|
الستالينيون (اخيرة) : يعيشون في الماضي
يعقوب ابراهامي
الحوار المتمدن-العدد: 2801 - 2009 / 10 / 16 - 18:20
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
"كتب أنجلز هذا الجواب قبل صدور البيان الشيوعي ومع ذلك كان جوابه ماركسياً كاملاً لم ينطبق على الثورة الألمانية وحسب بل كان صحيحاً بالنسبة للثورات البرجوازية التي تلت الثورة الألمانية أيضاً. بل إن محتوى الجواب ما زال صحيحاً حتى اليوم إذا استثنينا موضوع القيادة في الثورة البرجوازية . . . وقد وردت في هذا الجواب عدة نقاط واضحة ما زالت تحتفظ بحيويتها حتى يومنا هذا." (حسقيل قوجمان يحاول أن يقنع القراء ، في كتابه عن ثورة 14 تموز في العراق ، إن ما كتبه فريدريك أنجلز ، قبل أكثر من 150 عاماً ، عن الثورة البرجوازية في ألمانيا ، في القرن التاسع عشر ، يصلح أن يكون بوصلة تهدي الشيوعيين العراقيين في التصف الثاني من القرن العشرين. في نظر حسقيل قوجمان لم يحدث، خلال قرن ونصف القرن من التاريخ البشري ، شيء يستحق الذكر مما يوجب إعادة النظر في ما كتبه أنجلز.)
"انتفاضة البلاشفة في أكتوبر 1917 لم تكن ثورة ولم تكن اشتراكية . كانت انتفاضة شعبية يقودها البلاشفة بهدف استكمال الثورة البورجوازية في فبراير 1917 . ففي صبيحة الإنتفاضة دعا لينين جيع الأحزاب البورجوازية للاشتراك في حكومته . . بناء على هذه الوقائع التاريخية يترتب على أولئك الذين يأخذون على لينين أنه فجر الثورة الإشتراكية في روسيا المتخلفة أن يغلقوا أفواههم مرة واحدة وإلى الأبد." (فؤاد النمري يكتب التاريخ من جديد ، ويلقن القراء درساً في سياسة كم الأفواه الستالينية. لا شك أن النمري يؤمن إيماناً مطلقاً بغباوة القراء.)
"أنا أطالب بإبادة هذه الكلاب السائبة رمياً بالرصاص ، كلهم جميعاً وكل واحد منهم بلا استثناء . . . نحن نطالب بإبادة هذه الحشرات الطفيلية بلا رحمة." (فيشنسكي ، المدعي العام الستاليني والمنشفيكي السابق ، يشرح ، في الثلاثينات من القرن الماضي ، قواعد "دكتاتورية البروليتاريا" ويطالب بإعدام كل رفاق لينين.) "أولى أولويات العمل الشيوعي لا بدّ أن تكون الشطب الكلّي والنهائي لمراجعي الماركسية من مختلف الصنوف والأحجام . فليُشطب شتّى المراجعين للماركسية بالجملة دون وخزة ضمير، وحتى قبل النظر في مراجعاتهم ." (فؤاد النمري يشرح قواعد النقاش الأديولوجي. بعد سبعين عاماً من إبادة "الكلاب السائبة"، يكتفي الناطق باسم الستالينية ب"شطب" خصومه الإديولوجيين ولا يطلب قتلهم رمياً بالرصاص "كلهم جميعاً وكل واحد منهم بلا استثناء".)
" يعتبر الصراع الأيديولوجي الذي خاضه الرفيق لينين (قبل الحرب العالمية الأولى) ضد الماخيين أروع مثال يقتدى به في هذا المجال لصياغة أسس النظرية الثورية في المرحلة الراهنة." (آمال الحسين يحاول أن يقنعنا أن كتاباً فلسفياً صدر عام 1908 هو الرد المفحم على من يريد الإنفتاح على منجزات الحضارة البشرية اليوم. التحديات التي تضعها الفيزياء الحديثة، في القرن الحادي والعشرين، أمام المادية الديالكتيكية لا تحرك ساكناً لدى آمال الحسين . الإنسان يقتحم السموات، يصل إلى المريخ ويغوص في أعماق الذرة وأخونا "الماركسي حتى النخاع" لا زال يحارب ماخ كما حاربه لينين قبل أكثر من قرن.)
السبات العميق: "ستالينيونا" يغطون في سبات عميق. من هذا السبات لم يوقظهم لا تداعي أصنام ستالين في أرجاء العالم، لا انهيار جدار برلين، لا خطوات الإنسان يصعد على سطح القمر ولا المحطات الفضائية التي نزلت على أرض المريخ. العالم تغير وهو يتغير كل يوم. أما "ستالينيونا" فلا زالوا يعيشون في الأربعينيات، وفي أحسن الحالات في الخمسينيات، من القرن الماضي.
