أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - خالد إبراهيم المحجوبي - بلاغة اللغة ولغة البلاغة















المزيد.....


بلاغة اللغة ولغة البلاغة


خالد إبراهيم المحجوبي

الحوار المتمدن-العدد: 2793 - 2009 / 10 / 8 - 01:25
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    



ليس في الصواب حصر معنىا للغة في الكلام ، والكتابة فحسب ، فهذا تعريف قديم بائد وعائل.
إن اللغة هي كل معنى تنطق به ، أو تكتبه ، أو ترسمه ، أو توصله بإشارة عضوية .
من هنا فالكلام لغة ، والكتابة لغة،والإشارة لغة ،كما أن السكوت يدخل أحياناً في نطاق اللغة عندما يوصل الساكتُ بسكوته معنى ما من المعاني، لذلك قال الجاحظ ((...فالصامت ناطق من جهة الدلالة)) (1) ؛ لأنه أوصل للمتلقي معنىً ما ، بحسب القرينة التي تظهر مصاحبة له. وفي شان الإشارة قال الجاحظ أيضاً((الإشارة واللفظ شريكان. ونعم العون هي له، ونعم الترجمان هي عنه ، وما أكثر ما تنوب عن اللفظ وتغني عن الخط))(2)
إن المعيار الدقيق في تحديد معنى اللغة ،هو إيصال المعنى ؛ فكل ما أوصل معنى فهو لغة.
مستويات اللغة:
تبعاً لتباين مستويات ، وأحوال الإنسان اللاغي المتكلم ، وجدنا تفاوتا في مستويات اللغةنفسها ، في تشكلها الاستعماليّ التطبيقي .عند العرب تحديداً، حيث تظهر لي ماثلة في مستويات أربعة هي التالية:
أولا -اللغة الفصحى: هي التي تحتل أعلى مراتب التعبير العربي ، حيث تنطوي فيها الشروط والصفات المثاليةللفصاحة والبلاغةعلى صعيد المسبوكات التركيبية ، أو المفردات الكلمية ، أوالتوافقات السياقية أوالحمولات المعنوية.
إن من أمثلة هذه اللغة ما هو ماكث بين جلدتي المصحف الشريف ، وفي أشعار الجاهليين ، ونثوراتهم ، فضلا عن مكتوبات فصحاء العرب كالجاحظ ،وأبي حيان التوحيدي ، والكسائي حيث السلامةالبالغة عن اللحن والتحريف.
ثانياً - اللغةالفصيحة : هي المستوى الذي تتحقق فيه شروط سلامةاللغة ، في حدودها الدنيامن غير ملامسة حدود اللحن اللغوي ، والتحريف الدلالي.
يَـمْثُل هذا المستوى من اللغة في أكثر مكتوبات التراث العربي القديم ، وفي كثير من الكتابات المعاصرة ، ككتابات الرافعي ، وزكي مبارك ، ومحمود شاكر ،وشرف الدين الموسوي ، ومحسن الأمين وغيرهم ممن بدؤوا تعليمهم في نطاق المؤسسات التعليمية الكلاسيكية. كجامعة الأزهر، والقرويين ، والزيتونة.وكذا الحوزات العلمية في النجف ، وقم ،وغيرها.
ثالثاً-اللغة الثالثة: هي المتشكلة في الكلام العربي الذي يمتزج فيه صحيح الكلام مع سقيمه ، ويختلط فيه قويم التعابير وتراكيبها مع ما استمْرأ عَوامُّ المثقفين استعماله من كلمات وتعابير وتراكيب عائلة عن سنن العربية،و حائدة عن أصولها ، ومائلة عن تقاليدها،وخارقة لقواعدها سواءً الأصيلة أوالمتولدة من تطويرات صائبة.
هذا المستوى نراه طاغياً على الساحة الإعلامية بكل صورها ، من صحافة، وتلفاز ، وإذاعةمسموعة. فضلا عن الكتب البحثية الفكرية ،والأعمال الإبداعية كالروايةوالقصة.
يصر أتباع هذا المستوى على الإعراض المزمن عن المعجم العربي ، والاكتفاء الشحيح باجتزاء جزء بئيل قليل من الثروة اللغويةالضخمة التي أورثنا إياها أسلافنا العرب.
إن من المؤسفات أن هذا المستوى اللغوي صار طاغياً مالكا ً لزمام اللغةالعربية المعاصرة ، لاسيما بعد انقراض جيل طه حسين ، والرافعي.
لاجرم أن مرجع هذا المآل أموراً كثيرة تعاضدت لإقراره، أرى أن أهمها :
1- ضعف التكوين اللغوي ، لدى أكثر المثقفين المعاصرين . وهذا وضع أدى إليه ازورارهم عن الدرس اللغوي ، وتنكبهم عن التحصيل البلاغي ، وقطيعتهم مع التراث العربي.
2- غزارة وسائل الطباعة النشر، و تيسرتداول المكتوبات ؛ الأمر الذي أتاح لكل مخربش أن يكتب ، ولكل متطفل أن ينشرويوزع ، مسهماً بفاعلية في إفساد الكيان اللغوي.
3- فساد الذوق اللغوي العام ، لدى جمهور القراء ؛ هذا ما استتبع انجرار الكتاب المتمكنين جهة ذلك المستوى ، ونزولهم بمستوى كتاباتهم إلى ما يلائم مستوى العوام من القراء ؛ كيما يضمنوا حسن استقبال مكتوباتهم ، والسلامة عن الركود التوزيعي لما ينشرون.



