|
العقل الديمقراطي العراقي وسيلة التحول والتغيير
جاسم المطير
الحوار المتمدن-العدد: 2791 - 2009 / 10 / 6 - 17:20
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
خلال السنوات الست الماضية ، شهد الشارع العراقي على متن غالبية الصحف العراقية وبعض الشاشات الفضائية أيضا شعارات سياسية كثيرة ، رددها بالقول والكتابة عدد غير قليل من التجمعات والأحزاب والأفراد مؤكدين على الرغبة الشعبية العراقية في تحقيق التقدم السريع في ميادين العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية . كان في مقدمة تلك الشعارات قضايا تتعلق بإعادة أعمار العراق وتجديد البنى التحتية التي خربتها الحرب الأميركية على نظام صدام حسين .. شعار إعادة الأعمار استهدف التغيير والتقدم لتحويل العراق إلى موقع حضاري يتناسب مع تاريخ العراق القديم ومع ثرواته الجديدة ومع قدرات أبنائه في القديم والحديث من الزمان على مواصلة البناء . لم تتحقق لا شعارات البناء الواسع ولا شعارات التغيير العميق كما كان متوقعا . ظلت فكرة المواطنة غائبة عن العراق وسط كيانات الطائفية السياسية القاهرة التي أجهضت كل محاولة لبناء مجتمع مدني ، خدمي ، يوفر للشعب العراقي علاقات جماعية قادرة على تحقيق السلم الاجتماعي بعد أن أجتاح البلد إعصار العمليات الإرهابية فضاعت مجموعة كبيرة من القيم والقواعد والمنظورات الاجتماعية العراقية ، التي كان متوقعا أن تحقق سلطة موحدة يتبلور حولها نوع من العلاقات الإنسانية بين مختلف مركبات المجتمع العراقي . لكن بهذا الضياع فقـدَ الفرد العراقي مفهوم المواطنة وروحها ، كما افتقد العراقيون قاعدة التضامن والتفاهم والتسامح والتواصل الحر فيما بينهم . كانت النتيجة الواضحة ان المستوى الحالي من العقل العراقي الحضاري لم يصبح قادرا على صنع " المواطنة " كمظهر من مظاهر التحالف والتضامن بين عراقيين تحرروا للتو من سلطة دكتاتورية أفقدتهم لأربعة عقود من سلطة مدنية قادرة على إنقاذهم من دوامة المشاكل اليومية التي ازدادت وطأتها بفقدان القرار الصحيح والمكانة الصحيحة في الوزارات الخدمية الأساسية كوزارة النفط والكهرباء والبلديات والإسكان ، مما أدى بالنتيجة ليس فقط إلى هوة خدمية على مستوى حاجات الناس ومستوى حقوق المواطنة وحتى الحقوق الإنسانية بل أدت ، أيضا ، إلى أزمة حقيقية في العقل العراقي كله ، السياسي والثقافي ، سواء القيادي المسيطر أو حتى أزمة العقل في القاعدة الجماهيرية المهمشة . قامت دولة ما بعد نيسان 2003 ليس على أساس الرأي المدني ، ليس على روح الاجتهاد الإنساني ، ليس على قاعدة الحرية والديمقراطية الحقيقية ، بل على أساس انقسامات وعداوات وصراعات ، وعلى فوضى التحركات ، وعلى ضعف الحراك السياسي المؤتلف أو الموحد نسبيا ، لكنه ظل مختلفا في ألفاظه وفي استقراءاته ، خاصة وان المبادرة الديمقراطية الموحدة التي أطلقها الحزب الشيوعي في العام الماضي لم تستطع ، حتى الآن ، أن توحد عمل أو فعالية الأحزاب والقوى الديمقراطية المبعثرة التي ما زالت مفتقرة إلى نوع مميز من أنواع التفكير السياسي العلمي ، فظلت غير قادرة على رفع مستوى الوعي الانتخابي وغير قادرة على تحمل مشاق قيم سياسية بإمكان أن تكون نواة روحية وأخلاقية ، في نطاق الحركة الجماهيرية ، وبإمكانها تفجير خبرة وعاطفة ومبادرة العقل الديمقراطي العراقي . هذا الواقع المؤسف يستلزم تسريع أسس سلوكية الحزب الشيوعي وحلفائه الصغار من التجمعات الديمقراطية والثقافية الليبرالية من اجل إحداث طفرة في الرؤية السياسية وفي التحالف الجمعي الديمقراطي مثلما بادر الحزب الشيوعي العراقي خلال الاجتماع الاعتيادي للجنته المركزية في 17 و18 من أيلول 2009 مؤكدا على محور العلاقة الجماعية الحرة الواردة صيغتها في البلاغ الصادر عن الاجتماع : (بحث المجتمعون في الجهود التي يبذلها الحزب مع المكونات الأخرى المختلفة للتيار الديمقراطي، من قوى وشخصيات ديمقراطية ويسارية، داخل الوطن وخارجه، من اجل تحقيق التقارب والتنسيق في ما بينها، وبلورة اطر عمل التيار وتوجهاته. ويعتمد الحزب في هذا المسعى