حسقيل قوجمان يعيش في النصف الأول من القرن العشرين: ما رأيكم في "مفكر ماركسي" يكتب مقالاً عن "التحالفات الطبقية"، اليوم، سنة 2009 ، أي في مستهل القرن الحادي والعشرين، ولا يجد مثلاً يحتذى به أفضل من التعاون الذي قام بين الحزب الشيوعي العراقي وكامل الجادرجي (وسائر الأحزاب البرجوازية) سنة 1945 للقيام بإضراب عام في ذكرى وعد بلفور؟ أي تشابه يجد حسقيل قوجمان بين عراق 1945 وعراق 2009؟ أي دروس يمكن تعلمها من تعاون قام قبل أكثر من نصف قرن، في ظروف مغايرة تماماً، ويمكن الإستفادة منها في ظروف العراق المعقدة اليوم؟ أم إن قوجمان لا زال يعيش في الأربعينيات من القرن الماضي؟
ما رأيكم في "مفكر ماركسي" يقرأ كتاباً كتبه لينين عام 1903 (أي قبل أكثر من قرن)، وفيه تحليل للأوضاع الخاصة بروسيا القيصرية آنذاك ، التي لا تشبه من قريب أو بعيد أوضاع العراق، فيقرر إن ما كتبه لينين آنذاك ينطبق بالضبط على ظروف العراق اليوم، فيقرر بناءً على ذلك إن الحزب الشيوعي العراقي كان عليه أن ينتقل إلى مرحلة الثورة الإشتراكية (ويعمل على إقامة دكتاتورية البروليتاريا) مباشرة غداة 14 تموز 1958؟ إقرأوا: "وفي مثلنا العراقي انتهت الثورة البرجوازية يوم ثورة تموز وتحولت السلطة من سلطة شبه اقطاعية شبه استعمارية الى سلطة برجوازية. في يوم ثورة تموز انتهت مرحلة الثورة البرجوازية العراقية بصورتها البرجوازية. ليس هناك استكمال او اتمام او مواصلة للثورة باي شكل من الاشكال." هل يعيش قوجمان أوضاع العراق اليوم، أم إنه يعيش في عالم من الخيال بناه من الكتب الماركسية التي قرأها والتي كتبت في عالم آخر وفي "دهر" آخر ؟
فؤاد النمري "يرمم" الماضي (ولكن: هل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟) : إذا كان حسقيل قوجمان يعيش في سنوات الأربعين أو الخمسين من القرن الماضي ، فإن فؤاد النمري يعيش في ماضٍ من صنعه هو ، وهو بارع في صناعة الماضي. (للحقيقة والتاريخ نقول إن مهنة "صناعة الماضي" ليست من اختراع فؤاد النمري نفسه، ولكنه من القلائل الذين لا زالوا يمارسونها).
هل هناك حدث تاريخي يزعجكم؟ هل حقائق الحياة لا تتفق مع اديولوجيتكم؟ هل تريدون التخلص من ماضٍ محرج؟ فؤاد النمري هو الحل.
مالطا يوك: خذوا، على سبيل المثال، النقاش الذي يدور في صفوف اليسار الماركسي حول ما إذا كان لينين قد "تعجل" في القيام بثورة إشتراكية في ظروف روسيا المتأخرة عام 1917. هذا نقاش مشروع ، ولكلا الجانبين في النقاش حججه المشروعة والمعقولة. أما بالنسبة لفؤاد النمري فالقضية غير قائمة على الإطلاق. فؤاد النمري يتصرف هنا على طريقة قائدِ الأسطولٍ العثماني الذي أمره السلطان باحتلال مالطا. فبعد غياب دام عدة أشهر ضل خلاله الطريق وهو يبحث عن تلك الجزيرة ، عاد خائباً ليخبر السلطان بأن "مالطا يوك"، أي مالطا غير موجودة.
يقول النمري: "انتفاضة البلاشفة في أكتوبر 1917 لم تكن ثورة ولم تكن اشتراكية . كانت انتفاضة شعبية يقودها البلاشفة بهدف استكمال الثورة البورجوازية في فبراير 1917 ففي صبيحة الإنتفاضة دعا لينين جيع الأحزاب البورجوازية للاشتراك في حكومته ."
الحقائق التاريخية التالية لا تهم النمري: 1. عندما وصل لينين إلى بتروغراد في 3 نيسان 1917 أعلن في محطة القطار من على ظهر السيارة المصفحة المشهورة: عاشت الثورة الإشتراكية. 2. الموضوع الأول الذي أطلقه لينين في ما يعرف ب"موضوعات نيسان" هو: "كل السلطة لمجالس السوفييت". 3. في اجتماع سوفييت بتروغراد الذي عقد في الساعة الثانية والنصف من ظهر يوم 25 اكتوبر (يوم الثورة) أعلن لينين: "إن ثورة العمال والفلاحين التي طالما تحدث البلاشفة عن ضرورتها قد أنجزت". 4. في صبيحة الإنتفاضة لم يدع لينين الأحزاب البرجوازية للإشتراك في حكومته. 5. في خطابه الأول أمام مجلس سوفييت بتروغراد يوم 25 اكتوبر قال لينين: "ما هي أهمية ثورة العمال والفلاحين؟ أهمية هذه الثورة تكمن قبل كل شيء في حقيقة أن الحكومة السوفييتية ستكون أداتنا للسلطة دون أية مشاركة من جانب البرجوازية."
