أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - خالد صبيح - احداث بشتاشان















المزيد.....

احداث بشتاشان


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 2793 - 2009 / 10 / 8 - 01:36
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


هي صدام مسلح وقع في الأول من آيار عام 1983 بين قوات تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني(أوك) وقوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي(حشع) في منطقة بشتاشان التي كان يتخذ منها أنصار الحزب الشيوعي العراقي مقرا رئيسيا لهم، وقد حدث الصدام على خلفية صراع سياسي بين قوى المعارضة لنظام صدام حسين. سقط في هذه المعركة 65 شهيدا من أنصار الحزب الشيوعي العراقي بالإضافة إلى بعض الجرحى واسر 42 نصيرا ونصيرة. وسقط كذلك بعض القتلى والجرحى من الاتحاد الوطني الكردستاني لم يعرف عددهم بالضبط.

خلفية تاريخية.

بعد انفراط عقد التحالف السياسي في عام 1978 بين نظام البعث في العراق وبين الحزب الشيوعي العراقي فيما سمي حينها بـ (الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) التي تشكلت في تموز من عام 1973، وبعد حملة الملاحقات والاعتقالات والتصفيات الجسدية والسياسية التي شنها نظام البعث في العراق ضد حليفه في الجبهة، اضطر الحزب الشيوعي العراقي أن يلجأ إلى جبال كردستان، المعقل التقليدي للقوى القومية الكردية المعارضة للنظام، وذلك من اجل تحقيق هدفين أساسيين أولهما: إعلان معارضة الحزب للنظام واتخاذه أسلوب الكفاح المسلح كأسلوب نضالي، إلى جانب أشكال النضال الأخرى، لمواجهة الدكتاتورية، وثانيهما: إثبات الوجود وإعادة لملمة التنظيم ومد الروابط مع جماهير كردستان والعراق من جهة، ومع القوى السياسية المعارضة للنظام من جهة أخرى. غير أن منطقة كردستان كانت تشهد، قبل التحاق الحزب الشيوعي العراقي بالمعارضة المسلحة هناك، صراعات سياسية وعسكرية حادة بسبب الخلافات الأيدلوجية والسياسية والشخصية بين التنظيمين السياسيين الرئيسيين في المنطقة وهما (الحزب الديمقراطي الكردستاني)(حدك) بقيادة ، وبين الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة و <نو شيروان مصطفى>، المنشقين بالأصل عن التنظيم القومي الأم (الحزب الديمقراطي الكردستاني).

وبسبب هذا الصراع بين القوى القومية الكردية انقسمت منطقة كردستان إلى جزأين رئيسيين يهيمن على كل جزء منهما احد الأحزاب، فأصبحت بذلك منطقة (بهدينان) وأجزاء من منطقة (سوران) مثل (أربيل) و (هورمان) وغيرها تابعة لنفوذ (الحزب الديمقراطي الكردستاني). وصارت منطقة السليمانية وبعض من أجزاء (أربيل) و (هورمان) و (قره داغ) تابعة لنفوذ (الاتحاد الوطني الكردستاني). فيما انتشرت قوى الأحزاب الوطنية الأخرى، كالحزب الشيوعي العراقي والحزب الاشتراكي الكردستاني(حسك) وغيرها في جميع المناطق. بيد إن منطقة (سوران)، وبسبب من نزوع قيادات (أوك) للهيمنة على الساحة السياسية والسعي لجعل الآخرين تابعين لها، شهدت عدة صراعات سياسية وعسكرية بين (أوك) وبين القوى السياسية المتواجدة هناك رغم ارتباط (أوك) بتحالفات جبهوية مع القوى العاملة في منطقة (سوران) ضمن جبهة (جوقد) (الجبهة الوطنية والقومية الديمقراطية) أو من خلال تحالفات وتفاهمات ثنائية، على العكس مما هو عليه الحال في منطقة (بهدينان) التي لم تشهد أي صراع سياسي أو عسكري.