رابعاً: اللغة العامية:(الدارجة-المحكية)
هي التي تمازج فيها الخطأ مع الصواب ، وتواشج القويم فيها مع السقيم، فانتشأ من ذلك المزيج كيان لغوي هجين ، تبناه أكثر الناس ؛ لسهولة مأتاه ، وتيسر تعاطيه، وتحرر قوانينه ، وميوعة معاييره .
لقد بسطت العامية نفوذها منذ زمن تليد بعيد ، حيث كان مبتدأ ذلك ماثلا في شيوع اللحن والتحريف وسط التداول اللغوي بين العوام ؛ بتأثير مباشر من طرف الأعاجم الذين دخلوا الإسلام ، واستوطنوا بلاد العرب ، واستوطن العرب بلادهم في ظل تمازج سكاني ، جغرافي منذ أواسط القرن الأول الهجري .
لقد اغتنى هذا المستوى اللغوي بخصائص صوتية ،وقاعدية ، وتركيبة غزيرة، حائدةعن سنن العربية الأصيلة . ومما أسهم في ذلك انعدام الوعي الثقافي لدى عوام الناس ، وغفلتهم عن أهمية استعمال لغة سليمة بريئة من التحريفات والتشويهات.
برغم كل ما قلنا لا يسعنا إلا التسليم برجوع كثير من خصائص وتطبيقات هذا المستوى العامي إلى أصول لغوية سديدة مكتسبة لشرعية القبول اللغوي الأصيل؛ ذلك مرجعه إلى أن العلاقة بين العامية والعربية الأصيلة ، لم تخرج عن كونها علاقة أصل بفروع ، تلكم الفروع التي لا تنفك عن أصلها ،ولو لم تكن وفـيّةً له ، فهي على الأقل لا تزال دائرة في سوائه، و قابعة في ظله .
ولعل هادي العلوي لم يكن مبالغاً حين قال((إن الجزء الأكبر من قاموس العامية ، يتألف من المفردات الفصيحة لفظاً ومعنى))(3)
إذاً لا يصح نعت العامية بأنها لا قاعدية مطلقا ، أو بأنها لقيطة بلا أصول. إنما هي لهجات غير فصيحة ، فاقدة للتهذيب القاعدي ،والدقةالتأصيلية ؛ لتمردها عن الأصول والتقاليد الأصلية للغة العربيةالأم التي كانت موزعة إلى لهجات فصيحة تتداولها قبائل الأعراب الأولين .
لقد عمل بعض الباحثين على تقوية علاقة الفصحى باللهجات العامية ، وتوكيد شدة الصلة بينهما ؛ في سبيل النظر إلى العامية بوصفها مكوناً من مكونات الفصحى ، أي أنها امتداد تاريخي للهجات القبائل العربية القديمة الفصيحة. كان من أهم من أـكد هذا في دراساته كل من : حفني ناصف قبل أكثر من مئة عام ، وإبراهيم أنيس سنة 1946م ، وهادي العلوي سنة 1983م.
تكاد تنحصر مخالفات العامية للفصحى في عدد من التباينات الصوتية ، والبنائية ، والدلالية . وأهم تلك الاختلافات كانت ضمن الظواهراللغوية التالية :(4)

