|
إيكهارت وابن عربي
أنسي الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 2798 - 2009 / 10 / 13 - 00:19
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يقول المعلّم إيكهارت (الدومينيكاني الألماني 1260 ـ 1327) إن الله لا يعطي الكائنات ملْكاً بل هو يعيرها الأشياء مجرّد إعارة. ويشبّه ذلك بالشمس «التي تكتفي بإعارة نورها». وفي مقابلة حديثة عقدها الأستاذ ميشال شودكيافيتش بين إيكهارت وابن عربي (1165 ـ 1240) يقول إن الرجلين يتشاركان، بين عديد ما يتشاركان فيه، في استعمال تشبيه المرآة: فالأول يقول إن الصورة التي نراها في المرآة ليست موجودة بذاتها بل هي تستمدّ ذاتها من المتمرئي فيها، غير أن هذه الصورة، وإن لم تمتلك الدرجة ذاتها من الوجود الواقعي للمتمرئي، ليست غير واقعيّة. وابن عربي، كلّما أراد الحديث عن العلاقة بين الله وما يتبدّى لنا كأنه «ما سوى الله»، يلجأ إلى تشبيه المرآة. وخلاصة قوله: إذا ما نَظَرْتُني في مرآة، فما أراه هو في وقت واحد أنا وسواي: أنا، لأن وجود الصورة رهن تماماً بوجودي، وسواي، لأن المرآة لا تُعْدَم تأثيراً على هذه الصورة، فهي تفرض عليها حدودها وتقصيراتها. إن الله يتجلّى في ظهورات، لكنّ كل ظهور إنما هو محض شكل محدود لملمحٍ من ملامح الله، وهذه التجلّيات ليست انتقالاً من اللاوجود إلى الوجود، بل هي مجرّد مكانٍ لظهور ذلك الذي هو وحده الوجود. يتوقّف الأستاذ الباحث في مقارنته عند تباينات في وجهتي النظر بين الشيخ الأكبر واللاهوتي الدومينيكاني، وأحد أمثلتها إيراد الثالوث الأقدس (الآب والابن والروح القدس) كأحدِ أسماءِ الله، بينما لا وجود لمثل ذلك، بالطبع، عند ابن عربي. غير أن وجود مثل هذه التباينات لا ينطوي، في نظر الباحث، على اختلافات عميقة، بل، بالعكس، ثمّة توافقات من المدهش وجودها، مثل قضيّة «انبثاق الكلمة في الروح» العزيزة على قلب إيكهارت، والتي تُعتبر موضوعاً مسيحيّاً باختصاص. ويلاحظ الباحث عند ابن عربي موضوعاً مماثلاً هو «نزول القرآن في القلب»، إذ يكتب الشيخ المفكّر: عندما ينزل القرآن في القلب فإنما ينزل معه ذاك الذي كان القرآنُ كلمته. قال الله إن قلب عبده المؤمن يحويه هو، وبحلول القرآن في قلب المؤمن يصير الحلول الإلهي في القلب. ويتحدث ابن عربي عن «الإنسان الكامل» ويتحدث إيكهارت عن «الإنسان النبيل»، كما ترد صفة الشرف في حديث ابن عربي، إذ يحدد شرف الإنسان بوجوب «عودته إلى حال اللاوجود»، أي الحالة الأصليّة للحضور في الله التي لم يغادرها في الواقع إطلاقاً ولكنْ حجبها عنه شعوره الواهم باستقلاليّة وجوده. ويكتمل الشرف عند ابن عربي في ما يسمّيه «الفقر» أو «العبودة». أما إيكهارت فيرى أن «الإنسان يستعيد في هذا الفقر الوجود الأبدي الذي كان عليه، والذي هو عليه الآن، والذي سوف يظلّ فيه إلى الأبد». عبارة يرى الباحث أنها كان يمكن أن تكون لابن عربي. وعن كلمة «عبودة» تقول الدكتورة سعاد الحكيم في موسوعتها الممتازة «المعجم الصوفي ـ الحكمة في حدود الكلمة» إن ابن عربي «ميّز بين العبوديّة والعبودة، كما فعل من قبله حكيم ترمذ»، وتوضح: «العبوديّة هي «نسبة» إلى صفة الافتقار والتذلّل الذاتيّة في العبد، فالعبوديّة هي نسبة إلى «الصفة» من دون النظر إلى شخص «السيد»، أو بمعنى آخر هي نسبة ذاتيّة بين العبد وصفة العبوديّة فيه، لا تؤدي مفهوم «العلاقة» الكائنة بين موجودَين (عبد ـ سيد)». أما العبودة فتشرحها بالقول: «هي نسبة العبوديّة إلى «السيّد» الذي هو هنا «الله»، ولذلك فإن صفة العبودة هي للحقّ أكمل». ويتوقف المرء مع ابن عربي أمام ما قاله في «الفتوحات» على لسان الله: الذي يراني ويدرك أنه يراني لا يراني. ماذا إذاً عن رؤى سائر المتصوّفين؟ والأنبياء والقدّيسين؟ وعن بسطاء الناس الذين يؤمنون بأن بعض أهل السماء تجلّى لهم، ويذهبون في وصف ما شاهدوه وما سمعوه مذاهبَ تفصيليّة، ومنهم مَن بُني على شهادته تكريس تاريخي، أو مَن أصبحت شهادته جزءاً من تراث «المعاينات» الماورائيّة؟ قال الله دوماً لمخاطَبيه إنه يأبى معاينتهم له. هذا ما قوّلوه إيّاه. موسى وقَبْله. كأنه أعظم من التجسّد ولو في حدود الخيال. إنه الوجود لا الموجود، أو الوجود الذي لا يحتاج بتاتاً إلى الاستعانة بأي عنصر مادي للإشعار بوجوده. التجريد الأقصى، وإلى هذا، الحضور الأقصى. اللامحسوس والملء. بلا حدود. ... إلّا حدود الشعور. القلب والخيال. هَلَع الإنسان من برود الحياة وخروجه من شروطه. كثيرون في حالات كهذه يشطحون ويشاهدون ما لا نعرف. الصلاة تقود. الدعاء. الارتماء خارج العقل المذعور، في خضمّ الوجوه النيّرة. مشاهدات، بل علاقات تبدو حيالها الفلسفة معادلات جليديّة.
#أنسي_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
■ واضحون وملتبسون
-
أمّ زكريّا
-
خطأ قاهر:الأضاحي
-
الهاجس المُنقذ
-
نداء لا يتوقّف
-
■ الماغوط بين الدمعة والقهقهة
-
«الإنسان هو ما يُخفي»
-
موسيقيّات (2)
-
على سحابة رجليك
-
لي حبيبة . . .
-
موسيقيّات
-
كنا نحسب الفراغ نبيذاً
-
دينيّات: بين الشدياق وعفلق
-
مهما صرخ
-
ليت العرب ظاهرة صوتيّة
-
ماركسيّات
-
شتاء الحاج
-
مختارات من خواتم
-
خارج الموضوع
-
أخافُ أن أعرف
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|