|
عراق مابعد 9 نيسان 2003 بين مأساة الداخل وتنظير وهلوسة الخارج
مصطفى القرة داغي
الحوار المتمدن-العدد: 2791 - 2009 / 10 / 6 - 22:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد الزلزال الذي أصاب العراق عام2003 وهزّه من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه إمتلأ الإعلام العراقي بالخارج والمتمثل بمواقع الإنترنت والصحف والفضائيات بتنظير تصدى له الكثير من العراقيين الذين إمتلئت بهم أرجاء المعمورة كان أغلبهم للأسف مِن تيار وجيل مَسكون بعقد الماضي وإشكالياته لا يرى ولا يريد أن يرى واقع الحال بالبلاد كما هو لأنه سيكتشف حينها زيف ما إندفع ورائه وروج له من خطوات وأفعال بعد 2003 لذا جاء تنظيرهم بمُجمَلِه طوباوياً لا يشبع جوعاناً ولايكسي عرياناً بل ومُضِر أحياناً.. لقد تصدى لهذا التنظير صنفان أحدهما مثقف بحق لكنه أضاع البوصلة تُحرِّك قلمه الآيديولوجيات الحزبية وعُقد الماضي القريب وكتاباته رغم إبتعادها بأحيان كثيرة عن الواقع إلا أنها أكثر إخلاصاً من غيرها.. أما الثاني فمريض طاريء على الثقافة لا علاقة له بها مِن قريب أو بعيد أمسك بالقلم ليشبع غرائز ثأرية وعقد نقص تأريخية عمرها مئات السنين وليدافع عن كيان وَهمي يريد أن يجعل منه حقيقة واقعة بأي شكل ليبقى هو وأمثاله يدورون في فلكه ويتصدرون مشهده بزمن أصبحت الغلبة والسيادة فيه لمن هب ودب فهؤلاء يروجون كببغاوات لكل حكومات مابعد 2003 لا لشيء سوى أنها جائت بعد هذا التأريخ لأن عدائهم مع النظام السابق كان لإنتماء شخوصه الطائفي والعِرقي والحزبي لا لسياساته وممارساته فلما سقطت تلك الشخوص إنتهى الأمر بالنسبة إليهم بدليل أنهم يطبّلون اليوم لمَن يقومون بمُمارَسات بمُستوى سوء مُمارَسات شخوص ذلك النظام بل وأسوء لمجرد أنهم كانوا معارضين له وجائوا بعده أو لأنهم من نفس طائفتهم وقوميتهم التي كان التعصّب لها سبباً في مواقف الكثيرين منهم من ذلك النظام وليس الرغبة بالتخلص من ديكتاتوريته وشموليته وإقامة نظام ديموقراطي تعدّدي بل إن بعضهم لازال يعيش أجواء البيئة المريضة التي نشأ فيها رغم أنه يقيم منذ سنوات بدول الغرب المتحضرة والمتمدنة فنرى كتاباتهم مليئة بمصطلحات الجهل والتخلف وبروح الثأر والإنتقام وبنَفَس الطائفية المقيت لذا نراهم يصورون الجحيم الذي يعيشه العراقيون اليوم جنّة عدَن والقوانين العوجاء والممارسات العرجاء إنجازات تأريخية ومِن دكتاتورية أمراء الطوائف التي تجثم على صدر العراق والعراقيين ديمقراطية ومن الفوضى العارمة التي تعُم العراق حرية ! لقد فشل سياسيوا ومنظروا الخارج بإمتياز ليس فقط بحكم العراق بل وبالتعايش مع مشكلات أبنائه وإيجاد الحلول لها فهم يريدون إجبار الشعب العراقي كله على التعايش مع أوهامهم وعقدهم بدلاً أن يحاولوا هُم التعايش مع مشاكل هذا الشعب وحلها..