جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 2796 - 2009 / 10 / 11 - 15:06
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
النظام الديكتاتوري . وإعدام التاريخ والرأي الاّخر .؟ - 6
نتابع مسيرة النضال الطبقي والوطني في مصر التي أجهضهتها الديكتاتورية العسكرية وألغت تاريخها المجيد و صادرت منجزاتها وأعدمت أبطالها الحقيقيين , وجعلت التاريخ يبدأ باغتصاب الديكتاتور السلطة من الشعب بالدبابة والمشانق والقمع وحراب الأجنبي كذلك وينتهي به , أو تنقل ملكيته بالوراثة لئلا تضيع أرومة الإستبداد والخيانة الوطنية ولو بقي إسم النظام جمهورياً , كحال النظام الأسدي العتيد ...؟
... نعود للأول من أيار عيد العمال العالمي عام 1923..
لبى جميع العمال نداء الحزب وإتحاد النقابات بالإمتناع عن العمل في هذا اليوم لأول مرة في تاريخ مصر رغم تهديد البوليس وأرباب العمل الذين انضم معظمهم لحزب الوفد .. لهذا تجاهل الوفد الحاكم مطالب العمال الذين كانوا المضحين بدمائهم في ثورة 1919 وفي الدفاع عن سعد ومكرم عبيد ورفاقهم أثناء الإعتقال والنفي ... وفي تشرين الثاني 1923 قامت شركة الغزل في الإسكندرية بتخفيض أجور العمال , الذين أضربوا عن العمل ثلاثة أشهر متواصلة ... وقاطع الحزب الإنتخابات التشريعية التي فبركها الوفد لمصلحته ... *
بعد فصل العمال المضربين من العمل , تجدد الإضراب , وكان القائد الشيوعي أنطون مارون المستشار القانوني لنقابات العمال , وانضمت سائر النقابات للإضراب وطبقوا بحزم شعار إتحاد نقابات العمال السائد في تلك الإيام النضالية وهو : ( ضعوا أيديكم على المحراث باستمرار ),,
بقي العمال في معاملهم يعملون نهاراً وينامون فيها ليلاً , لئلا يطردهم أرباب العمل وأغلقوا المعامل .. وطالب الجميع بالخبز والعمل و بتخفيض ساعات العمل إلى 8 ساعات وزيادة الأجور ومنع الطرد التعسفي ,, *
هزت هذه الإضرابات المتواصلة حكومة الإحتلال والوفد وتعالت الصيحات من الخطر الشيوعي التي برزت في الصحافة الرجعية .. كما جاء في الأهرام بتاريخ 4 / 3 / 24 19: ( إنفجرت الحركة الإشتراكية الملقحة بالشيوعية في هذين اليومين في الإسكندرية إنفجاراً قوياً حمل الحكومة على معالجتها والإستعداد لقمعها بالقوة ) ثم حملت الحزب الشيوعي مسؤولية هذه الحركة ( وطالبت با جتثاثها من أصولها باسم المحافظة على النظم الإجتماعية المحلية ..كذا ) .
ونزل سعد إلى الميدان ضد مطالب العمال على الرغم من معارضة بعض اليساريين في حزبه وفي مقدمتهم عزيز فهمي المحامي والشاعر الذي أطلق عليه فيما بعد لقب – بطل الحريات العامة – وهوغير عبد العزيز فهمي اليميني المتطرف إلى جانب النحاس باشا ,, كما كانت الحركة النسائية بقيادة السيدة هدى شعراوي تتناقض مع سياسة سعد في هذه المرحلة لقمعه حركة العمال والعاملات طبعاً ...
