أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - محمد الحنفي - هـل انتهى حق الشعوب في تقرير مصيرها بمجرد خروج الاستعمار ؟















المزيد.....



هـل انتهى حق الشعوب في تقرير مصيرها بمجرد خروج الاستعمار ؟


محمد الحنفي

الحوار المتمدن-العدد: 851 - 2004 / 6 / 1 - 06:11
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


تــقــديـم
لقد تعودت شخصيا على أن أحترم الأفكار التي تحترم نفسها .أي الأفكار التي لا تتجاوز حدود المعقول والمقبول في حدود معينة من المنطق العلمي .أو حتى من المنطق الصوري ، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمصادرة فإن ذلك يعني أن المنطق غير موجود أصلا .
ففي مقال منشور في جريدة الأحداث المغربية بتاريخ 21 غشت2002 عدد 1308 تحت عنوان " انتهت صلاحية حق الشعوب في تقرير مصيرها بنهاية الاستعمار" للأستاذ الدكتور عبد الهادي بوطالب الذي ينال احترام قطاع عريض من القراء لسداد رأيه ونفاذ بصيرته في مجمل القضايا التي يعالجها وعلى جميع المستويات . وكتاباته تعتبر مرجعا للعديد من الجهات النافذة في عالم السياسة والاجتماع والثقافة . وفي أمور العقيدة ، كما تعتبر موجهة لسياسة الحاكمين في جميع القضايا الشائكة .إلا أننا عندما نمعن النظر في العنوان المشار إليه نستغرب كونه من انتاج الأستاذ الدكتور عبد الهادي بوطالب الذي نلتمس فكرا حقوقيا في إبداعاته النظرية . ونرى فيها ممارسة تنويرية رائدة .فإلى أي حد يمكن أن نقبل كون صلاحية حق الشعوب في تقرير مصيرها .قد انتهت بنهاية الاستعمار ؟ إننا ونحن نناقش الأستاذ الدكتور عبد الهادي بوطالب ننطلق من طرح الأسئلة التالية حتى تكون مدخلا للمناقشة النظرية ، لا من اجل إثارة غضب الأستاذ عبد الهادي بوطالب .بل من أجل أن نقول له : إننا على بينة مما جرى ويجري في المغرب. وأن الشعب المغربي لم يسبق له أن قرر مصيره وأن من قرر مصير الشعب المغربي هم الذين تحلقوا حول مائدة مفاوضات إيكس ليبان . والذين لازال بعضهم حيا يرزق ، وأن الاستعمار لازال قائما على أجزاء مهمة من وطننا كسبتة و مليلية ، والجزر الجعفرية وجزر الكناري ، وأن قضية الصحراء المغربية لازالت مطروحة أمام المنتديات الدولية مما يؤكد أن الشعب المغربي لازال لم يقرر مصير الأراضي التي لازالت تحت الاحتلال أو التي تم تفويتها على يد الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر حسب مفهوم الأستاذ عبد الهادي بوطالب للاستعمار الذي يختزله في الاستعمار العسكري ، مع أن المفهوم أشمل من ذلك بكثير . ولذلك نسأل الأستاذ عبد الهادي بوطالب :
ü ألا يعتبر الاحتلال العسكري لبعض الأجزاء المهمة والاستراتيجية من بلادنا استعمارا ؟
ü ألا يعتبر ربط الاقتصاد الوطني بالاقتصاد الأجنبي شكلا من أشكال الاستعمار ؟
ü أليست خدمة الدين الخارجي الذي يذهب بعشرات الملايير من الدراهم إلى المؤسسات الدولية في مقابل إنتاج المآسي في بلادنا كانتشار البطالة والفقر والمرض ، وتوقف التنمية الاقتصادية والاجتماعية تقريبا استعمارا ؟
ü أليس تعليمنا برغبة المؤسسات المالية الدولية استعمارا ؟
ü أليس الاعتماد على سوق الشغل الدولي استعمارا ؟
ü ما مفهوم الأستاذ عبد الهادي بوطالب لتقرير المصير ؟
ü هل هو مجرد تحرر المغاربة من السيطرة العسكرية للأجانب ؟أم أنه اختيار اقتصادي واجتماعي وثقافي ومدني وسياسي ؟
ü هل اختار المغاربة دستورهم بأنفسهم ؟
ü وهل الدستور القائم في المغرب يضمن حق الشعب المغربي في السيادة ؟
ü وهل يقرر المغاربة القوانين التي تحكم مسار حياتهم ؟
ü هل يختارون ممثليهم في المؤسسات " المنتخبة " في إطار انتخابات تتوفر فيها شروط النزاهة ؟
ü هل يقررون في مصير المؤسسات المنتخبة إذا كانت لا تخدم مصلحة الشعب المغربي ؟
ü هل يضمنون لأنفسهم ولأبنائهم التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية؟
إننا نعتقد أن الأستاذ عبد الهادي بوطالب عندما عنون موضوعه ب" انتهت صلاحية حق الشعوب في تقرير مصيرها بنهاية الاستعمار" يكون قد حسم أمرا ليس من حقه .وأنه استغل مكانته ونفوذه للدعوة إلى فرض الاستبداد على الشعب المغربي ، وهو بذلك يخالف ما تذهب إليه الأحزاب التقدمية والوطنية والجمعيات الحقوقية والثقافية . والنقابات وجميع التنظيمات غير الرسمية من أن الشعب المغربي لازال عليه أن يناضل من أجل تقرير مصيره الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي .حتى تصبح سيادته على نفسه مضمونة . وليسمح لنا الأستاذ إن خالفناه الرأي لأن انتماءنا إلى هذا الوطن العزيز وإلى هذا الشعب العظيم الأبي . وإلى تاريخه النضالي المجيد يفرض علينا ذلك .و إلا فما معنى أن ننتمي إلى المغرب إذا اعتبرنا انتهاء صلاحية حقنا في تقرير مصيرنا بمجرد خروج الاستعمار .
إن الشعب المغربي طموح في المستقبل الذي يحرص على أن يكون ديموقراطيا ، متحررا ، وعادلا. والديموقراطية والتحرر والعدالة الاجتماعية هي روح تقرير المصير . والأستاذ عبد الهادي بوطالب يعلم جيدا أن الديموقراطية مفتقدة .وأن المغاربة لازالوا عبر هيئاتهم المختلفة يناضلون من أجلها وأن الحرية لازالت مفتقدة في أجزاء مهمة لازالت محتلة من بلادنا ، وأن الإنسان المغربي لازال مستعبدا من قبل المستغلين ، وأن العدالة الاقتصادية والاجتماعية لازالت مفتقدة ،أي انهم لازالوا مطالبين بتقرير مصيرهم بأنفسهم حتى تتحقق إنسانيتهم .ولعل الأستاذ عبد الهادي بوطالب لا يرى غير ذلك عندما يستند الى الموضوعية في تفكيره كما عهدنا فيه ذلك.
مفهوم تقرير المصير:
إن ما أدرجه الكاتب الكبير الأستاذ عبد الهادي بوطالب ضمن العنوان المشار إليه،يفيد أن مفهوم تقرير المصير لا يتجاوز مجرد حق الشعوب في التخلص من حالة الاحتلال التي كانت تعاني منها ، حتى وإن كنا نتفق معه على أن جزءا من الشعب لا يحق له أن ينفصل عن أصله لأن ذلك سيؤدي إلى التفتيت والتجزئ فإننا لا يمكن أن نتفق معه في أمرين اثنين :
الأمـر الأول : عنونه المقال بقوله :" انتهت صلاحية حق الشعوب في تقرير مصيرها بنهاية الاستعمار " لأنه لا ينطبق على مضمون المقالة الموثقة التي تؤدي هدفا معينا يحسب للأستاذ عبد الهادي بوطالب لا عليه .لأن خبرته الطويلة ومكانته المعرفية العالية ستساعده على التدقيق في الأمور حتى لا يتيه القارئ كما حصل معي شخصيا .
والأمــر الثاني : هو حصر دلالة تقرير المصير على التخلص من الاحتلال الأجنبي ، وهو أمر مجانب للصواب .لأن تقرير المصير هو عملية مستمرة تتخلل حركة الشعوب في كل مجالات الحياة ، وهي تربية مستمرة على حقوق الإنسان بما فيها حق تقرير المصير بالنسبة للأفراد والجماعات . وحق اختيار شكل الحياة التي يحياها الأفراد وتحياها الجماعات في إطار منظومة اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية دون أن يؤدي ذلك إلى تفتيت وحدة الشعب .
وتربية من هذا النوع لا يمكن أبدا أن تقصر حق تقرير المصير على التخلص من الاحتلال لاعتبارين اثنين :
الاعـتـبار الأول : أن حقوق الإنسان ذات تحد كوني وشمولي ، مما يجعل دلالة حق تقرير المصير لا تقتصر على التخلص من الاستعمار فقط ، بل تتعداه إلى الدلالة على أمور أخرى .
والاعـتـبار الثاني: أن التربية على حقوق الإنسان تجعل الشعوب لا تقف في تقرير مصيرها عند حدود ما ذهب إليه الأستاذ . لأن استقلال الشعوب لم يكن كذلك . فالتحرر الذي تحقق كان سياسيا فقط . أما الاقتصاد والاجتماع والثقافة فقد بقيت هذه الجوانب مستعمرة مع الاختلاف في الحدة من بلد إلى آخر وكان يمكن أن نتفق مع الأستاذ لو اختارت الشعوب من يحكمها ، ونمط إنتاجها وشكل تعليمها .ووضعت قوانينها بنفسها …إلخ . إلا أنه مادام لم يحصل ذلك . فإن من حق الشعوب أن تستمر في المطالبة بحقها في تقرير مصيرها في الجوانب المتأثرة بما يصطلح على تسميته ب " الاستعمار الجديد " الذي يفرض تبعية دول الأطراف لدول المركز كما يقول بذلك الدكتور سمير أمين وكتابه " التطور اللامتكافئ ".
ولذلك فمفهوم حق تقرير المصير يفيد معنى حق الشعوب في تقرير مصيرها في اختيار النظام السياسي عن طريق وضع الدساتير المؤسسة لذلك النظام واختيار النظام الاقتصادي الذي يلائمه واختيار النظام التعليمي ، واختيار المؤسسات والحكومة التي تدير شؤونه دون ضغط من أي جهة كانت وكيفما كانت في إطار انتخابات حرة ونزيهة تشرف عليها هيأة ، مستقلة في جميع مراحلها . والشعوب عندما تتمتع بحقها في الاختيار الحر والنزيه ، فإنها ترفض جملة وتفصيلا كل أشكال الاحتلال والاستبداد . لأن كلا منها يلغي إرادة الشعوب في ذلك الاختيار . وممارسة من هذا النوع لا يمكن أن ترتبط فقط بمرحلة الاستعمار لتنتهي بزواله ، بل تبقى ملازمة للشعوب في وجودها . سواء كانت تحت الاحتلال ، أو تخلصت منه. فهي إذن حق لا يزول وليس من حق أي كان مصادرته ، ومطالبة الشعوب في جميع أرجاء الأرض بالديموقراطية بمعناها الشمولي ، والمتكامل دليل على أن مفهوم حق تقرير المصير لم يتحقق بعد . وأن تزوير إرادة الشعب في مختلف المحطات الانتخابية ، وباعتراف الجميع دليل على أن الشعب المغربي لم يقرر مصيره بعد سواء على مستوى الدستور الذي يضمن سيادته أو على مستوى الانتخابات التي لا تحترم فيها الإرادة الشعبية ، أو على مستوى النصوص القانونية التي يرجع وضع بعضها إلى عهد الاستعمار .
