|
آلية التأويل في منهج الصادق النيهوم
خالد إبراهيم المحجوبي
الحوار المتمدن-العدد: 2794 - 2009 / 10 / 9 - 00:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مدخل : يرجع مصطلح التأويل إلى الجذر(أ و ل)ومن تصاريفه آل يؤول أوْلاً، أي صار إلى كذا .ومنه المآل أي العاقبة والمصير.وآل يؤول مآلاً بمعنى رجع .وأوّل الشيء يعني رجعه وأعاده.وأُلتُ عن الشيء أي ارتددت عنه.(1) أما مدلوله الاصطلاحي فلا يخرج عن صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر غير متبادر ، وبعبارة ابن رشد ((إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقة إلى الدلالة المجازية ، من غير أن يخل في ذلك بعادة لسان العرب من التجوّز من تسمية الشيء بشبيهه أوسببه، أو لاحقه أو مقارنهِ))(2). إن من مباعث أهمية التأويل تمثيله للوجه الآخر للنص(***)، أو الاحتمال الثاني للفهم ، ومن هنا فالتأويل آلة إيصال توصل المعنى للناظر ، أو توصل الناظر إلى المعنى من الطريق الخلفي للعبارة ، وبرغم كونه طريقاً غير مباشر فإن النيهوم عدّه طريقاً رئيساً لاسيما عند ارتهان الفهم المأمول بالنص القرآني بالذات. إن عملية التأويل غير محصورة في نص معين ، أو دين محدد ، أو نخبة منحصرة بل هي إجراء فكري لغوي لايجبُن عن اجتراحه أيّ أحد سواء بكفاءة أومن دونها . وللتأويل امتدادات زمنية سابقة للإسلام والقرآن .فقد ظهر في سواء الفلاسفة الإغريق حيث سنحت إجرائية التأويل لدي الفيثاغوريين، والأفلاطونيين ،وفي نصوص الميثالوجيااليونانية .ثم استشرى التأويل بين خواص يهود الإسكندرية قبل ظهور المسيح ببضعة عقود، فقد أثر عنهم تأويل ٌلقصة بدء الخلق حسب ورودها في التوراة (**)وذلك قبيل ظهور فيلون الإسكندري المتوفى سنة50م، الذي يمكن عده عمدة مؤولي النصوص الدينية ورائد التطرف التأويلي ؛لجنوحه بصفة مبالغ فيها نحو التأويلات المجازية الموسع فهو يرى((تقريبا كل ما هو خاص بالعقيدة من نصوصٍ، له معنى مجازي يهدي إليه)) (1). وفي نطاق المسيحية الحديثة نظر البروتستانتيون إلى الإنجيل نظراً عقليا تأويليا ً (2). وليس عجيبا أن ينال التأويل هاته المكانة لدى كل الطوائف والأديان فهو موقف عقلي فكري ، غير خاضع لأظرف الزمان والمكان ،إنما خضوعه للعقول وتراكيبها ، والفهوم ومدخلاتها ، فضلا عن توجهه وخضوعه للمرامي الغرضية الخاصة. وقد احتل مكاناً رابياً في سواء المسلمين حتى عده الإسماعيليون من أساسات الشرع . ونحو ذلك كان موقعه لدى كثير من المتصوفة، والفلاسفة التوفيقيين، وقد قال عنه ابن رشد إنه الأمانة التي حملها الإنسان وذكرها الله قوله {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان}(***) وفي سياق الفكر المعاصر نجد المفكر الليبي الصادق النيهووم قد اعتمد على تقنية التأويل اعتمادا رائسا في سبيل استكناه حقائق النص القرآني وفي إطار النص الإسلامي المقدس جاء التأويل منبعثاً بدافع ملحٍ هو تحقق وجود المتشابه في القرآن مما صرح الله بوجوده في قوله {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأُخر متشابهات}(*) ثم قوله{وما يعلم تأويلَه إلا الله}(**). وفي هذا إشارة إلى أن التأويل متآصر مع المتشابه بعلاقة ثبوتية. والمتشابه هو اللفظ الحامل معنى غير جلي مما يجعله مجالا للاختلاف الفهمي ، فوقع لذلك ما عبر عنه الشاطبي بقوله: ((تسليط التأويل على التشابه))(1). لكن الذي حدث كان إلى مسار آخر ، حيث امتد نفوذ التأويل إلى ساحة المحكم أيضاً(***)، وهذا مسلك انحرافي خطر في سياق جدلية النص والمتلقي ، بل في علاقة الله والإنسان ،وهذا ما سماه الدهلوي ((الاحتيال لدفع الدلائل القرآنية))(2).وقد تولى تثبيت وتنظيم هذا الانحراف بعض الفرق الإسلامية الغالية ، التي أهمها : الإسماعيلة ، والعلوية، وغلاة الصوفية النظرية، والبهائية، ثم ثلة من ممثلي التيار التجديدي للفكر الديني أمثال : الصادق النيهوم ، وروجيه غارودي ، ومحمد شحرور، ومن ثم سيقَ التأويل إلى مراكز القواعد العامة والأصول الثابتة للدين ، برغم توكيد أكثر العلماء على أن التشابه المستجلب للتأويل ((لايقع في القواعد الكلية ، وإنما يقع في الفروع الجزئية))(3). ولقد ضرب هذا الانحراف التأويلي قواعد اللغة وضوابط التأويل ضربة مُقصية تتمثل دوافعها في أمور أهمها: إما مرجعيات غنوصية ،أو انحراف عقدي، أو شذوذ فكري مُغرض أو بريء.
وقد أ وصل كل ذلك إلى حالة من الاضطراب في الشريعة ، والتشتت التنافري بين الطوائف والأفرقةفي الإسلام ؛ وهذا ما جعل ابن القيم يقول:((فأصل خراب الدين والدنيا إنما هوالتأويل الذي لم يردْه الله ورسوله بكلامه )) (1) ولما ظهرت هذه الأدواء عمل بعض العلماء على وضع عواصم وقائية للحؤول دون توظيف التأويل لمهم غرضية زائفة وضارة.وقد تمثلت تلك العواصم الوقائية في بعض الأشرط والضوابط المنظمة للتطبيق التأويلي ، كان أهمها (*): 1-أن يكون لأي رأي تأويلي وجه ومسند في لغة العرب. 2-أن لا يُصار إليه إلا لضرورة ، كتعارض العقل مع النقل ، أو احتمال النقل تفسيرا غير لائق بالذات المقدسة . 3- أن لايشاع في الكتب الجمهورية ، وعلى مسامع العوام . 4-أن لايكون التأويل مصادماً لنص آخر صريح الدلالة. 5-بيان دليل الصرف عن الظاهر. إن تيار التجديد الجذري للفكر الديني يتولى دعوة رائسة تحوي التوكيد على فتح موسع لاجتهادات مطلقة تهطل على (البنية النصية للإسلام)-القرآن-كما يرمون إلى إلغاء مرحلية ومركزية الفهم الديني ،بمعنى عدم الاعتمادعلى مرحلة ما ،فضلا عن عدم حصر الاستقاء الفهمي من النص منعزلاَ عن الواقع ،إن هذه السبيل كفيلة بمصاقبة ودرك حقيقة الدعوة الدينية، وتحقيق مراد الشارع الحكيم، كما أ ن الازورار عن هاته المنهجية التجديدية سيسوق إلى ما وصفه طيب تيزيني بأنه((عزل الإسلام عن عملية التدفق النوعي لتقدم التاريخي[حيث يحصل]التفريط بروحه ووهجه لحساب لفظه ورماده))(1). إن إهمال تطبيق المنهج سالف الذكر ، أمر سيدخل المفكر الديني في ((حالة من الاغتراب الواقعي والذهني))(2)حيث يؤول عائشا َ في غير حينه، ومفكرا َبغير عقله. وفي نطاق محاولات استثمار التأويل يعمل كثير من الباحثين المعاصرين على إرساخ فكرة وجود مستويين للنص الديني هما:((نص ُّتنزيل ، ونص تأويل...