أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - مفيد ديوب - ما بين العقدة من الغرب ومن الشرق .. ضاعت حدود الأوطان















المزيد.....

ما بين العقدة من الغرب ومن الشرق .. ضاعت حدود الأوطان


مفيد ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 849 - 2004 / 5 / 30 - 09:48
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في خضم المعركة التي تفجّرت أثر الاحتكاك المباشر مع الغرب المتحضّر الذي قدم إلى المنطقة العربية غازيا ,تدفعه مصالح الرأسمالية المهيمنة هناك ,وتبيان حالة التخلف الشديد التي تعيشها الشعوب العربية
وأمام التحديات الكبيرة التي برزت بقوة حاملة معها الكثير من المخاطر والكثير من الخوف المشروع وأيضا المبالغ به 0انقسمت النخب الثقافية والسياسية والدينية العربية منذ مطلع القرن الماضي إلى فريقين رئيسيين :
أولهما ,أقرّ بضرورة أستلهام تجربة ذاك الغرب المتحضّر والاقتداء به والقيام بإجراءات تحدّيثيّة مشابهة لما قام به الغرب, عّلنا نصل إلى ما وصل إليه من حضارة عظيمة وحداثة مذهلة , وإجراء قطيعة مع تراثنا الذي عجز منذ زمن بعيد عن التأسيس لحضارة لاحقة 0وقطيعة أيضا مع العادات والتقاليد والأعراف والمفاهيم المتعلقة بالماضي وكل ما يشكّل إعاقة أمام مجاراة ذاك الغرب المتحضّر00
إلا أن الفريق الثاني اختط طريقا آخر معاكس تماما للأول فرأى في هذا الغرب شرا مطلقا وخطرا كبيرا على الهوية والتاريخ والثقافة والدين ,كما تضمنت تلك المخاوف خوف على اللغة حيث كان مازال جاثما في الذاكرة شبح "تتريك" اللغة العربية من قبل الأتراك ,وتضمنت المخاوف أيضا الخوف على الأرض من الاستعمار الجديد واستمرار بقائه والذي تعزز أكثر بعد بعدما ظهر إلى العلانية وعد "بلفور" ومن ثم بدأت تصل طلائع المهاجرين اليهود إلى فلسطين 0
وقد حظي الفريق الثاني بالنصر شبه التام على الفريق الأول ,بما امتلكه من عناصر ومقومات النصر على خصمه, حيث تعاني شعوبنا من تخّلف شديد بمختلف الميادين ومن ثقافة متدنية المستوى إلى درجة تقترب من البدائية بسبب
انضواء أغلب المنطقة العربية تحت الإمبراطورية العثمانية المتخلفة مباشرة أو تحت تأثيرها0
وفي خضم المعركة الناشبة بين المشدودين إلى حداثة الغرب الحضاري ,والمدافعين عن التراث والتاريخ والدين والتي استمرت قرابة النصف الأول من القرن الماضي على نفس الثنائية: غرب /شرق, ضاعت فرصة التعرّف لأول مرة على الحدود الجديدة للأوطان التي رسمتها الدول الاستعمارية الأوروبية بما يعرف باتفاقية (سايكس /بيكو),ضاعت فرصة التعرّف على الهوية الجديدة ,وفرصة البحث عن نظرية التأسيس لبناء هذه الأوطان ,والاشتغال بهذه المهمة الكبيرة0
* * *
بعد رحيل المستعمرين عن المنطقة العربية,تعرّفت شعوب المنطقة لأول مرة في تاريخهم على نموذج الدولة الحديثة التي أرساها المستعمرين بغية إدارة مصالحهم وفق نموذجها ,والتي بموجبها عادت المدينة إلى الحياة وممارسة دورها الريادي في قيادة المجتمعات وإدارة شؤونها ,بعد أن أنهكتها هجمات" الموجات الرعوية" طيلة قرون كثيرة,عادت منهكة وعبرّت عن نفسها بتحالف سياسي هشّ وضعيف وغير متجانس 0 تحالف البرجوازية الوطنية/كبار الملاك العقاريين ,والذي مني بعد أعوام قليلة في دول المشرق العربي بهزيمة نكراء أمام العدو الصهيوني الجديد التكوّن,