كان لدى جميع القوى السياسية المعارضة لنظام <صدام حسين> ألبعثي آنذاك وعيا وتوجها لتجميع الصفوف وتنسيق المواقف وتركيز الجهود في تحالفات سياسية، وقد تشكل على ضوء هذا التوجه جبهتان وطنيتان الأولى هي (الجبهة الوطنية والقومية الديمقراطية) (جوقد) في تشرين الثاني من عام 1980 والتي ضمت أحزابا سياسية عربية وكردية يعمل اغلبها في سورية ماعدا (الحزب الشيوعي العراقي) و (الاتحاد الوطني الكردستاني) اللذين كان لهما تنظيمات حزبية وعسكرية في منطقة كردستان العراق. لكن بسبب رفض (الاتحاد الوطني الكردستاني) انضمام (الحزب الديمقراطي الكردستاني) لهذه الجبهة عقد (الحزب الشيوعي العراقي) و (الديمقراطي الكردستاني) و (الحزب الاشتراكي الكردستاني) و (الحزب القومي الكردي)(باسوك) وبعض الأحزاب الأخرى في نفس العام تحالفا أسموه (الجبهة الوطنية الديمقراطية) (جود).

غير أن أجواء التشنج التي كان يشيعها (أوك)، وتواجد تنظيمات (جوقد) خارج العراق تسببا في تراجع نشاط وفاعلية (جوقد) بشكل كبير مما أدى بالنتيجة إلى ازدهار وتطور عمل جبهة (جود) بفضل أجواء الانسجام التي كانت تحيط علاقاتها. وأدى هذا إلى تطور نشاطات هذه الجبهة العسكرية والتعبوية والذي كان يقتضي بالضرورة توسعا في ميدان عملها الأمر الذي وقف (أوك) حائلا دونه بسبب من إصراره على تقسيم مناطق العمل السياسي والعسكري، وقد أحبط < اوك> نتيجة لذلك كل مساعي المصالحة بينه وبين التنظيمات القومية الأخرى والتي لعب فيها (الحزب الشيوعي العراقي) دورا ايجابيا رئيسيا ومهما.

وقع أول صدام بين قوات (أوك) وقوات (حشع) في عام 1981 في منطقة (ورته). ووقع هذا الصدام بعدما قتلت قوات (أوك) في المنطقة شخصا اسمه (عبدالله ماويلي) ـ وهو احد مرتزقة قوات فرسان صلاح الدين( الجاش أو الجحوش كما يطلق عليهم شعبيا) التي يديرها النظام ألبعثي ـ كان قد التحق هو ومجموعته بقوات (حشع). ويجدر التنبيه هنا إلى أن ظاهرة التحاق مرتزقة النظام بقوات المعارضة، أفرادا وجماعات، وكذلك التحاق مقاتلي الأحزاب المعارضة، أفرادا وجماعات، بقوات النظام، هي ظاهرة عادية ومألوفة. وقد لعب بهذه الورقة بنفس الدرجة من الكفاءة كل من النظام ألبعثي وأحزاب المعارضة على حد سواء. لكن في حالة (عبدالله ماويلي) تحججت قوات (أوك) بان لها ثار خاص مع هذا الشخص، وطالبت (حشع) بتسليمه إليها لمعاقبته، وهو أمر غير مقبول بكل المقاييس، ولهذا لم تقتنع قيادة (حشع) بهذا الطلب ولا بمسوغاته لما انطوي عليه من نزعة وصاية وفرض قرارات على حزبهم. ولكن قيادة (أوك) أصرت عامدة على مطلبها وقامت بقتل هذا الشخص مما أدى إلى استفزاز (حشع) واعتبر العمل اعتداءا عسكريا عليه فرد بضربة عسكرية في منطقة (ورته) طرد فيها قوات (أوك) من منطقة (باليسان) الواقعة في سهل( ده شت) (أربيل) وكبدها كذلك خسائر بشرية غير قليلة كان من بينها بعض القيادات الميدانية التي صار ( أوك) ينادي لاحقا بالثأر لهم.