ذلك لأن النص المقدس ما أن انتقل من فضائه الإلهي إلى الفضاء الإنسان ؛ حتى أخذ يعيش حالة من التشظيّ الدلالي..عبر البشر الفرادى والمجتمعين))(3). إن ما يدعوا إليه هذا الرأي هو ذاته ما تبناه النيهوم قبل عقود ، وطبقه عمليا في حنايا طروحاته المستندة إلى فكرة رمزية النص ، في اقتناع محكم بأن ما وراء اللفظ هو أفضل آلات الفهم (*)ويطلق النيهوم مصطلحا خاصا لما وراء اللفظ يسميه((الحد اللفظي الواسع))كما يسميه((التناسق تحت سطح الكلمات))(4).وهو يرجع كون ذلك إحدى علامات المعجزة في القرآن. ---------------------------------------- (النيهوم وآلية التأويل) لقد اتخذ النيهوم آلية التأويل يوصفها وسيلة من وسائل التجديد في فهم النص الديني ، وذريعة إلى توليد معان ومفاهيم ملائمة ومقنعة لعمق التساؤل والفضول الذي وصله العقل الإنساني والإسلامي خاصة الذي لم يظل ساكناً ولا راكداً طوال القرون الأربعة عشر السالفة . إن هاته الحركية للعقل والتجديد في التفكير اقتضت أن يعتصر النص المقدس وأن يستثمر إلى درجات لم يصلها الأسلاف الأولون ، فالعقل المعاصر لم يعد قانعاً ولا مكتفياً بما قيل باستثناء ما نجده من قنوع واكتفاء في المدارس والمذاهب السلفية التي تري أن كل شئ قد قيل ، وأن واجب ومهمة الناس لا يجوز أن تتجاوز السماع والإتباع لما قاله الأولون .كماهو عند أبي زرعة ،وابن رجب الحنبلي وكثيرون غيرهم –رحمهم الله-. نحن هنا لا ننكر فضل الأوائل ولا نغمطهم حقهم في الاحترام ووجوب الاهتدآء بهم والاستعانة بمفهومهم واجتهاداتهم . لكن الذي لا يمكن لنا قبوله هو أن تنظر إليهم نظرة تقديس يسبغ عليهم العصمة ويصادر عنهم فطرة الخطأ البشري ، وأن نجعل كلامهم في مصاف كلام الله ورسوله . من حيث الإلزامية الاتباعية وافتقاد الاختيارية . أقول هذا وأمام عيني قوله وتعالي }وما كان لمؤمن ولامؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم{سورة الأحزاب .الآية36 وأمامي قول ابن حزم (لاحجه فيمن دون رسول الله).
لقد انطلق النيهوم من منطلق تجديدي هادف إلى تقديم اجتهادات وأفكار تقنع نوعاً من العقول التي لم تستسغ الطروح القديمة السالفة ، في منهج مقاربة النص المقدس ، فضلاً عن الآراء والفهوم المستخرجة من ذلكم النص ، مما امتلأت به كتب التفسير، والعقائد ، عند المسلمين . وقد ظهر بوضوح ضيق كثير من المفكرين المعاصرين من تلك الفهوم السالفة، وافتقادهم القدرة على التواصل والتآزرمعها . إن التأويل عند هؤلاء هو المنفذ الأخيرُ والوحيد الذي يمكنهم دخوله قبل حدوث الاصطدام القطيعي مع النص ، هذا الاصطدام القطيعي ليست له إلا نتيجة واحدة هي البراءة من النص ، والتحلل من إطاره . على النحو الذي وصله صادق جلال العظم ، وغيره . لقد جاء التأويل ليكون الوليجة الأخيرة التي لجأ إليها أصحاب مدرسة التجديد الجذري في الفكر الديني .