فؤاد النمري "يصحح" التاريخ: في الإجتماع الموسع للجنة المركزية للحزب البولشفي، في 10 اكتوبر 1917، صوت زينوفييف وكامينيف ضد الإقتراح الذي قدمه لينين للتحضير لإنتفاضة مسلحة في أسرع وقت ممكن. وفي اليوم التالي أعلنا عن موقفهما هذا في مقال نشراه في جريدة مكسيم غوركي "الحياة الجديدة". في هذا المقال ، الموقع بأسمائهم الصريحة، أوضحا موقفهما كما يلي: "يقولون : 1. لقد اكتسبنا أغلبية الشعب إلى جانبنا و-2. إن أغلبية البروليتاريا العالمية تقف إلى جانبنا. كلا الإدعاءين، مع الأسف الشديد، غير صحيحين. وهذه هي كل المشكلة." نشر المقال في "الحياة الجديدة" أثار غضب لينين لا لأنه رأى في ذلك تحدياً شخصياً له فحسب، بل لأن المقال كشف صراحة عن نية البلاشفة القيام بانتفاضة مسلحة، وهو ما كانوا ينفونه علانية. (يمكن طبعاً فهم ما قام به زينوفييف وكامينيف على ضوء حرية الصحافة وحرية التعبير والنقاش التي سادت المجتمع الروسي بعد ثورة فبراير). وفي رسالة إلى اللجنة المركزية إتهمهما لينين بالكذب وعدم الحياء وقال إنه لن يعتبرهما رفيقين له بعد اليوم.
كيف يصف كل ذلك "المؤرخ المصحح" فؤاد النمري ؟ إقرأوا: "وخير مثال على هذا هو قيام زينوفييف وكامينيف عضوي المكتب السياسي للحزب بافشاء ساعة الصفر لثورة أكتوبر إلى البوليس السري." هل هذا هو وصف نزيه لما حدث؟ عن أية ساعة صفر يتحدث النمري؟ وعن أي بوليس سري؟ مكسيم غوركي؟
ولكن النمري لا يكتفي بذلك: "ليس من حق أحد أن يشكك في محاكمة الثنائي اليهودي زينوفييف وكامينيف في العام 1936 أو محاكمة بوخارين وريكوف في العام 1938 طالما أن تلك المحاكمات جرت أمام الإعلام الدولي ومراسلي الصحف من كافة البلدان الأوروبية والأمريكية . أما طعون المراسلين بصدقية تلك المحاكمات فإنها لا تثير إلاّ الضحك والاستهزاء كونها صادرة عن أخدان الرأسمالية والتروتسكية."
إنتبهوا إلى "الثنائي اليهودي". عيب. هذا ليس لائقاً، لاسيما إذا جاء ذلك من شخص يساري. أريد أن أذكر فؤاد النمري إن هذا "الثنائي اليهودي" كان من أقرب رفاق لينين (نعم، أقرب من ستالين) ، كان من أبرز قادة ثورة اكتوبر ووقف على رأس الأممية الشيوعية (الكومنترن) عدة سنوات إلى أن قتلهما ستالين. كل واحد من هذا "الثنائي اليهودي" هو في نظري مثال لمثقف ثوري قضى حياته في خدمة قضية الطبقة العاملة والحركة الثورية العالمية يجب أن تكون فخورة بهما.
المضحك (وشر البلية ما يضحك) هو إن النمري ينكر علينا حق التشكيك في صدقية المحاكمات الستالينية بحجة "أن تلك المحاكمات جرت أمام الإعلام الدولي ومراسلي الصحف من كافة البلدان الأوروبية والأمريكية" وفي الوقت نفسه (تماماً في الجملة التي تلي ذلك) يهاجم طعون مراسلي الصحف الذين غطوا المحاكمات. ألا يشعر النمري أنه يناقض نفسه، أم أنه واثق أن القراء لن يدركوا ذلك؟
فؤاد النمري "يزين" التاريخ (كلمة "يزين" مستخدمة هنا بمعناها في اللغة العبرية، اللغة التوأمة للغة العربية) : كل العالم سمع عن المجاعة في أوكرانيا في الثلاثينيات من القرن الماضي، ما عدا النمري الذي قلب المجاعة إلى فائض من القمح. يقول "مؤرخنا المزين": "ويؤججون حملة شعواء على السياسة الزراعية للحزب مدعين بانتشار المجاعة آنذاك في أوكرانيا . يتجاهل هؤلاء الأفّاقون حقيقة بلجاء وهي أن أوروبا الغربية كانت في تلك الفترة تأكل خبزها من القمح السوفياتي ."
ثم يتساءل مندهشاً: " هل يمكن للبلاشفة أن يجوّعوا السوفياتيين ليطعموا الإنجليز والهولنديين !؟" أجل، هذا بالضبط ما حدث وأنت تعرف ذلك جيداً: السلطات السوفييتية صدرت القمح إلى أوربا بغية الحصول على العملة الصعبة لتمويل مشاريع السنوات الخمس، في الوقت الذي مات الفلاحون جوعاً في أوكرانيا.
"هل تعتقد أن النظرية الماركسية شاخت وبحاجة إلى تطوير بحيث تلائم العصر الراهن ؟" قد تختلف الإجابة على هذا السؤال بين المفكرين الماركسيين. ولكننا لا نعدو الحقيقة كثيراً إذا قلنا إن أغلبية المفكرين الماركسيين غير الستالينيين سيجيبون على هذا السؤال ب"نعم" (مع التحفظ بعض الشيء من الكلمة "شاخت").
كان كارل ماركس فيلسوفاً ، مؤرخاً، عالماً إقتصادياً، لغوياً، ناقداً أدبياً ومناضلاً ثورياً. كتاباته ، التي نشر القليل منها فقط أيام حياته، تحتل خمسين مجلداً. وعلى قبره ، في 17 آذار 1883، في مقبرة هاي جيت، تنبأ صديقه ورفيق حياته فريدريك أنجلز قائلاً: "إن اسمه وكتاباته ستبقى خالدة مدى الأجيال". ولكن كارل ماركس كان ، قبل كل شيء، إنساناً وليس إلهاً. والإنسان قد يخطئ ويرتكب الحماقات. كارل ماركس كان مفكراً وليس نبياً، ولم يوجد حتى الآن المفكر الذي يصدق في كل "تنبؤاته". كارل ماركس أنشأ نظريته بنفسه ولم تنزل عليه من السماء شأن الكتب المقدسة. لذلك ليس غريباً أن أقساماً منها قد تشيخ وأقساماً أخرى قد تحتاج إلى التطوير أو حتى إلى الشطب.
