بسام البغدادي
الحوار المتمدن-العدد: 2787 - 2009 / 10 / 2 - 18:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قبل بضعة أيام أنتهيت من كتاب (How to Connect with Your Guide). في هذا الكتاب يتم اعطاء القارئ تمارين محددة و أرشادات ثابتة لطريقة الاتصال بمرشدك الروحي (ملاك او جن أو شئ من هذا القبيل) لتوجيهك و أرشادك و مساعدتك في أمور حياتية مُختلفة. المُثير في هذا الكتاب أن كاتبهُ أو بالأحرى كاتبيه الاثنين ليسوا بشراً مثلنا, بل هما مرشدان روحيان نورانيان للأشخاص الذين بواسطتهم وصل الكتاب الينا. السوآل الذي يطرح نفسهُ هنا, هل سنصدق بأن الذي كتب الكِتاب هم تلك الكائنات النورانية حقيقةٍ أم أنها مجرد خدعة تجارية لأنتشار و بيع أكبر كمية ممكنة من الكتاب؟ بصراحة, دعني أقولها لك فقد قمت بتطبيق كل التمارين الموجودة في الكتاب و حصلت على أتصال روحي من النوع الخامس بأحد كبار الملائكة و حملة العرش. أعرف أنك لا تصدقني, و أعرف أن الشك قد تملك قلبك. لكن, هل تعرف لماذا؟
لنتوقف برهة عند قصة الكتاب هذا و نراجع أنفسنا. ما هي الاسباب التي تدفعنا للشك برواية كهذهِ؟ هل هناك فائدة حقيقية للكاتب أو المؤلف أن كان بشراً مثلنا أن يستخدم مثل هذه الخدع للترويج لكتابهِ؟ هل هناك مصلحة حقيقية أو فائدة للأرواح النوارنية الحكيمة هذه في نشر رسالتها عبر وسيط أنساني وهي تعرف مسبقاً بأن الشكوك و الاسئلة ستلتف حول هذا الوسيط قبل النشر و بعدهِ حتى؟ بغض النظر عن مدى مصداقية محتوى الرسالة (حيث نجحت فعلاً بالاتصال بملاك) هل هناك دليل على صدق الرواية القائلة بأن كائنات نورانية فعلاً هي التي نتحدث عنها الآن وليست مرض نفسي يتم تحفيزه من خلال تمارين أيحائية معينة؟ ؟ الكثير من الاسئلة الاخرى التي قد تخطر ببالك لتفنيد أدعائي أو أدعاء كاتب الكتب في أن يكون مصدر هذا الكتاب روحاني.
كثرة السوآل و الشك ظاهرة إنسانية صحيحة و صحية جنبت أسلافنا تناول الجذور و الأزهار السامة في الأمس البعيد و تجنبنا تناول الافكار السامة و الخرافية كحقائق اليوم. أذن ما الذي قمنا به عندما قمنا بطرح الأسئلة حول مدى مصداقية الأدعاء أو الفرضية أعلاه؟ أن ما قمنا بهِ هو أننا قمنا بنقد مصدر المعلومة المطروحة (Source creticism) وهو أحد أهم المناهج العلمية المتبعة في التأكد من مصداقية او حقيقة الفرضيات التأريخية منها خاصة أذا كانت المادة التي نتعامل معها غير قابلة للتدقيق بصورة أخرى, كوجود بقايا و آثار فيزيائية للشخصية التي يدور حولها البحث.
على سبيل المثال لنفترض بأنهُ تم ورود ذكر شخصية ما عاشت قبل أكثر من 10000 عام في الكثير من المراجع التأريخية, باستثناء مرجع واحد ذكر بأن وجود هذه الشخصية هو ما سوى تراث شعبي جاء مع قبيلة ما أنتقلت من البادية الى أحدى المدن دون أن تمتلك هذه القبيلة اي دليل على وجود هذه الشخصية أو بقايا أو آثار لها. بطبيعة الحال فأن الغالبية العظمى منا سترى في أتفاق عدة رواة بعظهم موثوقين على خبر ما هو تأكيد لحقيقة هذا الخبر, لكن و لكي نكون منهجيين في بحثنا عن الحقيقة, يجب أن لا نتقبل الحقائق بهذه البساطة. فقد يكون الراوي الوحيد هذا دقيقاً في روايتهِ أكثر من عشرة او مئة راوي آخر. نموذج من الاسئلة التي سأطرحها شخصياً للتأكد من صحة الروايات و مصداقيتها هي:
1. ما هي المصادر المطروحة التي تؤكد وجود هذه الشخصية؟ حكايات شعبية أم كتب أم رسائل أم اشياء أخرى؟ وما مدى أصالة هذه المصادر؟ ربما محرفة او مطبوعة او مزيفة لسبب ما من مصدر أصلي ضاع مع السنين.