فحلولهم التي جاؤوا بها من الخارج كالمحاصصة الطائفية والعِرقية وحل الجيش تُحاكي عُقدهم وتُشفي غليلهم وتُرضي طموحاتهم لاطموحات الشعب العراقي الخالي من عقد سياسيواالخارج ومُنظِّروهم المسكونين بعُقد إضطهاد وإستقطاب طائفي وعِرقي تظهر أنعكاساتها بوضوح في سياساتهم وممارساتهم وخطابهم الإعلامي وبعقدة البعث والخوف من عودته للسلطة لذا نراهم سارعوا بإقرار قانون إجتثاث البعث قبل توفير الخدمات لشعبهم ولازالوا ينسبون له ولفلوله كما يُسمّونها كل القلاقل والمشاكل التي تحدت اليوم بالعراق مُتناسين أن أغلب القيادات الوسطى للبعث تمّت تصفيتها من قبل أحزابهم وميليشياتهم فيما قواعده الدنيا باتت نفسها اليوم قواعد أحزابهم ومُتناسين أن المنطق والوضع المحلي والإقليمي والدولي لا ولن يَسمَح بعودته للسلطة لكنها ورقة يلعبوها لخداع العراقيين وخداع أنفسهم وتبرير فشلهم الذريع في بناء الدولة التي قاموا بتدميرها وتدمير مؤسساتها بأيديهم بعد 2003..فالعراق يعيش اليوم مأساة مروّعة لم يشهد لها مثيلاً طالت كل جوانب الحياة التي يعيشها الإنسان العراقي الإجتماعية والإقتصادية والتعليمية والصحية والثقافية والسياسية فيما لايزال البعض يتحدث ويُنَظّر عَن التحرير والديمقراطية والأحزاب الوطنية التي ناضلت ضد الديكتاتورية وعن تضحيات مناضليها ونيّتها في بناء عراق ديمقراطي تعددي فيدرالي دستوري وغيرها من إدعائات ظَهَرَ زيفها وثبُت بطلانها أمام ما نراه ونسمعه يومياً في عراقنا الجريح . إن الدليل على التناقض الكبير بين ضبابية تنظير الخارج وحقيقة مأساة الداخل والفجوة الكبيرة التي تفصل بينهما هي وصف أغلب هؤلاء لما حدث في 2003 بسقوط النظام في حين أن ما حدث كان سقوط الدولة العراقية وإنهيار مؤسساتها والتي كان سقوط النظام الحاكم تحصيل حاصل لسقوطها الذي طالت تداعياته كل شيء فالدولة التي تدّعي بعض أحزاب المعارضة السابقة بنائها حالياً لا تحمِل ولا تتبنّى إرث الدولة العراقية التي تأسست بعشرينات القرن الماضي على يد الملك المؤسس فيصل الأول بل أنها تُبنى منذ 2003على أنقاضها وفق أفكار ورؤى غريبة ودخيلة على العراق والعراقيين بعد أن دمرتها سياسات هذه الأحزاب (المناضلة) منذ كانت بالمعارضة وحتى وصولها للسلطة ومِن قبلها طبعاً الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم العراق والتي هي مِن نفس عينة هذه الأحزاب.. ويبدوا أن هذه الأحزاب لم تكتفي بتدمير العراق وإفساد حياة العراقيين داخل العراق لذا فقد عمدت لإفساد حياتهم خارجه فبعد تسلطها على مقدرات العراقيين داخل العراق إتجهت للتسلط على مقدراتهم في الخارج بحجة تشكيل مؤسسات للجالية العراقية تمثلهم وترعى مصالحهم وتتحدث بإسمهم كما بألمانيا على سبيل المثال في حين أنها ليست سوى واجهات لهذه الأحزاب التي تدّخلت بعملية تأسيسها من اللحظة الأولى وأدخلت بها كل أمراضها السرطانية المُزمنة بدئاً من المحاصصة المقيتة وصولاً لتسقيط ومحاربة من يختلفون معها ويعترضون على عملها وهي نفس ممارسات أحزاب الداخل مع العراقيين مِن جهة ومع بعضها البعض مِن جهة أخرى.. فواجهات ودكاكين هذه الأحزاب هي التي أفشلت مشروع سابق تبنّته منظمة مجتمع مدني عراقية مستقلة في برلين لتشكيل مؤسسة تمثل العراقيين وترعى مصالحهم في ألمانيا لأن القائمين على المشروع حينها رفضوا تدَخّل هذه الأحزاب وهيمنتها على مقدرات تلك المؤسسة فوُأدت بمَهدِها من قِبل إمّعات ودكاكين هذه الأحزاب وبعد أن تحقق لها ذلك عادت بعض هذه الأحزاب قبل فترة