السؤال، "هل تعتقد أن النظرية الماركسية شاخت وبحاجة إلى تطوير بحيث تلائم العصر الراهن ؟" ، هو إذن سؤال مشروع . غير أن "المفكر الماركسي" الستاليني حسقيل قوجمان يعتقد أن مجرد طرح السؤال يدعو إلى السخرية والضحك. وهو، طبعاً، محق في ذلك. الماركسية الوحيدة التي يعرفها قوجمان هي ماركسية جامدة ميتة، وكيف لميت أن يشيخ؟ كيف لجامد أن يتطور؟ هم حنطوا جثة لينين فحنطوا الماركسية ، ثم راحوا بعد ذلك يسخرون بمن يريدون تطوير الماركسية "بحيث تلائم العصر الراهن". قوجمان محق في سخريته لأن الماركسية في نظره مثلها مثل الكتب المنزلة، وكيف يمكن تغيير حرف واحد في كتاب منزل؟
غير أن حسقيل قوجمان ، في ضحكه وسخريته على من يريدون تطوير الماركسية، يغالط القراء. فهو لكي يبرهن على مدى سخافة السؤال حول "شيخوخة" الماركسية، يقارن السؤال: "هل تعتقد أن النظرية الماركسية شاخت وبحاجة إلى تطوير بحيث تلائم العصر الراهن ؟"، مع سؤال "مشابه" وهو: "هل تعتقد ان الطب شاخ وبحاجة الى تطوير بحيث يلائم العصر الراهن؟". وبما أن سخافة السؤال الثاني واضحة للعيان (ليس هناك إنسان عاقل يعتقد أن الطب قد شاخ) ، استنتج "مفكرنا الماركسي" (صاحب نظرية "فناء الضدين") إن السؤال الأول، حول "شيخوخة" الماركسية ، سخيف هو الآخر. حسقيل قوجمان، كما قلنا، يغالط القراء. الماركسية هي مجموعة من النظريات في علوم الإقتصاد، التاريخ والإجتماع، وليس فرعاً منفرداً من فروع العلم. لذلك فإن المقارنة يجب أن تكون، مثلاً، مع سؤال كهذا: "هل تعتقد أن نظرية داروين شاخت وبحاجة إلى تطوير بحيث تلائم العصر الراهن ؟" أو: "هل تعتقد أن نظرية الوراثة شاخت وبحاجة إلى تطوير بحيث تلائم العصر الراهن ؟". إذ مهما تكن الإجابه على هذه الأسئلة (بالنفي أو الإيجاب) فإنها أسئلة مشروعة لا تدعو إلى سخرية قوجمان ولن تدفعه إلى الضحك.
ردود على بعض التعليقات: إلى فؤاد النمري حول دور الإتحاد السوفييتي في إنقاذ يهود العالم: لم أفهم ما علاقة ما تقوله بموضوع النقاش، ولكني كي لا أدع مجالاً للشك أؤكد مرة أخرى ما كتبته في مقالة سابقة: إن الشعب اليهودي لن ينسى أبداً دور شعوب الإتحاد السوفييتي ، قادة الإتحاد السوفييتي وستالين شخصياً في تحطيم آلة الحرب الهتلرية وفي إنقاذ اليهود من الإبادة الجماعية. الشعب اليهودي لن ينسى أبداً أن الجيش الأحمر الظافر هو الذي حررمعسكر الإبادة "اوشويتس". نحن نعرف أن هناك قوى رجعية يهودية تحاول أن تطمس هذه الحقائق التاريخية، ولكن القوى التقدمية اليهودية لن تدعهم يفعلون ذلك.
إلى عبد المطلب حول "العصابات الصهيونية" و"دولة إسرائيل": النقاش هو نقاش سياسي وليس نقاش تاريخي حول شهر ونصف الشهر من الزمان:.في نيسان 1948 يجب الحديث عن "عصابات صهيونية" وفي 15 أيار 1948 يمكن الحديث عن "دولة إسرائيل". ما أردت أن أقوله هو أن استخدام لغة أحمدي نجاد وحماس ("الكيان الصهيوني" و"العصابات الصعيونية" ) في خطاب اليسار العربي لا يخدم قضية السلام الإسرائيلي-العربي ويخذل اليسار الإسرائيلي.
نكتة الإسبوع زودنا بها القارئ عبد المطلب: "اما ما يذكره عن قتل ميخائيلوس بامر من ستالين ففي الواقع فقد صدمته سياره و هو عائد مخمورا في وقت متاخر في مدينه منسك."
