|
أما آن للحكومة أن تتحمل كامل مسئوليتها تجاه الشعب ؟
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2800 - 2009 / 10 / 15 - 19:08
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
من يتتبع الأوضاع التي يعيشها عموم المغاربة ، وخاصة الفئات البسيطة والمتوسطة ، سيدرك أن أمن المغاربة واستقرارهم على فوهة بركان بسبب عوامل الفقر والغلاء والبطالة والفساد والتهميش والإجرام ، وهذه كلها نتائج لعوامل حقيقية على رأسها : سوء توزيع الثروة ، نهب الثروة الوطنية ، سوء تدبير الشأن العام ، الفساد الإداري ، اللاعقاب ، فساد القضاء ،غياب الإرادة السياسية لدى الدولة والأحزاب للقطع مع أزمنة الفساد والنهب . ويكاد المرء يجزم أن المغرب يتعرض لمخطط تخريبي من صنع فئة من أبنائه الذين يتكالبون على احتكار مصادر الثروة وحرمان غالبية المواطنين منها . ورغم التحذيرات التي أطلقتها الدوائر المالية العالمية من خطر الانفجار الاجتماعي الذي يتهدد المغرب ، فإن النهب والفساد يتزايدان بوتيرة متسارعة . والعيب ليس في الأطراف التي تنهب الثروات ، بل كل العيب في الجهات الحكومية التي لا تعجز فقط عن حماية المال العام ، وإنما تشرعن سوء توزيع الثروة عبر آليات متعددة أبرزها : تخصيص رواتب خيالية وتعويضات سخية للأطر ذات الحظوة لا تنسجم إطلاقا مع مستوى الدخل الفردي المتدني إلى الدرك الأسفل من سلم الأجور . الأمر الذي يزيد من الضغط على الميزانية العامة للدولة بفعل ارتفاع النسبة المئوية (11%) التي تمتصها الأجور من الناتج الداخلي الخام ، مما يؤثر سلبا على حجم ومستوى الاستثمارات العمومية . وإذا كانت الظرفية السياسية التي عاشها المغرب في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي أوعزت للملك الراحل الحسن الثاني بتوسيع شبكة الأعيان لتشمل كل القطاعات ضمانا لتوسيع قاعدة المنتفعين الذين لا تربطهم بالنظام وبالدولة سوى المنافع المادية والمصالح الشخصية ، فتشكلت ثقافة التطبيع مع الفساد والنهب واستغلال النفوذ والارتشاء ، وامتد الوباء ليشمل الحياة السياسية والحزبية حيث باتت الانتخابات مجالا للفساد والإفساد وغُيبت المصلحة العامة من أجندة المنتَخَبين ؛ فإن الحقبة السياسية التي دخلها المغرب مع العهد الجديد اتسمت بالرغبة الملكية في تقوية الأحزاب كمدخل لبناء الديمقراطية وإرساء دعائمها بعيدا عن الولاءات التي أدت إلى انقلاب الموازين وتفشي القيم الهدامة التي باتت هي الموجه للسلوك العام. إننا حقا في مغرب المفارقات المخجلة : 1 ـ ملك يطوف أرجاء الوطن وقد حولها أوراشا كبرى في سباق ضد الفقر والتهميش ، فيما أعضاء الحكومة لا يغادرون مكاتبهم إلا إلى مساكنهم أو متنزهاتهم . وكان حريا بالوزراء الذين حملت أحزابَهم أصواتُ الناخبين إلى مراكز القرار أن يهبوا إلى إغاثة المواطنين ضحايا الفيضانات ويسهروا على تقديم المساعدات واتخاذ التدابير الاستعجالية لمنع تكرار الكوارث أو على الأقل الحد من مخاطرها . إن هؤلاء المواطنين الذين هدمت مساكنهم وجرفت المياه مواشيهم ودمرت حقولهم هم الأولى بالبرنامج الاستعجالي حفاظا على حياتهم وصونا لكرامتهم كمواطنين . أما التعليم فهو بحاجة إلى برنامج حقيقي وناضج ومتكامل بعيدا عن العجلة وروح الانتقام . 2 ـ في الوقت الذي تتعدد مبادرات الملك للنهوض بأوضاع رجال التعليم المادية والمعنوية وتصحيح صورتهم لدى المجتمع وإعادة الاعتبار لمكانة المدرس ودوره في بناء مغرب الغد ، تبادر وزارة التعليم بسلسلة من المذكرات تعصف بجهود الملك وتناقض أهدافه النبيلة . ولن تكون المذكرة 122 سوى أحد المسامير التي تستهدف عجلة الإصلاح التي يريدها الملك ويتوق إليها المجتمع . ذلك أن ممارسة مزيد من الضغوط النفسية على المدرس ومعاملته كـ"حمار الطاحونة" ، وإلقاء كل الفشل على كاهله لن يزيد المدرس إلا شعورا بالقهر والإحباط والتذمر ؛ وهذه عوامل أساسية ستزيد من تقهقر وضعية التعليم وتعميق فشله ليحتل المغرب في التقارير الدولة القادمة آخر المراتب أو يكون خارج التصنيف . 