محمد هاشم البطاط
الحوار المتمدن-العدد: 2796 - 2009 / 10 / 11 - 01:39
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الانسان بطبيعته يجنح للقوة ويركن اليها بدافع غريزة حب البقاء فعند رؤية أي مظاهر للخضوع تكون هناك قوة كانت نتيجتها هذا الخضوع ولا يعني الخوف - او الخضوع – بالضرورة انها صفة سلبية لهذا الفرد , فعندما يخاف الانسان ربه او مغبة الظلم فهذا شي حسن , لكن لا يمكننا تعليق مصائر الافراد والامم على حسن الظن اذ انه والحالة هذه يجب ايجاد قوى خارجية لها من الاثر بحيث تمنع بغي الناس بعضهم بعضا .
نشأت هذه القوى مع تشوء المجتمعات , فالكثرة كانت ولا تزال عامل من عوامل القوة وعندما تدعو الحاجة احدا ما للسرقة فانها عادة يسرق ما هو ملك فرد – اضعف منه او مثله – وذلك لتساوي القوى وينأى عن سرقة ملك من هو اقوى منه او ملك جماعة – لتفاوت القوى بينه وبين المسروق . فردا او جماعة وان دعته الضرورة لذالك فانه يستعين بقوى اخرى كالتخطيط والسرية والتحالف مع الاخرين -العصابة - وذلك لدرى خطر مجمل القوى المحيطة به وهذا هو الحال منذ نشوء المجتمعات بشكلها البدائي الى اليوم . كما نرى بوضوح اثر عامل – القوة العددية القائمة تحت مؤثر واحد في تكوين أي مجتمع , فكلما كانت محصلة القوى العددية _اكبر مال الى كونه اقوى وابقى واكثر حضورا في تاريخ الانسان والعكس صحيح , بمعنى ان هناك محصلة قوى واحدة لمجموع قوى لا تعدد المجاميع , مثال ذلك لو فرضنا ان هنالك مساحتين جغرافيتين احدهما ( أ ) يشغلها 1000 فرد تمثل مجموع افرادها محصلة قوى واحدة ومركز واحد , والاخرى ( ب ) لها نفس عدد الافراد لكن لكل عدد ما فرد محصلة قوى الناتج عدة مجاميع أي مراكز متعددة فتحتاج الى قوة اضافية خارجية اخرى بحيث تدمج المجاميع بعضها ببعض مما يفقدها مجاراة الاولى . بالمحصلة المثال ( أ ) مجمع اكثر قوة من الثاني .
الحال كذلك بالنسبة لاي مجتمع فعندما تتعدد مراكز القوى يصاب هذا المجتمع بداء التفكك والانقسام والصراع المستمر . يمكن القول ان مصير الامة بيد شركائها فان ساد الانقسام ذهبت تلك الامم وكان مصيرها التشرذم والزوال , ان اهم اسباب هذا التفسخ في نسيج الامة ناتج عن عدم انصهار هذه القوى في قالب الدولة الواحدة , فالفرد هو جزء من هذه القوى يلوذ بعشيرته ويدافع عنها ويرجع اليها سببا ونسبا وحربا وسلما اذ لا خشية من شي اسمه دولة فهو في داخله مؤمن بوجود عشيرة وهذه حتمية بالنسبة اليه , اما مفهوم الدولة فهو شي يضعف مرة ويقوى اخرى وينعدم احيانا تبعا للظروف وقد لا يرى الدولة الا ملاذا للضعفاء حينما تكون الدولة ضعيفة .
هذا امر طبيعي فالانسان يجنح بطبيعته للقوة والصراع القديم الحالي بين دولة تحاول انتشال سلطتها – او كما ترى – من يد العشيرة , وعشيرة تحاول جاهدة البقاء في مكمن قوة تعلق الفرد بها , ولها في السجال التريخي شواهد كثيرة انهارت بها الدولة على صرح العشيرة .
ربما يكون الهدف مبدئيا واحدا فوجود تلك القوى مع تنافرها يرمي لحفظ النوع الانساني ومنع بغي الناس بعضهم بعضا والتجاوزات تأتي بالممارسة فوجود هكذا قوى ضروري كضرورة وجود الانسان على هذه الارض , وحمل الفرد على اللجوء للقوة الاكبر فهنالك ما يبرره , فالقوة الاكبر تعني دوامه وبقائه , ولكن مهما بلغ به الطموح فانه لا يرى حدود للقوى العددية غير حدود العشيرة فمسألة الكبر والصغر تعني العشيرة فقط , ولم يفكر يوما بان الحدود الفاصلة بين العشيرة والدولة وان يعتمد في بعض الاحيان على الدولة فنلاحظ انهيار هذا الاعتماد عندما تنهار الحكومة وهي جزء من الدولة ويرجع الفرد الى احضان دائرة الصغرى ليعوض الانهار الحاصل في الدولة رغم ان هذا التجاذب قديم فو ليس حتمي البقاء ولا بد من وجود حلول لهذا الصراع بدليل ما نجده في الامم الاخرى التي عانت هكذا صراعات لحقب طويلة في تاريخها بصور واشكال مختلفة في الظاهر ومتشابهة في الجوهر . وذلك عندما وصل فهم الفرد عندهم لطبيعة الدولة وانه جزء لا يتجزأ منها انه وجود قوى في الدولة مثل القوة العددية والقوة المالية وقوة الاقناع فهو جزء من القوة البشرية التي تصنع الدولة والدولة جزء منها , سحب هذا المفهوم والاعتماد الراسخ (حتمية الرعاية العشائرية ) من الفرد باتجاه الدولة .