لترعى بنفسها مشروع تشكيل مؤسسة تتبنى تمثيل طائفة معيّنة من العراقيين كان مصيره الفشل لأنه لم يحظى بدعم الجالية العراقية في ألمانيا التي ترفض هذه التقسيمات الدخيلة عليها وعلى إرثها الحضاري وثقافتها الإجتماعية واليوم تتبنّى هذه الواجهات والدكاكين مؤسسة تدّعي تمثيل الجالية العراقية في ألمانيا إلا أنها وأحزابها صاحبة القرار الأول والأخير فيها وقد شهدت الإجتماعات التحضيرية للمشروع مهازل لامجال لذكرها الآن وعندما جاء اليوم الموعود لتأسيسها جاء ظنّنا بمحله فالقوائم التي رشّحت لعضوية المؤسسة حملت نفس أسماء القوائم التي شاركت بإنتخابات الداخل والتي باتت غير مُحبّبة لأغلب العراقيين أما الخطاب الإعلامي فقد جاء مُحبطاً ويدعوا للتفرقة إذ تجد فيه جملة مثل (الأحزاب العراقية والأحزاب الكردستانية) ولا أدري مالفرق بين الإثنين أليست الأحزاب الكردستانية عراقية كما نجد فيه جمل دخيلة من قبيل (الأقليات كالمسيحيين والإيزيديين) فوفق أي منظور(تقدّمي ديمقراطي)تم إعتبار المسيحيين والإيزيديين أقليات وهم أبناء العراق الحقيقيين وأحفاد مؤسيي حضاراته العظيمة ! إن مشكلة من نظّروا وينظّرون اليوم في الشأن العراقي هي ان أغلبهم مؤدلجون أما يسارياً أو قومياً أو إسلامياً وتراهُم بما هُم فيه منذ نصف قرن فرحون رغم أنه لم يجلب لبلادهم سوى الدمار فهم يرفضون إعادة النظر بآيديولوجياتهم ويعتزون بها ويفاخرون بإنجازاتها التي أعادت الدول التي حكمتها عقود الى الوراء ولنا في دول الإتحاد السوفيتي السابق وفي أفغانستان وإيران وأغلب الدول العربية خير مثال لما يمكن أن يأول إليه حال الدول التي يحكمها فكر اليسار أو الفكر القومي أو الإسلام السياسي.. فقسم منهم يُنَظِّر ويُسَوّق لأحزاب ما بعد 2003 ويجعل قادتها وزعمائها بمصاف الآلهة لا لشي سوى أنهم جاؤوا بعد صدام حسين ونظام البعث بل وتصل الجرأة ببعضهم الى حد تشبيه ما يحصل اليوم من مآسي ومهازل في العراق بما حصل قبل نصف قرن في ألمانيا واليابان متناسين ومتجاهلين ربما عن سذاجة أو سوء نِيّة بأننا قد إجتزنا السَنة السادسة لسقوط نظام صدام والبلاد لم تتقدم ولا حتى خطوة واحدة على طريق أي شيء فيما أصبحت ألمانيا بعد سنوات معدودة من سقوط هتلر ونظامه النازي ثاني أكبر قوة إقتصادية في العالم وهي التي كانت أواخر الحرب العالمية الثانية بحال أسوء من حال العراق قبل ست سنوات والسبب هو أن الساسة الألمان الذي جاؤوا بعد التغيير لم يُقدِّموا البلاد على طبق من ذهب للقوات المحتلة ولم يُحرّضوها على حل الجيش الألماني ولم يبيعوا مؤسسات الدولة ومنشآتها المدنية والعسكرية (تفصيخ) لدول الجوار ولم تكن لهم ميليشيات تتاجر بأموال الدولة وأرواح أبنائها.. أما القسم الآخر فهم يُنَظِّرون للنظام السابق ولازالوا يَتغنّون به وبخصاله الحميدة وإنجازاته الرشيدة التي لم نرَ منها سوى الحروب والحصار والموت والدمار متناسين ومتجاهلين أيضاً عن جهل أو ربما سوء نِيّة بأنه كان السبب وراء كل ما حدث ويحدث اليوم بالعراق فلولاه لما وصلنا للحال التي نحن عليها اليوم.. وقد يتحجّج البعض بمَقولة أن الشعب العراقي قد إنتخب هؤلاء وجوابنا هو أن هذا لا يعني بأنهم