . وبمرورالأيام يتقن هذا الشعب المنهاج العملي لنظرية الصمت تلك ، لدرجة يحتار فيها الدكتاتور وأعوانه لما يحصل من حولهم ، ففي زمن الصمت ، يصبح كل شي مفضوحاً أمام عيون من يمارس الصمت ، لإختفاء وجود السواتر التي تمنع الرؤيا ، لأن كل المتحدثين في الجانب المقابل للصامتين في وقتها ، قد قالوا وفعلوا كل شي ، لأمتلاكهم مفتاح الأمان في زمن قد ظنوا إنه زمنهم . ولأن شروط تنفيذ بنود تلك النظرية تختلف من مكان الى آخر داخل البلد الواحد ، وبذلك تصبح فكرة إيجاد الحل بالنسبة للدكتاتور لكي يفهم لما يحصل من حوله مهمة صعبة للغاية . ربما يقول أحد الرافضين لموضوعة الصمت تلك ، إن الصمت لم يكن سوى بداية إستسلام الكامل ! فيأتي الجواب ، ولكن الإستسلام يعني فقدان الحيوية ومن ثم الموت لكل شيء حي ولكن الذي يعمل بصمت ، رغم كثرة أوجاعه ، لازال يمتلك الحيوية التي تبقيه سائراً ويراقب بشدة ما يفعله الحاكم الدكتاتور ، ويرصد حالات القوة وأماكن الضعف التي تحصل لديه ،وهذا ما حصل فعلاً ، إذ حينصمت شعب الأمة العراقية طوال سنين طويلة ، قد عرف أين مكامن القوة في النظام الدكتاتوري الذي يحكمه فعمل على إضعافها تماماً ، وعرف أيضاً نقاط الضعف فيه ، فإستفاد منها ، ولذلك حين إستطاعت قوات التحالف الدولي أن تمر بجوار المدن لتصل الى مقام راس النظام الدكتاتوري ، ما هي إلا تطبيق لما سبق الحديث عنه . ولكنثمةسؤال آخر ، لماذا كل هذا الصمت والإنتظار في زمن الدكتاتور ، لماذا لا تندلع ثورة ؟ فيأتي الجواب على ذلك : ـ أولاً ــ زمن الثورات الشعبية قد إنتهي لسبب قد عرفه الجميع ، مفاده إن كينونة أي دكتاتور ما ، ترافقها قوة بطش لا تعرف أي معني للأشياء سوى البطش وتحطيم كل شي يقف في طريق مسيرة الحكم الذي إختاره الدكتاتور . ثانياً ــ لو حدث وقامت ثورة ما في ظل الحكم الدكتاتوري ، فعادة الشعوب الثائرة لاتتفق على إختيار قادتها مسبقاً ، لذلك سرعان ما ينتهي عنفوان الثورة ويتلاشى ، ولو حدث أن تم توكيل مهمة قيادة الثورة الى أشخاص بعينهم ، فهؤلاء سرعان ما ينقضون بإلتزامهم ليكونوا محل الدكتاتور الذي رحل جراء ثورتهم (حسب ظنهم) ليأخذوا كل شي . ولذلك يقرر الشعب أن يلوذ بالصمت والإنتظار الحقيقي لمعجزة تزيح هذا الدكتاتور من كرسيه ، وتلك المعجزة والتي ما كان لها أن تحدث لولا خطأ ، ولو كان صغير ، قد إرتكبه الدكتاتور بالتزامن مع حالة الصمت التي يعشيها الشعب ، ولكبر ظن الحاكم بعظمته ، يصبح ذلك الخطأ قاتل . وهذا ما حصل بدكتاتور العراق ، ففي العام 2003 ، حين سقط صنم الدكتاتور في صباح أحد الأيام ، سمعنا وفي نفس الساعة منادياً يقول ، قد جاء زمن الديمقراطية الذي تم إنتظاره ، وفي وقتها عرفت أن الشعب قد أقحم نظرية جديدة في علوم السياسة مفادها " إن الشعب يمكن أن ينتصر لو إتخذ الصمت سلاحاً له " .بعدأن أقتن هذا الشعب العمل بتلك النظرية تماماً .