فعدم حصول الدولة على قوة الاقناع لديها يعني بالضرورة تخلي الفرد عن الرعاية من جهته للدولة وانحسار ولاءه للعشيرة واي كان للدولة من قوة مفرطة لوضع اليد على سلطة العشائر تولد قوى نابضة تعود اقوى مما كانت حال رفع يد الدولة من السلطة العشائرية لاي سبب كان . وهنا نوضح بعض النقاط التي يجب ان تتوفر في ردم الهوة بين الفرد والدولة , منها الاستخدام الامثل للقوة في احقاق الحقوق وجعل من قوة الدولة عامل ضغط على القوى المتجزئة وعدم السماح لظهور أي قوة تنافس قوة الدولة شريطة ان يتبع ذلك خطوات مهمة هدفها الحفاظ على هذا النجاح , أي لا نجعل من هذه القوى قوى نابضة تعود حال رفع يد الدولة عنها . ثانيا احالة كل اسباب الاقناع والرضى على عاتق الدولة أي ان الدولة هي المسؤولة عن اقناع الفرد بسياستها , فـ( الفصل يعني الغرامة والثاريعني حكم المحكمة) ويتحمل الجاني العوض من أي ضرر يلحق بالمجنى علية واشعار المظلوم بانه قوي بالقانون والاخر هو الضعيف . كذلك توعية الفرد بان كرامته مع نظام واحد فوي وهو جزء منه وليس طارئا عليه , فالمواطن هو جزء من القانون والحكومة والشعب فكرامته من كرامة الدولة والعكس صحيح . وذلك عن طريق الاعلام المباشر وغير المباشر كعمل افلام ومسلسلات ومسرحيات تحيي هذا الشعور في المواطن وتجعل من الاعراف اللاقانونية مصدرا للسخرية , كذلك خلق فكرة الدولة لدى الفرد والتركيز على كونه جزء اساسي ورئيسي منها والابتعاد عن أي رابط نسبي كالعشائرية والقومية وحتى الوطنية فهذه المفرادات لها اثر عكسي في شخصية الفرد العراقي خاصة الوطنية يشم فيها رائحة الاستفزاز او السخرية فما هو هو دارج عند العراقيين ( صاير براسي وطني او يبيع وطنيات) وله كل الحق في ذلك فليس المطلوب خلق كائن رابض في رحم عشيرة او وطن ومتى ما حصل مخاض ما انطلق على محيطه الاخر حتى اصبح سبعا ضاريا .فخلق الانسان هو ا لغاية من وجود الاديان والقوانين ومربط العلم وان مفهوم الدولة لا يبخس من حقه شيئا ولا يعني كونه مواطنا انه عبد والدولة حسب ما يفهمها سيد , بل يفهم كونه حرف من كلمة دولة . وهو جزء منها وليس حاشية لها ويملك فيها وليس مملوك لها , والانسان بطبيعته يحب ان يملك ونراه يدفع ثمن ذلك الحب من وقت وجهد ومال في سبيل ذلك الحب بينما نرى عكس النظرة من عبد الى مولاه , فالنظم الديمقراطية مناخ طيب يحيي هكذا نفوس تشير الى انها من صنع السياسة ومن ايديها تخرج الحكومات والقوانين وبما انها استلهمت المشرعين والسياسيين ووضعتهم في مهام قيمة فلها كل الحق في محاسبتهم وفسخ عقودهم ان لم يوقعوا بالعقد المبرم بين الطرفين , خلافا لما سبق من انظمة حكم تجعل الافراد تجعل الافراد فئران مختبرا ت لنزواتم وسياساتهم فالمؤتمرات تحاك بعيدة عنهم والحكام يأتون ويذهبون ولا علاقة للفرد او الشعب لا من قريب ولا من بعيد بما يجري من تبديل الحكومات والقوانين , لكن عندما يشعر الفرد بانه صانع الدولة وخالقها وجميل ما فيها من جميل صنعه وشرها نتاج تهاونه وقصر نظره تراه يحاول اعادة حياتها من جديد كما هو الحال في البلدان المتحضرة فبأيديهم تصحيح مسارات حكوماتهم , فانهم يدركون ان الحكومة هي جزء من الدولة وليس هي الدولة فان فسدت الحكومة لا يعني بالضرورة فساد الدولة باجمعها فما فيها من صالح قادر على اصلاح ما فسد , ولنا فيهم مثالا واسوة فان الفساد الحكومي يبقى خطأ ما دام في جزء من الدولة اما اذا تحولت الحكومة الى دولة فيكون الفساد خطيئة كبرى وهذا واجب المثقف في توعية الافراد وتجزئي المفاهيم ووضع العنوان المناسب للتعريف المناسب .
#محمد_هاشم_البطاط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