ما يَطمح إليه أبناء هذا الشعب لكن (مِن الماكو) فالذين منحوا أصواتهم لبعض القوائم الليبرالية واليسارية الخجولة ليسوا بالضرورة يساريون وليبراليون بل أنهم يرون بهذا التيار سداً مِن المُمكن أن يقف بوجه تيارات الإسلام السياسي التي تسطوا اليوم على السلطة وتجثم على صدورالعراقيين ومَن منحوا أصواتهم لتيارات الإسلام السياسي فعلوا ذلك ليس حباً بها بل خوفاً من الآخرة بعد سَيل الفتاوى والشعارات التي بدأت تنهال عليهم من رجال الدين بعد2003 خصوصاً أن أغلبهم لم يرَ شيئاً من دنياه لذا يُريد أن يضمن آخرته حسب وجهة نظره البسيطة أما من أعطوا أصواتهم للتيار القومي بكل أنواعه فهم لم يعطوها حباً به وبزعمائه بل لعدم وجود غيرهم وخوفاً منهم ومِن بديل مَجهول قد يكون أسوء منهم خصوصاً وأن أغلب هذه الشرائح قد تعرضت طوال السنوات السِت الماضية لأكبر عملية غسل دماغ عرفتها البشرية جعلها تتقوقع على طوائفها وقومياتها وأديانها وتصبح بالتالي لقمة سائغة لهذه الأحزاب وسيبقى الحال برأينا كما هو عليه في المستقبل القريب لحين ظهورتيار وطني علماني ليبرالي قوي من الممكن أن تكون نواته تحالف سياسي بين القائمة العراقية وجبهة الحوار الوطني وحزب الأمة العراقية والحركة الملكية الدستورية وبعض الشخصيات والتيارات العلمانية الليبرالية المستقلة الأخرى يأخذ زمام المبادرة ويقف بوجه كل الشخصيات والتيارت المُنتهية المفعول التي طرأت على السياسية العراقية والمجتمع العراقي وحتى يأتي ذلك اليوم سنبقى نقرأ الكثير من التهريج والسفسطة والخزعبلات والهلوسات والقليل مِن المنطق وصوت العقل . وهنا أود أن أسأل هؤلاء المنظرين سؤال يدور بخلد الكثير من العراقيين من أبناء جيلي والأجيال التي تلته وهو..لماذا تريدون منا أن نصدق تنظيركم ونسير خلفه وهو لم يجلب لنا أي خير بل لم نر منه سوى تدمير لبلادنا وتحطيم لمستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة ؟.. ماذا قدّمتم وقدّمت أحزابكم للعراق والعراقيين خلال نصف قرن سوى الدكتاتورية والعودة الى الوراء لعشرات السنين سياسياً وثقافياً وإجتماعياً وإقتصادياً وحوّلت العراق على سبيل المثال مِن بلد مُصدِّر للحبوب وهو فَتي في طور التأسيس الى بلد مستورد لها وهو يملك ميزانيات بمئات المليارات ومن بلد تحكمه ثقافة الصالونات الأدبية والإجتماعية الى بلد تحكمه ثقافة القتل والسحل والدريل والتعليق على أعمدة الكهرباء ؟.. كيف تريدون مِنّا أن نُصَدِّق تنظيركم عن الشرعية الدستورية وأحزابكم بمجملها أحزاب إنقلابية تؤمن بالشرعية الثورية قَضَت جُلّ عمرها في حياكة المؤامرات والإنقلابات فكانت أول من إنقلب على الشرعية الدستورية التي كانت قائمة بالعراق قبل 1958ثم بدأت لعبة الإنقلاب على بعضها البعض حتى أوصلتنا مراهقاتها السياسية لكارثة 2003؟.. كيف تريدون مِنّا أن نُصَدِّق تنظيركم عن إحترام القانون وغالبية أحزابكم إلامارحِم ربّي مليشياوية أمتلكت سابقاً ميليشيات لطالما نَظّرتُم لها ولممارساتها اللاإنسانية كالمقاومة الشعبية والحرس القومي والجيش الشعبي أو تمتلك اليوم ميليشيات كالتي تَشَرّفنا بمعرفتها بعد 2003 بتأريخها المخزي في محاربة جيش