تقرير المصير كحق من حقوق الشعوب :
والمواثيق الدولية ومن قبلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عندما يرد في ديباجتها الحديث عن حق الشعوب في تقرير مصيرها ، فإن ذلك يعني أن الحقوق الأخرى تندرج ضمن حق تقرير المصير. فكيف يقدم الأستاذ عبد الهادي بوطالب على نفي ذلك وهو العارف باشتمال الكليات على الجزئيات ، وباندراج الجزئيات ضمن الكليات ولذلك :
1) فنضال الشعب – مثلا – من أجل اقتصاد وطني متحرر ، ومن أجل التوزيع العادل للثروات الوطنية ، وبأجور في مستوى متطلبات الحياة . وبضمان فرض الشغل للعاطلين حسب مؤهلاتهم ، وبإيجاد تنمية مستدامة من أجل توفير الحاجيات الضرورية لمجموع أفراد الشعب المغربي الذي لازال اقتصاده يخضع للنظام الرأسمالي العالمي ، وتحت رحمة الشركات العابرة للقارات . ولازالت السياسة الاقتصادية لحكومته ترهنه بالمؤسسات المالية الدولية التي تفرض توجيهها لهذا الاقتصاد حتى يبقى في خدمة المؤسسات المالية الدولية التي تعمل على إدماجه وفرض اندماجه في إطار النظام الرأسمالي العالمي الجديد ،أو أصبح يعرف بعولمة اقتصاد السوق .وفي هذا الاتجاه نسائل من جد يد الأستاذ عبد الهادي بوطالب :
ü هل اختار الشعب المغربي رهن اقتصاده الوطني بالنظام الرأسمالي العالمي ؟
ü هل اختار أن يبقى الاقتصاد الوطني في خدمة الدين الخارجي ؟
ü هل اختار تجميع الثروة الوطنية في يد قلة قليلة لا تتجاوز في أحسن الأحوال 10% من مجموع أفراد الشعب المغرب؟
ü هل اختار أن يخرج معظم أبنائه من الاستفادة الثروة الوطنية ؟
ü هل اختار حرمان خريجي المدارس والجامعات من العمل، والحصول على دخل محترم يغنيهم عن مد اليد إلى الأهل؟
إنها أسئلة ستعمل ولاشك على تفنيد ما ذهب الأستاذ عبد الهادي بوطالب .
2 ) نضال الشعوب من أجل تعليم وطني متحرر . وشعبي يتمتع فيه جميع الأفراد بحقهم في التعليم سواء كانوا ذكورا وإناثا ،وبحقهم في متابعة الدراسة في مستوياتها المختلفة، وأن يكون التعليم وطنيا ، وشعبيا ، ومتحررا من توجيهات البنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي ، وأن يكون ديموقراطيا تحضر في بنياته إدارة الشعب المغربي ، من خلال المعنيين به ومن خلال جمعيات الآباء والهيئة التعليمية وأن يكون ملبيا للحاجات الضرورية للمجتمع ، وأن يتحول إلى أداة فعالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية ، والسياسية وأن يكون مستوعبا للتحولات المجتمعية المحلية والقومية والعالمية وأن يكون وسيلة لانتاج القيم الإنسانية النبيلة ، ومجسدا للتربية على حقوق الإنسان ووسيلة لربط المجتمع بالتراث الحضاري والإنساني وأداة لسلامة عقيدة المسلمين من التحريف ، وللوصول إلى ذلك لابد من ميثاق تعليمي تعلمي ، وتربوي وتكويني حقيقي، يختلف جملة وتفصيلا ، عن ميثاق التربية والتكوين الحالي الذي لا يد للشعب في وجوده ، يساهم الشعب المغربي من خلال هيئاته المعنية بقضية التربية والتكوين لإيجاد مشروع لذلك الميثاق ، يعرض على الهيئات الاجتماعية المختلفة قصد مناقشته وإغنائه قبل المصادقة على صيغته النهائية وبذلك يكون التعليم من الشعب وفي خدمة الشعب ، وفي أفق ذلك نسائل الأستاذ عبد الهادي بوطالب :
ü هل يمكن أن نعتبر تعليمنا الحالي تعليما شعبيا أم أنه لا يتجاوز مجرد تكريس إرادة النخبة ؟ هل يمكن أن نعتبر أن التعليم بصفته الحالية لا يخدم في العمق إلا مصلحة الطبقة الحاكمة ؟
ü هل هو نتيجة لإرادة الشعب المغربي أم هو مجرد اختيار للنخبة المجسدة لارادة النخبة البورجوازية المسيطرة على الاقتصاد المغربي ؟
ü هل يمكن اعتبار تعليمنا ديموقراطيا في شكله وفي مضمونه ، وفي توجهاته الكبرى ؟
ü والأستاذ عبد الهادي بوطالب ، ونظرا لنزاهته الفكرية سوف لا يختلف معنا في كون التعليم بشكله الحالي لا يعكس لا من قريب ولا من بعيد حق الشعب المغربي في تقرير مصيره التعليمي . وتبعا لذلك فهو لم يقرر مصيره في المجال الصحي وفي المجال السكني وفي مجال الشغل فكل شيء فيما يخص المجالات الاجتماعية رهين بإرادة النخبة الحاكمة الحريصة على حماية البوجوازية ويبقى الشعب محروما من حقه في تقرير مصيره في أموره التي تهم حياته اليومية .
3) نضال الشعوب من أجل تنمية ثقافية متوازنة تراعي حق الشعوب في ثقافة تقدمية متنوعة ووحدوية ومن أجل احترام المكونات الثقافية المختلفة ، في إطار ممارسة ثقافية ديموقراطية حقيقية تمكن كل مكون من المكونات الثقافية من الاستمرار والنمو السليم جنبا إلى جنب مع المكونات الأخرى والتفاعل معها على أساس المساواة والذوبان وفي إطار تحقيق وحدة وطنية ، وان تكون كل المكونات في وحدتها وتنوعها وراء إنتاج القيم النيلة والسليمة التي ترفع مكانة الإنسان ، وتكسبه وعيا وطنيا ، وإنسانيا متقدما ، وفي هذا الإطار نسائل الأستاذ عبد الهادي بوطالب :
ü هل استطاع الشعب المغربي تحسين وضعيته الثقافية بما يتناسب مع متطلبات التنوع الثقافي ؟
ü هل تم احترام حقوقه ثقافية كما هي منصوص عليها في المواثيق الدولية؟
ü وهل سعت الدولة إلى جعل وسائل التثقيف في متناول جميع المواطنين ؟
ü وهل تم تعميم المؤسسات الثقافية على جميع الأماكن الحضرية والقروية على السواء ؟
ü وهل تم وضع حد لثقافة الخرافة والدجل والتضليل التي تقود أفراد الشعب المغربي إلى المرض بالأوهام المختلفة ؟
ü وهل يستشار الشعب على الأقل في سن السياسة الثقافية الممارسة وطنيا ؟
ü وهل يمكن اعتبار المؤسسات المزورة مؤهلة لاتخاذ قررات مؤهلة للتعبير عن إرادة الشعب المغربي في ثقافة شعبية حقيقية تحترم في إطارها كل المكونات الثقافية وتساهم في انتاج قيم إنسانية تساعد على تطور المجتمع في الاتجاه السليم؟
إن الأستاذ عبد الهادي بوطالب سوف لا يختلف معنا في أن ما يجري في المغرب على المستوى الثقافي لا يعكس حق الشعب المغربي في تقرير مصيره الثقافي كبقية الشعوب الأخرى التي عليها أن تناضل من أجل ذلك .
4) نضال الشعوب من أجل حياة مدنية تتحقق في إطارها المساواة بين جميع أفراد الشعب المغربي مهما كانت مكانتهم ومسوؤلياتهم ، و الطبقة التي ينتمون إليها أمام القانون وفي جميع الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص. وللوصول إلى ذلك فالشعوب تناضل من أجل دستور يضمن تلك المساواة . وتتم على أساسه إعادة النظر في القوانين المعمول بها في الأجهزة الإدارية والقضائية .ووضع حد للتعليمات القائمة على خرق القوانين المعمول بها وأن تتم ملاءمة تلك القوانين مع المواثيق الدولية .
ü فهل يعتقد الأستاذ عبد الهادي بوطالب أن الشعب المغربي يقبل نظام الامتيازات الذي يسود في التعامل مع المواطنين؟
ü ألا يرى أن سياسة التعليمات تفقد المواطنين القدرة على المحافظة على تطبيق القوانين على المواطنين وعلى جميع الأصعدة على أساس المساواة ؟
إن المواطنين لا يستطيعون تقرير مصيرهم في هذا الإطار لانعدام احترام الحقوق المدنية والأستاذ عبد الهادي بو طالب يدرك ذلك جيدا ، وآراؤه في معركة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية لازالت مستمرة إلى يومنا هذا خير دليل على ذلك . وكذلك آراؤه في بعض بنود مدونة الأحوال الشخصية تؤكد ذلك.
وما نراه أن من حق الشعب المغربي كبقية الشعوب أن يناضل من أجل التمتع بجميع الحقوق المدنية حتى تتحقق إنسانية جميع أفراده ، في إطار العلاقات الاجتماعية القائمة ، وأمام القانون .
5) نضال الشعوب من أجل التمتع بالحقوق السياسية عن طريق استحضار إرادتها فيما يمارس على المستوى السياسي. وإذا كانت الشعوب لا تتمتع بسيادتها فإن من حقها أن تسعى إلى ذلك . ومن القضايا التي تطرح نفسها من أجل فرض تلك السيادة:
أ - النضال من أجل دستور يضمن تلك السيادة يضعه مجلس تأسيسي في ظل حكومة ائتلافية وطنية يكون من بين مهامها إيجاد حلول للمشاكل القائمة ، وفي مقدمتها مشكل التشغيل ، ومشكل التوزيع العادل للثروة الوطنية ، وإيجاد حلول لمشكل السكن ومشكل التعليم ومشكل النقل ، وتضع مشاريع قوانين تعرضها على المجلس التأسيسي من أجل المصادقة عليها . وعرض مشروع الدستور على الشعب من أجل مناقشته وإبداء الرأي فيه قبل إعادة صياغته من قبل المجلس التأسيسي والمصادقة عليه بواسطة استفتاء شعبي.
ب- إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحترم فيها إرادة الشعب لاختيار الأجهزة التمثيلية ، المحلية و الوطنية والتي تقوم بمهمة مراقبة الحاكمين ومحاسبتهم إلى جانب المصادقة على مشاريع القوانين التي تعرض عليها .
ج- تكوين حكومة من الأغلبية التي تفرزها صناديق الاقتراع تكون مسؤولة أمام المؤسسة البرلمانية وتخضع لمحاسبتها فيما يخص السياسة الحكومية التي تنهجها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية .
ü فهل يرى السيد عبد الهادي بوطالب أن ما يتبع في المغرب وغيره من البلدان التي ينتمي إليها الأستاذ وفي مقدمتها المغرب هو من تقرير الشعوب؟
ü هل الشعب المغربي هو الذي وضع دستوره الذي يحكمه الآن ؟
ü هل يضمن سيادة الشعب المغربي على نفسه؟
ü هل الانتخابات التي جرت خلال عقود الاستقلال كانت حرة ونزيهة ؟ أم أن هذه الانتخابات لم تعرف قط تلك النزاهة المرجوة من قبل الشعب المغربي بقدر ما كانت مزورة جملة وتفصيلا ؟
ü هل الحكومات التي عرفها المغرب كانت تعكس إرادة الشعب المغربي ؟
إننا نجزم بكامل اليقين أن ما يجري على المستوى السياسي لا علاقة له بإرادة الشعب المغربي ، ولم يسبق له أن قرر مصيره سواءا تعلق الأمر بالاقتصاد أو الاجتماع أو بالثقافة ، أو بالسياسة، و بالشعب المغربي –كبقية الشعوب المقهورة – لا علاقة له بذلك ، وهو واقع تحت سطوة وسيطرة الطبقة الحاكمة التي تسن القوانين بواسطة المؤسسات التي صنعتها لضمان حماية مصالحها الكامنة في تكريس الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي ، من اجل تأبيد سيطرتها على الشعب المغربي وهو ما يؤكد ضرورة الحرص على تمكنيه من حقه في تقرير مصيره بالمعنى الحقوقي لذلك المصير .
مستويات الاستعمار وحق تقرير المصير :
والأستاذ عبد الهادي بوطالب عندما ناقش مفهوم حق تقرير المصير بالنسبة للشعوب . يربطه بحالة واحدة هي الاستعمار العسكري الذي ساد خلال العقود الأولى من القرن العشرين في إفريقيا وآسيا وأمريكا لاتينية ليمتد بعد ذلك في العديد منها .