بعد ذلك انفجرت الأزمة المحتقنة بالأرياف بين الفلاحين وكبار الملاك ,حيث لم تتمكن البرجوازية الوطنية الضعيفة والحديثة التشكل والعهد من إزاحة حليفها السياسي والقضاء على نمط الإنتاج الإقطاعي والتمدد إلى الريف وحلّ مشكلاته بما يخّص امتلاك الأرض وتحسين ظروف حياته البائسة,وتقوية دورة إنتاجها 0
لذا انفجرت الأزمة في الريف وركب الموجة الأحزاب الريفية, وتمكنّت من الانقضاض على السلطة بواسطة أبناءها الضباط من أصول ريفية وعبر مؤسسة العنف /الجيش / ودكّت البرلمانات ومؤسسات الدولة الحديثة وديمقراطيتها إلى غير رجعة إلى اليوم0
وحسمت المعركة بين الفريقين أنصار شرق/ غرب ,لكن هذه المرة ضد الفريقين معا,حيث قامت الموجة الريفية الجديدة باستلهام نموذج آخر جديد مختلف عن رغبات أنصار شرق /غرب, وهو نموذج الدولة الشمولية الناجز في شمال الكوكب (الاتحاد السوفييتي) والذي أبهر العيون والعقول بانتصاراته المذهلة على النازية, وأيضا في القضاء على الإقطاع, وفي تطبيق "الاشتراكية وتوزيع الثروة العادل00 في الوقت الذي كانت ما تزال شعوبنا تعلك مرارة الهزيمة أمام العدو الصهيوني,والتي تتمنى النصر عليه ورد الهزيمة مهما كانت السبل ومهما كانت التضحيات ,سواء كانت دماء الأبناء الشبان أو الحريات (الغير مهمة قياسا بالأولويات الأخرى)0
لكن ما أن انقضى عقدين على استلام وتأسيس الدولة والنظام الشمولي حتى بدأ التفسّخ والهرم خصيصا بعد أن هزم هذا النظام أمام العدو مرتين, وهزمت معه الآمال والأحلام" العروبية"00 بعد كل ذلك عادت إلى البروز من جديد دعوات أنصار الفريقين السابقين, وعادت المعركة بينهما, لكن هذه المرّة بأشكال أشدّ عنفا وأكثر "جاهلية", والذي ترافق أيضا مع قيام النظام الشمولي بممارسة العنف المعمم تجاه المجتمع بأسره وبجميع أطيافه0 فاندفع أنصار التراث والدين والتاريخ إلى مواقع أشدّ تطرّفا, وصولا إلى الإسلام الجهادي الذي حمل البندقية لحسم المعركة ضد جميع من يعاديه في مشروعه, الذي يهدف إلى شّد العربة إلى الوراء خمسة عشر قرنا0
أما الطرف الثاني وبعد انهيار المثل الأعلى الذي استلهم من الشمال (الاتحاد السوفييتي ) وانهيار آماله وأحلامه الوردية التي كانت زاهرة قبل حين ومعها أيضا انهارت الكثير من المفاهيم والأوهام ,مضاف إليه القمع الذي لحق به ودمّره ,فأدى كل ذلك به إلى الإحباط واليأس ,كما اندفع فريق منه إلى أقصى ردود الفعل
حيث بات مقتنعا بعدم جدوى المحاولات اليائسة لكسر حالة الممانعة والإعاقة من قوى الداخل, ولابد من الانتظار لحين توّفر شروط خارجية لكسرها00 خصيصا بعد أن بات الخطر يبدو جديّا من الإسلام الجهادي
* * *
وهكذا يكرّر العرب حروبهم الخاطئة ويوجهون بنادقهم توجيها خاطئا أيضا يصل الأمر إلى حد توجيهها ضد بعضهم0
وبين هذا الفريق وخصومته مع الفريق الآخر ,والذي يسعى كل منهما إلى تنفيذ مشروعه الأيديولوجي الخاص وفرضه بالقوة أو بأشكال مموّهة منها,ضاعت حدود الأوطان مجددا وانشطر وعي العرب وعقلهم وفعلهم أيضا وراء الثنائيات :التراث /الحداثة ,الشرق /الغرب ,الإسلام الجهادي/الاستقواء بالخارج ,وقطري /قومي 0 وشرعت الأطراف المتصارعة تضع في كفتي الميزان وتقوم بالمقارنات والتفضيلات