الانفتاح والمرونة، انطلاقا من إدراكه أهمية دور هذا التيار حاضرا ومستقبلا. وأكد الاجتماع أن الحزب سيتفاعل ايجابيا مع المبادرات والنشاطات الهادفة إلى تنشيط عمل القوى الديمقراطية واليسارية عموما وتوحيد جهودها، بما في ذلك إمكانية المشاركة سوية ً في انتخابات مجلس النواب القادمة. وفي جميع الأحوال سيواصل السعي لإرساء صلة وثيقة وفاعلة مع القوى الديمقراطية الأخرى الناشطة في الساحة السياسية لاستنهاض قوى التيار وتفعيل حضوره في الظروف الجديدة، كي يأخذ دوره المنشود والمعول عليه من قبل جماهير شعبنا، بوصفه ضمانة أساسية لترسيخ المسيرة السياسية للبلاد صوب بناء دولة القانون الديمقراطية الدستورية الاتحادية العصرية..) . مثل هذا الرأي يحمل مستوى مناسبا من وضعية عقلية مريحة في عملية استحضار بصائر التحالفات حتى لو كانت صغيرة فايجابيتها في كونها اختيارا إراديا ضرورته مصلحة الشعب . سوف يبقى هذا الوعي يتردد خلال الانتخابات البرلمانية القادمة وما بعدها من اجل إحراز نتائج في التطور العقلي للجماهير الشعبية ، كما في التطور التشريعي التقدمي داخل العقل البرلماني ، الذي يفترض أن يتجاوب مع آمال الجماهير الشعبية الفقيرة . لم تتحقق أغلب الشعارات المطروحة في الشارع العراقي ، كما كان مأمولا ، لأن التحرك الديمقراطي لم ينطلق من البداية الصحيحة ، أي من إعادة بناء العقل السياسي العراقي وتجديده لكي يساير الأحداث الناتجة عن سقوط الدكتاتورية ، الذي تلازمَ مع صعود العمليات الإرهابية ومع فشل حلول غالبية إجراءات وقرارات قوى الاحتلال الأجنبي ، مما أبقى أزمة العقل العراقي قائمة ، حتى الآن ، بظواهر سلبية كثيرة تستلزم جهدا كبيرا من قبل القوى الديمقراطية بقصد إزالتها . ختاما أقول لا بد من ضرورة العمل على سد الفراغ الديمقراطي وتصحيح بعض هفوات هذا التيار والعمل على تفعيل نص تحالفي قادر على تحقيق فائدة ذاتية مباشرة إلى ميدان التاريخ العراقي الجديد فالطريق أمام التحول الديمقراطي مازال طويلا مليئا بالعقبات، لعل على رأسها استمرار ذلك الميل السلطوي التاريخي المحافظ ، المقاوم للتغيير ، الذي نشأ بفعل موروثات نظام حزب البعث ورئيسه صدام حسين ، والذي يسعى لعدم تحقيق التقدم وإبقاء حالة التدهور الأمني في الأوضاع القائمة في الشارع . كذلك فأن بعض الأفكار الأصولية ما زالت ترفض التطبيق الديمقراطي في العراق على اعتبار أن الديمقراطية مبدأ غريب عن مجتمعنا وعن ثقافتنا ــ حسب نظرهم ــ مما يلقي على عاتق القوى الديمقراطية مهمة تسريع أساليب النضال الديمقراطي من اجل بناء دولة المواطنة والعدل الاجتماعي والحرية . بصرة لاهاي ********************* نقلا عن جريدة طريق الشعب عدد 41 في 6 – 10 – 2009
#جاسم_المطير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عارف الساعدي يبرهن أن المرأة المبدعة ليس لها خصيتين ..!
-
الغائبون ( عجّل الله ظهورهم ) لا يعشقون ولا يتزوجون ..!
-
حل مشاكل الميزانية يبدأ من المرحاض ..!!
-
في الصين تحدث معجزة في كل عام ..!
-
الخطة العراقية لمواجهة أنفلونزا الخنازير باللطم على الجنازير
...
-
قراءة في مجلة الثقافة الجديدة
-
سبع مقترحات أمام المالكي عن المسار الوزاري ..!
-
حكام من السنة والشيعة كلاهما في النار ..!
-
عن الأوصاف المحمودة لصالات السينما المسدودة ..!
-
يمكن تجريم كل شيء إلا الديمقراطية ..!
-
السياسة تعتمد على تكتيك خذ وهات لكن الطائفيين يأخذون فقط ..!
-
خرف الحكام داء ليس له شفاء ..!
-
وراء كل مشكلة عراقية توجد امرأة أجنبية ..!
-
تأملات في قمامة المنطقة الخضراء .. !
-
لا تتزوج امرأة سنية تركية ولا شيعية إيرانية .. !
-
في العيد لن يعطس أحد في وزارة الثقافة ..!
-
قوات - الحماية - عاهة بغدادية تعايشوا معها أيها الصحفيون ..!
-
حوار حول دور المرأة العراقية في - العملية الغذائية - ..!!
-
في رمضان يتحاور قادتنا حول دور المرأة في - العملية الغذائية
...
-
للدكتور شلتاغ أقول : القرارات الصائبة مفخرة لا تجعلها مسخرة
...
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|