استمر الوضع السياسي بعد هذه الأحداث بحالة من الشد والجذب لاسيما وان قيادات (أوك) كانت تريد إخضاع جميع القوى لما أسمته حينها (بالجيش الثوري الكردستاني الموحد) والذي كان يعني وحدانية (أوك) بالتواجد العسكري في كردستان. ولكن إلى جانب الصدامات حدثت ايضا حالات تعاون ميداني واتفاقات سياسية مميزة بين الطرفين توجت باتفاقية وقعت بينهما في 6 شباط من عام 1983، قبل أحداث بشتاشان ببضعة اشهر، واعتبرت اتفاقا استراتيجيا. وقد استنتج لاحقا محللون ومشاركون في الأحداث إن (أوك)، رغم عقده للاتفاقات وإظهاره النوايا الحسنة،كان يضمر شيئا آخر لعلاقاته مع الأحزاب السياسية ومع (الحزب الشيوعي العراقي) على وجه التحديد. وقد عثر الأنصار الشيوعيون،قبل الأحداث، في مقر القاطع الرابع التابع لـ (أوك) في منطقة (باليسان) في (أربيل) بعد احتلاله، على برقية من (نو شيروان مصطفى) إلى احد قادة القواطع كشفت عن هذه النوايا، و كذلك تواردت حينها أخبار وشكوك، تأكد منها الشيوعيون لاحقا، بصدد علاقة مخابرات نظام <صدام حسين> في دفع <اوك> لتوتير علاقته بـ (الحزب الشيوعي العراقي). فقد كشف بهذا الصدد احد المشاركين بالأحداث ـ هو السيد <قادر رشيد>، والذي كان على مقربة من مقر قيادة (أوك) في منطقة (ناوزه نك)باعتباره عضو هيئة ارتباط لـ (حشع) مع (أوك)، وذلك بعدما نقلت قوات (حشع) مقراتها الرئيسية إلى موقع بشتاشان،ـ في كتابه ( بشتاشان بين الآلام والصمت)، انه شاهد بعد عقد الاتفاق الاستراتيجي بين الطرفين تحركات مريبة في مقرات (أوك)، وانه عرف أن مخابرات النظام ألبعثي بإدارة (برزان التكريتي) مدير المخابرات آنذاك كانت قد أجرت جولات عديدة من المفاوضات السرية مع قيادة (أوك). وهذا التفاوض والتعاون قد أعلن < اوك> عنه لاحقا بصراحة، حيث لم تخف قيادات (أوك) علاقتها مع النظام وتعاونها وتفاوضها معه الذي استمر لغاية عام 1985. ولكن المهم في الأمر أن بعض المحللين والشهود ربطوا بين هذه المعركة (بشتاشان) وبين علاقة (أوك) بالنظام، واعتبروا على ضوء ذلك أن جريمة (بشتاشان)، كما أسموها، هي إحدى جرائم النظام وان نفذت بأيدي قوى سياسية معارضة له، وطالبوا بناءا على ذلك، بعد سقوط النظام ألبعثي في عام 2003، بإحالة المسؤولين عن هذه الأحداث وعلى رأسهم (جلال الطالباني)، رئيس الجمهورية الحالي(2009) و (نو شيروان مصطفى) السياسي الكردي البارز في إقليم كردستان، بالإضافة إلى بعض الأسماء الأخرى، إلى المحكمة الجنائية الخاصة المعنية بجرائم نظام البعث. وقد رفع هؤلاء نداءات ومذكرات إلى الهيئات القضائية والى الرأي العام العراقي والعالمي لشرح أبعاد قضيتهم. وقد أسسوا موقعا الكترونيا يحمل اسم (بشتاشان) وضعوا فيه كل المطالب والمساهمات التي تخص الواقعة.

المعركة
في يوم 18 نيسان هوجم مقر بشتاشان بالمدفعية من قبل قوات المرتزقة الحكومية رافقه تقدم محدود لقطعات عسكرية توقف في نفس اليوم. وكان ضمن التوقعات والمعلومات المتوفرة لدى القيادة الميدانية هو إمكانية أن تشن قوات النظام هجوما جويا واسعا على المنطقة، لذلك كانت قوات الأنصار في حالة إنذار دائم منذ ذاك التاريخ لغاية وقوع هجوم قوات (أوك) في الأول من أيار.