1-الإبدال : بحذف حرف ووضع آخر بدلا عنه. مثلاً إبدال حرف القاف كافاً على غرار(G) في الإنجليزية. وذلك في أغلب مفردات لهجات وسط وجنوب العراق ، والخليج ، والسودان ، وصعيد مصر . كذلم إبدال لفظ القاف همزة ، في عامية مصر وبعض مدن سوريا ولبنان. وكذا إبدال حرف الكاف إلى ما يطابق (CH) في الإنجليزية ، في لهجات الخليج ووسط وجنوب العراق . ومن ذلك إبدال الهمزة عينا في بعض مناطق الريف العراقي وبوادي مصر ، والقاف عيناً في بعض مناطق العراق ، والسودان ، واليمن .و في اللهجة الليبية تبدل الجيم زا ياً في بعض المفرداتمثل: زوز ، أي زوج. وتبدل السين شينا في كلمة : شمس، فتصير سمس.
2- القلب : يكون بتبادل مكاني بين أحد حروف الكلمة ، وحرف آخر في الكلمة ذاتها. من ذلك مثلاً كلمة جبذ ، أي جذب.
3- النقصان : بحذف أحد حروف الكلمة من ذلك مرا ، أي مرأة ، أو امرأة. وكلمة وإلاَّ ، تصير ولاّ.
4- الزيادة : بزيادة حرف إلى البنية الأصلية للكلمي مثلاً رجل تصير عند الليبيين راجل ، وكلمة بع (فعل أمر من البيع) تصير بيع.
5- النحت : ويكون بتركيب كلمة من أصل كلمتين أو أكثر . مثلا : أيش أصلها أيّ شيءٍ.
6- تغيير الحركات الأصلية: مثلا كسر اللام التي أصلها ساكن في كلمة كلب .وإسكان الحرف الأول من كثير الأسماء مثلاً مُحمد صارت عند الكثيرين مْحِمد بسكون الميم وكسر الحاء . ثم أضافوا خطأ آخر في كتابتها فزادوها ألفاً فصارت (امْـحمد) . كذلك رحومة. ينطقها أهل ليبيا بسكون الراء ، وأصلها متحركة .
7- التوسع في استعمال أوزان لم تعد مستعملة في لغةالكتابة ،والكلام الفصيح .
أما على المستوى الدلالي فثمّ ظاهرتان واسعتا الانتشار هما :
1- تضييق الدلالة: من ذلك حصر بعض البلاد لفظةالدابة في الدلالة على الحمار تحديداً .في حين أنها تدل على كل ما يدب على الأرض من الأحياء.
2- توسيع الدلالة:من ذلك إطلاق لفظة حشيش على الكلأ والعشب أياً كان حاله ن في حين أنه عند العرب يطلق تحديدا على الكلأ الجاف اليابس غير الرطب كما ذكر الأزهري وابن منظور(5)
أما على المستوى الصوتي فإن أهم ما حوته العامية شيوع الإمالة ، وتحديداً إمالة الألف نحو الياء إمالة صغرى. وفي بعض اللهجات العامية يمال ما قبل تاء التأنيث .
معايير بلاغة اللغة :
من أوهام العوام ، أن معيار قوة وأصالة اللغة احتواؤها كثيراً من المحسنات البديعية ، وغزيراً من الكلمات غريبة المعنى ، قليلة الاستعمال ، من التي لا يعلم معانيها إلا من أدمن مطالعة المعاجم .
إن هذا مما لا يصلح معياراً للتفضيل ، ولا قسطاساً للتحسين. بل قد يكون دالاً إلى ضعف اللغة ، وهوان بنائها؛ لأن بعض الكاتبين يحاولون التعمية باستعمال المحسنات المتكلفة، والألفاظ المعجمية المستغلقة ؛ كيما يغطوا ضعفا يتمتعون به في مستواهم التفكيري ، أو التعبيري .
إن اللغة المتينة ، والبليغة لا تتحقق إلا عند توفر أشرُطٍ معينة محددة ، سواء في الكلمة المفردة ، أو في الجملة المركبة المسبوكة ، أو في الكلام المجموع المنظوم .
لم يتركوا أهلُ البلاغة الأمر هملاً ، حيث اهتموا ببيان ما يجب لتحقيق بلاغة الكلام ، وفصاحة الكلمة،وبراعةالنظم .(6)
لقد تقرر لدىالبلاغيين أن الكلمة لا تكون فصيحةإلا بتوفر شروط أهمها:
1- أن تخلو من تنافر الحروف ، بمعنى عدم انطوائها على حروف متباعدة مخارجُها على نحو يظهرها متنافرة غير متناسقة صوتياً، صادمة للذوق السليم . من الأمثلة الشهيرةلهذا كلمات: الهعخع- مستشزرات . مع التسليم بأنه ليس كل كلمة احتوت حروفا متباعدةالمخارج هي متنافرة ومرذولة ؛ لوجود كلمات مقبولة سلسة من ذلك : الجيش- علم وملح – الشبع.
2- أن لا تكون الكلمة مهجورة غير مستعملة على الصعيد العملي ، كأن تكون كلمة أميتت وترك استعمالها عند فئات العرب الفصحاء . وهي التي يسميها البلاغيون الكلمات الوحشية. من ذلك كلمات : تكأكأ – جحلنجح- ارنخش-المثعنجر.
إذا من المعيب أن تحتضن اللغة ما توحَّش من الكلام الموجه إلى قوم لا يأنسونه ، وهذا خلاف الحال الذي يكون فيه المخاطبون مستألفون نحو تلك الكلمات والتعابير ، كأن يكونوا من أهل البادية المنقطعين عن تعابير الحضر .من هنا نجد الجاحظ يقول ((لاينبغي أن يكون [اللفظ] غريباُ وحشياً ، إلا أن يكون المتكلم بدوياً أعرابيا ؛ فإن الوحشي من الكلام يفهمه الوحشي))(7)
هنا يجب أن أنبّه إلى أن بعض الناس يتوهمون أن الكلمات التي ترك أكثر الكتاب المعاصرين استعمالها ،داخلة في هذا الوصف وأنها مهجورة. الواقع أن هجرها من طرف هؤلاء كان من باب الجهل لا من باب العلم ؛ لذا فتركهم إياها لا يخرجها عن شرعية الاستعمال الذي لا يضره جهل الجاهلين .
إن من العقوق اللغوي تركنا استعمال التعابير الفصيحة التي أعرض عن استعمالها أكثر الكتاب المصاصرين المقصّرين؛ لأن في تركها إنقاصاً من الرصيد اللغوي العربي ، هذا الرصيد الذي لسنا في غنية عنه بل نحن في حاجة إليه إلى درجة الافتقار . كما أن الوفاء للغة يقتضي إناء رصيدها بكميات محدثة مجدّدة من الكلمات والتعابير الواجب على المختصين إبتداعها على أصول سليمة ، ومرجعيات قويمة، بهدي من سنن العربية الفصحى وتقنياتها التجديدية ، التي منها -مثلاً- : النحت ، والتركيب المزجي ، فضلاً عن فتح باب القياس على السماع.
الكلام البليغ:
الكلام لا يكون بليغاً قويماً إلا بالتحافه على صفات أهمها:
1 - أن يكون موجزاً بريئاً عن الإطناب غير النافع. ومعيار كونه إطناباً غير نافع هو إمكانية الاستغناء عنه من غير أن يطرأ خلل إفاديٍ يؤثر في تمامية المعنى المراد إيصاله للمتلقي . لذلك لا يسوغ تحديد معنى الاطناب بكونه مطلق الزيادة الكلمية الكمية، وعموم التوسع في التعبير ؛ فمن المواضيع ما يقتضي استطرادات ،وتوسعات ، وتفرعات مطولة لا تضمن الفائدة إلا باجتراحها ،وتسطيرها كاملة، بحيث يقع الكاتب -لو تركها- في عيب الاختصار المخل .
2- أن يخلو من غموض المعنى: كثيرا ما يغمض المعنى أو يغيب تبعاً لسوء استعمال الكلمات المعبَّر بها ، أو سوء توظيف التراكيب والعوامل اللفظية، أو عدم إتقان السبك اللفظي المنظوم الذي له عيوب كاثرة ، من أشهرها : تتابع الإضافات ، وإطالة الفصل بين فعل الشرط وجوابه ، و بين العامل ومعموله .
وفي أحايين كثيرة يصل المعنى على الضدّ مما أريد له أن يصل . فإذا تحقق هذا العيب في نص ما كان أبعد ما يكون صفة البلاغة، بل قد يفقد شرعية كونه كلاماً أصلاً.
إن من المعايب أن يحترف الإنسان الكتابة حال َ تجرده عن صفة الإتقان اللغوي ،والمـُكْنة البلاغية . وقد استقل أكثر الكاتبين المعاصرين واستهانوا باللغةالفصيحة، فضلاً عن الفصحى ؛ فصار -عندهم- الانشغال بها ترفاً ، وتكلّفاً ؛ فأعرضوا عنها مُصاعرين خدودهم ، ولسان حالهم يقول:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه ** وجاوزه إلى ما تستطيع