بلادها وحاضرها ومستقبلها الدموي الأسود الملطّخ بدماء الشعب العراقي والتي سَيُسَجّل لها التأريخ أنها كانت سبب إندلاع أول حرب أهلية شهدها العراق خلال تأريخه الحديث ورغم ذلك لايزال الكثيرون منكم يصفونها (بالوطنية) وبأنها ذات(تأريخ نضالي مُشَرّف) في مقارعة الدكتاتورية وبالفعل كوفيء أغلبها بأن بات عماد أجهزة الدولة ومؤسساتها !.. وأخيراً كيف تريدون مِنّا أن نُصَدِّق تنظيركم عن الديمقراطية فيما أغلب أحزابكم شمولية تؤمن بفكر الحزب الواحد ورؤساء أحزابكم الذين تطبلون لهم يتربّعون على هرم رئاستها منذ عقود والكثيرين منهم ورًثوها وسيُوَرّثونها لأبنائهم وأبناء عمومتهم وخؤولتهم!.. ألستم أنتم من إنتفظتُم كرجل واحد دفاعاً عن الأخلاق والمُثل والمباديء الإنسانية وأنقضضتم بأقلامكم كالأسود على صحفي مهما أتفقنا أو أختلفنا بتقييم مافعله مع رئيس دولة محتلة لبلادكم طالما وصفتها شعاراتكم وأدبياتكم الحزبية بالرأسمالية الإستعمارية وبالشيطان الأكبر ولم تدّخروا وصفاً مُشيناً إلا وصفتموه به إلا أنه لا يقارن بالجريمة الوحشية البشعة التي لا تقِرها المُثل والأخلاق والمباديء الإنسانية التي قام بها نفر من الرعاع قبل نصف قرن بحق عراقيين أبرياء من أبناء جلدتكم أسسوا دولة العراق الحديثة وأخلصوا لها لا تزالون مُمتنعين عن أدانتها وتصمتون كالموتى عن وصفها بالجريمة ووصف من قاموا بها بالمجرمين بل لايزال الكثيرون منكم يصفونها بالعمل العظيم ويصفون مرتكبيها بالثوار والأبطال.. هذا هو منطقكم وهذه هي إزدواجيتكم فكيف نصدق بعد كل هذا تنظيركم وكلامكم عن قيم ومباديء كنتم أول الخارجين عنها والمنقلبين عليها (عفواً لا يلدغ المؤمن من جحر عشرين مرة!) . خلاصة الكلام هي أن هنالك اليوم فجوة واسعة وشاسعة بين الجيل الذي نَظّرَ ويُنَظِّر لما حدث ويحدث في العراق منذ 2003 وبين غالبية الشعب العراقي بأجياله المختلفة وهذه الفجوة لن تُردم بل وستزداد إتساعاً حتى يتحقق أمرين.. الأول.. أن يعود هؤلاء(المنظرين)لصوت العقل والمنطق ونقرأ لهم نقداً ذاتياً لأنفسهم ولقواعدهم وأحزابهم قبل أن نقرأ نقدهم لأعدائهم خصوصاً أنهم لم يكونوا بأفضل حالاً منهم فلا تيار اليسار الذي كانت له الكلمة الطولى بعد إنقلاب1958قد أعطى حينها مثالاً عملياً على ديمقراطيته ولا التيار القومي الذي حكم العراق لأربعين سنة منذ 1963وحتى 2003 قد فعل ذلك ولا تيار الإسلام السياسي الذي يحكم اليوم قد فعلها بل إنه الأسوء مِن بين مَن سبقوه بجميع المقاييس.. وإن كان الجميع يلتقون بسيّئة كونهم تيارات شمولية دكتاتورية تؤمن بالفكر الواحد فلتيار اليسار والتيار القومي حسنة أنهما علمانيان يؤمنان بفصل الدين عن الدولة وهي الحسنة التي يفتقدها بل هي بالضد من أساس فكر الإسلام السياسي الذي يرى بأن الإسلام دين دولة وهذا سبب ما يحدث اليوم في العراق . الثاني.. أن تعترف أغلب الأحزاب التي جائت من الخارج والتي تدير العملية السياسية العرجاء الجارية بالعراق حالياً بأنها وكل مَن نظّروا لها قد فشلوا بحكم العراق والتعامل مع إشكالاته السياسية والإجتماعية والإقتصادية ويجب أن ويُقِرّوا (وبالفم المليان) بأنهم جزء بسيط من كل كبير