|
الانكشاف الكوني يضع المنطقة على حافة المواجهة
جهاد الرنتيسي
الحوار المتمدن-العدد: 2789 - 2009 / 10 / 4 - 19:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في اتجاه معاكس لاجواء دخول الرئيس الاميركي باراك اوباما الى البيت الابيض ، ينتقل الاقليم من دائرة البحث عن حلول للازمات العالقة الى مربع المواجهة التي تمهد نتائجها لتسويات ، قد تطال عددا من البؤر الملتهبة .
فالمؤشرات التي يمكن التقاطها تتجاوز الايحاءات بنفاذ صبر الادارة الديمقراطية التي فضلت ارتداء القفازات الحريرية لحل القضايا الساخنة بعد اخفاق دورتين رئاسيتين جمهوريتين في ضبط الايقاع الكوني بالقوة العارية .
وبعيدا عن فائض حديث حول النوايا الطيبة الكامنة في برامج الرئيس اوباما لا تجد اطراف رئيسية في النزاعات الشرق اوسطية ما يقود الى حلول تلبي الحد الادني من مطالبها .
فالاختراقات المطلوبة للوصول الى حلول سلمية للازمات بحاجة الى ترجمة فعلية للنوايا الحسنة ، لكي لا تكون "جهنم " نهاية الطريق كما يقول المثل الدارج ، والقفازات الحريرية لا تجلب الحلول وان كانت تثير بعض الارتياح لدى اطراف النزاعات .
ولا تقتصر النتائج التي يتركها غياب الضغوط الحقيقية على اثارة الشكوك حول نزاهة الوسيط او عدم جديته .
فالفشل في ادارة الازمات يوسع الهوامش لقراءات تنتهي بخلاصات من قبيل عجز القطب الكوني الوحيد عن حلها .
ورغم تعدد المرايا التي تعكس حالة الانكشاف الكوني الذي فاجأ اصحاب النوايا الحسنة من السياسيين ، تبدو القضية الفلسطينية التي تعهد الرئيس اوباما بحلها في بداية عهده ، الترمومتر الاكثر حساسية للنقلة النوعية التي يمر بها الاقليم .
ففي الوقت الذي تعترض العقبات الوصول الى اتفاق بين حركتي فتح وحماس لوحت الحركتان بتفجير انتفاضة ثالثة ردا على الادارة الاميركية لازمة عملية السلام ومحاولة قوات الاحتلال اقتحام المسجد الاقصى .
والمرونة التي اظهرتها قيادة السلطة الوطنية بالتنازل عن شرط تجميد الاستيطان للتفاوض مع اسرائيل، واعلان الحكومة المقالة قبولها بالمبادرة العربية للسلام ، لا يعنيان باي حال من الاحوال تحريك عملية السلام واستبعاد تفجر المواجهات .
فالاعلان الاميركي عن عدم شرعية الاستيطان لا يعني زواله اذا لم تكن هناك ارادة دولية لازالته ، وفي تاريخ القضية الفلسطينية قرارات دولية لم تنفذ نتيجة لتعارضها مع الامر الواقع المفروض اسرائيليا ، وغياب آليات التنفيذ الفاعلة .
والمبادرة العربية التي وافقت عليها حكومة حماس فقدت زخمها مع انتقال معسكر الاعتدال العربي من هجوم السلام الى التهرب من التطبيع مع الجانب الاسرائيلي .
الا ان انسداد آفاق عملية السلام لا يعني باي حال من الاحوال نجاح الانتفاضة الثالثة التي يتم التلويح بها في فرض واقع تفاوضي فلسطيني افضل .
فهناك تجربة انتفاضة الاقصى التي جاءت ردا على فشل المفاوضات واقتحام ارييل شارون لباحة المسجد وانتهت باجتياح المدن الفسطينية ومحاصرة الرئيس ياسر عرفات .
والدمار الذي لحق بقطاع غزة وسكانه اثر العدوان الاسرائيلي الاخير دليل اخر على عبثية خوض مواجهات غير محسوبة النتائج .
فالرد الاسرائيلي على اي تحرك من هذا النوع محكوم بجوهر التفكير الكولونيالي الذي كرسه بناة المشروع الصهيوني ولم تبتعد عن تجلياته مختلف الاحزاب الصهيونية الى الحد الذي يلغي الفواصل بين الممارسات العملية للاحزاب الحاكمة في اسرائيل .
وفي اسرائيل حيث الشعور بنشوة تحقيق انتصار سياسي على سيد البيت الابيض بعد قلق اثارته شعاراته الانتخابية تبدو الصورة مختلفة تماما .
فالتصريحات التي ادلى بها اوباما في نيويورك خلال اللقاء الثلاثي ستبقيه عاريا امام الشارع السياسي الاسرائيلي .
ويمنح مثل هذا التطور الملحوظ في المناخات المؤثرة على العملية السلمية المتعثرة قوة دفع اضافية لاستثمار حالة الانقسام الفلسطيني في التشكيك بوجود الشريك الفلسطيني .
كما حقق رئيس الوزراء الاسرائيلي نجاحا بشطبه شرط وقف الاستيطان لاستئناف المفاوضات الذي وضعته السلطة الوطنية الفلسطينية الامر الذي يعني توازي المفاوضات مع استمرار سياسة فرض الامر الواقع الاسرائيلي .