كان مقر بشتاشان مقرا مركزيا تمركزت فيه قيادات وهيئات الحزب الشيوعي العراقي السياسية والعسكرية والإعلامية والإدارية والطبية، وعلى الشكل التالي:

ـ أكثرية اللجنة المركزية للحزب.
ـ كل أعضاء المكتب السياسي.
ـ كل أجهزة القيادة الحزبية المركزية وفي المقدمة الإعلام والإذاعة والطباعة الخ.
ـ المكتب العسكري المركزي (معم) وأجهزته.
ـ قيادة إقليم كردستان.
ـ إضافة إلى الطبابة.. هيئات التحقيق. السجن ولجنة المضادات الجوية.
ـ أعداد واسعة من كادر التنظيم الحزبي( تنظيمات المدن).
ـ وعمليا حوالي 25% من كل القوى المسلحة للحزب (400 من مجموع حوالي 1600)
ـ أجهزة الاتصال المركزية ـ العسكرية والحزبية.
(المعلومات مستقاة من مذكرات باقر إبراهيم القيادي السابق في الحزب الشيوعي العراقي)

ولان المقر كان مقرا خلفيا وتوجد فيه الطبابة المركزية كان ينقل إليه المصابون من المعارك في مواقع المفارز وكذلك المرضى، وتواجد فيه كذلك بعض كبار السن وبعض عوائل الأنصار.

ينقسم موقع (بشتاشان)، وهي واحدة من مجموعة قرى مهجرة، تقع على السفح الجنوبي لجبل قنديل، إلى ثلاثة محاور. هي (بولي) و (اشقولكة) و (بيانة). وقد شنت قوات <أوك> هجومها على الموقع من هذه المحاور. مع التركيز على منفذ (اشقولكة) لأنه المنفذ الوحيد المفتوح على خط الانسحاب باتجاه القرى العراقية، وما عداه فالمنطقة شبه مغلقة، وبالسيطرة على هذا الموقع الاستراتيجي تسقط المنطقة عسكريا.

كانت قوات <أوك> تتكون من عدة آلاف من المقاتلين (أكثر من فرقتين) قد تم سحبهم من جميع محاور العمل العسكري لشن هذا الهجوم، وذلك بعدما أوقفت قيادة <أوك> كل عملها العسكري ضد قوات النظام ارتباطا بتفاوضها وتصالحها معه. وكانت هذه القوة مجهزة بأسلحة حديثة، خفيفة ومتوسطة ساندة وبعيدة المدى< بي كي سي> وببنادق قنص حديثة، وكذلك بأجهزة اتصال لاسلكية حديثة ومتطورة لم يسبق لأي قوة من قوات الأنصار امتلاكها. وعرف لاحقا أن النظام ألبعثي هو الذي زود قوات (أوك) بهذه الأسلحة والمعدات.

شن الهجوم في ساعات الصباح الأولى، وكان الأنصار الشيوعيون يعتقدون حتى مطلع النهار أن المهاجمين هم مرتزقة النظام من الفرسان(الجاش أو الجحوش).مع إن هذا الظن لا ينسجم والخبرة العسكرية والميدانية لحرب الأنصار التي تخوضها المعارضة العراقية في جبال كردستان، لان المرتزقة عادة لا يشنون هجوما على مواقع أو مفارز إلا بعد أن يسبق ذلك قصف للطيران والمدفعية.

في معركة اليوم الأول لم تستطع قوات (أوك) تحقيق أي تقدم، فقد قاومتها القوة المتواجدة هناك رغم قلة العدد والعتاد وضعف الاستعداد، حيث ذهب بعض من عايش التجربة إلى أن الهجوم كان مفاجئا واعتبروه هجوما غادرا لان (أوك) بالمحصلة هو حزب حليف، وعلى ضوء الاتفاق الاستراتيجي الذي وقع معه، وحسن النوايا التي كان يعلنها بشكل دائم، لا يمكن أن يتوقع منه شن هجوم واسع يستهدف ابادة الأنصار الشيوعيين وإنهاء وجود الحزب المسلح.