3 ـ الملك يتخذ مبادرات هامة لخلق شروط التنمية الحقيقية والمستدامة وتعبئة فئات الشعب للانخراط في جهود الإصلاح ، فضلا عن الإصلاحات الجذرية التي همت قانون الأسرة وقانون الجنسية ورفع التحفظات عن الاتفاقيات المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة ، فيما الحكومة ــ إذا ما اجتهدت ــ فهي تجتهد في إذلال المغاربة وتعميق محنهم كما هو الحال مع مدونة السير الذي ، في حالة تطبيقها ، ستنتهي بعشرات الآلاف من السائقين إلى السجون وأسرهم إلى التشرد . ولمن يقول إن الحكومة لا حول لها ولا قوة وهي مجرد "عبد المأمور" ، فإن ابتكارها لمدونة السير هذه دليل على هامش الحرية والقرار اللذين تتمتع بهما . وكان حريا بالحكومة أن تستثمر هوامشها تلك في التخفيف عن المواطنين وتيسير ظروف عيشهم لا أن تزيدهم قهرا على قهر . 4 ـ إذا كان الملك منشغلا بالتخفيف عن المواطنين أعباء الحياة ، فإن الحكومة أطلقت حبل الغارب لكل الاحتكاريين والانتهازيين الذي تكالبوا على امتصاص دمه دون أن تتحمل مسئوليتها الدستورية لحماية المواطنين من جشع المضاربين . فالجرأة التي لها على السائقين ورجال التعليم أولى لها أن تمارسها ضد المفسدين والمتاجرين بأرزاق العباد ودمائهم . فلا يعقل أبدا أن تعرف أثمنة المواد الغذائية والخضراوات والفواكه والأسماك مثل هذه الارتفاعات الصاروخية والحكومة غير مبالية . قد تتذرع الحكومة بحشرة "توتا أبسولوتا" لتبرير غلاء الطماطم ، لكن لا مبرر لها أمام ارتفاع أسعار السمك أو الفواكه وبقية الخضراوات . 5 ـ إن الملك محمد السادس أنهى عهد الاستناد على الأعيان لدعم الملكية وفتح عهد الاستناد إلى الشعب والأحزاب لبناء المؤسسات الدستورية ، فيما الأحزاب اختارت الاقتيات على مبادرات الملك مما أفقدها الفاعلية والمصداقية ، أو بتشخيص عبد الله حمودي ( أظن أن النخب التي خرجت من الحركة الوطنية لفظت أنفاسها منذ ما سمي بالتناوب، فقد انهارت تلك النخب وانهارت معها برامجها وخطاباتها السياسية) المساء 26/7/2009 . لتعلم الحكومة أنها مسئولة دستوريا عن أمن المغرب واستقراره اللذين يتربص بهما المتربصون . ومسئوليتها هذه تحتم عليها الإسراع باتخاذ التدابير اللازمة والضرورية لوضع حد للنهب والفساد والإجرام .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مواجهة الإرهاب والتطرف ضرورة تحتمها نوعية الخلايا المفكَّكة
...
-
11 شتنبر :ذكرى الأحداث الإرهابية التي جسدت مخاطر التطرف الدي
...
-
لم يتمسح مصطفى العلوي بأعتاب الشيخ ياسين ؟
-
جماعة العدل والإحسان حركة انقلابية ترفض العمل في إطار حزبي .
...
-
هل التحالف مع حزب العدالة والتنمية يخدم الحداثة والديمقراطية
...
-
جماعة العدل والإحسان وعقيدة رفض الإقرار بمشروعية النظام المل
...
-
جماعة العدل والإحسان تنتقد مجمّليها لدى النظام والرأي العام
...
-
تأهيل الأئمة مدخل رئيسي لتأهيل الحقل الديني .
-
لما ينتقد الملك انتظارية الحكومة وسلبيتها .
-
البيجيديون وخطيئة الاحتماء بالأجنبي .
-
إستراتيجية تأهيل الأئمة ضرورة أم غاية ؟
-
هل ثقة الملك في الحكومة تحميها من كل تعديل أو إسقاط ؟
-
شهادة البكالوريا بوابة مفتوحة على المجهول .
-
هل فعلا لفظ الجلالة وتقبيل يد الملك هما ما يمنعان جماعة العد
...
-
فتاوى شيوخ التطرف دليل إدانتهم .
-
التحالف بين الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة يقتضيه المن
...
-
براءة شيوخ التطرف المفترى عليها .
-
ما الذي يمنع التحالف بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الأصالة والم
...
-
المغرب كان محصَّنا ضد المشرقيات وعليه أن يبقى
-
حتى لا يبقى المغرب حضنا لضلالات الوهابية ومخاطرها .
المزيد.....
-
مصر: الدولار يسجل أعلى مستوى أمام الجنيه منذ التعويم.. ومصرف
...
-
مدينة أمريكية تستقبل 2025 بنسف فندق.. ما علاقة صدام حسين وإي
...
-
الطيران الروسي يشن غارة قوية على تجمع للقوات الأوكرانية في ز
...
-
استراتيجية جديدة لتكوين عادات جيدة والتخلص من السيئة
-
كتائب القسام تعلن عن إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح به
...
-
الجيشان المصري والسعودي يختتمان تدريبات -السهم الثاقب- برماي
...
-
-التلغراف-: طلب لزيلينسكي يثير غضب البريطانيين وسخريتهم
-
أنور قرقاش: ستبقى الإمارات دار الأمان وواحة الاستقرار
-
سابقة تاريخية.. الشيوخ المصري يرفع الحصانة عن رئيس رابطة الأ
...
-
منذ الصباح.. -حزب الله- يشن هجمات صاروخية متواصلة وغير مسبوق
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|