أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - حسين سليمان - النبي اليهودي شبتاي صبي















المزيد.....


النبي اليهودي شبتاي صبي


حسين سليمان
كاتب وناقد سوري مقيم في الولايات المتحدة الامريكية


الحوار المتمدن-العدد: 846 - 2004 / 5 / 27 - 04:05
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قراءة في كتاب : فرقة الدونمه بين الاسلام واليهودية
تأليف الدكتور جعفر هادي حسن .

النبي اليهودي شبتاي صبي

لم يفلح اليهود في إقامة دولة مستقرة مجتمعة لها صيغتها الحضارية وذلك على مر التاريخ ، ولو أن الحظ الأوفر كان في متناول يدهم خلال المرحلة التي واكبت أديان شرق المتوسط المكتوبة والتي بدأت بتوحيد الآلهة وجمعها في يهوه. كانت تلك المرحلة حاسمة ونقطة تحول بارزة في تاريخ الوعي البشري، وإن كان أبو الأنبياء هو ابراهيم الخليل (ع) فإن النبي موسى (ع) يعتبر النبي الأول الذي أقام ديانة عملية تطبيقية لها اتباع وانصار ، وتميزت بمنهج سياسي واجتماعي- بالاكتمال بالمعنى السائد لذلك العصر – وإن كان هناك بعض الشكوك المعاصرة حول مصداقية هذه المرحلة فتظن بعضها أن موسى هو نفسه فرعون الذي كان توحيديا ..الخ إلا أن الواعية وقد تقبلت القصص التي جاءت بها التوراة وهذا من الأهمية ما يجعلنا نغض الطرف عن المحاولات التي تريد أن تقوضها. ومن هنا فأن التربة كانت خصبة امام اتباع موسى – اليهود كي يقيموا حضارة ودولة تمتد في المكان والزمان. إلا أنهم لم يكونوا لذلك، كانوا خلف النبي موسى وقد انبثقت امامهم صحراء المتاهة لا كمتاهة مكان بل كمتاهة نفس …وكذلك فقد ارتدوا عنه حين طالت عزلته المشهوره ينزل عليهم بألواحه العشرة. وهناك سببان لذلك : فإما النقلة الى التوحيد كانت قاسية ومؤلمة فلم تحتملها الواعية اليهودية فتصدعت حين مرت بهذا الاختبار الأول، وإما الشعب الذي تبع نبيه كان غير مؤهل لحمل رسالة التوحيد الجديدة ، فالهم الأول والقريب هو التخلص والتحرر من نظام العبودية ، الرحيل عن مصر .
والنقل بين الشعبين المصري والعبري جاء كما يلي : من عظمة وعمق نفس آمون التي كانت نتيجة لإشعاع حضارة الفراعنة تشارف على الانتهاء الــى شعب الله المختار الواقع تحت ربقة السوط المصري. والنقل كان غير متكافئ من حيث المستوى الروحي، فالأعمدة الحجرية التي تكاد أن تصل الى الشمس والأهرامات التي عانقت النجوم لم تقابلها عند الشعب المستقبِل إلا كؤوس من ذهب وطاولة ومعبد يستطاع بناؤه في أي وقت ، فلم يكن هناك تكافؤ وفرص متعادلة بين حضارة آفلة معطية وبين حالة آخذه كان يفترض أن يكون طريقها نحو البناء لذا فأن الروح الجديدة المنقولة كانت ثقيلة الوطأة على حامليها فشتتهم في صحراء مشوشة.
والذي يؤكد هذه الرؤية هو أن اليهودية لم تصل الى التعداد الذي وصلت عليه المسيحية - بالرغم أن السيد المسيح قد انتهى مصلوبا فلم يغلق باب الرسالة عمليا وكانت الفكرة البديلة لاتمام الرسالة المسيحية هي فكرة المسيح المنتظر، فظلت في عطالتها غير متوافقة مع الآخر وهذا الموقف له تفسير واحد لا ثان له وهو أن الشعب الذي حمل الرسالة اليهودية هو شعب مغلق منطو لم ينفتح على رحابة الرسالة الموسوية. نرى ذلك في الفكر الوثني الذي مازال قائما بين ظهرانيهم مدعوما بالسحر والتنجيم . انه الصورة فتكاد تنطق في رمز تابوت العهد ! وهو الموت والتوقف عن التطور الروحي : لقد توقف الزمن هنا فلا نريد من الله أن يصعد ويغيب في السماء كما في الرسالة الجديدة بل نريده أن يبقى كما كان، ينزل الى الأرض ، يتجول ويزور بنيه .