في اليوم الثاني وبعد أن أدركت القيادات العسكرية والحزبية للانصار الشيوعيين استحالة رد الهجوم تقرر الانسحاب. وفي الانسحاب، الذي شابته الفوضى، استشهد أكثر المقاتلين، كما وقع في الأسر عدد آخر منهم بلغ تعداده (42) نصيرا ونصيرة، بالإضافة إلى عضو المكتب السياسي ومسؤول الحزب الأول في كردستان (كريم احمد) وعضو اللجنة المركزية (احمد باني خيلاني) بالإضافة إلى عدد من الكوادر الحزبية والعسكرية المتقدمة. وكان خط الانسحاب الوحيد أمام الأنصار إلى الأراضي الإيرانية، حيث مقرات (الحزب الديمقراطي الكردستاني) الحليف في جبهة جود، هو جبل قنديل. وكان طريق الانسحاب وعرا وطويلا ومليئا بالثلوج.

أصداء وتداعيات

لقد تركت المعركة آثارا سلبية كبيرة انعكست بقوة على وضع الحزب والأنصار الداخلي. فقد خلفت هذه المعركة شعورا عميقا بالمرارة لدى الكثير من الأنصار اخذ شكل تمرد ورفض وقنوط أدى إلى موجة من الانسحابات اخذ بعضها شكل منح دراسية إلى الخارج، لاسيما وان داخل القيادة كان هناك توجها لم يكن ينظر بايجابية للعمل العسكري، وأراد في أحسن الأحوال قصره على الشيوعيين الأكراد فقط، فغذى هذا التوجه حالة التردي والانسحاب. غير أن توجها آخر اخذ يلعب دوره أيضا وهو إصرار أنصار كثيرين أرادوا أن يكرسوا تجربة العمل المسلح ويعيدوا الحياة إليها، فآثروا البقاء والقيام بأعمال عسكرية تعيد هيبة الحزب وحركة الأنصار. وقامت قيادة الحزب بمراجعة للتجربة واتخذت قرارتها بالرد الثأري فيما سمي بمعركة (بشتاشان الثانية)، وهي عملا عسكريا واسعا كانت جبهة (جود) قد قررت القيام به في نفس العام ضد مقرات (أوك) إلا انه لم ينجح بسبب انعدام الانسجام في الأهداف والنوايا بين قوات جود، وكذلك لاستعداد قوات (أوك) الجيد لمواجهته بدعم عسكري ولوجستي مباشر من النظام.

وكان أيضا من ثمار تجربة معركة (بشتاشان) أن شدد (الحزب الشيوعي العراقي) من قبضته على التنظيم الحزبي، وعزز من إجراءات القمع والضبط الحزبي لما اسماه حالة التسيب واللبرالية لاسيما بعد انعقاد اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي عام 1984. وذلك بعد موجة النقد الشديد الذي مارسه عدد من الأنصار ضد قيادة الأنصار وضد قيادة الحزب وتحميلهما مسؤولية الهزيمة وسوء التخطيط والتعبئة المعنوية وضعف الإعداد الفكري والسياسي.

وبهذا الصدد يذكر الدكتور (رحيم عجينة)، القيادي في الحزب وحركة الأنصار، في الصفحة 175 من مذكراته المعنونة (الاختيار المتجدد) مايلي:
(.. لكن الحركة أصيبت بنكسة وضربة قوية نتيجة الصدام الذي حدث مع قوات الاتحاد الوطني الكردستاني(أوك) في بشتاشان في عام 1983، حيث ترك الصدام والخسائر التي نجمت عنه آثارا سلبية على الصعيد العسكري والسياسي وعلى معنويات الشيوعيين وأصدقائهم وشدد أزمة الثقة بين الأنصار وقيادة الحزب.)
ولاحقا بعد سقوط النظام ألبعثي في عام 2003 برزت إلى الواجهة مطالبات من شيوعيين عايشوا التجربة دعوا إلى فتح ملف بشتاشان وتقديم المسؤولين عنه إلى القضاء. ورافق هذه المطالبة من هؤلاء نقدا لما أسموه صمت وتواطؤ قيادة الحزب الشيوعي العراقي مع قيادة (أوك)، وتجنبها ذكر هذه المعركة وشهدائها والحديث عن حيثياتها وتفاصيلها في إعلام الحزب. وقد عزا هؤلاء الشيوعيون أسباب سلبية وضعف موقف قيادة الحزب من هذه القضية إلى ارتباط القيادات الحزبية بمصالح سياسية ومادية شخصية مع قيادة (أوك)، ومع الحركة القومية الكردية.