"كتب أنجلز هذا الجواب قبل صدور البيان الشيوعي ومع ذلك كان جوابه ماركسياً كاملاً لم ينطبق على الثورة الألمانية وحسب بل كان صحيحاً بالنسبة للثورات البرجوازية التي تلت الثورة الألمانية أيضاً. بل إن محتوى الجواب ما زال صحيحاً حتى اليوم إذا استثنينا موضوع القيادة في الثورة البرجوازية . . . وقد وردت في هذا الجواب عدة نقاط واضحة ما زالت تحتفظ بحيويتها حتى يومنا هذا." (حسقيل قوجمان يحاول أن يقنع القراء ، في كتابه عن ثورة 14 تموز في العراق ، إن ما كتبه فريدريك أنجلز ، قبل أكثر من 150 عاماً ، عن الثورة البرجوازية في ألمانيا ، في القرن التاسع عشر ، يصلح أن يكون بوصلة تهدي الشيوعيين العراقيين في التصف الثاني من القرن العشرين. في نظر حسقيل قوجمان لم يحدث، خلال قرن ونصف القرن من التاريخ البشري ، شيء يستحق الذكر مما يوجب إعادة النظر في ما كتبه أنجلز.)
"انتفاضة البلاشفة في أكتوبر 1917 لم تكن ثورة ولم تكن اشتراكية . كانت انتفاضة شعبية يقودها البلاشفة بهدف استكمال الثورة البورجوازية في فبراير 1917 . ففي صبيحة الإنتفاضة دعا لينين جيع الأحزاب البورجوازية للاشتراك في حكومته . . بناء على هذه الوقائع التاريخية يترتب على أولئك الذين يأخذون على لينين أنه فجر الثورة الإشتراكية في روسيا المتخلفة أن يغلقوا أفواههم مرة واحدة وإلى الأبد." (فؤاد النمري يكتب التاريخ من جديد ، ويلقن القراء درساً في سياسة كم الأفواه الستالينية. لا شك أن النمري يؤمن إيماناً مطلقاً بغباوة القراء.)
"أنا أطالب بإبادة هذه الكلاب السائبة رمياً بالرصاص ، كلهم جميعاً وكل واحد منهم بلا استثناء . . . نحن نطالب بإبادة هذه الحشرات الطفيلية بلا رحمة." (فيشنسكي ، المدعي العام الستاليني والمنشفيكي السابق ، يشرح ، في الثلاثينات من القرن الماضي ، قواعد "دكتاتورية البروليتاريا" ويطالب بإعدام كل رفاق لينين.) "أولى أولويات العمل الشيوعي لا بدّ أن تكون الشطب الكلّي والنهائي لمراجعي الماركسية من مختلف الصنوف والأحجام . فليُشطب شتّى المراجعين للماركسية بالجملة دون وخزة ضمير، وحتى قبل النظر في مراجعاتهم ." (فؤاد النمري يشرح قواعد النقاش الأديولوجي. بعد سبعين عاماً من إبادة "الكلاب السائبة"، يكتفي الناطق باسم الستالينية ب"شطب" خصومه الإديولوجيين ولا يطلب قتلهم رمياً بالرصاص "كلهم جميعاً وكل واحد منهم بلا استثناء".)
" يعتبر الصراع الأيديولوجي الذي خاضه الرفيق لينين (قبل الحرب العالمية الأولى) ضد الماخيين أروع مثال يقتدى به في هذا المجال لصياغة أسس النظرية الثورية في المرحلة الراهنة." (آمال الحسين يحاول أن يقنعنا أن كتاباً فلسفياً صدر عام 1908 هو الرد المفحم على من يريد الإنفتاح على منجزات الحضارة البشرية اليوم. التحديات التي تضعها الفيزياء الحديثة، في القرن الحادي والعشرين، أمام المادية الديالكتيكية لا تحرك ساكناً لدى آمال الحسين . الإنسان يقتحم السموات، يصل إلى المريخ ويغوص في أعماق الذرة وأخونا "الماركسي حتى النخاع" لا زال يحارب ماخ كما حاربه لينين قبل أكثر من قرن.)
السبات العميق: "ستالينيونا" يغطون في سبات عميق. من هذا السبات لم يوقظهم لا تداعي أصنام ستالين في أرجاء "العالم الإشتراكي" سابقاً، لا انهيار جدار برلين، لا خطوات الإنسان يصعد على سطح القمر ولا المحطات الفضائية التي نزلت على أرض المريخ. العالم تغير وهو يتغير كل يوم. أما "ستالينيونا" فلا زالوا يعيشون في الأربعينيات، وفي أحسن الحالات في الخمسينيات، من القرن الماضي.
