|
أخطاء تطبيق في الماضي وانتخابات حرة في ...المستقبل
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 850 - 2004 / 5 / 31 - 08:31
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
نقطتان تلفتان الانتباه في ما نسب إلى الرئيس بشار الأسد إثر لقاءه وفدا إعلاميا أميركيا في 13 ايار الجاري. النقطة الأولى إقرار الرئيس السوري وجود تجاوزات في تطبيق حالة الطوارئ في الماضي. والثانية هي رده بالإيجاب على سؤال حول ما إذا كان من الممكن أن يترك منصبه يوما في انتخابات حرة. فاجأ الرئيس ضيوفه، حسب كاثي لالي مراسلة بالتيمور سن المشاركة في الوفد، حين اشار إلى أن قوانين الطوارئ طبقت بشدة مبالغ فيها في الماضي، أي في ظل نظام والده كما كتبت لالي بصراحة. ورغم أن الرئيس يعتقد أن حالة الطوارئ تستخدم لقمع الإرهاب لا لقمع الحرية، "وهذا فرق هائل" حسب تعبيره، فقد اعترف بأنها استخدمت مرارا في الماضي بطريقة خاطئة، وفقا لما نسبته إليه السيدة لالي. المضمون نفسه ورد في تغطية جيمس سميث من بوسطن غلوب لزيارة الفريق الإعلامي الأميركي. وكذا في تقرير إذاعي لغراهام سميث من الراديو الوطني العام. ويشير كل من غراهام سميث وكاثي لالي إلى أن الرئيس يقدر أن يوما سياتي يتخلى فيه عن منصبه عبر صندوق الاقتراع، وأنه سيكون مرتاحا حين لا يكون هنا (في "قصر الشعب" الرئاسي). ويقول سميث إن الرئيس قال إنه سيخلي منصبه إن كان من الواضح أن هذا ما يريده الشعب السوري؛ أما الآن فلديه رؤية لجعل سوريا أفضل، وحين تفارقه تلك الرؤية فسيترك الرئاسة.
ليس الإقرار باستخدام خاطئ متكرر لحالة الطوارئ في الماضي عديم الأهمية بحد ذاته، وبخاصة إن صدر عن رئيس الجمهورية، لكن الأهم ما قد يعنيه ذلك الإقرار من إرادة لضبط للتجاوزات والتطبيقات الخاطئة في الراهن والمستقبل. ومن الطبيعي أن تطرح هنا تساؤلات من نوع: ما الذي يضمن ألا يتكرر "الاستخدام الخاطئ" لحالة الطوارئ؟ كيف يمكن تعريف الاستخدام الصحيح لقوانين الطوارئ تعريفا تعاقديا وغير استنسابي، يضعها في إطار القانون لا فوقه ولا ضده؟ وهل يشكل الإقرار المذكور "لحظة" في مسار تطبيع الحياة السياسية في البلد التي خضعت لتعليق فعلي منذ استولى حزب البعث على السلطة عام 1963؟ لا شك، من جهة أخرى، أن الإشارة إلى احتمال ترك الرئيس منصبه بناء على إرادة شعبية معبر عنها في انتخابات حرة هو مما يستحق أن يذكر في التاريخ. فلأول مرة منذ استولى حزب البعث على السلطة عام 1963 يذكر هذا الاحتمال ويشار إلى إمكانية ترك رئيس الجمهورية لموقعه قبل الانتخابات أو بنتيجتها. والطبيعي هنا أن تطرح اسئلة عن الآليات والإيقاعات: أية آليات يمكن اعتمادها للتوجه نحو انتخابات حرة وتعددية في البلاد؟ أية آفاق زمنية معقولة يمكن اقتراحها من أجل نظام تمثيلي انتخابي؟ وما موقع الكلام على انتخابات حرة في إرساء الحياة السياسية السورية على أسس "طبيعية"، اي على الأسس التي لا منافس لها في عالم اليوم؟ لا نرى سبيلا إلى تدارس هذه المسائل وتوضيحها وتقليب النظر العام فيها غير نقاش عمومي حر تشارك فيه أوسع قطاعات السوريين. وللنقاش مقومات، يتصدرها أن لايدخل أحد السجن بسبب رأيه. الرئيس بشار الأسد قال إنه لم يحبس أحداً جزاء كلام قاله ضده. بل إنه أضاف: "إنهم في الشوارع يهاجمونني كل يوم"، قبل أن يضع ذلك كله في سياق توجه سوريا نحو انتخابات حرة لم يحدد موعدها حسب مندوب بوسطن غلوب جيمس سميث. من مقومات النقاش العام أيضا إباحة حق التجمع الآمن للسوريين جميعا. قد نذكر أن الكلام على انتخابات برلمانية تعددية كان متداولا في البلاد أوائل عام 2001، لكن انتخابات 2003 التي سبقت الحرب على العراق بوقت قصير كانت مسبقة الصنع بطريقة تفوق سابقاتها منذ "الحركة التصحيحية". قد نذكر ايضا أنه أشيع وقتها أنه لن يكون ثمة استفتاء آخر لرئاسة الجمهورية بل انتخاب متعدد المرشحين. وقد نذكر أيضا الكلام على قانون للأحزاب وعلى تجميد حالة الطوارئ ... من جملة وعود وآمال عريضة حفل بها "ربيع دمشق". من المفيد أن نذكر ذلك ونتذكره لأن الوضع الحالي للبلد هو ثمرة مباشرة لضرب "ربيع دمشق"، اعني لفشل الإصلاح السياسي وهزيمة القوى المنادية به، وبالمقابل