***

هناك تساؤل مهم يطرح نفسه في هذا السياق وهو: ما الذي يميز هذه المعركة ويمنحها هذه الأهمية الاستثنائية مع إنها معركة صغيرة في حجمها وعدد ضحاياها إذا ما قورنت بالمعارك التي وقعت بين قوى المعارضة في كردستان فيما اصطلح على تسميته بـ(اقتتال الإخوة)، والتي راح ضحيتها الآلاف من المقاتلين يفوق عددهم بكثير الأعداد التي سقطت في مواجهة النظام ألبعثي؟. ولماذا يأتي تركيز الأصوات الناقدة عليها مع أنها ليست المعركة الوحيدة التي خاضها الأنصار الشيوعيون ضد قوات (أوك)، فقد سبقتها معارك ولحقتها معارك أخرى ايضا؟.

يشرح الناقدون أهمية هذا الحدث في مقالات كتبوها ونشروها في مواقع الانترنيت بان هذه المعركة وقعت أولا بأسلوب غادر، فقد كان (الحزب الشيوعي) وأنصاره مطمئنين لـ (أوك) بعد عقد الاتفاق السياسي الذي وقعوه معه في شباط من نفس العام وسمي بالاتفاق الاستراتيجي، وان الهجوم بيت وشن بطريقة لا تعكس أي قدر من الفروسية أو أخلاق القتال المتعارف عليها (وهي أن يستهدف عادة مقاتلون لمقاتلين مثلهم وليس لمقرات خلفية)، بالإضافة إلى أنها تفتقد الى البواعث والأسباب الفعلية، ولم يحركها سوى شعور الحقد العنصري والكراهية التي تكنها قيادات(أوك) وشخص (نو شيروان مصطفى) بالذات لكل القوى السياسية الأخرى وبشكل خاص لـ (لحزب الشيوعي العراقي). وهي ثانيا، قد استهدفت دون ضرورة أو مبرر ابادة الشيوعيين وإنهاء وجودهم المسلح ومحاولة إذلالهم. وقد مورس فيها ثالثا، قتلا متعمدا للأسرى، وهو أمر مناقض لمبادئ الحرب، لاسيما بين قوات المعارضة، والاهم والأخطر انه قد جرى إعدام الكثير من الأسرى على أساس عرقي عنصري لكونهم من العرب، وهذا يعتبر جريمة عنصرية مقصودة وليس نتاج عادي لمسار معركة عسكرية. وأخيرا فقد أكد هؤلاء الناقدون على إن هذه المعركة بالذات قد تمت بالتنسيق والاتفاق مع نظام (صدام حسين) وإنها كانت عربون أو هدية التفاوض بين (أوك) وبين النظام، ولهذا فهم يصرون على اعتبارها واحدة من جرائم النظام، حسبما يطرحون، وان نفذت بيد قوى معارضة له وحليفة لـ (لحزب الشيوعي العراقي).

***
كتبت هذه المادة للنشر في (ويكيبيديا) الموسوعة الحرة
رابط موقع بشتاشان
http://web.comhem.se/kut/Beshtashan.htm



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيء من لوثة الايدلوجية
- تشاركوننا جرائمنا أو نشارككم براءتكم
- شبح التطرف في كردستان
- شهداء منسيون
- معوقات وحدة اليسار العراقي
- صناعة الخصوم
- معضلتان يساريتان
- تعرف الأشياء بأضدادها
- عبء التاريخ
- طرائف ديمقراطية
- قراءة اولية في انتخابات مجالس المحافظات
- شارة النصر
- عالمية القضية الفلسطينية
- في إنصاف النقد
- إحراجات غزة
- أدوات العدوان الإسرائيلي
- غزة والعرب
- حذاء الزيدي ووجوه البعثيين
- لماذا اتحاد لكتاب الحوار المتمدن
- اتحاد كتاب الحوار المتمدن


المزيد.....




- الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
- ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات ...
- إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار ...
- قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
- دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح ...
- كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع ...
- -كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة ...
- مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل ...
- القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت ...
- الخارجية: روسيا لن تضع عراقيل أمام حذف -طالبان- من قائمة الت ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - خالد صبيح - احداث بشتاشان