|
قشرة البرتقال/6- سعادة وتعاسة
حامد المرساوي
الحوار المتمدن-العدد: 2796 - 2009 / 10 / 11 - 19:29
المحور:
سيرة ذاتية
زوجة أحمد، رواية إحسان عبد القدوس. كانت الرواية، هي الهوة الفاصلة بين الجزء الذي يقرأ والجزء الذي لم يقرأ قط في المجتمع العائلي، بمثابة إشارة المرور نحو لغة الحب دون حاجة لرمز فاضح، صورة الحبيبة مثلا. وحتى إذا ما تسرب معنى عنوان الرواية للبعض، فالحرج مرفوع لأن الذي وصله سر المبنى اللغوي لا يمكن له أن يحرض على البلوى والفتنة. إذ من التسامح الخام الذي كان ساريا في مجتمع ما قبل التسميم الايديولوجي، حتى وأغلبيته تحت سقف الأمية الأبجدية، كان الستر ظلا يخفف مضاعفات قيظ الخطايا. والحب في مجتمع المحافظة أحد عناوين الزلل المزلزل. لذلك، تحايل المحبون وقسموا الحب قسمين: العذري والجسدي. ليفلت الحب في مراحله الأولى من تهمة المدنس الجاهزة. ليزيد المتصوفة والشعراء من رفعه نحو سماء قيم الفضيلة. بعد ذلك، قد ينمو ويكبر ليستكمل، شروط الفعل المقدس: الزواج. هل يستكمل الزواج الحصة الناقصة في الحب العذري ليصبح الحب جسديا؟ نعم. ولا. أن يقتني المراهق رواية إحسان عبد القدوس، ليعلن حب سعاد بل ليضع الاستراتيجيا كلها في غلاف رواية، جزء من المكر بين الأجيال. ليلتف التلميذ على موضوعة الحب ويجد لها موضعا شرعيا بين كتب المقرر، يتقمص مدلولها ضمن أدوات الدراسة تلك. أما الرمزيات الأقرب إلى الحب المباشر، فقد تصبح وردة حمراء توضع أوراقها بين صفحات الكتاب. وفي هذا المستوى، يصبح للمجتمع دور المتابعة. ليرى ما إذا كانت تلك الروتوش، تجميلا فقط للحياة، أم مؤشر حقيقي على الانشغال المدمر عن الدراسة. بانت سعاد، كعب بن زهير، من فرط الاستعمال والاستمتاع انقلب الصدر من البيت "بالت سعاد". سخرية نزقة لا غير. سعاد محمد، تغني على حافة أم كلثوم، وما ينقص من صوت أم كلثوم يعوضه سحر الإسم. فتكون أغانيها كما لو أنها أم كلثوم. وهي كذلك لحنا وشجنا. سعاد حسني، التقاط أدوار الحب سعاد محمد، التقاط آهات الحب سعاد اليوم، من تحت رماد الزمن يشتعل جمر الحب سعاد الأم، ما بين الخليل والنهار والليل وعماد تعمدت صبر أيوب، اسم على مسمى سعاد في الوقت الصعب، نور امرأة يذيب شمع العمر كما لو كنت طربا في العين وغصة من عنب. سعاد الأنين، والبنات والبنين، تحكي جوع الولادة في قلب القبيلة وهي الغنيمة بين رؤوس لم تحمل عقيدة. كانت على بعد نظرة في الأفق من تازمامارت، تحيا تازمامارت بلا عساكر. تكاد تضحك من محمد شكري وتهزأ من خبزه الحافي. لم تمضغ لحما يوم النفاس. خبز البيدانصي تقريبا، لها تقريبا فقط. أم كسرتها فأقل من أن تحرم منها الخليل الطفل، ليسد الرمق. وأما حظ الوليدة نجاة؟ فكيف تعتصر لها حليبا بعد الصراخ؟ سيتحول جسدها حليبا، مقابل انطفاء لحم الأم لتصير في عز الإثنين والعشرين "الجلدة على العظم". عندما تناديه ليقدم لها ما تحتاج سعاد النفاس، تتحول الضفيرة السوداء الجميلة إلى حبل يلوى من حول معصم زوج الجبروت لتسهيل جريمة التنكيل برأس النفيسة وبجسد النفيسة في اليوم الأول من عمر الناجية البكر. هل كان ذلك مجرد انتقام من المولودة الأنثى؟ لو سمع سجناء تازمامارت أنين سعاد النفيسة في يوم توليدها، وهي مرمية في ما يشبه زنزانة صغيرة، جنب ركن مجاور مخصص للماعز، لبذلوا جهدهم لتزويدها بثوب لحفظ المولودة والطفل والأم الجميلة من سم البرد ومن تعاسة القبيلة المجاورة. هاهنا الدولة وهاهنا المجتمع. لكل تازمامارتاه. جمرتان من نار واحدة. النار التي تتحول على أجساد صغار قساوة برد في بيت الأبوة والعشيرة. هب بنتك سحبها الزواج المصير من الرباط إلى دواوير من حول الرشيدية؟ هب أختك على مضض قبلت الزواج حيطة من تعاسة البؤس العائلي وخوفا من نهش نخاسة الجنس، أيعقل أن تصبح معتقلة منفية مرمية بلا أدنى اعتبار لمراسيم الأم النفيسة؟ عندما يصبح سعاد الإسم تعاسة للجسم. هناك محاكم وأحكام متنوعة الأشكال. لكن المصائر التعيسة تكاد تكون متطابقة في تفاصيل المعاناة. سجن بالرقم والزنزانة أم بالوصف والتقاليد المرعية لا فرق! السجن سجن. من سوء الحظ، أنه قفص بلا ذهب. قفص من عذاب فقط. وشباب في جحيم فقط. حتى الملائكة كانت عاجزة عن التبليغ ساعتها! تكاد تعفي سعاد من كل المحاسبات. تعتقد أن العذابات التي لاقتها بصبر كافية لتعويضها فيما يلي من الوقت لاسترجاع إنسانيتها المسلوبة سلبا في طراوة طفولتها. لكن: لهلا يوريك! كما يقول المغاربة.
#حامد_المرساوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قشرة البرتقال/7 استراحة مع محمود درويش
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|