يمهد المؤلف لنشوء فرقة الدونمه بأنها قامت أساسا على الإيمان بفكرة ( هامشيح ) او المسيح اليهودي المخلص التي لاوجود لها بشكل صريح في العهد القديم ، فهامشيح هذا سيكون على يده النصر كي يقود شعبه الى فلسطين فيحكم العالم من هناك بالتوراة . والتوراة هنا هي توراة جديدة او توراة قديمة يفسر اسرارها النبي هامشيح – وأظن شخصيا بأن فكرة النبي هامشيح بما فيها من تأثير مسيحي ظاهر جاءت ايضا من الاعتراف غير المعلن بعطالة الواعية اليهودية وكان رمز تهديم المعبد اليهودي في العام ( 70 م ) ما يؤكد على أن الواعية قد تجاوزت المفهوم الديني الذي عرضه اليهود. والتهديم الذي حدث دفع اليهود الى تجاوز هذا المأزق بالبحث عن محاولات لمعرفة العصر الذي سيظهر فيه نبيهم المخلص هامشيح ومعه التوراة الجديدة. وقد اعتمد البعض على تأويل النص والعبارة التوراتيه وبعضهم ذهب الى حساب الجمل والكلمات ومنهم من اعتمد التأويل الباطني بينما البعض أخذ طريق السحر والفلك لمعرفة العصر المنتظر وكان هناك فريق آخر يريد أن يعجل بظهور هامشيح بالإغراق في الذنوب طبقا لما جاء في التلمود "من أن المسيح يظهر اذا كان الناس مذنبين كلهم او مبرئين من الذنوب تماما"
ويذكر المؤلف العديد من القصص الشيقة التي تحكي عن المحاولات المبذولة من الحاخامين ورجال الدين ومن اصحاب الطرق القبالية ( الصوفية) وبعض الحسيديم في تعجيل الوقت لظهور المخلص ولما باءت محاولاتهم بالفشل ارتد بعضهم عن الدين اليهودي وبعضهم منح للفشل تفسيرا باطنيا.
وهناك من اقتصر الطريق على محاولة انتظار المسيح الى الادعاء بأنه المسيح المخلص وكان شبتاي صبي مؤسس فرقة الدونمه احدهم. ولم يكن شبتاي صبي أول المدعين بذلك بل هناك من سبقه بقرون. لقد ظهرت فكرة إدعاء النبوة في حوالي 44 م. فقد أدعى "شخص اسمه ثيوداس بأنه نبي واقنع كثيرا من اليهود بأن يأخذوا أمتعتهم ويتبعوه الى نهر الأردن حيث يفلقه بأمر منه كما فعل موسى (ع) …" " وفي القرن الخامس الميلادي ظهر متنبئ في جزيرة كريت .. وكان يسافر بين القرى اليهودية يدعو لنفسه ويخبرهم بأنه هو الذي سيقودهم الى فلسطين. ولقد كان له تأثير عظيم عليهم فترك الكثير منهم أعمالهم ووزعوا أموالهم إذ أخبرهم بأنه سيأخذهم عبر البحر دون مراكب إذ أن البحر سيفلق له ..وقد ضرب لهم موعدا لذلك فلما جاءوا البحر ووقفوا على جرفه .. قفزوا ولم ينشق لهم البحر فغرق منهم من غرق ونجا منهم من نجا. وقد ساعد الصيادون والبحارة الموجودون هناك على إنقاذ الكثير منهم .. والذين نجوا من الغرق ارتدوا عن اليهودية واعتنقوا المسيحية " . … " وفي حدود عام 1172 م أدعى يهودي من اليمن بأنه الموطئ لظهور المسيح المخلص ...وقال لاتباعه بأن المسيح قد اخبره بأن يعطي الأغنياء أموالهم للفقراء لكي يصبحوا أغنياء ثم يرجعونها لهم لكي يصبح الفقراء أغنياء وهكذا حتى تصبح الأموال متداولة بينهم. وعندما قبض عليه... سأله الوالي عن الدليل قال له اقطعوا رأسي وسوف أرجع الى الحياة مرة أخرى فقال له الوالي ليست هناك حجة اقوى من هذه ولئن رجعت الى الحياة لأكونن أول المؤمنين بك والمصدقين لك وعندما قطع رأسه انتهى أمره " .