وهذا الاقتصار في الربط يعتبر تعسفيا . لأنه كان وراء إلغاء الحالات الأخرى من الاستعمار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي ، تلك الحالات التي استمرت بعد انتهاء الاحتلال العسكري للعديد من البلدان التي قامت فيها أنظمة تلتزم بتعليمات الدول التي كانت تحتلها وحتى نزيل ذلك التعسف ، فإننا نعتبر أن الاستعمار يتخذ مجموعة من المستويات :
1) المستوى العسكري الذي يلجا فيه الاستعمار إلى إلغاء الأنظمة القائمة في البلدان المستعمرة التي تصبح خاضعة مباشرة للجهة المباشرة للاحتلال التي تقرر في تسيير شؤون البلاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية ، بما يخدم الغاية من الاستعمار وهو ما يترتب عنه استنزاف الخيرات المادية والمعنوية واستغلال الموارد البشرية وتغيير الخريطة الاجتماعية ونشر تعليم معين ، والاجتماع بثقافة معينة والقيام بممارسات معينة تظهر الاستعمار وكأنه جاء ليخدم مصلحة البلاد والواقع غير ذلك .
وهذا النوع من الاستعمار يسهل إدراك خلفياته وتعبئة المواطنين ضده لأنه هو نفسه يفرز من يقاومه ويسعى إلى القضاء عليه في إطار ما أشار إليه الأستاذ عبد الهادي بوطالب في مقالته المشار إليها ، وهذا المستوى لازال قائما في مجموعة من البلدان ومنها الأجزاء المغربية التي لازالت مستعمرة كسبتة و مليليلة والجزر الجعفرية ، وهو استعمار دام قرونا بكاملها وعلى الشعب المغربي أن يمارس حقه في تقرير مصير هذه الأجزاء المستعمرة ، كما أن عليه أن يرفض رفضا مطلقا إعادة النظر في الأجزاء التي تقرر مصيرها ، كما هو الشأن بالنسبة للصحراء المغربية التي لازالت مطروحة أمام المنتظم الدولي كما عليه أن يسعى إلى تقرير مصير الأجزاء التي فوتها الاستعمار الفرنسي إلى الخريطة الجزائرية في إطار ما كانت تقتضيه مصلحته في ذلك الوقت .
2) وعندما ينتهي هذا النوع من الاحتلال العسكري فإن أشكالا أخرى من الاستعمار تبقى مستمرة ، أهمها:
أ-الاستعمار الاقتصادي الذي بقي ، ولازال قائما بعد خروج الاستعمار العسكري والممثل في سيطرة الشركات العابرة للقارات على الموارد الاقتصادية الوطنية ، والاستراتيجة منها بالخصوص ، والتي تجعل الاقتصاد الوطني في خدمة تلك الشركات التي تستغل الموارد البشرية استغلالا بشعا يقتضي تكاثف الجهود من أجل وضع حد له عن طريق تأميم ممتلكات تلك الشركات ، وجعل المؤسسات في خدمة الاقتصاد الوطني وفي خدمة الدين الخارجي الذي يستنزف جزءا مهما من الدخل الوطني مما يجعل أبناء الشعب المغربي يحرمون من الخيرات التي تنتجها بلادهم فتبرز البطالة في شكل مروع وينتشر الفقر في صفوف الشباب بالخصوص ويرتفع مستوى الذين يعيشون تحت عتبة الفقر وتنشأ طبقات ترتبط مصالحها وفي إطار ما يسمى بالتبعية الاقتصادية بمصالح سيطرة رأسمال الأجنبي على الاقتصاد الوطني .
ب-الاستعمار الاجتماعي المترتب عن الاستعمار الاقتصادي الممثل في الخضوع لتعليمات صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي فيما يخص السياسة الاجتماعية فيصبح التعليم والصحة ، والشغل والسكن والنقل رهينا بتلك التعليمات التي تحاول فرض التقليص من الخدمات الاجتماعية عبر خوصصتها وجعلها خاصة بطبقة معينة قادرة على سداد تلك الخدمات وهو ما يكرس تعميق الفوارق الطبقية ، وتكريس إفقار الفقير وإغناء الغني .
ج-الاستعمار الثقافي الناتج عن تعميم الأدوات الثقافية التي تنقل الثقافة الاستعمارية الناقلة لقيم الرأسمالية التي تجعل المواطنين في البلدان المتأثرة بتلك الثقافة يرتبطون بالرأسمالية ، فكرا وممارسة ، ويحاربون قيم الوطنية ، وكل القيم التي تستحضر عزة ومكانة الإنسان كإنسان له حقوقه التي يجب أن يتمتع بها ، ومن بينها حقه في المحافظة على ثقافته الأصيلة والمتطورة والمتنوعة والمتفاعلة والموحدة للمواطنين المعنيين بالمحافظة عليها وتطويرها ، وإغناءها، و انفتاحها على الإيجابي من الثقافات الأجنبية .
د- الاستعمار السياسي الذي يقف وراء فرض أنظمة معينة مصلحتها في تبعيتها السياسية لمراكز السيطرة الأجنبية وهي أنظمة سياسية استبدادية لا تمثل في شيء إرادة الشعوب باعتبارها أنظمة غير دستورية وليست ناتجة عن صناديق الاقتراع ولا حتى عن البرلمان المنتخب انتخابا حرا ونزيها وبقاء هذه الأنمظة ، واستمرارها رغم أنف الشعوب ناتج عن كونها أدوات في يد الدول الكبرى المسيطرة على مراكز التوجيه السياسي العالمي.
وهذه الأشكال من الاستعمار تقتضي من الأستاذ عبد الهادي بوطالب الإقرار بوجودها . لأنها قائمة بالفعل في العديد من المواقع بما فيها المغرب . وان وجودها يقتضي قيام الشعوب بما فيها الشعب المغربي . بالمطالبة بحق تقرير مصيرها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي إلى جانب المطالبة بحق تقرير استكمال مصيرها العسكري. والأستاذ عبد الهادي بوطالب عندما يقر بهذه الأشكال من الاستعمار يكون منسجما مع نفسه ، ومع الفكر الذي ينتجه. والذي يستحق منا التقدير والاحترام ، وسيعطي ذلك دفعة للفكر السياسي الذي يعتبر الفكر السياسي للأستاذ عبد الهادي بوطالب من المراجع المعتمدة في هذا الفكر . فالاحتلال احتلال .وأدواته تختلف ، فهي إما عسكرية أو شركات عابرة للقارات، أو مؤسسات مالية دولية أو أنظمة تابعة . وفي نظرنا فإن الغاية التي تتحقق بواسطة هذه الأدوات هي نفسها ، وما سواها غير وارد . وهذه الغاية هي إخضاع الشعوب لإرادة المؤسسات المالية الدولية. وهو ما يستلزم الإقرار باستمرار حق الشعوب في تقرير مصيرها ، وهو ما يجب اعتماده من طرف الأحزاب والنقابات والجمعيات الوطنية والمنظمات الدولية ، وهو ما يتناسب مع روح المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .
الحرمان من ملاءمة القوانين مع المواثيق الدولية وحق تقرير المصير :
ومن نتائج أشكال الاستعمار الأخرى وجود قوانين اقتصادية واجتماعية وثقافية ومدنية وسياسية صيغت خصيصا لخدمة مصالح الطبقات الاجتماعية التي ترتبط مصالحها بمصالح الاستعمار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية . وهذه القوانين تعتبر في حد ذاتها دليلا على استمرار أشكال الاستعمار الأخرى المستوجبة للمطالبة بحق تقرير المصير :
1) فعلى مستوى القوانين الاقتصادية نجد أن جميع القوانين المالية المتبعة في البلدان التي كانت مستعمرة سابقا ، هي قوانين وضعت لا لتخدم مصالح الشعوب بل لجعل الاقتصاد الوطني في خدمة الرأسمال العالمي ، وفي خدمة الدولة وخدمة الطبقة الحاكمة ، وباقي تشكيل التحالف الطبقي الإقطاعي البورجوازي . وهو ما يترتب عنه الكثير من الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية . وهي لذلك لا يمكن اعتبارها قوانين وطنية مادامت لا تخدم إلا مصالح المواطنين الذين عليهم أن يناضلوا من أجل تقرير مصيرهم على مستوى القوانين الاقتصادية التي يجب أن تكون في خدمتهم
2 ) وعلى مستوى القوانين الاجتماعية نجد أن القوانين التعليمية لا تهدف إلى تحقيق تعليم شعبي يترتب عنه التعميم والتعريب والتوحيد مع الحرص على جودة المردودية ، والاستجابة لمتطلبات العصر بقدرما تهدف إلى تعليم نخبوي يكون في خدمة الطبقة المستفيدة من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي ، كما نجد أن القوانين الصحية لا تسعى إلى جعل الحماية الصحية في متناول الخواص الذين ينهبون جيوب المواطنين . ولذلك فهذه القوانين في حاجة إلى أن يتحقق فيها حق الموطنين في التغطية الصحية . وذلك لا يتأتى إلا عبر النضال من أجل تقرير مصير صحة المواطنين وعلى مستوى قوانين السكن والشغل وكل المشاكل الاجتماعية الأخرى سنجد أن القوانين تصاغ لخدمة مصالح النخبة ، وتجعل عموم المواطنين عرضة لجميع الأخطار الاجتماعية .
3) وعلى مستوى القوانين الثقافية نجد أن جميع القوانين المعمول بها في هذا المجال لا تجعل الأدوات الثقافية في متناول الجميع . بل إن تلك الأدوات تبقى في متناول النخبة المثقفة دون سواها . وهذه القوانين تجب مواجهتها من قبل الشعوب المقهورة والنضال من أجل قوانين تضع الأدوات الثقافية في متناول الجميع من أجل إغناء الثقافات الوطنية والمحلية والحفاظ على تلك الثقافات . وتطويرها وتطورها . وضمان سلامة تفاعل مختلف المكونات التي تتواجد في إطار ثقافة محددة لتقوم الشعوب بذلك بتقرير مصير الثقافة المتحررة من التبعية ومن الاستلاب الثقافي.
4) وعلى مستوى القوانين السياسية نجد أنها تضمن احترام إرادة الموطنين في دستور تكون فيه السيادة للشعب . ولا تضمن انتخابات حرة ونزيهة للمؤسسات التمثيلية التي تقوم بالتشريع ومراقبة الأجهزة التنفيذية في مختلف مستوياتها . ولذلك فهي قوانين وجدت لحماية مصالح الحاكمين والرأسماليين من مختلف الجنسيات وعلى الشعب أن يعمل على تغييرها بقوانين أخرى تنظم سيادته على أرضه وتضمن له اختيار من يحكمه حتى يكون بذلك مقررا لمصيره السياسي .
وهذه القوانين على اختلاف أنواعها سواء تعلقت بالاقتصاد أو بالاجتماع ، أو بالثقافة لا تكون معبرة عن تقرير مصير الشعوب فيما يخص مجالات حياتها إلا إذا كانت متلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية لتكون بذلك بمثابة استجابة لحق تقرير مصير الشعوب وعلى الأستاذ عبد الهادي بوطالب أن يقر بأن القوانين القائمة في مختلف البلدان بما فيها المغرب لا تستجيب لإرادة الشعوب . وهو ما يعني أنها محرومة من حق تقرير مصيرها فيما يخص التشريعات القائمة ، وأن عليها أن تناضل من أجل ذلك مستقبلا .