حسقيل قوجمان يعيش في النصف الأول من القرن العشرين: ما رأيكم في "مفكر ماركسي" يكتب مقالاً عن "التحالفات الطبقية"، اليوم، سنة 2009 ، أي في مستهل القرن الحادي والعشرين، ولا يجد مثلاً يحتذى به أفضل من التعاون الذي قام بين الحزب الشيوعي العراقي وكامل الجادرجي (وسائر الأحزاب البرجوازية) سنة 1945 للقيام بإضراب عام في ذكرى وعد بلفور؟ أي تشابه يجد حسقيل قوجمان بين عراق 1945 وعراق 2009؟ أي دروس يمكن تعلمها من تعاون قام قبل أكثر من نصف قرن، في ظروف مغايرة تماماً، ويمكن الإستفادة منها في ظروف العراق المعقدة اليوم؟ أم إن قوجمان لا زال يعيش في الأربعينيات من القرن الماضي؟
ما رأيكم في "مفكر ماركسي" يقرأ كتاباً كتبه لينين عام 1903 (أي قبل أكثر من قرن)، وفيه تحليل للأوضاع الخاصة بروسيا القيصرية آنذاك ، التي لا تشبه من قريب أو بعيد أوضاع العراق، فيقرر إن ما كتبه لينين آنذاك ينطبق بالضبط على ظروف العراق اليوم، ولذلك كان على الحزب الشيوعي العراقي أن ينتقل إلى مرحلة الثورة الإشتراكية (ويعمل على إقامة دكتاتورية البروليتاريا) مباشرة غداة 14 تموز 1958؟ إقرأوا: "وفي مثلنا العراقي انتهت الثورة البرجوازية يوم ثورة تموز وتحولت السلطة من سلطة شبه اقطاعية شبه استعمارية الى سلطة برجوازية. في يوم ثورة تموز انتهت مرحلة الثورة البرجوازية العراقية بصورتها البرجوازية. ليس هناك استكمال او اتمام او مواصلة للثورة باي شكل من الاشكال." هل يعيش قوجمان أوضاع العراق اليوم، أم إنه يعيش في عالم من الخيال بناه من الكتب الماركسية التي قرأها والتي كتبت في عالم آخر وفي "دهر" آخر ؟
فؤاد النمري "يرمم" الماضي (ولكن: هل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟) : إذا كان حسقيل قوجمان يعيش في سنوات الأربعين أو الخمسين من القرن الماضي ، فإن فؤاد النمري يعيش في ماضٍ من صنعه هو ، وهو بارع في صناعة الماضي. (للحقيقة والتاريخ نقول إن مهنة "صناعة الماضي" ليست من اختراع فؤاد النمري نفسه، ولكنه من القلائل الذين لا زالوا يمارسونها).
هل هناك حدث تاريخي يزعجكم؟ هل حقائق الحياة لا تتفق مع اديولوجيتكم؟ هل تريدون التخلص من ماضٍ محرج؟ فؤاد النمري هو الحل.
مالطا يوك: خذوا، على سبيل المثال، النقاش الذي يدور في صفوف اليسار الماركسي حول ما إذا كان لينين قد "تعجل" في القيام بثورة إشتراكية في ظروف روسيا المتأخرة عام 1917. هذا نقاش مشروع ، ولكلا الجانبين في النقاش حججه المشروعة والمعقولة. أما بالنسبة لفؤاد النمري فالقضية غير قائمة على الإطلاق. فؤاد النمري يتصرف هنا على طريقة قائدِ الأسطولٍ العثماني الذي أمره السلطان باحتلال مالطا. فبعد غياب دام عدة أشهر ضل خلاله الطريق وهو يبحث عن تلك الجزيرة ، عاد خائباً ليخبر السلطان بأن "مالطا يوك"، أي مالطا غير موجودة.
يقول النمري: "انتفاضة البلاشفة في أكتوبر 1917 لم تكن ثورة ولم تكن اشتراكية . كانت انتفاضة شعبية يقودها البلاشفة بهدف استكمال الثورة البورجوازية في فبراير 1917 ففي صبيحة الإنتفاضة دعا لينين جيع الأحزاب البورجوازية للاشتراك في حكومته ."
الحقائق التاريخية التالية لا تهم النمري: 1. عندما وصل لينين إلى بتروغراد في 3 نيسان 1917 أعلن في محطة القطار من على ظهر السيارة المصفحة المشهورة: عاشت الثورة الإشتراكية. 2. الموضوع الأول الذي أطلقه لينين في ما يعرف ب"موضوعات نيسان" هو: "كل السلطة لمجالس السوفييت". 3. في اجتماع سوفييت بتروغراد الذي عقد في الساعة الثانية والنصف من ظهر يوم 25 اكتوبر (يوم الثورة) أعلن لينين: "إن ثورة العمال والفلاحين التي طالما تحدث البلاشفة عن ضرورتها قد أنجزت". 4. في صبيحة الإنتفاضة لم يدع لينين الأحزاب البرجوازية للإشتراك في حكومته. 5. في خطابه الأول أمام مجلس سوفييت بتروغراد يوم 25 اكتوبر قال لينين: "ما هي أهمية ثورة العمال والفلاحين؟ أهمية هذه الثورة تكمن قبل كل شيء في حقيقة أن الحكومة السوفييتية ستكون أداتنا للسلطة دون أية مشاركة من جانب البرجوازية."
فؤاد النمري "يصحح" التاريخ: في الإجتماع الموسع للجنة المركزية للحزب البولشفي، في 10 اكتوبر 1917، صوت زينوفييف وكامينيف ضد الإقتراح الذي قدمه لينين بالتحضير لإنتفاضة مسلحة في أسرع وقت ممكن. وفي اليوم التالي أعلنا عن موقفهما هذا في مقال نشراه في جريدة مكسيم غوركي "الحياة الجديدة". في هذا المقال ، الموقع بأسمائهم الصريحة، أوضحا موقفهما كما يلي: "يقولون : 1. لقد اكتسبنا أغلبية الشعب إلى جانبنا و-2. إن أغلبية البروليتاريا العالمية تقف إلى جانبنا. كلا الإدعاءين، مع الأسف الشديد، غير صحيحين. وهذه هي كل المشكلة." نشر المقال في "الحياة الجديدة" أثار غضب لينين لا لأنه رأى في ذلك تحدياً شخصياً له فحسب، بل لأن المقال كشف صراحة عن نية البلاشفة القيام بانتفاضة مسلحة، رغم أنهم كانوا ينفون ذلك علانية. (يمكن طبعاً فهم ما قام به زينوفييف وكامينيف على ضوء حرية الصحافة وحرية التعبير والنقاش التي سادت المجتمع الروسي بعد ثورة فبراير). وفي رسالة إلى اللجنة المركزية إتهمهما لينين بالكذب وعدم الحياء وقال إنه لن يعتبرهما رفيقين له بعد اليوم.