ولد شبتاي صبي في اغسطس من عام 1626 م في مدينة ازمير التركية من ابوين يهوديين . وقد تلقى تعليمه في المدارس الدينية حتى اصبح حاخاما واعترف له بالاستاذية وتزوج مرتين من دون ان يقربهما فطلقهما. وكان اصحابه يفسرون ذلك بأنه نوع من الطهارة والتبتل. وكان شبتاي صبي مصابا بالمزاج الدوري Cyclothmia وهي حالة نشاط وهيجان بالغين يعقبهما انقباض وقنوط "وقد أطلق اتباعه على الحالة الأولى حالة استنارة وعلى الحالة الثانية حالة استتار الوجه ( وجه الإله ) وكان شبتاي عندما تعتريه الحالة الأولى يتغنى بالأشعار وينشد المزامير .. ويلجأ الى الوحدة والاعتزال حين تعتريه الحالة الثانية فهو يصارع قوى الشر والشياطين " . وراح شبتاتي يلمح لطلابه أن هناك اشياء عظيمة تنتظره ، وكان من المحرم أن ينطق اليهودي بكلمة يهوه فينطقون بدله أدوناي ( الرب ، السيد ) إلا أن شبتاي في احدى المرات نطق يهوه كما هي مكتوبة في التوراة .. ثم راح يخبر تلاميذه بأنه سيكون المسيح المخلص لليهود "قال شبتاي : انه في احدى الليالي من عام 1648 م هبط عليه روح الله عندما كان يتمشى في الليل على بعد ساعتين من المدينة حيث سمع صوت الله يقول له أنت مخلص اسرائيل انت المسيح بن داود المختار من قبل رب يعقوب وانت المقدر لك انقاذ اسرائيل وجمعهم من اركان الأرض الأربعة على ارض أورشليم " وحين دعوه رجال الدين للتأكد من صحة مزاعمه سخر شبتاي منهم ولم يلبي الدعوة فحكموا عليه بالجلد والخروج من ازمير ، فذهب من هناك الى سالونيك التي تعد مركزا للجالية اليهودية في الدولة العثمانية آنذاك ، وقد استمر شبتاي في سالونيك على سلوك غريب غامض ، لقد أولم في احدى المرات وليمة لرجال الدين وعندما اجتمعوا عنده " جاء بمظلة زواج ثم بنسخة من التوراة واخذ يقوم بمراسم عقد الزواج بينه وبين التوراة .. وقد برر عمله هذا لهم بأن كل من يؤمن بالتوراة ويلتزم بها فهو زوج لها .. وبقي ينطق باسم يهوه ..ويقول بما انه المسيح المخلص فإن له الحق في ذلك .. من اجل ذلك امر الحاخامون بإخرجه من سالونيك .. عام 1658 م استقر في القسطنطينية وفي هذه المدينة استقبله اليهود استقبالا حسنا .. ومن اعماله الغريبة التي قام بها انه في احدى الأيام اشترى سمكة كبيرة ولفها بقماش ووضعها في المهد ، وعندما سمع الحاخامون بذلك سألوه عنه فأوضح لهم بأن خلاص اسرائيل سيكون تحت رمز الحوت أما بالنسبة للمهد فهو رمز يشير الى النمو البطيء لخلاص اسرائيل عند ظهور المسيح .
وكان شبتاي يعدل في طقوس اليهود ويشرع بأشياء جديدة معتمدا على النص التوراتي " انصتوا إليا يا شعبي ويا أمتي إصغي لأن شريعة جديدة من عندي تخرج " وقد طردوه اخيرا من تلك المدينة فحزم امتعته للذهاب الى فلسطين .
في فلسطين التقى بناثان بنيامين الذي كان قد ادعى النبوة ايضا وقد اصبح ناثان فيما بعد " من أول المصدقين بشتباي والمؤمنين له والداعين اليه وكان يفسر كل الأعمال الغريبة التي صدرت عن شبتاي في ضوء المعتقدات اليهودية "