2. هل هناك مصلحة شخصية للمؤرخين في ذكر أو الامتناع عن ذكر هذه الشخصية؟ مثلاً هل يعطي ذكر أو عدم ذكر هذه الشخصية مكانة اجتماعية معينة أو مركز معين أو يؤثر على حياته او معاشه او شئ آخر في محيطه سلباً أو أيجاباً؟
3. ما هو مدى الارتباط الجغرافي, الاجتماعي, الزماني للرواة بهذه الشخصية؟ فمثلاً رأوي عاش في نفس زمان أو مكان وجود الشخصية المختلف عليها هنا هو محل للثقة أكبر من راوي جاء بعد هذه الشخصية بأربعمائة سنة. كذلك راوي هو أخ أو أبن الشخصية هذه هو محل للشك أكبر من راوي محايد لا علاقة له بالشخصية.
4. من هم الروأة الأوائل و من هم الرواة الثانويون الذين نقلوا عن الرواة الاوآئل؟ عادة فأن المصادر من الراوي الأول تكون أكثر أرتباطاً بالحدث من الرواة الذين يعيدون طرح نفس القضية ولكن تحت تأثير أجتماعي أو سياسي معين يؤدي الى حفظ و تضخيم ما يُعتقد أنه مُهم أو صالح و أهمال مايعتقد أنه لا فائدة منه.
أسئلة أخرى تناسب الحالة التي يتم دراستها كل على حدى.
عندما أتأكد بأن ما أورده أحد الرواة أو بعض منهم خالي من الشك لغياب أي مصلحة حقيقية أو تأثير أجتماعي معين و بأن كل ما نقله محفوظ كما هو دون تلاعب جرى عليه على مر السنين لأسباب أو لأخرى, حينها يبدو من الطبيعي دراسة موقفهُ التأريخي من الشخصية و تحديد موقف منها.
لنعود لموضوعنا الاصلي, هل الله موجود؟ حتى هذه اللحظة لم يتمكن أحد من أثبات وجود الله فيزيائياً بشكل من الأشكال, فما هو مصدر الأعتقاد بأن الله موجود اليوم؟ من أين جائنا الخبر عن هذا الوجود الكائن خارج الزمان و المكان؟ حيث كما شاهدنا أعلاه فإننا كبشر ذو وعي و دراية لا نؤمن بوجود الأشياء فقط لانهُا ذكرت في كتاب ما, بل يجب أن تكون هناك مصادر ولو بسيطة لكنها صادقة تؤكد هذا الوجود. فأنت لا تؤمن مثلاً (وهذا ما أتمناه فعلاً) بأن البطة الوردية العملاقة هي فعلاً البطة العظيمة التي خلقت العالم عندما قالت قولتها الشهيرة (قاق) فقاق الكون, فقط لانني أقول ذلك؟ و أنت لا تؤمن بأن الكتاب الذي ذكرتهُ أعلاه هو فعلاً من كتابة تلك الارواح النورانية فقط لان مؤلفه المزعوم يقول ذلك؟ أذن ما هي المصادر التي من خلالها وصلنا الزعم القائل بأن كيان ذات صفات معينة عظيمة جداً يقع خارج الزمان و المكان و يحمل أسم الله موجود فعلاً؟
في عالمنا اليوم فأن المصدر الاساسي الذي وصلتنا هذه المعلومة من خلاله هو الكتب المقدسة. و قبل أن يتعلم أحدنا القرآءة و الكتابة فأن مصدر المعلومة هو محيطنا الذي ننشأ به و الأهل و الذين بدورهم أما قد قرأوها في الكتاب المقدس أو تلقوها من خلال شخص آخر قرأ الكتاب المقدس الخاص بهم كالانجيل أو القرآن. أذن فأن المصدر الاساسي لهذا الاعتقاد بالوجود الألهي هو الكتب المقدسة لا غير. تعالوا لنطبق مبادئ التعامل النقدي مع المصادر هذه لنرى مدى قدرتها على الصمود كي تكون مصادر موثوقة نستطيع الأعتماد عليها في الاجابة على سوآلنا الاصلي (هل الله موجود؟).