النضال الديموقراطي وحق تقرير المصير :
ونحن عندما نصل إلى مناقشة مفهوم النضال الديموقراطي .فإننا نصل إلى عمق الإشكالية المتعلقة بحق تقرير المصير . لأن النضال الديموقراطي ، هو نضال ضد القهر والظلم والاستبداد . ومن أجل الحرية والعدالة الاجتماعية ، وجميع الأدوات يمكن استغلالها في النضال سواء تعلق الأمر بالأحزاب السياسية أو المنظمات النقابية أو الجمعيات مهما كان اهتمامها مادامت تسعى إلى تطوير الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي إلى الأحسن ، وعلى جميع المستويات . انطلاقا من أن مفهوم الديموقراطية يتسع ليشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية :
1) فعلى المستوى الاقتصادي تناضل الشعوب وفي مقدمتها شغيلتها من أجل ديموقراطية اقتصادية يتم في إطارها التوزيع العادل للثروة الوطنية عن طريق الرفع من مستوى الأجور والمحافظة على مستوى الأسعار وتشغيل العاطلين، والرفع من هامش الربح بالنسبة للتجار الصغار ، وتقديم الدعم اللازم للفلاحين والمهنيين الذين يشتغلون بالمهن التي يشتغل فيها أفراد المجتمع ليشعر الجميع أنه ينتمي إلى هذا الوطن ويعيش على هذه الأرض . وهذا النوع من النضال يقتضي الوعي بخطورة الاستغلال الرأسمالي لمجموع أفراد الشعب المغربي إلى جانب جميع الشعوب المستهدفة بذلك الاستغلال . وممارسة هذا النوع من النضال في إطار الوعي بتلك الخطورة يعتبر ممارسة يومية تسعى إلى امتلاك الحق في تقرير مصير الشعوب على المستوى الاقتصادي وهو ما يخالف رأي الأستاذ عبد الهادي بوطالب على المستوى الاقتصادي .
2 ) وعلى المستوى الاجتماعي نجد أن الشعوب تناضل من أجل تعليم وطني شعبي متحرر من الخضوع لتعليمات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكل المؤسسات المالية الدولية الأخرى ، وفرض مساهمة المواطنين في الحرص على دمقرطة البرامج والمؤسسات التعليمية وأن يهدف إلى جعل أبناء الشعب يعون أهمية التعليم وضرورته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية . وأثره على سوق الشغل ، وتوظيفه للوعي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية من اجل العمل على التمتع بها في الحياة العامة .
كما تناضل الشعوب من أجل أن تكون الخدمات الصحية حقا للجميع . وأن تسلك الدولة سياسة صحية وطنية وشعبية تجعل الطب في خدمة المجتمع .وتبعا لذلك فالشعوب تناضل من اجل ان يكون السكن في متناول الجميع . وأن تكون هناك تنمية اجتماعية شاملة تتناسب مع النمو الديمغرافي للمجتمع حتى تعطي للديموقراطية مضامين اجتماعية إلى جانب المضامين الاقتصادية . فهل ينكر الأستاذ عبد الهادي بوطالب على الشعب المغربي حقه في ذلك ؟
3) وعلى المستوى الثقافي فالشعوب تناضل على واجهتين :
الواجهة الأولى : التعامل مع المكونات الثقافية على أساس المساواة فيما بينها .حتى تعطاها فرصة النمو السليم. والاستفادة من الأدوات المتوفرة وأن تساهم تلك المكونات في تحقيق الوحدة الوطنية عن طريق بلورة مجموعة من القيم التي تصب في ذلك الاتجاه.
الواجهة الثانية : هي جعل الأدوات الثقافية المتوفرة في متناول الجميع حتى تلعب دورها في تنمية ثقافية شاملة وهو ما يعطي للديموقراطية مضمونا ثقافيا متقدما . وهو ما يجعل الشعوب تساهم في بلورة مصيرها الثقافي على خلاف ما يراه الأستاذ عبد الهادي بوطالب.
4) وعلى المستوى المدني ، فنضال الشعوب من أجل الديموقراطية يقتضي السعي إلى تحقيق المساواة القانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية بين الرجل والمرأة . وأن يتم إقصاء جميع البنود القانونية التي تكرس أفضلية الرجل على المرأة والعمل على ملاءمة قوانين الأحوال الشخصية مع المواثيق الدولية وخاصة ميثاق إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة والنضال من اجل أن يكون جميع الناس سواسية أمام القانون والحرص على تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين وعلى جميع المستويات لتجسيد الديموقراطية على أرض الواقع .وعندما تحرم الشعوب من الحقوق المدنية وتشعر بضرورة النضال من اجلها . فإن ذلك لا يعني إلا أن هذه الشعوب لم تقرر مصيرها فيما يخص حياتها المدنية . وما هو ممارس عليها مفروض بحكم الاستبداد الذي يقضي بحفظ مصالحه . والأستاذ عبد الهادي بوطالب لا يستطيع أن ينكر ذلك لأنه أمر واقع وممارس في الحياة اليومية . وهناك تنظيمات متعددة حقوقية ، عامة وخاصة ونسائية تناضل من أجل ضمان الحقوق المدنية في الحياة الاجتماعية وأمام القانون . وانطلاقا من المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .
5) وعلى المستوى السياسي فإن الشعوب تناضل من أجل ديموقراطية سياسية حقيقية . يضمن في إطارها وضع دستور يكرس سيادة الشعب على نفسه وقوانين انتخابية تضمن احترام الإرادة الشعبية . ومؤسسات منتخبة انتخابا حرا ونزيها تفرز من أغلبيتها حكومة تتحمل مسؤولية تسيير البلاد . وتكون مسؤولة أمام الأجهزة التشريعية التي تراقبها وتحاسبها على جميع المستويات وعندما يتحقق ذلك تكون الشعوب قد قررت مصيرها بنفسها على المستوى السياسي ، ويكون النضال الديموقراطي قد حقق أحد أهدافه الأساسية . فهل يعتبر الأستاذ عبد الهادي بوطالب ما تقوم به الشعوب بعد خروج الاستعمار لا يسعى إلى تقرير مصيرها في مختلف المجالات باعتبار ذلك ليس من حقها ؟
إننا نعتبر أن النضال الديموقراطي هو عصب الحياة وهو الأمل الذي يحدث دينامية في حياة الشعوب ويجعل الحاكمين يستجيبون للضغوطات المختلفة ، ويساهم إلى حد كبير في تغيير نمط الحياة الذي يعتبر نتيجة للتحول في أنماط الإنتاج السائدة وهو لذلك يعتبر وسيلة ناجعة تساعد الشعوب على التمتع بحقها في تقرير مصيرها بحيث لا تستطيع الفتاوى الصادرة عن الجهات النافذة أن تحرمها من ذلك الحق الذي لا يعني في العمق إلا السيادة المضمونة للشعوب على نفسها.
المنظمات الجماهيرية وحق تقرير المصير :
والنضال الديموقراطي لا يأتي هكذا بدون أدوات تعتمد عليها الشعوب . ومن هذه الأدوات نجد بناء المنظمات الجماهيرية التي تكون محددة الأهداف التي يكون من بينها تنظيم الجماهير وتأطيرها وقيادتها لتحقيق مطالبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تدخل ضمن ما تحقق معه كرامة الشعوب بعد تخلصها من الاحتلال الأجنبي وتضمن لها وضع حد للتبعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تتحكم في مصيرها . وأهم ما تقوم به المنظمات الجماهيرية العمل على تحقيق وعي متقدم لدى شعوب تدرك بعمق حقها في تقرير المصير على جميع المستويات :
1 ) فعلى مستوى النقابات نجد الاهتمام بتنظيم الشغيلة في أفق النضال من أجل تلبية المطالب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
فعلى مستوى المطالب الاقتصادية التي لها علاقة بالأجور التي نجد أنها لا تلبي الحاجيات الضرورية فما بالنا بتلبية الحاجيات الأخرى. فالنقابات تضع ملفات مطلبية بناء على ما تقترحه الشغيلة وانطلاقا من حاجياتها. وسعيا إلى إحداث حركة في صفوفها وتعبئتها لخوض النضالات المتعلقة بمستوى الأجور حتى تكون متناسبة مع متطلبات الحياة في جميع المجالات .
وعلى مستوى المطالب الاجتماعية نجد نفس الممارسة النقابية من أجل ضمان تعميم التعليم وتوحيده ورفع مستواه لعلاقته بعملية الإنتاج في شموليتها وضمان حماية صحية لجميع أفراد الشغيلة وعائلاتهم ليمتد ذلك إلى مجموع الشعب الكادح .
وعلى المستوى الثقافي فإن النقابات تسعى إلى ضمان التمتع بنفس الحقوق بالنسبة لجميع المكونات الثقافية والتمتع بنفس الحقوق بالنسبة لجميع أفراد الشغيلة حتى تكون الثقافة في متناول الجميع وحتى تسعى الشعوب إلى التحلي بالقيم الثقافية النبيلة .
وبذلك تلعب النقابات دورها في المساهمة في تقرير مصير الشعب ن وبصفة مستدامة وفي إطار صيرورة تاريخية تضمن عدم التوقف عند حدود معينة مادامت الحياة مستمرة ومتطورة ، ومادامت عوامل التطور قائمة في الواقع . لأن تقرير المصير ليس مفصولا عن الواقع بقدر ما هو ملتصق به ، ومرتبط بقدرة الشعوب على مواكبة التطور الحاصل في الاقتصاد والاجتماع والثقافة .
2) وعلى مستوى الجمعيات نجد أن الشعوب تناضل من أجل العمل على سيادة قيم الفضيلة والنبل والتضحية وهذه القيم لا يمكن ترسيخها إلا عبر عمل جمعوي رصين يهدف إلى :
أ- جعل الحركة التقدمية تلعب دورا رائدا في نقل القيم بين الشعوب وبين أفراد الشعب الواحد عبر إنشاء جمعيات ثقافية عامة وخاصة يساهم المواطنين في بنائها وتنميها وتحويلها للتعبير عن توجهها الثقافي المناهض لثقافة الاستبداد والخنوع و المحسوبية والزبونية التي تنمو في ظل ممارسة الاستغلال البشع على جميع الشعوب المستعضفة من قبل الرأسمالية العالمية وربيبتها الرأسمالية المحلية في ظل ما أصبح يعرف بعولمة اقتصاد السوق الذي أصبح يقف وراء مختلف الكوارث الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البشرية . فالجمعيات الثقافية التي ينشئها المواطنون بمخض إرادتهم يمكن أن تلعب دورا رائدا في المحافظة على الثقافة المحلية المنتجة للقيم الإيجابية والمتفاعلة مع القيم الوطنية ، والقيم المصاحبة للثقافات الوافدة عبر الوسائل الإعلامية المختلفة وعبر البضائع المستهلكة من أجل قيم إيجابية أكثر تطورا وأكثر ملاءمة مع العصر وأكثر احترما لحقوق الإنسان وحتى لا نضطر إلى مساءلة الأستاذ عبد الهادي بوطالب فإن اختيار الشعوب لثقافة معينة ناتج عن حاجتها لتلك الثقافة من جهة، وعن رغبتها في المحافظة على القيم من جهة أخرى .
ب- جعل التربية هادفة إلى تحقيق الأهداف السياسية المتمثلة في إشراف الشعوب عبر ممثليها في المؤسسات المحلية والوطنية والمعنية بمجال التربية . وتعمد الشعوب إلى إنشاء جمعيات تربوية تهتم بنشر الوعي التربوي في صفوف الآباء وتقوم بعملية الإرشاد التربوي في صفوف الشباب اليافعين مع استحضار إرادتهم في التشبع بتربية معينة لا تتناقض مع القيم التربوية الإيجابية والدعوة إلى تمتع الشعب بالحق في تقرير مصيره التربوي . فالشعب -أي شعب- مهما كان رصيده المعرفي متدنيا ، ومهما كانت نسبة التعليم فيه متأخرة لابد أن يمتلك القدرة على التقرير في مصيره التربوي بما فيه مصلحة الأجيال الصاعدة .لأن التجربة الغنية للشعوب تجعلها كذلك، ولولا تلك التجربة لكان المواطنون في أي بلد قابلين للاحتلال ومساعدين على استدامته ولعل نظرة عدم ترشيد الشعوب لتقرير مصيرها هي التي تحكم الأستاذ عبد الهادي بوطالب، ونحن ننزهه عنها لمكانته عندنا .