لكن سعد أصر على موقفه ووجه رسائل باسمه إلى العمال المضربين .. وإلى عمال الترام وعمال معمل أبو شنب وغيرهم لإنهاء الإضراب مع التهديد .. وأوفد وكيل وزارة الداخلية - جمال الدين باشا إلى الإسكندرية على رأس قوة عسكرية مزودة بصلاحيات قمعية واسعة لإنهاء الإضراب بالقوة المسلحة ...*
وحبكت المؤامرة لاعتقال قادة الحزب الشيوعي , وصدرت الأوامر لإعتقالهم وإغلاق مكاتب الحزب في جميع أنحاء البلاد *
قال الكولونيل البريطاني " أنجرام " أحد كبار قادة البوليس الذي قمع تظاهرات العمال في شهادته أمام المحكمة ما يلي :
( إن العمال كانوا يعملون بنصائح الأستاذ مارون ورفاقه . وأنه لم يكن سهلاً على البوليس إخراج العمال من المصانع , لكن إخراجهم كان من أيس الأمور على الأستاذ مارون , كما أن كلمة واحدة منه كانت تكفي لإنهاء إحتلال العمال للمصانع ) *
في تمام الساعة الرابعة من بعد ظهر الثالث من اّذار 1924 تحركت 6 مجموعات من البوليس لاعتقال كل من : أنطون مارون – حسني عرابي – أحمد مدني – السيد هريدي - إسكندر صادة – وصفوان أبو الفتوح .. واعتقل في نفس الوقت المئات من المناضلين النقابيين وكوادر الحزب في جميع المحافظات . وخصوصاً في : القاهرة والإسكندرية والمنصورة وأبي قير والزقازيق وطنطا والمحلة الكبرى وكفر الدوار وكفر الزيات وسنمود وبورسعيد وشبين الكوم ..وغيرها .... أما القائد العمالي فؤاد الشمالي فقد اعتقل ورحٍّل على ظهر إحدى البواخر إلى بلده لبنان *.. ليتابع النضال الطبقي والوطني هناك وينقل الراية بعزيمة لاتلين وإرادة لاتعرف اليأس والتعب ,, وصولاً إلى دمشق , ونحن نتابع خطواته بمحبة وإعجاب بما توفر لدينا من مصادر صادقة ونادرة لاندعي أنها كاملة خالية من النواقص نظراً لما تعرض له الرواد الأوائل من حملة ظالمة من التجهيل والتهميش لدورهم في بناء الحزب أولاً... ومن الإفتراء الرخيص اللاأخلاقي والطعن بوطنيتهم ثانيا ً هذه الأكذوبة الرخيصة التي نشرها السيد بكداش وأزلامه وخصوصاً " أرتين مادويان " ونقولا الشاوي بينما استنكرها يوسف خطار الحلو وحسن قريطم بشدة ولكن دون القيام بعمل إيجابي واجب من المفروض أن يعيد الإعتبار للرواد الأوائل وينصفهم مما لحقهم من جوروإفتراء من ديكتاتورية بكداش والتحريفية القذرة ..كان هذا واجب..الشيوعيين الشرفاء بعد كل ماتعرضت له الحركة الشيوعية العالمية والعربية من مأسي على أيدي البورجوازية الوضيعة التي سيطرت على قيادات معظم الأحزاب التابعة وفي مقدمتها القيادة البكداشية الإنتهازية .. أن يتحرروا من تابو الديكتاتورية وأصنامها ويعودوا لضمائرهم لينصفوا رواد الحركة الشيوعية الأبطال وفي طليعتهم فؤاد الشمالي ويوسف يزبك واسكندر صادة وجورج حداد صاحب أول كتاب عن الإشتراكية بالعربية -1920 ورفاقهم في لبنان ,, وناصر حدة وفوزي الزعيم وخريستو قسيس , وأحمد برقوق , وأحمد الملا وغيرهم في سورية .. لكن من تاجروا بالشيوعية وخانوا فؤاد الشمالي ورفاقه وناصر حدة ورفاقه الرواد قديماً .. وكل الخط الماركسي الثوري العربي اللاحق منذ أمد بعيد .. بل خانوا المبدأ كله ...راح بعضهم في زمن الإنحطاط هذا يدعون لمحاكمة لينين وستالين ..بينما هم وسيدهم بكداش الذي باع نضال الشيوعيين السوريين واللبنانيين للديكتاتورية العسكرية الفاشية يستحقون المحاكمة بجدارة ..؟.