بعد أن تستخدم كل المكاييل بطريقة مسّّّطحة تتناسب والمزاج والهوى والموروث المتعفن , بعيدا عن المحاكمات العقلية والتحليل الدقيق والعميق واستخدام معايير مصالح الأوطان 0
كل ذلك بسبب أن العرب لم يتعّرفوا بعد على "حدود أوطانهم الجديدة"ولم يتحّدد في وعيهم معنى الوطن ومفاهيمه ,وهذا ما ساهم في تأخر عملية تجّذر الانتماء إلى الأوطان, وتصدّرها مختلف الإنتماءات الأخرى (الما قبل وطنية) والتي تشّكل هذه الأخيرة خطرا حقيقيا على الأوطان بالتشظي وتهدد أرهاطها بالاقتتال 0
ومما لا شك فيه أن الغرب الاستعماري وخاصة الأمريكي اليوم قد أحرج مؤيدي حداثته, وحلفاء حضارته كثيرا, ووضعهم في كثير من المراحل في الزاوية الصعبة,حيث باتوا في مواضع لا يحسدون عليها أخلاقيا ووطنيا بما يتهّمون فيه من عمالتهم لهذا المعتدي ضد شعوبهم ,وبعد أن تكشّفت الأحداث عن وحشية الغرب الفظيعة ومؤازرته الكاملة لإسرائيل 0
كما أن الطرف الثاني من الثنائية لم يكن بعيدا عن الإحراجات التي سبّبها له الإسلام الجهادي الذي مارس العنف ضد الآخر المختلف وما يزال, حتى لو كان من أبناء شعبه وأمته, وتبّدت عدوانيته وغباءه 0
وبالرغم من إحراجات الخصمين لأنصارهما, إلا أن الخصمين ما انّفكا يدوران في الدائرة ذاتها, وإجراء المفاضلة ما بينهما, دون أن يهتدوا إلى الخروج من تلك الدائرة العقيمة, إلى دائرة حدودها الوطن0 وإيجاد المشتركات الوطنية, والعمل على محاورها لتشكيل أوطان تقاوم أطماع الغرب عبر تشكيل قوتها الذاتية,وتنمية طاقاتها والإفادة القصوى من منجزات العلم وتجارب الشعوب ,وتقطع الطريق بالوقت ذاته على الإسلام الجهادي الذي يحاول العودة بالأوطان إلى العهود البائدة ,
يتوجب على العرب وغيرهم من أبناء هذه الأوطان , بعد ما وصل بهم السيل الذبا التوّقف عن الاندفاع العبثي وراء أقطاب الثنائيات,والتفتيش مجددا عن أوطانهم, والتعرف عليها وعلى مكوناتها من بشر وتاريخ وثقافة وموارد وطاقات ,والتفتيش عن سبل جديدة لإعادة صياغتها بما يناسب ويمكّن من دخول العصر,ويحّولها من أشلاء أوطان إلى أوطان حرّة يقطنها مواطنين أحرار ,يستعيدون فيها إنسانيتهم المستلبة,وبغير ذلك سيجدون أنفسهم خارج حدود الأوطان مجددا 0
4/5/2004/ مفيد ديوب



#مفيد_ديوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعركة ليست في الفلوّجة الفلسطينية.. بل في القاهرة
- إعاقات العمل الوطني الديمقراطي المشترك
- مانديلا سوري .. يحكم عليه بالسجن عاما جديدا
- العودة إلى السياسة.. مهمة وطنية بامتياز
- الخوف من الديموقراطية.. الخوف من المستقبل
- المدنية العربية .. بين الموجات الرعوية والموجات الريفية
- الديموقراطية.. العصية على العقل العربي
- المعّوقات والإعاقات .. المتجددة
- المعّوقات والإعاقات .. المتجددة
- الديموقراطية.. العصية على العقل العربي
- حول ورقة الموضوعات المقدمة إلى المؤتمر السادس للحزب الشيوعي ...
- متى يرزقنا الله بأفضلهم...؟ مفارقات صادمة .. وجلد الذات
- ثورة الحجاب
- حلب ... يا مجمع الأحرار


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - مفيد ديوب - ما بين العقدة من الغرب ومن الشرق .. ضاعت حدود الأوطان