ج- وإلى جانب حق الشعوب في تقرير مصيرها التربوي فإن من حقها أن تتوفر على أماكن و وسائل الترفيه التي لا تتناقض مع قيمها الأصيلة . فلكل شعب الحق في أن يختار وسائل وأساليب الترفيه التي يجب أن تكون متداولة بين أفراده وأن تكون تلك الوسائل في متناول الجميع حتى تساهم في إعداد الأجيال المختلفة نفسيا وجسديا وعقليا لمواجهة متطلبات الحياة. فلكل شعب الحق في توفير أماكن الترفيه التي يجب أن تكون مقترنة مع المجمعات السكنية في المدن وفي القرى على حد سواء ، وأن لا يتم استغلال تلك الأماكن والوسائل الترفيهية لتحقيق الربح السريع الذي يبقى حائلا دون التمتع بحق الترفيه كما هو حاصل الآن في البلدان التي تعاني من الاستبداد . ومن المفيد جدا أن يقر معنا الأستاذ عبد الهادي بوطالب بأن الشعوب المحرومة والمستقلة تعاني من الكثير من الأمراض بسبب الحرمان من الحق في الترفيه .
د- وحتى لا نجانب الصواب في تحليلنا . فإن المجال الحقوقي يعتبر أداة ووسيلة للنضال من أجل التقرير في مصير الشعوب . ولذلك فتكوين الجمعيات الحقوقية يعتبر ضروريا للوقوف على الوضعية الحقوقية المتردية في مجموعة من الشعوب المسماة متخلفة والتي تعتبر محرومة من حقها في تقرير مصيرها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي لأنه بذلك يتبين ماذا تفعل الجمعيات من أجل مناهضة الخروقات المختلفة ومن أجل قيام الشعوب بدورها التاريخي في ممارسة تلك الخروقات التي تسيء إلى مكانة الإنسان وتحط من قيمته .
فالجمعيات الحقوقية ذات الطابع العام والخاص ترفع الوعي الحقوقي لدى الشعوب وتساعد على النهضة الحقوقية في جميع المجالات وخاصة إذا كانت ذات مرجعية دولية معتمدة على المواثيق الدولية الخاصة والعامة وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، والبروتوكول الملحق بها باعتبارها أساسا لحق تقرير مصير الجماعات والأفراد .
وعندما توظف المنظمات الجماهيرية في مجال النضال من أجل امتلاك حق تقرير المصير ، فإن هذه المنظمات تلعب ذلك الدور إذا كانت تتوفر في نشأتها ، وبنائها واستمرارها على مبادئ الديموقراطية والتقدمية والجماهيرية والاستقلالية . وإذا لم تتوفر فيها فإنها تصبح مجرد أدوات انتهازية محكومة بالنظرية الحزبية الضيقة ، أو موجهة من طرف السلطة القائمة . وفي الحالتين معا فإن الجمعيات سوف تلعب دورا نقيضا وسوف تحول دون نضال الشعوب من أجل امتلاك الحق في تقرير مصيرها. و بذلك تحقق المفهوم الذي ذهب إليه الأستاذ عبد الهادي بوطالب.
الأحزاب السياسية وحق تقرير المصير :
وعندما يتعلق الأمر بالأحزاب السياسية فإن علينا أن ننطلق من أن كل حزب يشكل مشروعا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، أي مشروعا مجتمعيا وهذا المشروع قد يتناسب مع ما هو قائم في الأنظمة التي تحكم الشعوب المختلفة أو متناقضا معه .فإذا كان مشروع حزب أو أحزاب معينة متناسب مع ما هو قائم كما هو الشأن بالنسبة للأحزاب الإقطاعية وشبه الإقطاعية والبورجوازية وشبه البورجوازية وحتى في بعض الأحزاب البورجوازية الصغرى ، فإن الحديث عن تقرير المصير يكون غير وارد جزئيا أو كليا نظرا لكون المنتمين إلى هذا النوع من الأحزاب ترتبط مصالحهم بمصالح الحاكمين ومصالح ما يصطلح على تسميته بالاستعمار الجديد ، أو بمصالح مراكز السيطرة الرأسمالية ومن هؤلاء بطبيعة الحال عبد الهادي بوطالب رغم كونه نزيها في فكره ، وفي مختلف إبداعاته الفكرية أما إذا كان متناقضا مع ما هو قائم كما هو الشأن بالنسبة للأحزاب التقدمية والوطنية بصفة عامة . وأحزاب الطبقة العاملة بصفة خاصة فإن ذلك يعني أن حق تقرير المصير سيبقى ورادا في جدول أعمالها على المدى القريب والمتوسط والبعيد، لأن حق تقرير المصير يدخل في إطار صيرورة تتحول بتحول المجتمعات ، وباختلاف الشروط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية ، وهو ما يجعل حق تقرير المصير حاضرا في الوجدان الجماهيري وفي الممارسة .
وانطلاقا من هذا الاختلاف بين الأحزاب نجد أن النضال من أجل حق تقرير المصير يرد في برنامج الأحزاب الوطنية والتقدمية ولا يرد في برامج الأحزاب الأخرى ، ولذلك فارتباط الشعوب بالأحزاب الوطنية والتقدمية سيبقى واردا على المدى المتوسط والبعيد لكونها هي المرشحة لقيادة نضال الشعوب .
1 ) من أجل اقتصاد وطني متحرر يهدف إلى تحقيق التوزيع العادل للثروة ويقطع الطريق أمام تغلغل الرأسمال العالمي على يد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والشركات العابرة للقارات ، ويفسح المجال أمام تراكم رأسمالي ، وطني يقف وراء تنمية وطنية متحررة في جميع المجالات الصناعية والتجارية و الفلاحية والاجتماعية ، ويؤدي إلى وجود تشغيل مستديم في جميع القطاعات وعلى جميع المستويات .
2) من أجل تنمية اجتماعية في مجالات التعليم والصحة والسكن والتشغيل والنقل وكل ماله علاقة بالاجتماع حتى يشعر جميع الناس بالانتماء إلى المجتمع الذي يسعى إلى حفظ كرامتهم .
3 ) من أجل ثقافة وطنية متجذرة تقف وراء بلورة وجدان وطني متحرر، وقيم إنسانية نبيلة تجعل كل فرد يحرص على :
أ - المحافظة على وحدة الشعب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .
ب- جعل الشعب يستوعب قيم الحرية والشجاعة والفضيلة باعتبارها قيما تدفع في اتجاه حفظ كرامة الإنسان المنخرط في عملية التطور المستدامة .
4) من أجل حياة مدنية يتساوى فيها الناس أمام القانون المتلائم مع المواثيق الدولية ، والمراعي لحفظ كرامة الإنسان في جميع مجالات الحياة بما فيها مجال القضاء الذي يعبر عن مستوى تطور المجتمع وتقدمه . ومجال التربية الذي يستهدف الحرص على بناء إنسان سليم يحرص على حفظ كرامته .
5) من اجل سياسة تضمن دستورا يفرض سيادة الشعب على نفسه ، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تفرز مؤسسات تمثيلية حقيقية تنبثق عنها حكومة تسعى إلى بناء اقتصاد وطني متحرر وشعبي ، وتعميم الحماية الصحية على جميع المواطنين.
فالأحزاب الوطنية والتقدمية التي تقف الشعوب وراء إنشائها وبنائها وتطورها وتفاعلها مع الواقع هي وحدها قادرة على صياغة برامج نضالية شاملة تكون سندا ل:
1) النضالات التي تقودها المنظمات الجماهيرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والحقوقية التي تسعى إلى فرض حق تقرير المصير في مجالاته الخاصة .
2) النضالات الجماهيرية العامة التي يقوم بها المواطنون لمقاومة الخروقات التي تمارس في حقهم ، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية ومن أجل استئصال أسباب تلك الخروقات من الواقع في مختلف تجلياته حتى يتكرس حق الشعوب في تقرير مصيرها .
وكون الأحزاب الوطنية والتقدمية هي وحدها القادرة على ذلك دون سواها . فلأنها تشكل النموذج الأمثل لحق تقرير المصير باعتبارها أحزابا نشأت تحت تأثير حاجة الشعوب إليها . لا بقرار إداري أي كنتيجة لتزوير إرادة الشعوب. فهي المعبرة الفعلية عن تلك الإرادة والساعية إلى فرض احترامها وبالوسائل القانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية حتى تتحقق على أرض الواقع .
مناهضة الخروقات وحق تقرير المصير:
ومن أجل ذلك لابد من القيام بمناهضة كل الخروقات التي تحول دون التمتع بحق تقرير المصير ، وقبلها لابد من تحديد الجهات الممارسة للخرق ، ومعرفة طبيعتها والهدف من ممارسة الخرق حتى يسهل وضع خطة لمناهضة الخروقات المختلفة التي تكون إما اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو مبدئية أو سياسية. وقبل معالجة أشكال المناهضة نشير إلى أنه لابد من الإقرار بعدم انتماء الممارسين لمختلف الخروقات إلى شعوبهم وإلى أوطانهم لافتقادهم لوجدان الانتماء الذي يمنعهم من ممارسة مختلف الخروقات وارتباطهم بوجدان الاستعمار الجديد القائم على مصادرة مختلف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية مهما كان الادعاء بالانتماء إلى شعوبهم وإلى أوطانهم .
فالخروقات الاقتصادية تلازم الممارسة اليومية لحياة الشعوب التي تستهدف تحقيق غايتين أساسيتين:
الغاية الأولى: هي خدمة الدين الخارجي الذي لا يمكن اعتباره إلا شكلا من أشكال الاحتلال لاقتصادنا الوطني من أجل مصادرة الخيرات المادية والمعنوية للشعوب المقهورة .
الغاية الثانية :خدمة مصلحة الممارسين للخروقات الذين يراكمون الثروات في استغلال الشعوب، والسعي إلى المزيد من النهب المنظم لاقتصاديات الشعوب لصالح بورجوازية همجية متخلفة ، و ساعية إلى بسط نفوذها على الشعوب المقهورة بواسطة الأدوات القمعية التي تبقى في خدمتها .
ومن الخروقات الاقتصادية التي تعاني منها الشعوب في مسيرتها الحياتية نجد :
1) تدني الأجور التي لا تتناسب مع المتطلبات المعيشية فأغلب الأجور المعتمدة في مختلف الدول المتخلفة والتابعة لا تلبي الحاجيات الضرورية للأجير ، ولا توفر إمكانية إقامة أسرة ، ولا تلبية الحاجيات العائلية . وهو ما يعني إلحاق الحيف بالأجراء ، الأمر الذي يقتضي قيام النقابات بدورها من أجل جعل الأجور تلبي الحاجيات الضرورية والكمالية والترفيهية للمأجورين عن طريق تنظيمهم ، وقيادة نضالاتهم المطلبية مساهمة في تقرير مصير أجورهم التي تبقى جامدة ، إن لم تتراجع إلى الوراء بفعل الارتفاع المستمر للأسعار، والتقليص من ساعات العمل الذي يلجأ إليه المشغلون .
2) الحرمان من التغطية الصحية لجميع الأجراء في البلدان المتخلفة ، الأمر الذي ينعكس سلبا على الدخل الاقتصادي للأجراء بسبب الأمراض التي قد يتعرضون لها هم وأبناؤهم ليبقي ذلك الحرمان سببا من أسباب الزيادة في فوائد المستغلين . وهو ما يقتضي القيام بتوعية خاصة من أجل قيام الأجيرات والأجراء بعمل نضالي يستهدف إزالة هذا الحيف الذي يعتبر عاما .
3 ) الحرمان من السلم المتحرك للأجور الذي لا يتم اللجوء إليه في البلدان المتخلفة من أجل التغلب على الزيادات المتوالية في أسعار المواد الاستهلاكية، ولفرض هذا الإجراء يجب أن تتحرك النقابات والأحزاب وجميع التنظيمات الاجتماعية من أجل استعادة العمل بهذا الإجراء للحد من ممارسة المستغلين والحاكمين المستهدفة لدخل الشغيلة الاقتصادي .