بل إن من هؤلاء من صار يستنقص اللغة (الكتابة) البليغةالعالية ، ويتهم أهلها بالتقعّر، والتكلف ؛ كل هذا في محاولة لستر ما يمور في دواخلهم من نقص بلاغي ،وفقر لغوي . هذا النقص والفقر ذهب ببعضهم إلى اتهام اللغة العربية نفسها بالفقر والعجز عن مجاراةالتطور ،والمعاصرة البيانية التعبيرية.

كثيرون ملكوا مواهب ، ووهبوا ملكات بديعة في مجالات التفكير ،والتعبير ،وإبداع المعاني والصور . لكنهم فقدوا إمكانيات الإتقان اللغوي الأصيل ؛ لذلك تجيء كتاباتهم باهتة شوهاء ، كئيبة عرجاء ، غير مفصحة عن واقع مواهب كاتبيها، ولا حقيقة عقول صانعيها ، وقد كانوا في غنية عن كل هذا إن هم سخّروا من أوقاتهم ، وبذلوا من جهودهم قدراً مناسباً ولائقاً في مضمار الإلمام باللغة وأوضاعها، والبلاغة وإبداعها.

طريق الكاتب البليغ:

ليس من الممتنع تكوين كاتب بليغ اللغة ، فصيح الكلام ، فهذا أمر متاح بشرط الإتيان بأمور أهمها :
1- الاهتمام الجدي المتّصل بمطالعةالمعاجم اللغوية الموضوعة لبيان معني الكلام العربي الأصيل في أوضاعه الأصلية ،وجذوره وتصاريفه ، وبخاصة المعاجم الأصيلة كمعجم العين المنسوب للفراهيدي. ومعجم جمهرة اللغة لابن دريد ، والصحاح للجوهري، والقاموس المحيط للفيروز آباذي
2- إدمان مطالعة وتلاوة النصوص والمكتوبات العربية القديمة، التي كتبت في عصور سلامة اللغة ، وقبل استعجامها ، وبخاصة النصوص التي اعتمدت أساساً للاستشهاد النحوي والصرفي ، وعلى رأسها القرآن المجيد ، والمرويات الحديثية ، وأشعار الجاهليين، وغيرهم من المسلمين المحتج بأشعارهم. وكذا كتابات المشتهرين بالبلاغة والفصاحة والبراءة عن العجمةواللحون ، أمثال عبد الحميد الكاتب 132هـ،والجاحظ255هـ، وأبي حيان التوحيدي414هـ. فإن في مطالعة كتاباتهم من المتعةالشيء الوفير ، ومن المنفعة الجزل الغزير. . وقد كان الجاحظ صائباً حين قال((ليس في الأرض كلام هو أمتع ولا أنفع ، ولا آنق ولا ألذ في الأسماع ، ولا أشدُّ اتصالاً بالعقول السليمة...ولا أجود تقويماً للبيان من طول استماع حديث الأعراب الفصحاء العقلاء ،والعلماء البلغاء ))(8)
3- الاهتمام بالكتابات الحديثة لمن اشتهر بالاستقامة اللغوية ،والبراعة البلاغية ، من أضراب مصطفى الرافعي في مجال الأدب ، ومحمود شاكر في اللغة ، ومحمد الغزالي في الدين، والجواهري في الشعر،وشبلي شميل في الاجتماع والطب ،وزكي نجيب محمود في الفلسفة.
4- العمل على استثمار أعمال المبدعين المعاصرين من الأدباء والشعراء ، لا علىالمستوى المعجمي اللغوي ، إنما على مستوى التقنيات التعبيرية ، والتصرّفات الأبداعية في الصور والأخيلة. واعتصار اللغة التقليدية ، وتفعيلها بتوليد تراكيب مبدعة، وتصاوير طارفة .
إن اجتماع هاته الأربعة النقاط كفيل بخلق كاتب محقق لبلاغة اللغة ،ولغة البلاغة. بريء من العي ِّوالتكلف ،والهجنة ،والرطانة ، بعيدٍِ عن التشدق والتفيهق.