ولا يخفى مدى تمسك النيهوم وإصراره على القول بانطواء القرآن على الدلالات والمفاهيم التي استخرجها بوسيلة التأويل . وهي دلالات مثلت بدائل متاحةمكنته أن يستبدلها بكل معنى غير موائم لماعليه منظومة قناعاته وأفكاره. إن أكثر ما سلف قوله عن التأويل يجب سحبه على الرمز والترميز(**)، وبخاصة اشتراكهما في القيام على فرضية مكوث المعاني وراء بناءات العبارات.إن كليهما قائم على صرف المعنى الظاهر ، لصالح معنى آخريسنح للناظر الباحث ،من هنا لست أستجيز النظر إليهمابوصفهما آلتين متباينتين للفهم وإدراك المدلولات ، لاسيما أن الرمز لم يحظ بتعريف اصطلاحي ، ولم يتشكل له مفهوم تواضعي كما تشكل لمصطلحي : التأويل والمجاز، وكلا الرمز والتأويل من مظاهر المجاز الذي هو ظاهرة لغوية أصيلة متجذرة في العربية ، يتم بها تجاوز ظاهر الدلالات المتبادرة ؛ لأجل الظفر بدلالات بديلة قصدها المتكلم بوجه غير مباشر حيث وضعها في قفا اللفظ الذي حملت واجهته الدلالة غير المرادة (*)، وهذا التوجه اللغوي التعبيري هوذاته المعبر عنه بمصطلح (المثل أ و الأمثال )قبل تشكل وظهور مفهوم المجاز عند البلاغيين ، لذلك كان(( مصطلح المثل أكثر المصطلحات شيوعا للدلالة على العبارة أواللفظة التي لايراد بها ما وضعت له في أصل اللغة))(1). إن التعامل الفهمي مع النص القرآني –لدى النيهوم-متوجه على نحو شبه تام بقيادة الفهم الرمزي التأويلي (**).وشواهد هذه الحقيقة ماثلة في كثير من مكتوباته (***)بناء على قناعة ثابتة عنده فحواها –كما صرح نفسه-أن ((الرمز هو وسيلة الكتب المقدسة ...لنقل الفكرة إلى الخارج ))(2)، وهذه فكرة لايحتكرها النيهوم بل هي مستشرية بين كثير من أفراد تيار التجديد الجذري للفكر الديني، ومن هنا يقول أحدهم أن من طبيعة القرآن والكتب المقدسة الاكتساء بالغموض ،واعتماد ماوراء اللغة الظاهرة باعتماد التراكيب الرمزية ، بل إن التنزيل في الإسلام –حسب قوله-يستند إلى رمزية الكتاب (3) هذه فكرة تشي بمدى بعد أصحابها عن فقه دلالات النص وتنحيهم عنها ، فمن أوجه تهافتها اصطدامها مع بعض آيات القرآن الجلية ، من قبيل قوله تعالى{هذا بيان للناس}(****)، ولا يغيب عن عاقل أن البيان يستلزم الوضوح والمباشرةلا التعمية والترميز . ولما قرر النيهوم توظيف الرمز لفهم القرآن قال:لقد ((وجدت طريقا سليما واضحاً))(4). والواقع أن الاعتماد على الرمز هو أبعد الطرق عن السلامة، وأعصاها عن الوضوح ، وبرغم ذلك ركن إليه النيهوم ،وتبناه مخلصاً لا لكونه مراداً لذاته ، أو حاملا للوضوح والسلامة على الحقيقةإنما لكونه مهربًا ومنفذاً مناسبا للخروج عن نطاق الدلالات الظاهرة للنصوص وما تقضي به من أحكام ومعان لم تلق لها قبولا في عقل ومقاييس النيهوم . هذا هو التفسير الذي أراه راجحاً لتوضيح مبعث لجوئه وكل المعتمدين على الفهوم التأويلية الرمزية، بدءً بالأشاعرة والمعتزلة ، مروراً بالإسماعيلية ، ثم المتصوفة النظريين، وصولا إلى كثير من أقطاب المدرسة التجديدية للفكر الديني (*)، حيث لم يكن أمامهم غيرطريق من اثنين : 1-الأول ردّ كثير من النصوص المقدسة ورفض معانيها الظاهرة صراحا ، وهذا الطريق قل ّ سالكوه ؛ لعسر مترتباته. 2-الثاني ، صرفها عن ظاهر دلالاتها واستحضار دلالات أخرى، اعتمادا على الرمز والتأويل والاستبطان . يمكن وصف اللجوء إلى ماوراء الفظ بأنه وسيلة للتوفيق المتكلّف بين النصوص الدينية غير المقدور على ردها. وبين أفكار عقلية وفلسفية لم تجد تواؤماً ولاتطابقاً مع مدلولات تلك النصوص ، وهذا واقع في تاريخ الديانات الثلاث ، فاللجوء إلى هذا الضرب من التوفيق التأويلي الماورائي هو((ظاهرة تاريخية في التفكير الديني ))(1)حسب تعبير محمد يوسف .