4 ) فرض هامش ضيق من الربح بالنسبة للعديد من التجار الصغار في مقابل الهامش الكبير الذي يستبد به المالكون لوسائل الإنتاج الصناعية الكبرى والوسطاء الكبار ، وهو ما يقتضي تنظيم التجار الصغار من أجل تمتيعهم بحقهم في دخل يتناسب مع متطلبات الحياة ، وذلك لا يتم إلا عن طريق تمكينهم من حقهم في التقرير في الأمور التي تهمهم من خلال ممثليهم في الهيئات التي ينتمون إليها .
أما الخروقات الاجتماعية التي تعاني منها الشعوب المقهورة فتتمثل في :
1) حرمان قطاع عريض من هذه الشعوب من حقها في التعليم أو من حقها في استكمال التعليم الذي تتم خوصصته لصالح الرأسماليين الذين يستغلون الخدمات الاجتماعية لامتصاص ما يمر إلى جيوب المواطنين الحريصين على الاستفادة من الخدمات الاجتماعية في مجال التعليم بالخصوص ، لأن الشعوب التي يخوصص تعليمها لصالح طبقة معينة ، فإن ذلك لا يعنى أن هذه الشعوب تفتقر إلى التمتع بحقها في تقرير ما تريده في تعليمها ومن تعليمها .
وما قلناه في مجال التعليم نقوله في مجال الصحة الذي يعتبر مجالا للكثير من الخروقات في حق الشعوب المفتقرة إلى الأطباء والممرضين والمستوصفات والمراكز الصحية والمستشفيات المستوعبة لحاجة المواطنين ، فعدم إعداد الأطباء والممرضين يعتبر خرقا وعدم توفير البنايات والأجهزة الصحية يعتبر خرقا ، وعدم توجه المسؤولين إلى محاربة الأمراض المختلفة يعتبر خرقا . والسير في اتجاه خوصصة القطاع العام والتلاعب بصحة المواطنين يعتبر من الخروقات الجسيمة وهو ما يعني أن الشعوب لا تقوى على امتلاك الحق في تقرير ما يجب أن تكون عليه الحياة الصحية وهو ما يستوجب استجماع القوى الشعبية ، لفرض تقديم خدمات في المستوى لصالح الجماهير الشعبية الكادحة .
2) ونفس الشيء نقوله عن السكن والتشغيل وأشياء أخرى لها علاقة بالعمل الإداري وبالجماعات المحلية وبتنظيم الأمن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي حتى يعيش المواطنون حياة سليمة من كل الخروقات التي صارت من المسلمات التي تدخل في بنية الأشياء .
وعندما يتعلق الأمر بالخروقات الثقافية فإننا نجد :
1) حرمان العديد من المجمعات السكنية من المؤسسات الثقافية التي تساعد على إقامة أنشطة ثقافية منتجة للقيم الإنسانية النبيلة .
2) حرمان معظم المنتمين إلى الشعوب المقهورة من وسائل التثقيف الذاتي والجماعي لكون هؤلاء يفتقرون إلى الإمكانيات التي تمكنهم من ذلك ولكون معظمهم يعانون من الأمية الأبجدية بالإضافة إلى أشكال الأمية الأخرى التي تسود في صفوف المتعلمين .
3) بث إعلام سمعي بصري لنشر قيم تتناقض مع القيم الإنسانية النبيلة . وتنشر أفكار الذل والخنوع ، والقبول بسيادة التبعية والاستبداد ، واعتبار ما عليه عامة الناس قدرا لا مفر منه.
4) الترويج للثقافة البورجوازية والإقطاعية المتخلفة لجعل الجماهير تقتنع بها وتتبناها على أساس أنها هي الثقافة الأصلية والمستهدفة . بينما نجد أن تلك الثقافة تدخل الشعوب المقهورة في غربة تفصلها عن واقعها وتجعلها تحلم بواقع لا مفر منه إلا بالانخراط فيه وقبوله كما هو .
5) قيم الانحطاط والتخلف والرذيلة التي تقف وراء إنتاج ممارسات لا علاقة لها بأصالة الشعوب المقهورة وبطموحاتها وتطلعاتها إلى العيش الكريم بعيدا عن تلك القيم وما تنتجه .
وهذه الخروقات المختلفة تقتضي الوعي بها . والعمل على مناهضتها بتوظيف الوسائل الممكنة لانتاج قيم الحق والفضيلة واكتساب الجرأة على مناهضة القيم المنحطة في المجتمع ، والعمل على امتلاك ثقافة متقدمة ومتطورة ومتنوعة وموحدة لجعل الشعوب المقهورة تنخرط في هذا العالم الذي لا يعرف التوقف . ولا يتزحزح عن التحول المستمر الذي يقتضي من الشعوب المقهورة أن تناضل من أجل أن تعيش التحول الذي تريده ، وبوجدان ثقافي متميز وبقيم ثقافية نبيلة :
وعلى مستوى الخروقات المدنية نجد أن :
1) تكريس التمييز ضد المرأة على أرض الواقع ذلك التمييز المدعوم بالقوانين المختلفة وبالعادات والتقاليد والأعراف وبالثقافة السائدة ، والذي يؤسس له بالنصوص الدينية والتاريخية و بالبرامج التعليمية . مما يجعل المرأة تعاني من الدونية المفرطة ، ومن الاحتقار ، ومن الحرمان ، وكل أشكال الإهانة التي لا حدود لها ، وهو ما يقتضي نضالا مضاعفا ، وعلى جميع الواجهات للتخفيف من الميز في أفق القضاء عليه وفق ما ترضاه الشعوب السليمة من الاغتراب الأيديولوجي.
2) عدم مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات كما تنص على ذلك المواثيق الدولية . والمرأة تبقى محرومة من حق المساواة ، مع العلم أنها تقدم للمجتمع أكثر وتساهم في تنمية الأسرة الاجتماعية والتربوية أفضل من الرجل ، وتقدم خبرتها لأبنائها بشكل أدق في الوقت الذي تبقى السيادة للرجل الذي يكون عطاؤه متخلفا ، وهذه الأفضلية التي يتمتع بها الرجل يتم التنصيص عليها على المستوى القانوني حتى تبقى حاضرة بقوة القانون. ولتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة فإن على التنظيمات الجماهيرية أن تلعب دورها وأن تقود حملة تحسيسية ومطلبية من أجل أن تتحقق المساواة بين الرجل والمرأة وأن يتم تغيير كل النصوص القانونية التي تكرس عدم المساواة بين الرجل والمرأة .
3) تكريس الميز بين الطبقات الاجتماعية . فالطبقات المقهورة تعاني من كل أشكال الحيف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي والقانوني في الوقت الذي تتمتع فيه الطبقات الإقطاعية والبورجوازية بكل الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية . وهذا النوع من الميز يجعل الطبقات المقهورة من المجتمع تعاني مما يفرض عليها من أجل زوال تلك المعاناة بالقضاء على الاستغلال المادي والمعنوي المؤدي إليه .
4) عدم المساواة بين الناس أمام القانون بسبب الفروق الطبقية من جهة وبسبب النفوذ الذي يتمتع به بعض الأشخاص من جهة أخرى . وهذه ممارسة لا علاقة لها بالإنسانية جملة وتفصيلا خاصة وأن شخصين يضبطان متلبسين بنفس الفعل ، أحدهما يعرض على المحاكم لانتمائه إلى عامة الناس ، والآخر يعفى من ذلك لكونه ينتمي إلى الطبقات التي تمارس الاستغلال أو من ذوي النفوذ . وإلى جانب ذلك نجد سيادة المحسوبية والزبونية ، والإرشاء والارتشاء . مما يؤثر سلبا على العلاقة مع المشرفين على تطبيق القانون .
وهذه الخروقات المدنية ، وكما قلنا في التعليق على الخروقات الأخرى ، تقتضي الوعي بها ووضع برنامج للعمل من أجل مناهضتها من قبل الجمعيات ، والأحزاب السياسية المعنية بتحقيق المساواة بين جميع أفراد المجتمع لا فرق بين رجل وأمرأة ولا بين غني وفقير ولا بين صاحب نفوذ ومن لا نفوذ له.
وعلى مستوى الخروقات السياسية نجد أن :
1 ) فرض دساتير لا علاقة لها بتكريس سيادة الشعوب على نفسها ، ولا رأي لها في وضع نصوصها، بل إن تلك الدساتير توضع بالأساس لتكريس سلطة الحاكمين السياسية وفرض سيطرة طبقة معينة على اقتصاديات الشعوب وتكريس التبعية للدول الرأسمالية المسيطرة على المستوى العالمي . وهذا النوع من الدساتير يقتضي توحيد الجهود بين الأحزاب الساعية إلى ايجاد دساتير تكرس سيادة الشعوب على نفسها ووضع برامج نضالية في هذا الاتجاه .
2) فرض قوانين انتخابية لا تضمن نزاهة الانتخابات وتفتح باب التزوير على مصراعيه ، وترهن مستقبل الشعوب بيد المستفدين من التزوير. وهذه القوانين إما يضعها الحكام مباشرة قبل إجراء أي انتخابات وإما تضعها هيئات مزورة كما هو الشأن بالنسبة للبرلمان المغربي الذي يشهد الجميع أنه انبثق عن الانتخابات المزورة في 1997 قبل إعادة انتخاب الغرفة الأولى في 2002/9/27 التي أصبح جميع المستفيدين منها يشهدون بــ " نزاهتها ".
3) فرض حكومة غير منبثقة عن المؤسسات التمثيلية الحقيقية . وهذه الحكومة لا تطبق برنامجا اعتمدته الأحزاب المكونة لها في الحملات الانتخابية . وهو ما يترتب عنه ممارسة الاستبداد من قبل الحكومات على جميع الشعوب المقهورة .
4) فرض اختيارات لا ديموقراطية ولا شعبية على الشعوب المقهورة من قبل حكوماتها ، وهو ما يلحق ضررا كبيرا بمصالح الشعوب المقهورة ، ويجعل استغلالها في خدمة تلك الاختيارات وفي خدمة الرأسمال العالمي ويفتح الأبواب على مصراعيها أمام ذلك الرأسمال ، وأمام الشركات العابرة للقارات التي تمتص الخيرات المادية وتستنزف الموارد البشرية .
وهذه الخروقات جميعها تقتضي تكاثف الجهود من قبل الأحزاب الوطنية والتقدمية ومن قبل النقابات والجمعيات من أجل إزالة الخروقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية ، وفسح المجال أمام الشعوب من أجل أن تختار ما يتناسب مع مصلحتها على جميع المستويات في إطار تمتعها بحقها في تقرير مصيرها .
أي تقرير لأي مصير في ظل الوضعية القائمة :
وبهذه الخطوات التي خطوناها في ظل هذه المعالجة نصل إلى أن الحديث عن استمرار المطالبة بالحق في تقرير المصير، يعتبر أمرا صعبا في الشعوب التي تحررت من الاحتلال العسكري المباشر نظرا لكون الأنظمة الحاكمة ذات بعد محلي وسيادة ذات بعد استعماري ، وعلى جميع المستويات. وصعوبة المطالبة بحق تقرير المصير تأتي من كون :
1) الشعوب المعانية من الأنظمة المستبدة ، لا تملك وعيا متقدما بهذا الحق ، وبحقوقها الأخرى نظرا لغياب التربية على حقوق الإنسان ، في الأسرة والمدرسة ، والمجتمع وفي وسائل الإعلام ، وتكريس إعادة إنتاج نفس النماذج البشرية القابلة لكل ما يمارس عليها .
2) تكريس التضليل الإيديولوجي بواسطة الوسائل السمعية البصرية ، وبواسطة المادة الدراسية ، أو عن طريق العادات والتقاليد والأعراف، وتوظيف الأدوات الثقافية المختلفة والمتخلفة لتكريس ذلك التضليل حتى تبقى الأنظمة المستبدة هي السائدة والمسيطرة .
3) شغل الناس بأمور الغيب التي لا علاقة لها بالدين الإسلامي الحنيف . وبالخرافة والشعوذة واستغلال الفهم المغلوط للدين لابعاد الناس عن واقعهم وجعلهم يعتقدون أن ما يعانون منه هو قدر من عند الله ليبقى المجال خاليا لسيطرة الأنظمة القائمة .
