حافظ سيف فاضل
الحوار المتمدن-العدد: 847 - 2004 / 5 / 28 - 05:42
المحور:
حقوق الانسان
ماذا يريد العرب!؟.. بعد فضيحة سجن ابو غريب والصور البشعة التي شاهدناها بعد ان كشف امرها افراد في القوات المسلحة الامريكية, ارسلوا عنها التقارير -حسب افادة رامسفيلد- الى البنتاغون وكذلك بفضل الاعلام الامريكي الحر (وليس الاعلام العربي) الذي نشر صور الانتهاكات اللانسانية وبذلك تحسب للولايات المتحدة الامريكية وتؤكد على انها دولة مؤسسات ديموقراطية, اذ قامت لجنة في الكونجرس باستجوابات عديدة للمعنيين والمسؤلين منهم رامسفيلد ومايرز والجميع بانتظار القرارات والتوصيات حال الانتهاء من سرد الشهادات.
طبعا مثل هذه الاستجوابات في واشنطن والمحاكمات في بغداد تكاد تنعدم في دولنا العربية ولم نسمع بها او نشاهدها على الاعلام المرئي. وللامانة ماشاهدناه في بعض الدول العربية هو اقتصار المحاكمات فقط على المشتركين وقادة المحاولات الانقلابية العسكرية, في محاكمات صورية اكسبريس صدرت احكامها سلفا. العنف والتعذيب للمعتقلين هي ثقافة ليست يمنية فقط بل وعربية مؤصلة في الوعي الثقافي والسياسي من خلال ارث طويل ثقيل يرزح من منطلق الجماهير المنتشية بالدم. في الستينات والسبعينات والثمانينات وقبل افشاء مبادئ حقوق الانسان وانتشار الفضائيات المرئية وسرعة نقل المعلومات والخبر المباشر والعاجل وبحرية واسعة, والسعي الحثيث وراء النهج الديموقراطي, كانت الثقافة السائدة عند المواطن اليمني قبل الوحدة اليمنية المباركة ان من دخل (بيت خاله) ككناية عن الاعتقال او الاعتقال السياسي لدى الجهاز المركزي للامن الوطني (المخابرات سابقا), او لدى الاستطلاع للامن الحربي (الاستخبارات العسكرية سابقا), كان بديهيا ان يقع للمعتقل (الرزق المقسوم) من صفع وركل, لذع كهرباء, دش بارد, اطفاء اعقاب السجائر على مواقع الجسد, ضرب القيود العثمانية على القدمين. وحجز للمواطن دون محاكمة او قيد قانوني الى ماشاء الله. وكان موضوع الانتهاكات تقليد متعارف عليه بل واجبا ومرسخا لدى المواطن اي انه يقع ضمن سياق (ثقافة العنف السائدة) في المجتمع. وكم كان سيصبح الامر عجبا وغير منطقيا لوخرج المواطن المعتقل دون ان يصاب بلوثة عقلية او معطوبا جسديا, ومعاملته تتم وفق مواثيق جنيف الدولية للاسرى والمعتقلين في بند حقوق الانسان. فالمعادلة كانت ولايزال بعضها قائم في الذهنية اليمنية او العربية في شكل تبريري لجزء من ثقافة العنف والتي تعني ان "المخابرات تتطلب ممارسة العنف والتعذيب واشاعة الخوف" وكذلك يتبعها "الحبس بدون امر قضائي". ومن خطورة هذا المفهوم ان يصبح امراً عادياً وبديهي بل ومطلوب من اجل سير التحقيقات للادلاء بالاعترافات, وجمهور الناس من العامة كان يدرك هذا المفهوم على هذا الاساس بان التعذيب امر واقع لابد منه وهنا مكمن الخطورة. ولكن في التسعينات تحسنت الظروف وانفتحت قليلا الانظمة العربية واليمن جزء من المنظومة على العالم وسحب بعض البساط من تحت مركزية القرار الشمولي وصار من المستهجن ان يظل الامر على ماكان عليه وتبدلت الظروف الدولية وساعد الانتشار الفضائي الاعلامي الواسع الغير حكومي وتفعيل السلطة الرابعة (الصحافة) لتغيير العقليات والمفاهيم التي كانت تسود. وفي الالفية اصبح النضال الجماهيري على الارض اوسع بمؤسساته المدنية المختلفة يقاوم عنف السلطة ويسعى الى توعية المواطن بحقوقه وترعى دولياً تلك الحقوق الدول التي سبقتنا بسنة ضوئية في مجال الديموقراطية وعلمانية الدولة وحقوق الانسان والمواطنة, اذ تهدد تلك الدول المتقدمة نظيراتها المتخلفة بشطب المعونات الاقتصادية او مزيد من الضغوط السياسية واحيانا بالتهديد المباشر والتحرك العسكري لغرض تحسين ادوات الحكم او قلبه في العالم الثالث لصالح مفهوم حقوق الانسان واشتد هذا السلوك الدولي بهذه السياسة بعد تصاعد وتيرة الارهاب (الاسلامي) الذي هدد العالم برمته مما تتطلب الامر معالجة واصلاحات فورية طوعية او قسرية سواء بيد زيد او بيد عمرو وعلى جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والتعليمية والاجتماعية.