----------------------------------- التطبيقات التأويلية للنيهوم
إن النيهوم لايعمل منهجياً علىإقناع القـارئ بمزيد من الأدلة على صوابه إنه -فقط-يسوق كلامـه سوق المسـلمات البدهية (*). ومن المُثُل المصورة لمقارباته النصية ، ما نلقاه في قراءته لقوله تعال مخاطباً إبليس{مامنعك الاّ تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها }قال النيهوم :((أي لن تبقى في نطاق الحياة بل في نطاق الموت ))(1 وفي قوله تعالى لإبليس{فما يكون لك أن تتكبر فيها }(**)يقول ((أي ليس بوسعك أن تحيا مادام الشكل مقياس الخير بالنسبة لك ،/ وليس النمو))(2) إن النيهوم في تأويله هذا لا يكتفي بصرف التعابير والألفاظ عن معانيها المألوفة حسب اقتضاء الوضع اللغوي إنما يتعدى ذلك إلى وضع بدائل تمويهية بدلاً عن الظواهرالمعنوية التي صادرها، ووجْهُ كون تلك البدائل تمويهيةً هو أنها لا تنتسب إلى أي ساحة مرجعية ، سواء في ذلك ساحة اللغة ، أو ساحة الاصطلاح الفلسفي . حيث حمّلها بمعانٍ لم تحدد وسط منظومة المصطلحات الفلسفي فضلا عن منظومة اللغة المستعملة في مثل هاته المواضيع . وهذا الحال الانفلاتي من اللغةوالاصطلاح هو مما زاد كلام النيهوم بعداً عن إمكانيةالقبول والرضا كما يؤول النيهوم خطيئة آدم - عليه السلام – بأنها ((إنكار الإنسان لفطرته ...إنه لم يثق بنفسه كما وثق الله به)) (1)وهو يفسرالجنة في آية{فلا يخرجنكمامن الجنة فتشقى }(*) بقوله:((إن جنة الإنسان هي فطرته ، وعيه بالحياة والموت ))(2). وفي قوله تعالى {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة}(**)يرى أن أوراق الجنة هي ((الإمكانيات العقلية))(3). وفي قوله تعالى{كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم}(***)يرى النيهوم أن معنى الحياة خنا هو ((العودة إلى الفطرة ، أي العودة إلى الإيمان بالنمو)) (4). كذلك يقدم فهمه لآية {فبدت لهما سوآتهما }(****)بقوله((فالسوأة التي تبدت لآدم هي اكتشافه للمقدمة القائلة بأن الخلود بالتكا ثر لم ينقذ الإنسان من عزلته ، بل جعلها تبدو عارية أمامه بوضوح أكثر))(5). أما في قول الله تعالى {لايخلف الله الميعاد}(*****)فيقول النيهوم : ((أرض الميعاد ليست دولة أخرىبل نقطة التقاء الإنسان بربه الذي وثق فيه، ووثق في فطرته...إنه ميعاد العودة إلى الفطرة وكسر دائرة الحياة الغريزيةبقوة العقل النامي ))(6). وإلى ذلك يذهب إلى أن كل ما ورد في قصة بني لإسرائيل من مرورهم بسنوات التيه ،ثم التطهر بمياه الأردن ، ثم عبورهم أرضَ الميعاد –كما ورد في التوراةتفصيلُه- كل أولئك يراه رموزاً((لعودة الإنسان التائه إلى الله بعد أن يتطهر من أدران التيه))(7) . أماقوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام {فلمابلغ معه السعي ...}(******)فإن السعي هنا -حسب تأويل النيهوم-معناه ممارسة ((النشاط الاجتماعي المتمثل في السعي وراء سد حاجات الطعام والشراب والإنجاب))(1).