4) استمرار اندماج النخبة المجتمعية في تلك الأنظمة عن طريق منحها الامتيازات ، ومد الجسور ، وتقديم الوعود والانخداع بالسياسات الممارسة . وهو ما يؤدي إلى تقوية تلك الأنظمة وتأبيد سيطرتها على الشعوب المقهورة .
وهذه الحيثيات التي سقناها تجعلنا نطرح السؤال :
أي تقرير لأي مصير في ظل الوضعية القائمة ؟ وبالتماس الإجابة على هذا السؤال ، نجد أنفسنا أمام وضعية ظاهرها أن ما يمارس على أرض الواقع هو من تقرير الشعوب وباطنها أن الأنظمة تعمل على تمويه الواقع حسب ما تقتضيه مصلحتها ، ومصلحة الجهات المتحكمة في اقتصاديات الشعوب ، حتى يظهر وكأنه من تدبير الشعوب . ومن مظاهر التمويه :
1) إبراز الأنظمة القائمة وكأنها هي التي حررت البلاد من الاحتلال الأجنبي لاكتساب شرعية الاستبداد بالحكم وادعاء الحفاظ على المصلحة العامة .
2) تكوين مؤسسات مزورة تقوم بتشريح القوانين المكرسة للاستبداد والداعمة له ، والعاملة على جعل الرأي العام يعتقد أن ذلك من تقرير الشعوب .
3) تقمص النيابة عن الله في الأرض لاكتساب " الشرعية الدينية إلى جانب " الشرعية النضالية" و "الشرعية الديموقراطية" من أجل جعل المتدينين بالدين الإسلامي ينخدعون بممارسة الأنظمة القائمة .
وانطلاقا من هذا التمويه السائد في مختلف الأنظمة التي تحكم مختلف الشعوب كانت تعيش وضعية الاحتلال الأجنبي نجد أنه :
1 ) على المستوى الاقتصادي تحاول الأنظمة الحاكمة جعل الشعوب تعتبر الاقتصاد الرأسمالي التبعي هو الاقتصاد الأصلح للشعوب وبالتالي فإن عليها أن تقبل بذلك الاقتصاد الاصلح للشعوب ، وبالتالي فإن عليها أن تقبل بذلك الاقتصاد وأن تنفذ القوانين الاقتصادية التي تقررها الأنظمة الحاكمة وتصادق عليها المؤسسات المزورة والواقع أن اقتصاديات هذه الشعوب قابلة للانهيار في أية لحظة بسبب ثقل الدين الخارجي الذي يستنزفها بخدمته ، وبسبب سيطرة الشركات العابرة للقارات على معظم المؤسسات الأساسية وبسبب طبيعة البورجوازيات المحلية المستعدة لبيع كل شيء من أجل المحافظة على ثراوتها بما في ذلك نقل تلك الثروات إلى بلاد أخرى ، وحرمان وطنها منها هذا بالإضافة إلى هشاشة تلك الاقتصاديات التي يفتقر معظمها إلى البنيات التحتية ، وبالتالي فتقرير المصير الاقتصادي يبقى بيد الأنظمة القائمة ، وتبقى الشعوب محرومة من ذلك الحق .
2 ) على المستوى الاجتماعي نجد أن التخطيط للتعليم يقتضي مراعاة حاجة الشعوب المقهورة .إلا أن الأنظمة الحاكمة تخطط وتقرر لتعليم يخدم مصلحتها ومصلحة الطبقات السائدة في المجتمعات المختلفة سواء تعلق الأمر بإعداد البرامج أو إنشاء الحجرات الدراسية والمؤسسات ، أو تعلق بإعداد مدرسي مختلف المستويات وأشياء أخرى ، وحتى لا يعتقد الناس أن الأنظمة لا تهتم بالشرائح الدنيا في المجتمع ، تلجأ إلى السماح بتعليم متعدد ، بدل نوع من التعليم . والتعليم المتعدد يكرس بين الناس وهم جعل التعليم رهن إشارة الجميع ، وفي خدمة جميع الطبقات ، والواقع غير ذلك . فالتعليم غير النافع جعل رهن إشارة الجميع . أما التعليم النافع فيتم احتكاره لصالح الطبقة التي تمارس الاستغلال على المجتمع . ومن أجل إعادة إنتاج نفس الطبقة التي تحكم وتمارس الاستغلال على المجتمع .
كما نجد أن التخطيط الصحي لا يعني أبدا جعل الخدمات الصحية في متناول الجميع بقدر ما يهدف إلى جعل هذا المجال وسيلة من الوسائل التي تمكن الطبقة المستفيدة من الاستغلال و جعل الخدمات الصحية وسيلة من وسائل الربح السريع، وإحداث تراكم مالي هائل على حساب المواطنين والفقراء والمستضعفين. وكون المسؤولين يبنون المستوصفات والمراكز الصحية والمستشفيات لا يعني جعل الخدمات الصحية في متناول المرضى بقدر ما يهدف إلى ايهام الرأي العام بكونهم يهتمون بصحة المواطنين . والواقع أن تلك المنشآت تحوله إلى أداة للاستثمار، وابتزاز جيوب المواطنين، رسوما ورشاوى.
كما نجد أن مجال السكن أصبح وسيلة مهمة للاستثمار نظرا لحاجة المواطنين إليه . والتشغيل لا يتم إلا في حدود حاجة المستغلين إلى اليد العاملة ، ولا يتم الاهتمام به على أساس أنه حق للمعطلين وسائر المواطنين .
ولذلك فالذي يتحكم في مصير ومستوى الخدمات الاجتماعية المستفيدة من تلك الخدمات من أجل تنمية ثرواتها وما تكون عليه الخدمات الاجتماعية من تدن يؤدي إلى حرمان قطاعات عريضة من المجتمع منها . هو الدليل على أن الشعوب لابد لها في ذلك من تقرير مصير الخدمات الاجتماعية .
وعلى المستوى الثقافي نجد أن الأنظمة الحاكمة لمختلف الشعوب هي التي تحدد الأشكال الثقافية التي يتم الاهتمام بها والأهداف المتوخاة من ذلك الاهتمام ، والوسائل الموظفة وما نوع الثقافة الموجهة إلى الشعب ، والثقافة الموجهة إلى النخبة ، وما هي الغاية من كل ذلك ؟ أما الشعوب فلا يد لها في ذلك إلا من باب التمويه .
وفيما يخص المستوى المدني فإننا نجد أن الحاكمين هم الذين يقررون فيما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الرجل والمرأة ، وعلاقة كل منهما بالأبناء . ومن يقوم بالنفقة ، ومن يقوم بالحضانة ، وهكذا ، ووضعية كل منهما أمام القضاء وفي القوانين المختلفة وكيف يتعامل القانون مع المنتمين إلى عامة الناس والمنتمين إلى الخاصة ، وذوي النفوذ ، ولا رأي للشعوب في ذلك .
وعلى المستوى السياسي، فالأنظمة الحاكمة هي التي تقرر في الدستور ، وفي القوانين الانتخابية وفي اختيار الأعضاء المنتمين إلى مختلف المؤسسات المزورة حتى لا تختار الشعوب ما يتناسب مع تحقيق سيادتها .
وكل ما يقرره الحاكمون في جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، وانطلاقا من المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان . فإنه يعتبر من الخروقات الجسيمة في حق الشعوب . والهدف من تلك الخروقات هو الحيلولة دون تمتع الشعوب بحقها في تقرير مصيرها في المجالات المعنية بالخروقات التي اعتبرناها جسيمة ولذلك فمصير الشعوب رهين بإرادة الحاكمين وبإرادة الطبقات السائدة وبتعليمات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، وبموافقة الشركات العابرة للقارات ومنظمة التجارة العالمية .
وتمكن الشعوب من مناهضة تلك الخروقات يقتضي إعادة النظر فيما تمارسه الهيئات النقابية والثقافية والتربوية والسياسية التي لا تتحمل مسوؤلية الحكم حتى تتحول ممارستها في اتجاه استنهاض الشعوب المقهورة من أجل مقاومة القهر الممارس عليها وانتزاع التمتع بحقوقها المختلفة لتقرر بذلك مصيرها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي . وهو ما لابد منه ، شاء من شاء ، كره من كره من الأنظمة المستبدة والقاهرة لشعوبها .
اليمين واليمين المتطرف وباقي التوجهات وحق تقرير المصير:
وإذا كان الحديث في الفقرات السابقة مركزا حول الأنظمة ، والجمعيات ، والنقابات ، والأحزاب فإننا في هذه الفقرة سنتناول في تحليلنا جوانب أخرى تتعلق بالانتماء الطبقي المتجدد في اليمين والوسط واليسار ، وسنركز بالخصوص على اليمين واليمين المتطرف باعتبارهما مصدر الاستبداد الذي تعاني منه الشعوب .
فنحن عندما نمعن النظر في أي نظام سنجد انه يميني أو يساري أو وسط . واليمينية هي ممارسة نظرية وفكرية وإيديولوجية وسياسية تهدف إلى جعل المجتمع في خدمة الطبقة المسيطرة على الاقتصاد الوطني ودعم النظام القائم والالتزام بكل ما تقرره في جميع المجالات القانونية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية ، وبالتعليمات التي تتلقاها تلك الطبقة من جهات خارجية .
واليمينية سوف لا تتوقف عند هذه الحدود . بل إن بعض ما يمكن تسميته باليمين واليمين المتطرف يسعى إلى استعادة العناصر الأكثر تخلفا من الماضي لتسود في الحاضر وبقوة الاستبداد التي قد لا تتوقف عند مجرد مصادرة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية . بل إنها تتجاوزها إلى مصادرة الحق في الحياة . ولازالت الرؤى والتصورات التي لا يستطيعون مقارعتها على المستوى الفكري والنظري والإيديولوجي والسياسي قائمة .
والفرق بين اليمين واليمين المتطرف : أن اليمين قد يكون بورجوازيا زراعيا يعتنق كل ما هو جديد ، ويسعى إلى سيادته ، ويحرص على مواكبة التطور الرأسمالي العالمي . والعمل على تطوير نفسه انطلاقا مما توفر لديه . ويمين من هذا النوع لا يكون إلا حداثيا متطورا بينما نجد أن اليمين المتطرف لا يؤمن بالحوار . ويوظف التراث الديني في أمور السياسة ، ويلجأ إلى التوظيف الأيديولوجي للدين الإسلامي بالخصوص …وهكذا .
ولذلك نجد أن حق تقرير المصير في نظر اليمين يكمن في الحفاظ على المصالح الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية لذلك اليمين، وهو لهذه الغاية يستغل الإدارة والأجهزة التشريعية والقوانين لجعل الشعوب تخدم مصالحه في أبعادها المختلفة حتى يضمن تأبيد سيطرته على جميع المستويات واستمرار سيادته .
أما حق تقرير المصير في نظر اليمين المتطرف فيكمن في التخلف عن كل ما هو جديد وما له صلة بالغرب الذي لا يأخذ منه اليمين المتطرف إلا ما يحقق قوته وسيطرته . فشكل المجتمعات المعتنقة للدين الإسلامي يجب أن يستعيد مظهر مجتمع المسلمين القديم على مستوى اللباس ، والالتحاء وشكل التعامل ونظام الحكم. والقوانين يجب أن تكون ذات مصدر واحد هو الشريعة الإسلامية . والتعليم يتحول إلى تعليم تقليدي وهكذا .
وانطلاقا من هذا التوجه اليميني المتطرف يصبح المصير رجوعا إلى الوراء ، وتخليا عن كل ما هو إنساني وحديث على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية . والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يسمح هؤلاء لأنفسهم باستعمال الوسائل الإعلامية الحديثة التي تعتبر إبداعا غربيا بامتياز كالإذاعة والتلفزيون والفضائيات والانترنيت وأشياء أخرى؟ لماذا يستعملون وسائل الدمار التي يستعملها الغرب ؟ لماذا يستعملون وسائل النقل الحديثة ؟ لماذا يستعملون الكهرباء ؟ ولذلك فإن رؤيتهم لتقرير المصير تتناقض تناقضا مطلقا مع استفادتهم من الغرب ف مجالات معينة.