ان التعذيب ليس غريبا في البلاد العربية خاصة الثورية منها, اذ فاق حد التصور باذابة بعض المعتقلين السياسيين في سائل الاسيد واخفاء اثارهم. وكذا ممارسة انواع غريبة من العذاب منها, الدولاب, والخازوق (موروث عثماني), وقلع الاظافر, وبتر الاطراف وجذع الانوف والاذان والالسن, واستوردت دولنا بعض تلك الفنون من دول المعسكر الشرقي في قمع وارهاب المعارضين السياسيين بغرض اسكاتهم من خلال شتى صنوف العذاب وغالبا مايتطلب الامر تسهيل ايصالهم بعزرائيل.
ماحدث في سجن ابو غريب من انتهاكات صارخة وبالرغم من بشاعتها تكاد تكون عديمة القيمة لما حدث ولايزال يحدث في دولنا العربية المسكوت عنها ولكن هذا لايعني اننا لاندين مثل هذه التصرفات الغير انسانية مهما كان نوع الفرد المعتقل وارتكابه للجرم, ولكن لابد وان لانعمم ماحدث بان ذلك من القيم الامريكية وان كل الجنود الذين بلغوا في العراق 140 الف جندي وسيضاف اليهم 3600 جندي من مواقع كوريا الجنوبية هم على شاكلة بعض حراس سجن ابو غريب المتهمين بالانتهاكات الذين بلغوا سبعة اشخاص. ولاننسى انه دوما ستحدث هناك تجاوزات وانتهاكات في احسن الدول تقدماً واحترام لحقوق الانسان وديموقراطية مادام الشر يسير الى جانب الخير ولكن العبرة في نوعية النظام السياسي ومدى شفافيته وقدرته الالية على الحساب والعقاب دون ساتر او محاباه لمسؤل مهما علا شأنه وكبر مركزه. الفارق المهم ان الولايات المتحدة دولة ذات شفافية عالية تحاسب وتعاقب اكبر المسؤلين على تلك التجاوزات وقد تطال اعلى سلطة في البلاد كما حدث مع كلينتون وفضيحة لوينسكي وقبلها مع نيكسون وفضيحة ووترغيت بينما مايسود في دولنا العربية هو عدم الشفافية والتستر المنظم والمؤطر بقانون, واشاعة التخويف نحو كل من حاول من الاعلاميين او السياسيين المعارضين او اخرين كشف الانتهاكات الخطيرة, والاهم من ذلك كله خطورة ان يكون مفهوم العنف المسترسل عبر موروث قديم قابع في العقلية العربية عموما كما اسلفنا سابقا. وقد عبر الطبيب المفكر خالص جلبي في هذا الصدد بما يخدم الفكرة قائلا: "وقصة سجناء أبو غريب كانت تتكرر في كثير من سجون العربان ولأسباب أتفه وعذابات أشد وفترات أطول، وأنا شخصيا نزيل السجون العربية أربع مرات فأعرف عما أتكلم. ولكن المحطات الفضائية جاءتها النخوة العربية على غير موعد، وهو جيد منه في طرف لأنه قد يفتح العيون على فظاعات السجون العربية. ويبقى السؤال عن سيكولوجية الذبح من الوريد إلى الوريد أو همجية حمل الأشلاء المقطعة، وهي تدل كما يقول غوستاف لوبون في كتابه عن سيكولوجية الجماهير الذي صدر عام 1895 أن الفرد يتصرف لوحده بعقلانية وقدرة على النقد، فإذا انضم إلى القطيع محي الدماغ وخسف بالعقل وتصرفت الجموع مثل الجسد الذي يرتكس لمنعكسات النخاع الشوكي بدون أي تحليل عقلي.
وهو الحاصل اليوم عند الجماهير العربية المنتشية بالدم، كما كان يحصل في قرابين الانكا وقلب الشاب المنتزع من صدره الدافئ وهو يخفق؟ فهي تعيش ثقافة دموية ولا تعرف أهمية الرأي العام العالمي ولا تعرف مفاتيح تغيير الإنسان "
#حافظ_سيف_فاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