وفي هذا السياق تأتي المحاولة التي قامت بها قوى اليمين لاقتحام المسجد الاقصى وطريقة تدخل قوات الاحتلال .
فهي تعبر بشكل او باخر عن توجهات حكومة اليمين الاسرائيلي لاخراج القدس من دائرة مفاوضات الحل النهائي .
وبشكل تلقائي يقود تأزم الوضع الفلسطيني الذي ينذر بالانفجار الى مفاوضات الملف النووي الايراني .
فهناك روابط بين الملفين لا تقتصر على الاستثمار الايراني للقضية الفلسطينية الى حد تحويلها لواحدة من ساحات المواجهة مع الولايات المتحدة واسرائيل كلما تأزم الملف النووي .
وخطوات " عقلنة " الخط السياسي التي تحاول حركة حماس القيام بها ، سواء بابداء بعض المرونة تجاه المصالحة ، او الموافقة المتأخرة على مبادرة السلام العربية تأتي نتيجة قراءة فصيل الاسلام السياسي الفلسطيني الابرز للتطورات الايرانية .
فالمفاوضات التي اجرتها طهران مع " الشيطان الاكبر " في جنيف ، والشعارات التي تطلق خلال مظاهرات الاصلاحيين في شوارع المدن الايرانية تنطوي على مؤشرات لا تخفى على صناع القرار السياسي في حركة حماس .
لكن الافراط في التفاؤل حول وصول ايران والمجتمع الدولي الى تسوية قريبة للملف النووي يبقى محفوفا باحتمالات الوصول نتائج خاطئة .
فالجلسة الاولى من الحوار الاممي ـ الايراني لم تخرج عن سياقات سياسة شراء الوقت التي تتبعها طهران في التعاطي مع هذا الملف ولا تخفي عن اطراف الحوار الاخرى .
وبالتالي لم تتح الاجواء الضبابية التي خيمت على المحادثات ما يكفي من الوضوح لاستشراف الافاق التي يمكن ان تصل اليها الازمة وان تاخر قرار الست الكبار حول فرض عقوبات على ايران .
كما تترافق اجواء الحوار مع عملية فرز حقيقية في الوضع الداخلي الايراني تدفع جناح المحافظين الى التشدد في تعاطيهم مع المجتمع الدولي فيما يدعو الاصلاحيون الى التهدئة والالتفات لقضايا الداخل الايراني بدلا من تشتيت الجهود والامكانيات في العراق ولبنان وفلسطين .
وبين المراوغة والتشدد والانقسام الداخلي تفقد طهران قدرتها على الاستجابة لجهود تسوية الملف النووي .
وفي ظل هذه المقدمات يجد الغرب ما يغريه للسير في اتجاهات من قبيل اللعب على التناقضات الداخلية الايرانية ، وفرض العقوبات القاسية ، وربما خوض مغامرة عسكرية .
لكن الامر لا يخلو في المقابل من مراهنات شرق اوسطية على تراخي قبضة الولايات المتحدة عن زمام الامور بظهور اقطاب جديدة تشارك في رسم الخطوط العريضة للمشهد الكوني .
تظهر مثل هذه الرهانات باشكال متفاوتة حيث تعبر طهران وحزب الله عن هذه القناعة ببعض الرمزية حين تبشر بزوال اسرائيل في الوقت الذي تبدي اوساط الاسلام السياسي قناعتها بقرب انهيار الولايات المتحدة .
وعززت تصريحات الرئيس اوباما في الامم المتحدة حول تعددية الاقطاب مثل هذه التصورات .
فالقوى التي تتبنى هذه الرؤية يصعب عليها تخيل وجود فروقات بين خيالات الانهيار الوشيك للولايات المتحدة ورغبة البيت الابيض بوضع حد للتفرد في تنفيذ القرار بعدما ثبت له عجز قوة كونية واحدة عن القيام بالدور المفترض ان يناط بالمجتمع الدولي .
كما يفوت اصحاب هذه الرؤية المغرقة في التبسيط ان انهيار الولايات المتحدة يعني من بين ما يعنيه غياب الطرف المعول عليه في دفع عجلة التسويات المفترض ان تنهي الصراعات في المنطقة .
#جهاد_الرنتيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غطاء اميركي للاستيطان الاسرائيلي
-
انكفاء عربي عن المشهد الاقليمي
-
عبث اميركي في حقل الالغام الشرق اوسطي
-
الاخوان يتسلقون العملية السلمية
-
مشارف الحسم الفلسطيني
-
مفاتيح جديدة لقراءة المرحلة المقبلة
-
فتح تستعيد زمام المبادرة
-
سلام الخريف !!
-
تغريبة القدومي تعري الاعلام العربي
-
قلق التسوية
-
فوبيا سحب الجنسية
-
الارتدادات العربية للمأزق الايراني
-
متاهة الوطن البديل
-
سباق شرق اوسطي في المتاهة الاميركية !!
-
اوباما في دائرة الشك العربي
-
معادلات جديدة ... لمرحلة مختلفة
-
موسم الهجرة الى واشنطن
-
قمة -العوالم- العربية
-
مصالحات الوقت الضائع
-
بوابة السلام الاقتصادي
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|