وبمرور الأيام أصبح المنادي يقول إن الديمقراطية " هي اللعبة الجديدة " بدل الصمت ، واللاعب بها يمكن أن يخسر المباراة ، ولكن في النهاية لا يوجد خاسر، لو إلتزم الخاسر بشروط اللعبة ،وأهم شروطها ، أن تذهب الى بيتك مرتاح البال ، لتأتي في الصباح لتمارس اللعب مجدداً . وبمرورالأيام أصبح اللعب صعباً في ملعب الديمقراطية ، فا للاعبون قد تدربوا في ملاعب مختلفة ، تختلف بإختلاف مدراسها السياسية ، لذلك حدث أشبه ما يكون بصراع السياسات ، ونتيجة لذلك الصراع ، غابت الديمقراطية في دهاليز معتمة ، ليحل محلها في الحياة العامة حُكم البدلات والسيارات العسكرية المصفحة وقد عادت من جديد ، ويكون تصريح الناطق العسكري هو الأهم . قديماً تشكل دليل مفاده أن هنالك تنافر دائم بين حكم الديمقراطية والبندقية ، إذ اساس الثانية ‘نها تستخدم في تنفيذ حكم العسكري ، والعسكري ينتمي الى عالم إسمه الجيش ، والجيش يكمن في تعريفه الأزلي المعروف في العراق "إنه كائن ضعيف يستمد قوته من الضبط العسكري " . والذي يحدث يقود الجميع الى الطريق القديم ـ الجديد ، وهو طريق حكم "العسكر" لمجتمع مدني قد تبنى مبدأ الديمقراطية حياة له ، وفي هذا خوف أكثر رهبة من إنتحاري مجرم يحاول تفجيرنفسه بين السائرين في شارع ما. رغبة البعض (ممن يضمرون الشر) في عودة الخوف مجدداً في النفوس ، وإنتهاج ذلك كسياسة يتم الترويج لها ، هي رغبة مدمرة للقضاء على ملامح الأمل التي بدأت تتكون وبسرعة ، هنا وهناك . فحين تعلن الشرارة الأولى لقتل الديمقراطية من البعض من رجال الشرطة (وأظن إنه يحدث دون علمهم بالنتيجة السيئة لذلك ) وهم يحملون الهراوات اثناء سيرهم في الشارع يلوحون بها بمتعةٍ تشبه رغبة الإنتقام من خصم ، هي تطبيق فعلي لسياسة الأشرار .. ولا أظن حين خرجوا أفراد الشرطة هؤلاء من ثكناتهم كي يلتقوا السائرين في الشارع ، إن أحداً من قادتهم قال لهم : كونوا أكثرحذراً وأنتم تتعاملون مع السائرين ، وأخفوا أي شيء كونكم تنشرون النظام الذي يسمح للجميع الخروج من بيوتهم ، ليعودوا اليها آمنين .. ولو عرفوا ذلك ، فذلك هو أول الطريق الى الديمقراطية .. ولن نكون بحاجة الى نظرية صمت جديدة .
#سعد_الغالبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لم يكن (داخل حسن ) سويدياً !!
-
همس في الغابة (ح2)
-
سلسلة طويلة في حديث ... أنا رجل (ح 9)
-
كلامُ كان مؤجل !
-
أسوار مملكة السر ... الفصل (19 و 20 و 21 و22 )
-
همس في الغابة -1-
-
منْ كان منكم معارضاً خارج الحدود .. فلا يرمينا بحجر.
-
حديث في سلسلة طويلة ... أنا رجل (الحلقة 8 )
-
حُلمُي .. وحُلم -قاسم حول - يتشابهان !
-
اسوار مملكة السر (الفصل 15 و 16 و 17 و 18 )
-
لمن أهدي شكري وتقديري ؟
-
أسوار مملكة السر... رواية (القصل 14)
-
وصايا
-
حديث في سلسلة طويلة... أنا رجل (الحلقة 7)
-
عذراً صديقي الفلسطيني.. وليسمع الجميع !
-
أسوار مملكة السر ...رواية (الفصل 12 و13
-
سلسلة في حديث طويل ...أنا رجل (الحلقة 6)
-
أعتراف...
-
حديث في سلسلة طويلة... أنا رجل (الحلقة 5)
-
قبل وبعد زمن( تفسيرالأحزان)... من أين تأتي هذه الرياح ؟
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|