كيف يصف كل ذلك "المؤرخ المصحح" فؤاد النمري ؟ إقرأوا: "وخير مثال على هذا هو قيام زينوفييف وكامينيف عضوي المكتب السياسي للحزب بافشاء ساعة الصفر لثورة أكتوبر إلى البوليس السري." هل هذا هو وصف نزيه لما حدث؟ عن أية ساعة صفر يتحدث النمري؟ وعن أي بوليس سري؟ مكسيم غوركي؟
ولكن النمري لا يكتفي بذلك: "ليس من حق أحد أن يشكك في محاكمة الثنائي اليهودي زينوفييف وكامينيف في العام 1936 أو محاكمة بوخارين وريكوف في العام 1938 طالما أن تلك المحاكمات جرت أمام الإعلام الدولي ومراسلي الصحف من كافة البلدان الأوروبية والأمريكية . أما طعون المراسلين بصدقية تلك المحاكمات فإنها لا تثير إلاّ الضحك والاستهزاء كونها صادرة عن أخدان الرأسمالية والتروتسكية."
إنتبهوا إلى "الثنائي اليهودي". عيب. هذا ليس لائقاً، لاسيما إذا جاء ذلك من شخص يساري. أريد أن أذكر فؤاد النمري إن هذا "الثنائي اليهودي" كان من أقرب رفاق لينين (نعم، أقرب من ستالين) ، كان من أبرز قادة ثورة اكتوبر ووقف على رأس الأممية الشيوعية (الكومنترن) عدة سنوات إلى أن قتلهما ستالين. كل واحد من هذا "الثنائي اليهودي" هو في نظري مثال لمثقف ثوري قضى حياته في خدمة قضية الطبقة العاملة والحركة الثورية العالمية يجب أن تكون فخورة بهما).
المضحك (وشر البلية ما يضحك) هو إن النمري ينكر علينا حق التشكيك في صدقية المحاكمات الستالينية بحجة "أن تلك المحاكمات جرت أمام الإعلام الدولي ومراسلي الصحف من كافة البلدان الأوروبية والأمريكية" وفي الوقت نفسه (تماماً في الجملة التي تلي ذلك) يهاجم طعون مراسلي الصحف الذين غطوا المحاكمات. ألا يشعر النمري أنه يناقض نفسه، أم أنه واثق أن القراء لن يدركوا ذلك؟
فؤاد النمري "يزين" التاريخ (كلمة "يزين" مستخدمة هنا بمعناها في اللغة العبرية، اللغة التوأمة للغة العربية) : كل العالم سمع عن المجاعة في أوكرانيا في الثلاثينيات من القرن الماضي، ما عدا النمري الذي قلب المجاعة إلى فائض من القمح. يقول "مؤرخنا المزين": "ويؤججون حملة شعواء على السياسة الزراعية للحزب مدعين بانتشار المجاعة آنذاك في أوكرانيا . يتجاهل هؤلاء الأفّاقون حقيقة بلجاء وهي أن أوروبا الغربية كانت في تلك الفترة تأكل خبزها من القمح السوفياتي ."
ثم يتساءل مندهشاً: " هل يمكن للبلاشفة أن يجوّعوا السوفياتيين ليطعموا الإنجليز والهولنديين !؟" أجل، هذا بالضبط ما حدث وأنت تعرف ذلك جيداً: السلطات السوفييتية صدرت القمح إلى أوربا بغية الحصول على العملة الصعبة لتمويل مشاريع السنوات الخمس، في الوقت الذي مات الفلاحون جوعاً في أوكرانيا.
"هل تعتقد أن النظرية الماركسية شاخت وبحاجة إلى تطوير بحيث تلائم العصر الراهن ؟" قد تختلف الإجابة على هذا السؤال بين المفكرين الماركسيين. ولكننا لا نعدو الحقيقة كثيراً إذا قلنا إن أغلبية المفكرين الماركسيين غير الستالينيين سيجيبون على هذا السؤال ب"نعم" (مع التحفظ بعض الشيء من الكلمة "شاخت").
كان كارل ماركس فيلسوفاً ، مؤرخاً، عالماً إقتصادياً، لغوياً، ناقداً أدبياً ومناضلاً ثورياً. كتاباته ، التي نشر القليل منها فقط أيام حياته، تحتل خمسين مجلداً. وعلى قبره ، في 17 آذار 1883، في مقبرة هاي جيت، تنبأ صديقه ورفيق حياته فريدريك أنجلز قائلاً: "إن اسمه وكتاباته ستبقى خالدة مدى الأجيال". ولكن كارل ماركس كان ، قبل كل شيء، إنساناً وليس إلهاً. والإنسان قد يخطئ ويرتكب الحماقات. كارل ماركس كان مفكراً وليس نبياً، ولم يوجد حتى الآن المفكر الذي يصدق في كل "تنبؤاته". كارل ماركس أنشأ نظريته بنفسه ولم تنزل عليه من السماء شأن الكتب المقدسة. لذلك ليس غريباً أن أقساماً منها قد تشيخ وأقساماً أخرى قد تحتاج إلى التطوير أو حتى إلى الشطب.
