|
عرض كتاب -صور محطمة: نهضة حركة تحطيم الأيقونات النضالية في سوريا- للكاتب الكندي فرد ريد
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 847 - 2004 / 5 / 28 - 05:44
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
أراد فرد ريد تعقب أصول حركة تحطيم الأيقونات التي برزت في المسيحية الشرقية في القرن الثامن، منذ بداياتها حتى آخر آثارها النظرية في يومنا الحاضر. كانت هذه خطته حين قدم إلى سوريا. لكن "حين بدأت الكتاب"، يقول الكاتب الكندي، "تخطى الواقع مشروعي المتواضع بصورة قاسية وممزقة". ففي صيف 2001 حطمت حركة طالبان تمثالين لبوذا في مقاطعة باميان الأفغانية. وفي ايلول من العام نفسه، وفي نيويورك، "انهار صنمان عظيمان متحطمين عبر سلسلة من الانفجارات القيامية". وهكذا "لم يعد تحطيم الأيقونات قضية نظرية. لقد أضحى مسألة حياة وموت". وسيتظاهر الانتقام الأميركي بكل وحشيته وجبروته في غزو صاعق (بلتزكريغ) لأفغانستان، وفيما بعد في اجتثاث التراث الثقافي للعراق. في عمله يرصد الكاتب الكندي الذي سبق له أن ألف كتابا عن إيران وآخر عن تركيا ارتباطا بين الإرهاب وتحطيم الأصنام، وبين "الحرب" ضد الإرهاب واستعادة الأصنام ونصبها وحمايتها. وبطريقة مجادل فيها يرصد "أركيولوجي الأفكار الهاوي"، كما وصف ريد نفسه، استمرارا تاريخيا لحركة تحطيم الأيقونات في مقاومة مسلمي آسيا لعبادة الغرب للعقلانية الأداتية. وبهذا يكون "الإرهاب الإسلامي" تظاهرا آخر لتلك الحركة التاريخية القديمة. كانت حركة تحطيم الإيقونات متأثرة بالإسلام ومحاولة لاستيعاب رضته العقيدية والسياسية في الوقت نفسه. فعبر تبني صرامة الدين الجديد اعتقد ليو الثالث، الامبراطور البيزنطي وبطل تحطيم الأيقونات (726 م)، انه يستطيع قلب المد الإسلامي الذي كان هدد القسطنطينية قبل سنوات عشرة. بهذا المعنى "تحطيم الأيقونات محاولة للتطعيم الروحي" ضد عدوى الإسلام. لكن حركة تحطيم الأيقونات تتصل كذلك بما يسميه المطران ايزيدور بطيخة، مطران الروم الكاثوليك في دمشق، "الأسلمة السابقة على الإسلام"، ويعني بها "رفض الكنائس الشرقية اي شيء يتحدث عن الجسد، عن تجسد يسوع المسيح". ويبدو أن اجتماع الصراع العقيدي بين مسيحيي الشرق، القبط والسريان، وبين بيزنطة المتهلنة، مع الهلينة القسرية لكل ما هو مسيحي، إضافة إلى السيطرة العسكرية والسياسية البيزنطية، ييسر فهم الدور الذي قام به هذا الشكل "قبل الإسلامي" من المسيحية في تمكين العرب من تحرير الأرض من محتليها الأجانب. ولا جدال، حسب الأب بطيخة نفسه، في أن إفراطات الإمبراطورية وتبجحها وإعجابها بذاتها من أسباب نهوض حركة تحطيم الأيقونات. ولا يخفي ريد شعورا بخيبة الأمل حين يحاول إضاءة المسألة الأيقونية من الجانب الإسلامي. "الإسلام يحرم كل ما قد يلهي عن عبادرة الله. ومن يعبد صنما أو ما شابه ويبتعد عن الله فسيكون من الخاسرين"، حسب ما حظي به من شرح من أحدهم في دمشق.