لانتصار قوى اجتماعية نافذة ومحافظة تستخدم الدولة لحماية مصالحها ومواقعها. وها قد مرت سنوات اربعة على عهد الرئيس بشار الأسد. وإذا كان هناك درس واحد يستخلص من السنوات المنصرمة فهو ان الإصلاح الوحيد هو الإصلاح السياسي الذي يضمن نفاذ الأكثرية المحرومة والمبعدة عن السلطة إلى الميدان السياسي وإسماع صوتها فيه. بعبارة أخرى ضمان حق الأكثرية في تمثيل ذاتها والدفاع عن نفسها وتمكينها من الاعتراض على الهياكل والسياسات العامة المنحازة لأقليات امتيازية، محافظة وعنيفة. ولأن شيئا من ذلك لم يحصل لا يزال ثمة استخدام خاطئ لحالة الطوارئ، لا تزال ضمانات استخدام صحيح لحالة الطوارئ معدومة، ولا يزال ثمة مجال واسع لتأويل الرأي يجعله خطرا أمنيا. أما الانتخابات البرلمانية والمحلية التي جرت العام الماضي فقد جمعت بين التعليب الفوقي القديم والسلبية الشعبية الجديدة (نسب المشاركة كانت الأدنى على الإطلاق منذ تأسس جهازي مجلس الشعب والإدارة المحلية). الفوق يثابر على تصنيع الإرادة العامة لمصلحته مستخدما حالة الطوارئ، لكن التحت ينفض يديه من اللعبة. هذا شيء جديد حقا! دستوريا، بقيت ثلاث سنوات على انتهاء الولاية الأولى للرئيس بشار الأسد. يمكن لهذه السنوات أن تكون فترة نقاش وطني عام تستعيد "المقاصد الأصلية" لربيع دمشق: اصلاح سياسي حقيقي يتجاوز نظام الحزب الواحد وينفتح على انتخابات حرة وتعددية. لكن يمكن لذلك الا يحصل أيضا. بل إن عدم حصوله أوفى لطبائع عمران الدولة الحزبية في طور كهولتها، وإن لم يكن اوفى لتطلعات السوريين المشتركة بالعدالة والاستقرار في بلادهم. قد يناسب أن نضيف هنا أن حالة الطوارئ (الاعتقال المباح، المحاكم الاستثنائية، قمع حرية التعبير، قمع حق التجمع والانتظام الطوعي والحر...) اسم قانوني لميزان قوى اجتماعي وسياسي، بل لحرب سياسية مفتوحة (وإن تكن بالتقسيط) ضد كل أشكال الاستقلال الاجتماعي. الأمر لا يتعلق بأخطاء استخدام ولا بتجاوزات للنظام، بل بالضبط بنظام للتجاوزات، راسخ ومكرس. ليس هناك استخدام صحيح لحالة الطوارئ. إن حالة الطوارئ الجيدة هي حالة الطوارئ غير الموجودة. دمشق 23/5/2004
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اضمن طريق للديمقراطية في العالم العربي -تغيير النظام- في ...
...
-
عرض كتاب -صور محطمة: نهضة حركة تحطيم الأيقونات النضالية في س
...
-
زمن المقالة وأزمة الثقافة
-
ما بعد القامشلي الشأن الكردي والنظام السياسي في سوريا
-
أسامة بن لادن، هيغل، وما بعد الحداثة
-
اعتقال طلاب الجامعة سياسة العزل السياسي والجيلي
-
بين عهدين: قضايا تحليل الانتقال السوري
-
-العقد الاجتماعي- البعثي وتناقضاته
-
نظام الاستثناء الشرق أوسطي
-
ثلاثة برامج قتل وفكرة عزلاء
-
اضطرابات الجزيرة ضرورة تجديد التفاهم الوطني السوري
-
سوريا أمام المنعطف مــن هنا إلى أيــــن؟
-
اعتصام دمشق فاعلون مترددون وإعلام يقيني
-
طبائع العمران وصناعة الواقع في الدولة الحزبية
-
في السنة الحادية والأربعين فصل حزب البعث عن الدولة ضمانة له
...
-
صـــراخ فـي لـيــل عــراقــي
-
سوريون ضد حالة الطوارئ!
-
هل سيكون 2004 عام التحول في سورية؟ عرض تقرير -التحديات السيا
...
-
سورية والتحديات الخارجية عرض لتقرير -مجموعة الأزمات الدولية-
-
نقاش حول الدفاع الوطني
المزيد.....
-
التهمت النيران كل شيء.. شاهد لحظة اشتعال بلدة بأكملها في الف
...
-
جزيرة خاصة في نهر النيل.. ملاذ معزول عن العالم لتجربة أقصى ا
...
-
قلق في لبنان.. قلعة بعلبك الرومانية مهددة بالضربات الإسرائيل
...
-
مصر.. غرق لانش سياحي على متنه 45 شخصًا ومحافظ البحر الأحمر ي
...
-
مصدر يعلن موافقة نتنياهو -مبدئيًا- على اتفاق وقف إطلاق النار
...
-
السيسي يعين رئيسا جديدا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
-
ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام ال
...
-
واشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبي
...
-
هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
-
تحطّم طائرة شحن في ليتوانيا ومقتل شخص واحد على الأقل
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|