السؤال، "هل تعتقد أن النظرية الماركسية شاخت وبحاجة إلى تطوير بحيث تلائم العصر الراهن ؟" ، هو إذن سؤال مشروع . غير أن "المفكر الماركسي" الستاليني حسقيل قوجمان يعتقد أن مجرد طرح السؤال يدعو إلى السخرية والضحك. وهو، طبعاً، محق في ذلك. الماركسية الوحيدة التي يعرفها قوجمان هي ماركسية جامدة ميتة، وكيف لميت أن يشيخ؟ كيف لجامد أن يتطور؟ هم حنطوا جثة لينين فحنطوا الماركسية ، ثم راحوا بعد ذلك يسخرون بمن يريدون تطوير الماركسية "بحيث تلائم العصر الراهن". قوجمان محق في سخريته لأن الماركسية في نظره مثلها مثل الكتب المنزلة، وكيف يمكن تغيير حرف واحد في كتاب منزل؟
غير أن حسقيل قوجمان ، في ضحكه وسخريته على من يريدون تطوير الماركسية، يغالط القراء. فهو لكي يبرهن على مدى سخافة السؤال حول "شيخوخة" الماركسية، يقارن السؤال: "هل تعتقد أن النظرية الماركسية شاخت وبحاجة إلى تطوير بحيث تلائم العصر الراهن ؟"، مع سؤال "مشابه" وهو: "هل تعتقد ان الطب شاخ وبحاجة الى تطوير بحيث يلائم العصر الراهن؟". وبما أن سخافة السؤال الثاني واضحة للعيان (ليس هناك إنسان عاقل يعتقد أن الطب قد شاخ) ، استنتج "مفكرنا الماركسي" (صاحب نظرية "فناء الضدين") إن السؤال الأول، حول "شيخوخة" الماركسية ، سخيف هو الآخر. حسقيل قوجمان، كما قلنا، يغالط القراء. الماركسية هي مجموعة من النظريات في علوم الإقتصاد، التاريخ والإجتماع، وليس فرعاً منفرداً من فروع العلم. لذلك فإن المقارنة يجب أن تكون، مثلاً، مع سؤال كهذا: "هل تعتقد أن نظرية داروين شاخت وبحاجة إلى تطوير بحيث تلائم العصر الراهن ؟" أو: "هل تعتقد أن نظرية الوراثة شاخت وبحاجة إلى تطوير بحيث تلائم العصر الراهن ؟". إذ مهما تكن الإجابه على هذه الأسئلة (بالنفي أو الإيجاب) فإنها أسئلة مشروعة لا تدعو إلى سخرية قوجمان ولن تدفعه إلى الضحك.
ردود على بعض التعليقات: إلى فؤاد النمري حول دور الإتحاد السوفييتي في إنقاذ يهود العالم: لم أفهم ما علاقة ما تقوله بموضوع النقاش، ولكني كي لا أدع مجالاً للشك أؤكد مرة أخرى ما كتبته في مقالة سابقة: إن الشعب اليهودي لن ينسى أبداً دور شعوب الإتحاد السوفييتي ، قادة الإتحاد السوفييتي وستالين شخصياً في تحطيم آلة الحرب الهتلرية وفي إنقاذ اليهود من الإبادة الجماعية. الشعب اليهودي لن ينسى أبداً أن الجيش الأحمر الظافر هو الذي حررمعسكر الإبادة "اوشويتس". نحن نعرف أن هناك قوى رجعية يهودية تحاول أن تطمس هذه الحقائق التاريخية، ولكن القوى التقدمية اليهودية لن تدعهم يفعلون ذلك.
إلى عبد المطلب حول "العصابات الصهيونية" و"دولة إسرائيل": النقاش هو نقاش سياسي وليس نقاش تاريخي حول شهر ونصف الشهر من الزمان:.في نيسان 1948 يجب الحديث عن "عصابات صهيونية" وفي 15 أيار 1948 يمكن الحديث عن "دولة إسرائيل". ما أردت أن أقوله هو أن استخدام لغة أحمدي نجاد وحماس ("الكيان الصهيوني" و"العصابات الصعيونية" ) في خطاب اليسار العربي لا يخدم قضية السلام الإسرائيلي-العربي ويخذل اليسار الإسرائيلي.
نكتة الإسبوع زودنا بها القارئ عبد المطلب: "اما ما يذكره عن قتل ميخائيلوس بامر من ستالين ففي الواقع فقد صدمته سياره و هو عائد مخمورا في وقت متاخر في مدينه منسك."
#يعقوب_ابراهامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الستالينيون (5) : تزوير التاريخ
-
الستالينيون (4) : حسقيل قوجمان ضد فريدريك انجلز
-
الستالينيون (3) : الكذبة المفيدة
-
الستالينيون (2) : فقر الفلسفة (كطول المقال)
-
الستالينيون (1) : دكتاتورية البروليتاريا بين المأساة والمهزل
...
-
الديالكتيك المستباح (أخيرة) : ما للماركسية ولنشأة الكون؟
-
الديالكتيك المستباح (4) : الأنفجار العظيم
-
(الديالكتيك المستباح (3
-
الديالكتيك المستباح (2)
-
الديالكتيك المستباح (1)
-
حسقيل قوجمان -يؤمن- بماركسية بلا كارل ماركس (أخيرة)
-
حسقيل قوجمان -يؤمن- بماركسية بلا كارل ماركس (3)
-
حسقيل قوجمان -يؤمن- بماركسية بلا كارل ماركس (2)
-
حسقيل قوجمان -يؤمن- بماركسية بلا كارل ماركس (1)
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|