على أن متن كتاب "صور محطمة" يتيح للكاتب الكندي ولقارئه أن يتعرف على سورية المعاصرة بدمشقها الحديثة وايقوناتها البعثية وتكوينها المتعدد مذهبيا. في دمشق يزور الكاتب "بانوراما حرب تشرين التحريرية"، تلك الأيقونة الكبرى لعهد الرئيس حافظ الأسد، ما يسميه ريد نفسه: "النصب الذي أشاده النظام لنفسه وللأب المؤسس له". ولا تفوته ملاحظة أن بطانة كل من زنوبيا ملكة تدمر القديمة ومحاربي صلاح الدين الأيوبي ورجال بلاط الوليد بن عبد الملك، في البانوراما ذاتها، لهم ملامح شرق آسيوية. فقد تفرغ لمدة ست سنوات فنانون من كوريا الشمالية لرسم "أنشودة نصر القائد الأبدي". وإذ تطالعه صور الرئيس الراحل في كل مكان وصور الرئيس بشار الأسد في مكاتب المسؤولين الرسميين، يفكر ريد بأن نظام البعث يحكم عبر أيقونات ذات وظيفة تقديسية. ورغم أن الصفحات التي يخصصها لمدينة حماة لا تستنفد قصتها "التي تستصرخ أن تروى"، فإنها تذكير بالحاجة إلى استنطاق صمت هذه "المدينة المزمومة الشفتين". وفي الخراب المقيم في قلب المدينة يقرأ الزائر والساكن "قواعد حماة، المبدأ غير المنطوق لكن المعترف به في كل مكان والذي يحكم سوريا حتى اليوم". وبنبرة مألوفة يقرر ريد انه ما من إصلاح ممكن في ظل قواعد حماة التي تحكم الدولة وتشكل الركن الركين لاستقرارها. عبر هذا التجوال يدق خيط الكتاب حتى يكاد ينقطع. لكن الكاتب يواصل تجميع شذرات صور الإسلام السوري متقصيا ما يسميه ورثة علي ابن ابي طالب المعاصرين: الاسماعيليين والعلويين والدروز. لا يدفع ريد ضريبة اهتمام تذكر بقضية الحشاشين التي فتنت الغرب كثيرا، والتي عممها برنارد لويس نقلا عن ماركو بولو. يمر عليها بصورة عابرة، لكنه يهتم أكثر بتحري الاصول العقيدية والتاريخية للشيعة السبعية الذين شكلوا في وقت من الأوقات امبراطورية الفاطميين التي شملت مصر والشام وووضعت بغداد ذاتها تحت جناحها. في جوار اسماعيليي مصياف والسلمية، ثمة العلويون الذين اكتسبوا هذا الاسم إبان الانتداب الفرنسي بعد ان كان يطلق عليهم ويطلقون على أنفسهم اسم النصيرية. يحاول الكاتب الكندي استعادة ذكرى الشيخ صالح العلي الذي كان أول من قاوم الفرنسيين في شمال غرب سورية قبل ميسلون. المحاولة لا تنجح. وفي القرداحة مسقط رأس الراحل حافظ الأسد، "ايقونة سوريا المثلى التي لا يتجاسر عليها أحد"، يزور الكاتب ضريحه وضريح نجله الراحل باسل. وعلى بعد كيلومترين ثمة أيضا جامع السيدة ناعسة، والدة الرئيس الراحل. ولهجسه بالأيقونات، يرصد ريد "صورة ضخمة لحافظ الأسد منحنيا لتقبيل يد الأم المبجلة التي تبسم باغتباط طوباوي، ومن رأسها تشع هالة تشبه الشمس". في السويداء، حيث مركز الدروز السوريين، ثمة دائما "أهلا وسهلا" التي وجدها ريد في مصياف وفي جبال العلويين، ثمة دائما وجبة الطعام الشهية، وثمة دائما ايضا يد الإهمال والبلى تغزو أضرحة أقدم قليلا: صالح العلي وسلطان باشا الأطرش. يفسرها ريد بانشغال النظام بنفسه فقط. تبقى هناك أعجوبة واحدة. ففي موقعها الإلكتروني رأت دار تالونبوكس التي نشرت الكتاب أنه "يتقصى جذور الأصولية الإسلامية كما يمثلها الآن حزب الله ومنظمات أصولية إسلامية أخرى، عودا إلى محطمي الأيقونات في دمشق القرن السادس والسابع". ومثل كل الأعاجيب المعاصرة ينبع إلهام هذه الأعجوبة من حاجات جيب الناشر اولا وأخيرا. وفيما عدا أن هذا الكلام استطراد تأويلي لا يكاد يجد غير سند ضعيف في كتاب ريد، فإن منطقه المتعصب يتعارض بعمق مع الروح السخية والإنسانية لدراسة الكاتب الكندي. ومن مشكاة الإلهام ذاتها يغوي الناشر قراءه المفترضين بأن المخابرات العسكرية الأميركية اعترفت بريد اختصاصيا بشؤون الشرق الأوسط منذ صدور كتابه "بطاقة بريد فارسية" عام 1994. لا يشك قارئ الكتاب لحظة واحدة في أن ريد لا يتشرف بهذا الاعتراف. Shattered images: the rise of militant iconoclasm in Syria Fred A. Reed Taloonbooks, Vancouver, Canada, 2003 P 258
دمشق 28 نيسان 2004 ******
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زمن المقالة وأزمة الثقافة
-
ما بعد القامشلي الشأن الكردي والنظام السياسي في سوريا
-
أسامة بن لادن، هيغل، وما بعد الحداثة
-
اعتقال طلاب الجامعة سياسة العزل السياسي والجيلي
-
بين عهدين: قضايا تحليل الانتقال السوري
-
-العقد الاجتماعي- البعثي وتناقضاته
-
نظام الاستثناء الشرق أوسطي
-
ثلاثة برامج قتل وفكرة عزلاء
-
اضطرابات الجزيرة ضرورة تجديد التفاهم الوطني السوري
-
سوريا أمام المنعطف مــن هنا إلى أيــــن؟
-
اعتصام دمشق فاعلون مترددون وإعلام يقيني
-
طبائع العمران وصناعة الواقع في الدولة الحزبية
-
في السنة الحادية والأربعين فصل حزب البعث عن الدولة ضمانة له
...
-
صـــراخ فـي لـيــل عــراقــي
-
سوريون ضد حالة الطوارئ!
-
هل سيكون 2004 عام التحول في سورية؟ عرض تقرير -التحديات السيا
...
-
سورية والتحديات الخارجية عرض لتقرير -مجموعة الأزمات الدولية-
-
نقاش حول الدفاع الوطني
-
بلاد الموت السيء
-
نحو مؤتمر تأسيسي لحزب ديمقراطي يساري - مناقشة عامة لمشروع مو
...
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|