وفيما يخص مفهوم تقرير المصير لدى مكونات الوسط الاجتماعي فإننا نجد من جهة أنه يسعى إلى تبني التوجه اليميني الحداثي الذي يتطلع إليه . ومن جهة أخرى نجد أنه يميل إلى تحقيق المجتمع الاشتراكي حسب ميزان القوى السائد ، وانطلاقا من مصلحته الآنية والمتلونة لأنه لا يثبت على حال ، ولكون أيديولوجيته توفيقية تلفيقية . وتبني مقولة " لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " التي تعني عدم الانتماء إلى اليمين أو إلى اليسار .
والواقع أن الوسط الاجتماعي ليس له مفهوم محدد لتقرير المصير بسبب عدم تموقفه اقتصاديا فهو يطمع إلى الالتحاق باليمين ولكنه في نفس الوقت يخاف منه ويستعين باليسار في حدود ما يطمح إليه ولكنه في نفس الوقت يخاف منه. ولكنه يتصدى له وهكذا ، وفي شروط معينة يتسلق، و في شروط أخرى قد ينتحر إلى الأسفل ليصبح جزءا من اليسار .
أما اليسار واليسار المتطرف فشيء آخر من منطلق أن تصور اليسار بصفة عامة هو نقيض تصور اليمين ، وبالتالي فإذا كان اليمين يحرص على حماية مصالحه المختلفة من خلال تقرير المصير ، فإن اليسار يحرص على تحقيق مصالح الكادحين .
وهكذا نجد أن مفهوم اليسار لتقرير المصير تعني تحقيق الحرية والديموقراطية والعادلة الاجتماعية لجعل الكادحين ، وطليعتهم الطبقة العاملة يتمتعون بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، والعمل على سيادة الديموقراطية وتوفير مناخ الحرية حتى يتمكن الكادحون من الشعور بانتمائهم إلى الإنسانية وهو مفهوم يتنافى جملة وتفصيلا مع توجه اليمين في فهمه لحق تقرير المصير .
أما اليسار المتطرف فيزيد على ذلك بكونه نقيضا لليمين المتطرف . فهو لا يرى ضرورة للممارسة الديموقراطية في تحقيق العدالة الاجتماعية، كما لا يرى ضرورة للحرية ، وبالتالي فإن تحقيق العدالة الاجتماعية لا يتم إلا عن طريق التخلص من عناصر الاستبداد اليميني لتحل محلها عناصر الاستبداد اليساري . فاليسار المتطرف يلجأ إلى فرض فهمه لتقرير المصير بواسطة اللجوء إلى استعمال العنف كما يلجأ اليمين المتطرف إلى فرض فهمه بواسطة اللجوء إلى العنف لكونهما لا يقتنعان بممارسة الحرية .
وهكذا نجد أن مفهوم تقرير المصير يختلف من اليمين إلى اليمين المتطرف . ومن اليسار إلى اليسار المتطرف بحسب الوسيلة المؤدية إلى ذلك . وبحسب المصلحة الطبقية . ونحن إذا لم نستحضر ذلك في التحليل ، فإننا لا نستطيع أن نكون علميين في تحليلينا ، كما لا نستطيع أن نجد الداعي الذي جعل الأستاذ عبد الهادي بوطالب يختار القول الذي عنون موضوعه المشار إليه " انتهى حق الشعوب في تقرير مصيرها بنهاية الاستعمار" لنصل إلى أن هذا العنوان يهدف إلى حماية اليمين الذي ينتمي إليه الأستاذ عبد الهادي بوطالب .
واستنادا إلى ما رأيناه فإن المصير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي يختلف فهمه من اليمين إلى اليمين المتطرف إلى الوسط . ومن اليسار إلى اليسار المتطرف . ولذلك فالرؤى النافدة على أرض الواقع تختلف من شعب يسود فيه اليمين المتطرف إلى شعب يسود فيه الوسط ، إلى شعب يسود فيه اليسار ، إلى شعب يسود فيه اليسار المتطرف ، وهذا الاختلاف ناتج عن اختلاف تصور حق تقرير المصير.
الأستاذ عبد الهادي بوطالب وحق تقرير المصير:
وكما قلناه في البداية فإننا نتفق مع محتوى مقالة الأستاذ عبد الهادي بوطالب كباقي الموطنين الحريصين على وحدة الشعب الذي ينتمون إليه، إلا أننا لا نتفق مع محتوى العنوان الذي اختاره لتلك المقالة ، والذي لا يعكس محتواها . والأستاذ عبد الهادي بوطالب عندما يختار ذلك العنوان لا يختاره هكذا ، بل يختاره، وهو من هو على المستوى الفكري والنظري والتجربة السياسية الكبيرة التي استغرقت عقودا طويلة، انطلاقا من مقولة فوكوياما عن نهاية التاريخ التي تعني أن النظام الرأسمالي العالمي هو أقصى ما وصلت إليه البشرية ولا يمكن أن تتجاوزه إلى مرحلة أخرى خاصة وأن صاحب هذه المقولة ظهر إلى الوجود مع بداية العد العكسي لانهيار الدولة الاشتراكية العظمى ، وتوالي الأنظمة الاشتراكية المرتبطة بها . وفي هذا السياق فالأستاذ عبد الهادي بوطالب يعتبر نهاية الاستعمار نهاية لتاريخ المطالبة بحق تقرير المصير . فكأن الشعوب لا تتطور . ولا تسعى إلى التطور بقدرما تبقى جامدة عند حدود معينة . فالأستاذ يعتبر من خلال دلالة عنوان مقالته أن أي حرص من الشعوب على حق تقرير مصيرها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية يتناقض مع مصالح الطبقة التي ينتمي إليها . والأنظمة السياسية التي تمثلها في حكم الشعوب المقهورة . و مادام الأمر كذلك، فإن الأستاذ عبد الهادي بوطالب يحرص من خلال دلالة العنوان على حماية تلك المصالح بواسطة :
1) اقتصاد رأسمالي تبعي تتحكم فيه طبقة بورجوازية هجينة تكون معبرا للتحكم الرأسمالي العالمي والشركات العابرة للقارات، وقابلة للامتثال لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وجميع المؤسسات المالية الدولية التي تساهم بشكل كبير في نهب الخيرات الوطنية لكل الشعوب ، حتى لا تقوى تلك الشعوب على بناء اقتصاد وطني متحرر ، ولو بشكله البورجوازي الوطني .
2) خدمات اجتماعية متدنية حتى لا تتكلف الدولة مصاريف كبيرة ، وتفسح المجال أمام خوصصة تلك الخدمات التي تصبح تحت رحمة الرأسمال كما يحصل في قطاعات التعليم والصحة والسكن بالخصوص مما يجعل المقهورين يحرمون من مجمل تلك الخدمات وهو ما يؤدي إلى انتشار الأمية والأمراض والسكن غير اللائق بين الكادحين في مقابل ارتفاع مستوى التعليم ، والعناية الصحية والسكن الفاخر لدى الطبقات البورجوازية ، وهو ما يعمق الفوارق الطبقية إلى حد كبير .
3) نشر ثقافة التدجين والتضليل والميوعة بين الكادحين مقابل الاهتمام بتنمية الثقافة البورجوازية التي تجعل الجميع يقبل عليها مما يؤدي إلى قبول سيطرتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية .
4) العمل على أن تبقى الممارسة البورجوازية فوق القانون وجعل القوانين المختلفة في خدمة تلك الطبقة مقابل النظر إلى الكادحين على أنهم بشر من الدرجة الثانية أو الثالثة ، وتكريس دونية المرأة في صفوف الكادحين والرفع من مستوى المرأة البورجوازية على مستوى المظهر وعلى مستوى المسلكية العامة حتى تظهر كزينة للبوجوازيين .
5) تأبيد السيطرة السياسية للبورجوازية التي تفرض مؤسسات تمثيلية تنبثق عنها مؤسسات تنفيذية تكون مهمتها في خدمة الطبقة البورجوازية ليس إلا ، وتمارس قمع الكادحين من خلال قمع المنظمات الجماهيرية التي تمثلهم ، وتقود نضالاتهم ، والأحزاب السياسية المناضلة من أجل ضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها .
وبذلك يكون الأستاذ عبد الهادي بوطالب قد أعطى توجيها لما قد تصير إليه الشعوب مستقبلا من خلال ما يكون عليه الشعب المغربي الذي يجب أن يقبل وبدون نقاش وبمباركة مختلف الأحزاب اليمينية "واليسارية" وأحزاب الوسط المشاركة في الانتخابات التي لا تتوفر لها شروط النزاهة ، ويبقى التزوير وبأشكال متطورة هو الوارد كما أكدت الأيام ذلك من أجل حماية مصالح الطبقة التي ينتمي إليها الأستاذ عبد الهادي بوطالب .
خـــاتـمـة :
وبتناولنا لهذا الموضوع نكون قد بسطنا وجهة نظرنا حول ما ذهب إليه الأستاذ عبد الهادي بوطالب متوخين من ذلك ممارسة النقد الفكري الذي قد يتخذ بعدا إيديولوجيا . إلا أنه في نهاية المطاف يبقى نقدا ذاتيا يهدف إلى جعل الشعوب المقهورة ، ومنها الشعب المغربي ، والطبقات الكادحة وطليعتها الطبقة العاملة تستعيد عافيتها ، وتشرع في استعادة وعيها الذي يجعلها تدرك عمق مصلحتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية وتنهض لتحقيق تلك المصلحة والدفاع عنها وحمايتها سياسيا وإيديولوجيا . وتنظيميا مما يمكنها من تحقيق التمتع بحقها في تقرير مصيرها في جميع المجالات . لأن الشعوب المقهورة ، وطبقاتها الكادحة ، وطليعتها الطبقة العاملة لازالت بعيدة أكثر من أي وقت مضى عن امتلاك الحق في تقرير المصير . وهي تقع تحت طائلة الطبقات السائدة ، وأنظمتها الحاكمة .
وفي هذا الاتجاه تناولنا مفهوم تقرير المصير كحق من حقوق الشعوب على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية . ومستويات الاستعمار وحق تقرير المصير العسكري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي . والحرمان من ملاءمة القوانين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية مع المواثيق الدولية وحق تقرير المصير، وعرجنا على النضال الديموقراطي ودوره في امتلاك حق تقرير المصير في مستوياته المختلفة ثم علاقة المنظمات الجماهيرية المختلفة بحق تقرير المصير ودوره في امتلاك هذا الحق ، ودور مناهضة الخروقات المختلفة في الوعي به . وحاولنا 0الإجابة على السؤال : أي تقرير لأي في مصير في ظل الوضعية القائمة ؟ ودور اليمين واليمين المتطرف في عرقلة التمتع بهذا الحق ، وحاولنا أن نناقش الأستاذ عبد الهادي بوطالب في خلفية عنوان مقاله لنصل إلى تأكيد حرصنا على تأكيد حق الشعوب في تقرير مصيرها على جميع المستويات .
وبذلك نكون قد حاولنا إزالة اللبس الذي حاول عنوان المقال إلحاقه بالأذهان حتى تصدق أن حق تقرير المصير قد انتهت المطالبة بامتلاك الحق فيه بمجرد خروج الاستعمار . وهو ما حاولنا تفنيده من أجل أن يبقى للشعوب حقها في الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية التي لا تتحقق إنسانية الإنسان إلا بها . وذلك ما نسعى إليه ، وما يجب أن نسعى إليه من خلال انخراطنا في النضال الديموقراطي عن طريق النقابات ، والجمعيات والأحزاب وبواسطة بث الوعي المتقدم بين الشعوب من أجل ذلك .



#محمد_الحنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النضال النقابي بين رهانات الظرفية السياسية وطموحات الشعب الك ...
- دولة المسلمين لا إسلامية الدولة
- الإسلام/ الإرهاب…..أية علاقة؟


المزيد.....




- رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق ...
- محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا ...
- ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة، ...
- الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا ...
- قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك ...
- روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
- بيع لحوم الحمير في ليبيا
- توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب ...
- بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
- هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - محمد الحنفي - هـل انتهى حق الشعوب في تقرير مصيرها بمجرد خروج الاستعمار ؟