|
علاقات أفضل
سامي ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 2798 - 2009 / 10 / 13 - 18:20
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
معظمنا يبني علاقاته بناءا على ردة الفعل، لأننا نخشى أن نقول للآخرين من نحن. من الطبيعي أن تكون أي ردة فعل تنشأ بناء على فعل معين، وعندما ننشأ علاقة مع الآخرين أساسها ردة الفعل فإننا نضع أنفسنا دائما في موقع المتلقي، أي موقع الدفاع، بكلمة أخرى فإنك تنتظر التصرف الذي سيقوم به الآخر، وعلى أساسه تبني علاقتك به وتقرر طريقها وتحددها وتعرف ماهيتها، هل هي زمالة عمل فقط، أم أنها إعجاب، أم صداقة ستكون قوية أم هو حب. لكن عندما تقرر أن تكون ردة الفعل هي مصدر اعتمادك في تقرير علاقاتك، فهذا معناه أنك شخص غير شجاع، والخوف يملئ قلبك، وأنك غير قادر على مجابهة الآخرين، وأنك تتستر وتتقنع لكي تخفي وجهك الحقيقي، وعندما تكون ردة الفعل الأساس الذي تبني به علاقتك فإنك بذلك تتخلى عن مسؤوليتك تجاه نفسك وتجاه الآخرين أي أنك تعود طفلا غير مسؤول عن تصرفاته، وبذلك تلقي عن كاهلك مسؤولية أن تكون ذاتك أنت. فأنت لو لم تكن تخشى أن تقول للشخص الآخر من أنت لما كنت انتظرته لأخذ المبادرة منك. فعندما تنتظر الآخر فإنك ستضع نفسك في موقع الباحث عن أخطاءه، ستكون في موقع الملاحق والمتصيد له، وستكون كالقاضي بالنسبة له، وستدينه في كل موقف تظن بأنه قد ارتكب جرما بحقك أو بحق علاقتكما. وبذلك تحولت لا إراديا من شخص ينبغي أن يقدم حب إلى شخص يقدم التذمر والنقد المستمر والسخرية الظاهرية التي يتستر تحتها ويخفي عقد نقصه، ويقدمها كوسيلة دفاع حتى لا يسخر الآخرون من ضعفه. والأهم من كل شيء عندما تكون ردة الفعل هي طريقة تصرفك فإن الشخص الآخر هو الذي يقرر تصرفك وليس أنت، أي استطاع أن يفرض عليك الطريقة التي يجب أن تتصرف بها، أي أنه لو أساء لك فإنك ستسيء له أكثر وبذلك استطاع ذلك الشخص أن يسلخك من شخصيتك ويجردك من إنساتيك فقد فرض عليك التصرف وفق ما يريده هو وليس ما تريده أنت. لذلك فإن أهم خطوة في بناء العلاقات هي المبادرة. أي تبادر أنت بالعطاء للطرف الآخر دون انتظار مقابل. أن تبادر بتقديم الحب، فعندما يقدم الإنسان حبا فإن ذلك الحب سيرتد عليه بشكل مضاعف، لأن ذلك الإنسان الذي قدمت له الحب سيفعل المستحيل لرد جميلك وسيعمل ما بوسعه لتقديم حب أعظم من الحب الذي قدمته له. أن نكون علاقات أفضل معناه أن نصفح لمن أساء إلينا، لا أن نبحث عن الانتقام، أن نتحرر من الهواجس والتخيلات السلبية التي تدعونا إلى كره ذلك الشخص، لأن الذي أساء لنا وخاننا قد مات في قلبنا، قد أصبح جثة هامدة ميتة، فهل نحول نفوسنا إلى قبر لتلك الجثة، هل نترك كرهه داخل نفوسنا ليتحول إلى جيفة نتنة، من يريد أن يحول نفسه إلى قبر؟. لكن أن نصفح عنه لا يكون أبدا على حساب إخفاء مشاعر الألم، أو التظاهر بأن كل شيء على ما يرام. بل أن نصرف تفكيرنا عن الأشياء التي لا جدوى منها، ونتعلم من الخسارة التي خسرناها، أي يجب أن تكون تلك الخسارة فرصة للتحسين فرصة لكي نكون أفضل وأنضج من الناحية العاطفية، والاجتماعية، وحتى المادية. لا أن نجعلها مشكلة ومصيبة أو كارثة حلت بنا. أن نكون علاقات أفضل معناه أن نشعر بآلام بعضنا، أن نتشارك بالخسارة مع أصدقائنا، لأن البشر يصبحون أصدقاء عندما يعانون مواقف عصيبة. تخيل كم أنك أحببت ذلك الشخص عندما وقف إلى جانبك أثناء نكبتك، كم كان إنسانا عظيما عندما ضمك إلى صدره وقال لك: "ستتجاوز هذه الأزمة". كم كان إنسانا رائعا عندما كفكف دموعك وأخبرك أنه لا يوجد شيء في الدنيا يستحق هذه الدموع. كم كان إنسانا عظيما عندما نجحت وقال لك بدون أية غيرة أو حسد: "لا أحد يستحق ذلك أكثر منك".