أما ما أورده الله تعالىفي موضوع خلق الإنسان من طين وصلصال ، فالنيهوم يقول بشأنه((فكلمة الصلصال والطين التي يشير إليها القرآن، ليست إشارة إلى جسد الإنسان ، بل إلى خاصيته في طبيعته))(2). ومن أوائل وأهم أعماله التأويلية الترميزية ، ما كتبه في شأن قصة أهل الكهف، التي يراها رمزاً متكاملا لظهور المسيحية ويجزم بذلك في قوله((وليس من المحتمل أن تكون تلك الحادثة شيئاً آخر غير التاريخ المسيحي))(3).ثم يقدم تفصيلا لذلك يقول فيه((إن قول الله أن اللاجئين إلى الكهف لبثوا 309عاماً هو رمز لمدة بقاء المسيحية منبوذة مطاردة مقهورة بعد المسيح ، مدة 325سنة، إلى أن صارت دين الدولة الرسمي ))(4). أما آية {وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود}(*)فينظر إليها بوصفها ((رمزاً لحالةالركود المعروفة في تاريخ المسيحية وبين عصر الأمبراطور قسطنطين وهي فترة تميزت بحالة من الخمول الكلي في جميع مناطق الدين الجديد...[و]رمزاً لحالة التيه التي عاشها أتباع المسيحية في تلك الفترة ملتمسين طريقهم لنشر تعاليم المسيح))(5).
أما ذكر الكلب مع أهل الكهف في آية {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد}(**)فهي ((إشارة ...إلى أن الدين الجديد كان يواصل انتشاره في مناطق مأهولة بالشعوب التي تحترف الرعي، وهي حرفة شعوب أوربا خلال تلك الفترة...وحرفة سكان سيناء والمناطق العربية المجاورة لأثيوبيا) 6 ويرى أن آية {لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً}(***) تحوي ((إشارة إلى...ممارسةالزهد المسيحي المتطرف...معظم الرهبان كانوا يمارسون حياة أقرب إلى حياة المتوحشين..ويطلقون لحاهم وشعورهم ويطلقون أظفارهم))(7). ومن أخطر وأهم وأجرأ تآويله وترميزاته ، ما يقدمه من فهمه لمفهوم الدنيا والآخرة والبعث .أما الدنيافيرى أن ذكرها في القرآن عامة يراد منه الفترة العمرية الأولى والمبكرة للإنسان، وهي مرحلة الطفولة ، حيث لامسؤولية بل لعب ولهو. أما الآخرة فهي المرحلة العمرية المتأخرة في حياة الإنسان بعد اكتمال مداركه حيث يلقى ما قدم في حياته الدنيا ، أي المدة الأولى الطفولية (*). ولم يسبق لي أن رأيت في التراث الإسلامي التأويلي من تعرض للدنيا والآخرة بالتأويل والصرف عن الظاهر إلا ماحكاه أبو حيان عمن سماهم ((بعض أرباب المعاني)) من ((أن الدنيا ما دنا من شهوات القلب والآخرة ما اتصل برضا الرب))(1). أما البعث-عند النيهوم- فهورمز لخروج الإنسان من حياته الغريزية.يقول النيهوم((هذا البعث من الحياة الغريزية يسميه القرآن بعثاً من الموت))(2). نقاط ضعف التأويل النيهومي:
إن ما سلف عرضه من تآويل النيهوم، ليزيد اقتناعنا بكون التآويل المتطرفةوالرموز الملصقة بالرموز بعامةتمّاز بميزة لا تفارقها غالباً ، وهي خلوها من معضّداتٍ تؤهلها للقبول السلس ، ذلك لافتقاره إلى حجج تكسوها وجاهة ً وقوةً ، إلا ما يكون في أذهان أصحابها ومُصدريها من تصورات ذاتية ،أو أوهام خيالية تقرب المعنى البعيد حتى يصير في مقام المسلمات كل ذلك فضلا عن الأغراض المسبقة المتوجهة بالهوى ، وتآويل النيهوم وترميزاته التي رأينا لاتخرج عن بعض معاني هذا الوصف ، وهي بمجموعها منطوية على نقاط ضعف مشتركة هي التالية : 1- قيامها على أساس ٍ من النزعة الوثوقية الدوغمائية ، القاطعة، المصادرة لاحتمال الخطأ في الطرح . وهذا العيب هو من أكبر معايب الفكر الديني الكلاسيكي ، وها نحن نرى أن الفكر التجديدي واقع فيه أيضاً من خلال مثال النيهوم. 2-افتقارها إلى مقومات ومسوّغات القبول العقلي ، بناء على افتقاره إلى الحجج والقرائن التي يمكنها اقناع القاريء بقبول تلك البدائل الفهمية التي تولدت عن إعمال التأويل والترميزبديلا عن الفهم المتبادرمن ظواهر العبارات. 3-عدم اتفاقها بعامة مع قوانين وأنظمة اللغةالعربية التي هي لغةالنص القرآني الحاكمة على أبواب فهمه واستيعاب دلالاته(*). 4- مصادمتها الأنظمة السياقية التي تعلقت بها، واصطناعها لذلك قطيعة مستعصية عن الجمع مع مقتضيات السياقات التي حوت مواضيع التأويل والترميز. 5- اعتمادها على لغة وتعابير تجريديةمنطوية على حُمُولات ثقيلة من الغموض والإبهام.(**) -------------------------------------------------------------------------- المراجع والمصادر
أولا المصادر :
-القرآن المجيد برواية حفص عن عاصم -الإسلام في الأسر . الصادق النيهوم . دار رياض الريس . لندن .قبرص.ط3 .1995. -دراسة الرمز في القرآن . الصادق النيهوم . صحيفة الحقيقة .1967. -نقاش . الصادق النيهوم . دار تالة.طرابلس .ودار الانتشار العربي . بيروت . ط 2 .2001
ثانياً: المراجع:
- أساس البلاغة . الزمخشري . دار الفكر .بيروت .د ط. - بين الدين والفلسفة – محمد يوسف موسى . دار العصر الحديث .بيروت. - تاريخ الفلسفة اليونانية . يوسف كرم . دار العلم للملايين .بيروت ط2. 1983. - لسان العرب .ابن منظور .دار المعارف . القاهرة .دط. -فصل المقال في تقرير ما بين الشريعةوالحكمة من الاتصال. ابن رشد تحقيق: محمد العسري . مركز دراسات الوحدة العربية . بيروت .ط2 . 1999. - الفوز الكبير في أصول التفسير .ولي لله الدهلوي . مكتبة التراث الإسلامي القاهرة . دط. - الإسلام والعصر :تحديات ووآفاق . طيب تيزيني ومحمد البوطي . دار الفكر .دمشق .ط2 .1999. -الموافقات في أصول الأحكام . الشاطبي . دار إحياء الكتب العربية . القاهرة د ط.
#خالد_إبراهيم_المحجوبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعيدا عن الحضارة الورقية
-
الجمال : بين خلل المعايير ، وخفاء التجليات
-
جدلية الفلسفة والدين
-
ملامح التأثير الحداثي في الفكر الديني
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|