إسمه العراق فيه من هُم يختلفون عنهم في الرؤى بل وربما هم أفضل منهم في التعاطي والتعامل مع إشكالاته وبأن عليهم ربما أن يفسحوا المجال لهؤلاء وبأن ما جائوا به من أفكار ووصفات وطبخات معلبة للعراق تم طبخها في لندن وصلاح الدين لا تصلح للعراق.. فإبن بغداد سيبقى بغادلي وإبن بغداد والعراق وولائه وإنتمائه لهما قبل أن يكون إنتمائه عربياً أو كردياً أو تركمانياً أو شيعياً أو سنياً وقبل أن يكون ولائه للطائفة أو القومية أو الدين وكذلك إبن البصرة وكركوك وديالى والموصل فهذه المدن وكل مدن العراق هي عراقية أولاً وأخيراً وهي بالتالي لكل العراقيين وليَعُد من جائونا بمصطلحات (المكونات والتوافقية والمحاصصة والمثلث السني والمربع الكردي والمستطيل الشيعي) من حيث أتوا أو ليرضوا بهذا الواقع الأزلي للعراق الذي لم ولن يستطيع أحد تغييره لاهُم ولا مَن هُم أكبر مِنهم..فالعراق سيبقى عراق الأمجاد والحضارات..عراق المحبة والتسامح.. ولن يصبح يوماً عراق المكونات والطوائف والقوميات والتوافقات والمحاصصات.
#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيها العراقيون.. ترَحّموا ولكن على من يستحق
-
السيادة العراقية وإنتهاكها بين الخفاء والعلن
-
مسلسل الباشا الشهيد نوري السعيد
-
العراق بين حلم الدولة الديمقراطية وكابوس الدولة الإسلامية
-
حصيلة سجالات 14 تموز
-
بلاد الأحلام التي حققت حلم مارتن لوثر كنغ
-
حينما تحل المؤسسات الدينية محل وكالة ناسا وتضيع فرحة العيد
-
14 تموز 1958 أم الثورات التي أكلت أبنائها
-
مجزرة قصر الرحاب.. جريمة مع سبق الإصرار والترصد
-
ليكن 14 تموز يوماً للشهيد العراقي
-
14 تموز 2008 واليوبيل الذهبي لأبشع جريمة ومجزرة في تأريخ الع
...
-
اليسار العراقي.. بداية النهاية
-
إكذوبة مصطلح الوضع الجديد والعراق الجديد
-
هل كان بريمر مصيباً أم مخطئاً في وصفه للساسة العراقيين ؟
-
حقوق الإنسان في العراق.. ما أشبه اليوم بالبارحة !
-
العراق ولبنان بين كماشة فكيها المشروعين الأمريكي والإيراني
-
العراق من 2003 الى 2008 سقوط نظام أم سقوط دولة ؟
-
ماهي حقيقة العلاقة بين الشعب العراقي والنظام الملكي
-
هل عراق مابعد 20 آذار 2003 حُر أم مُحتل ؟
-
هل الإستقرار الأمني النسبي في العراق إنجاز حكومي أم إرادة شع
...
المزيد.....
-
المافيا الإيطالية تثير رعبا برسالة رأس حصان مقطوع وبقرة حامل
...
-
مفاوضات -كوب 29- للمناخ في باكو تتواصل وسط احتجاجات لزيادة ت
...
-
إيران ـ -عيادة تجميل اجتماعية- لترهيب الرافضات لقواعد اللباس
...
-
-فص ملح وذاب-.. ازدياد ضحايا الاختفاء المفاجئ في العلاقات
-
موسكو تستنكر تجاهل -اليونيسكو- مقتل الصحفيين الروس والتضييق
...
-
وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في كييف ومقاطعة سومي
-
مباشر: قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في
...
-
كوب 29: اتفاق على تقديم 300 مليار دولار سنويا لتمويل العمل ا
...
-
مئات آلاف الإسرائيليين بالملاجئ والاحتلال ينذر بلدات لبنانية
...
-
انفجارات في كييف وفرنسا تتخذ قرارا يستفز روسيا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|