أن نبني علاقات أفضل معناه أن نتعلم كيف نستعمل الأشياء ونحب الإنسان، لا أن نحب الأشياء ونستعمل الإنسان. أن نبني علاقات أفضل معناه أن نزداد تواضعا ورقة وإحساس، أن نتعلم احترام الإنسان مهما كانت قدراته ومهما كان عمله. اجتمعت أعضاء الإنسان مرة وتناقشت في أهمية كل عضو فيها، فالعين قالت أنا أهم عضو، فبدوني لن يرى الإنسان روعة الأشياء وجمال الطبيعة... والأذن قالت بدوني سيبقى الإنسان أصما يعيش في صمت مفزع وحيدا ليس لديه لغة يتعامل به مع الآخرين... والأنف قال بدوني لن يميز الإنسان شذى الورود وعبيرها من رائحة المستنقع... وهكذا توالت الأعضاء في سرد الفوائد التي حققتها للإنسان، وكل عضو ينسب لنفسه الأهمية الأكبر، حتى أصبح الاجتماع فوضى عارمة، فصرخت الشرج لتهدئة الوضع وقالت: لكل عضو من الأعضاء أهمية عظيمة، وبتكامل عملكم يتحقق جمال الإنسان واكتماله وبتناسق أعمالكم يبلغ الإنسان صورة الله. فهبت إذ ذاك الأعضاء غاضبة في وجه الشرج ووبختها وأمروها بأن تخرس فلقد ملأت رائحتها النتنة مكان الاجتماع، وقاموا بطردها من المجلس، فما كان من الشرج إلا أن استجمعت قواها وعصرت نفسها لمدت ثلاثة أيام وأبت أن تطرح سموم الجسم وفضلات الخلايا والعمليات الاستقلابية، حتى تسمم الجسم وأشرف على الهلاك، عندها ترجت جميع الأعضاء الشرج لكي تسامحها على خطيئتها، وكم كانوا جاهلين لأنهم لم يعرفوا قيمتها، بالنهاية صفحت الشرج عنهم وعاد الجسم سليما معافى قويا. بهذه القصة يعلم الغرب أطفاله التواضع ويعلمه احترام الإنسان، ويعلمه أن لكل إنسان أهميته والمجتمع لا يتحقق تكامله إلا بتنوع الأعمال واختلافها. فتبلور الحقيقة لا ينتج إلا عن الاختلاف. فأجزاء المحرك مختلفة، وكل جزء ينجز مهمة مختلفة عن الجزء الآخر ليتمم المحرك في النهاية وظيفته ويؤدي الغرض المطلوب منه في تحريك السيارة أو الطائرة أو ألة الخياطة، او ماكينة الحلاقة. في مجتمعاتنا منذ الصغر يغرسون في عقول الصغار فكرة أن الطبيب هو قمة المجتمع وأنها المهنة الوحيدة اللائقة والمحترمة. حتى أصبح النجاح بالنسبة لأي طالب سيدرس الجامعة مرتبطا بعلامات الطب البشري. لماذا هذه الفكرة غرسوها في عقول التلاميذ. ألا يكمل المهندس عمل الطبيب باختراعه الأجهزة الحديثة وبنائه للأبنية والمستشفيات التي تشكل الوجه الحضاري للبلد. ألا يكمل الحقوقي عمل الطبيب والمهندس بوضع القوانين والأسس وتنظيم الحياة. ألا يكمل الخضرجي المجتمع بتقديمه الفاكهة والخضروات للطبيب والمهندس والمحامي، ألا يعلم الأستاذ التلميذ ليصبح طبيبا ومهندسا وحقوقيا، ألا يزيل عامل التنظيفات القمامة ويخلصنا من سموم نفاياتنا. أليس المجتمع تشبيها دقيقا لأجزاء المحرك. الكل ينجز مهمته ليقوم المحرك بمهمته على أكمل وجه، فأي خلل في أي جزء سيؤدي لخلل في المجتمع ككل، وأي تفضيل أو تكريم لأي عمل من هذه الأعمال هو حال قصة أهمية أعضاء جسم الإنسان، أفلا يتوعى هذا المجتمع ولو قليلا وينتزع من جيل الشباب أبناء الحاضر وآباء المستقبل فكرة أن الطبيب هو أهم عضو في المجتمع، ولنبني مجتمعنا من جديد ونصنع عقولا جيدة وننتج أبناء فاعلين أكثر من الجيل الذي سبقنا، أليست هذه طريقة نبني بها علاقات أفضل؟!.
#سامي_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لو رأينا مستقبلنا
-
لماذا يهرب الشاب من فتاته
-
الله
-
الهدف من الحياة
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|