أولا: جميع الكتب المقدسة تقول بأن مصدرها (كاتبها) هو الله نفسه أو أنها بألهام من الله. فهل هناك أي دليل يؤكد هذا الأدعاء؟ ببساطة يمكن التأكد من ذلك من خلال فحص آثار المؤلف في النص. أذا كانت آثاراً إلهية فيفترض أنها قائمة خارج الزمان و المكان و موجهة الى كل إنسان في كل زمان و مكان, أما لو كان الكتاب مجرد كتاب عادي تم الزعم بأن مؤلفهُ الله لأسباب أخرى سياسية مثلاً فسنجد آثار إنسانية ترتبط أرتباطاً وثيقاً بالزمان و المكان الذي ولدت فيه هذه النصوص.
ثانياً: من هم الأشخاص الذين يقفون وراء ظهور هذه النصوص تأريخياً؟ فمثلاً الأنجيل الرسمي يقف وراءه أربعة أشخاص رئيسيين هم كلٌ من بولس و متي و لوقا و يوحنا. القرآن يقف خلفهُ محمد. فمن هؤلاء؟ كيف كانت سيرتهم الشخصية؟ هل أشخاص بمثل سيرتهم اليوم سيتم قبول رواياتهم خاصة أذا كانت تدعو الى تغيير جميع الموازين التي تقوم عليها المجتمعات اليوم كما حصل حينها؟
ثالثا: ماهو محتوى هذه المصادر (الكتب المقدسة في هذه الحالة) بأستثناء الادعاء بوجود ألهي؟ هنا يجب علينا التأكد من نوعية المعلومات المذكورة في هذه الكتب أن كانت تتحدث عن حقائق أم مجرد آراء؟ أذا كانت حقائق فبألأمكان التأكد منها و مقارنتها مع الواقع, أن كانت مجرد آراء (إلهية) لا علاقة لها بالواقع فيجب التأكد من صلاحيتها لنا كبشر في واقعنا هذا الذي نعيشهُ اليوم.
رابعاً: هل هناك أي مصلحة ما لطرف ما (فرد, قبيلة, طائفة) وراء ظهور هذه الكتب في وقتها؟ فمثلاً هل كانت هناك غاية أو فائدة معينة من بروز شخصية كالمسيح تحت ظل الاحتلال الروماني لفلسطين قبل أكثر من 2000 عام؟ هل كانت هناك غاية أو فائدة معينة من بروز شخصية من قبيلة قريش في مكة وقت ظهور محمد؟
خامساً: هل هناك مصادر أخرى مُستقلة تؤكد ما ذهبت لهُ تلك الروايات التي جاء ذكرها في هذه الكتب المقدسة؟ فمثلاً هل هناك مؤرخ ما قام بتدوين ظهور المسيح في تلك الفترة التي تدعي الاناجيل ظهوره فيها؟ هل هناك مؤرخ خارج الجزيرة العربية قام يتدوين أنشقاق القمر أو عروج محمد للسماء أو وأد البنات؟
سادساً: هل هذه الكتب التي بين أيدينا هي نفسها تلك الكتب التي (نزلت) على هؤلاء الاشخاص الذين (تلقوها) من الله؟ هل هي كاملة؟ هل هناك أحتمال أنه تم تغييرها و التلاعب بها لأسباب سياسية أو أجتماعية مثلاً؟ هل هناك ضروف مثلاً أدت الى أختفاء اجزاء منها مثل فيضان أو حريق أو حيوانات أليفة أكلت بعض صفحاتها؟
و الكثير من الاسئلة الاخرى لكن بشكل عام هذه هي أهم الجوانب التي يجب البحث فيها للتأكد من صلاحية الكتب هذه كي تكون لنا مصدراً يعطينا جواباً على سوآلنا و يؤكد لنا المصدر الاساسي لها و الوجود الحقيقي لمؤلفها.
في المرحلة الاخيرة, و بعد التأكد من عدم وجود أي شك في أي من هذه الجوانب التي أي واحد منها ينسف مصداقية كل هذه الكتب من أساسها. وبعد التأكد من أن وجود مؤلف حقيقي غير إنساني وراء هذه الكتب يجدر الاجابة على السوآل الاهم في هذا الصدد. هل يحتاج الله فعلاً لهذه الكتب (التوارة, الانجيل, القرآن) كي يخاطب البشر؟
التقيكم في الجزء القادم
بسام البغدادي
#بسام_البغدادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