--------------------------------------------------------د. خالد المحجوبي --------------

الحواشي:

1- (البيان والتبيين ). عمرو بن بحر الجاحظ . دار الكتب العلمية . بيروت.دط. 1/46.
2- نفسه1/43.
3- (المعجم العربي الجديد ، المقدمة) هادي العلوي . دار المدى .دمشق ط2. 2003. ص87. ذكر ذلك في سياق دعوته لتوسيع دائرة السماع لتتجاوز ما ورد من الأعراب القدماء , ليشمل السماع ما يسمع من طوائف المجتمع من حرفيين وصناع . وهي دعوة أصدرها مجمع اللغة العربية في القاهرة .
4- انظر (المعجم العربي الجديد ، المقدمة) هادي العلوي. ص25-26. و (الأصول العربية الفصيحة لألفاظ اللهجة الليبية في ضوء علمي الدلالة والمعجم ).عبد الحميد سويد. ومحمود سالمان . الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان. مصراتة. ط1. 1990. ص12-13
5 - ( لسان العرب ). ابن منظور . ط دار المعارف . القاهرة. 2/884. مادة حشش
6- ثم اختلاف في تحديد معنيي البلاغة والفصاحة ، بين علماء البلاغة ، وأنا هنا لن أخوض في هذا الموضوع ، لضيق المقام . ويمكن الاطلاع -للإفادة- على كل من :
كتاب العمدة . لأبي علي ابن رشيق القيرواني. ج1/213. وكتاب الصناعتين .لأبي هلال العسكري ص7-8. وكتاب : دلائل الإعجاز . عبد القاهر الجرجاني. دار الكتب العلمية. بيروت .ط1. 2001.ص38 وما بعدها . وكتاب : علم المعاني . عبد العزيز عتيق . دار النهضة العربية. بيروت.1985.ص7 وما تلاها.وكتاب : المنهاج الواضح للبلاغة .حامد عوني . مكتبة الجامعة الأزهرية. القاهرةص87.وما تلاها
7- (البيان والتبيين). 1 /80
8- نفسه 1/81 .



#خالد_إبراهيم_المحجوبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العولمة وإشكاليةالخصوصية الثقافية للأقليات
- جدلية المثقف والسلطة بين االإقصاء والإخصاء
- آلية التأويل في منهج الصادق النيهوم
- بعيدا عن الحضارة الورقية
- الجمال : بين خلل المعايير ، وخفاء التجليات
- جدلية الفلسفة والدين
- ملامح التأثير الحداثي في الفكر الديني


المزيد.....




- مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-. ...
- إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
- صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق ...
- الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف ...
- سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
- ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي ...
- مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا ...
- أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
- كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
- الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - خالد إبراهيم المحجوبي - بلاغة اللغة ولغة البلاغة