.....
أحيل قادة الحزب وإتحاد النقابات إلى القضاء المصري للمحاكمة – لتصور القارئ الكريم محاكمة المناضلين السياسيين أمام القضاء عام 1924 تحت ظل الإحتلال الأجنبي وحكم الإقطاع ,, وتتوفر لهم جميع وسائل الدفاع المقدس ... وبعد سنوات قليلة في عهد ما سمي - إستقلال وطني -- يعتقل أحرار مصر وسورية والعراق وغيرها ,, تحت ظل الأنظمة الديكتاتورية البوليسية عشرات السنين دون محاكمة ودون تهمة محددة ويقتل من يقتل تحت التعذيب دون حسيب أو رقيب ويصمت هذا العالم الساقط الذي يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها ويغض الطرف عن الجلادين وفق مصالحه وصفقاته التجارية ...
أعلن القائد أنطون مارون أمام المحكمة مايلي :
(إنني أعترف بكل فخر بأنني شيوعي ومستشار لإتحاد نقابات العمال , وأكرس حياتي لخدمة العمال , وأدافع عنهم كلما وقع عليهم ضيم , وقد رأيت وأنا أخدم مصالحهم , أن كثيرين منهم يعاملون أبشع من معاملة الحيوانات , ويعمل العامل إثني عشرة ساعة في اليوم مقابل أجر قدره / 10 / قروش في اليوم , وهذا الأجر لايكفي الحصان علفاً , فكيف يكفي العامل وعائلته للبقاء على قيد الحياة ..) **
وقال حسني عرابي سكرتير الحزب :
( إنني السكرتير العام للحزب الشيوعي المصري – المنتخب ديمقراطياً – وإن علاقة حزبنا بالأممية الثالثة , علاقة أخوية , وإن الشيوعية المصرية ترمي لإنهاض العامل وإحداث تطور في حياته يناسب الزمن ) ** شعارات بسيطة متواضعة استقطبت حولها الطبقة العاملة المصرية في تلك الأيام ..؟؟؟
... أعلن قادة الحزب الإضراب عن الطعام في السجن , وقامت حملة إحتجاجات في الداخل والخارج دفاعاً عنهم لكن دون جدوى ورفضت حكومة الوفد إطلاق سراحهم ...
رفض أنطون مارون إنهاء إضرابه , وتوفي في السجن بعد أربعين يوماً من إضرابه , ليسجل أروع صفحة نضالية لبطولة المثقف الثوري الملتزم بخط الطبقة العاملة والحماهير الثورية الكادحة ... والذي يستحق أول تمثال للمحامي المدافع عن الشعب والوطن يوضع أمام نقابة المحامين في القاهرة ... كما يستحق نفس التمثال جميع المحامين السوريين الذين ضحوا بسنوات عمرهم دفاعاً عن قضايا الشعب والحرية منذ عام 1978 – حتى اليوم واّخرهم وليس اّخر الزميل المناضل أنور البني معتقل الرأي والضمير في سورية ليوضع أمام مبنى نقابة المحامين في دمشق , رغم أنف الطغاة .. **
ويتواصل النضال الطبقي والوطني ضد الإستغلال والإحتلال البريطاني والملكية الفاسدة عبر منعطفات وتعرجات مختلفة تغيرت فيها قيادة الحزب مرات كما تغيرت أساليب نضاله وتحالفاته من انتفاضة 1936 حتى ثورة 1950 - إلى يونيو 52 الشعبية بقيادة الشيوعيين أولاً التي صادرها العسكر ثانيا كما سيأتي .... وخلال هذه المسيرة النضالية لابد من ذكر تكرار أسلوب الإستعمار البريطاني في تسخير الأصولية الدينية والإسلام السياسي لخدمته وطعن حركات التحرر الوطني والفكر العلمي التقدمي في الظهركما مر أثناء ثورة 1919 .. ومن هنا جاء بناء تنظيم الإخوان المسلمين ودورهم التخريبي في مصرمنذ عام 1936 تقريباً بتشجيع بريطاني وتمويل سعودي وهابي على المكشوف ..لذلك لعب مستشار الوهابية السعودية وتابعها في مصر رشيد رضا بتتنظيم الإخوان المسلمين بزعامة مدرس مغمور هوحسن البنا وبرعاية السفارة البريطانية مباشرة التي أهدته طائرة خاصة لجولاته التبشيرية * وبتمويل من النفط – قيْ الصحراء , حسب تعبير الدكتور طارق حجي – وفي نفس الوقت إدعي حسن البنا وتلميذه سيد قطب أن الحاكمية على الأرض هي للسماء حصراً وأنهما يمثلان حاكمية السماء وطرحا شعار – من تحزب خان – لأن الحزبية لهم وحدهم وهم حزب الله وحده ومن حقهم وحدهم تكفير الاّخرين وإلغاءهم وفق مذهب سيدهم - إ بن تيمية والمذهب الحنبلي الذي تنتمي إليه الوهابية السعودية .. ونفذوا كل ما طلبته بريطانيا منهم من إغتيالات وجرائم شرحها عدد من المؤرخين والكتاب المصريين الذين عاصروهم **
وهم الذين اغتالو أمين عثمان مستشار الملك 1946, كما اغتالوا النقراشي رئيس الوزراء ,1947 واغتالوا عام 1948 رئيس محكمة التمييز المصرية القاضي الأول - أحمد الخزندار- نسف محلات عديدة ونهبها في القاهرة , كما اغتالوا اللواء أحمد زكي قائد شرطة القاهرة نهاية تشرين الثاني 1948 ومحاولة اغتيا ل النحاس رئيس الوزراء وكانوا في كل مرة يتهمون الشيوعيين زوراً وبهتاناً وبالتالي فإن عصابة حسين توفيق المسؤولة عن حريق القاهرة في 26 ك 2 - 1952 والجرائم الأخرى لإجهاض الثورة الشعبية عام 1951 – 1952 كانت في صلب تنظبم السيد قطب .. كما سنرى علاقة بعض العسكريين الذين سرقوا ثورة الشعب والجيش في 23 تموز يوليو بهم ... وهكذا طبقت الأنظمة العسكرية الفاشية التي حملتها بريطانيا للسلطة ثم جيّرت لحساب أمريكا بعد الستينات – طبقت همجية و سيادة الإستبداد بواسطة سلطتين إرهابيتين ضد الشعوب وأحرارها :
1 – سلطة الدولة الشمولية القمعية التي تملك سلطة الكرباج والمال وسلطة التخوين المطلق دون رادع ...
2 - تجار الدين وكلاء السماء على الأرض , ويملكون سلطة التكفير , وإباحة القتل والنهب والتعذيب...
وكلا السلطتين تتكاملان وتتناغمان وترقصان - على أشلاء شعوبنا – لتكريس الإستبداد والرجعية وتأمين الحماية الدائمة لدولة الصهاينة ولاّبار نفطنا المنهوب ....وماتبقى فقاعات ملونة وسراب كاذب .... يتبع – لاهاي 11 / 10
.........................
أهم المصادر :
صحيفة الإهرام :لأعوام 1923 – 24 – حتى 28
- الصراع الطبقي في مصر - محمود حسين
- تاريخ الحركة الإشتراكية في مصر – د . رفعت السعيد
- تاريخ الحركة الوطنية في مصر –شهدي عطية الشافعي
- الحركة العمالية في مصر –رؤوف عباس
- الإخوان المسلمون في الميزان -- محمد حسين .
-
#جريس_الهامس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