" ويبدو أن ناثان قد اقنع شبتاي بأن الوقت قد حان كي يعلن للعالم ( انه المسيح ) وكان ناثان قد أعد العدة لذلك بطرق اعتقد بأنها ستكون مؤثرة على الناس .. وفي احدى الاناشيد ولم يكن شبتاي حاضرا غشي على ناثان .. ثم اخذ يردد .." اسمع يا ناثان الى محبوبي ، واعمل كما يقول لك ، اسمع لمحبوبي شبتاي صبي وكرر ذلك ثلاث مرات. واوضح ناثان لهم بعد ذلك بان شبتاي هو ملك اسرائيل وهو المخلص لهم … ثم بعد ايام اعلن ناثان انه عثر على ورقة هي جزء من رؤيا حاخام ..عاش في القرن الثاني عشر الميلادي وقد جاء في هذه الرؤيا : أن شخصا اسمه شبتاي صبي سيولد لمردخاي في عام 1626 م وسيكون هو المسيح الحق الذي سيكون خلاص اسرائيل على يديه وتكون مملكته ابدية " ويعتقد بعض الباحثين أن الجزء الذي يتعلق بشبتاي من الرؤيا هو من تأليف ناثان .. ثم اعلن شبتاي انه هو المسيح .
وبقي ناثان في غزة يدعو الناس الى الإيمان بشبتاي المسيح المخلص اما شبتاي فقد رحل الى تركية لاتمام الدعوة وكان كل من ناثان وشبتاي يبعثان رسائل تجوب العالم تدلل على أن الوقت قد حان وان المسيح المخلص شبتاي سيجمعهم معا للذهاب الى فلسطين . وكان اليهود في معابدهم يدعون له على أنه مسيحهم المخلص وملكهم ايضا " وكان الدعاء الذي يدعى به له في معبد هامبورغ اليهودي على الشكل التالي " اللهم يا ناصر الملوك وصانع الأمراء بارك لنا حاكمنا الملك الصالح شبتاي صبي مسيح رب يعقوب "
وكان قد قسم اقطار الأرض وعين لها ملوكا من اليهود .. وبالنسبة الى أخويه فكل واحد منهم اعطي له نصف الأرض واصبح ملك الملوك .. واطلق على زوجته ( الثالثة ) سارة ملكة فلسطين " وكان شبتاي يحلل قتل اليهود من الذين لا يؤمنون به فمن يقتلهم " يثاب على عمله وتلحقه بركة دائمة " وكان يوقع رسائله مثل " ابن الله البكر " و " ابوكم اسرائيل " وكذلك " انا الرب الهكم شبتاي صبي " وقد تبعه معظم يهود الأرض وقد كانوا يظنون أنهم سيذهبون معه الى فلسطين في القريب العاجل " وكانت الجالية اليهودية في همبورغ تريد ان ترسل الى شبتاي رسالة لغرض ما فتوقفت عن ذلك معتقدة بأن المسيح سيكون في فلسطين ( يسبقهم اليها ومعه اليهود ) قبل أن يصلهم الجواب …وجاء في الرسالة : نأمل من سيدنا وملكنا أن يخبرنا أي طريق يجب أن نسلكه وهل يجب أن نتهيأ الآن الى مقصدنا. وكان احد الموقعين على الرسالة فيلسوف معروف من اليهود اسمه بنيامين موسيفا .
وكان بالنسبة الى شبتاي بأن الرسالة لا تتم إلا بالذهاب الى القسطنطينية وإقناع السلطان محمد الرابع بأنه هو المسيح المنتظر ، وكان رجال السلطان ينتظرونه حيث سيتوقف مركبه وحين قبض عليه سأله الضابط عن اسمه فأجاب شبتاي بأنه رجل دين من اورشليم جاء الى هنا لجمع التبرعات والصدقات لفقراء فلسطين .وقد سجن لمدة شهرين وإذا كان الوقت كي يقابل السلطان أخبر شبتاي بعض اتباعه " بأن الخوف يعتريه من مقابلة السلطان فعجبوا من تغير وضع شبتاي الذي كان يتحدث بالأمس القريب عن سقوط الدولة العثمانية وتسلمه الحكم "
وعندما فشل شبتاي في اقناع السلطان أنكر بأنه المسيح وهو ليس سوى حاخام يهودي فقير وليس له مزايا على غيره .. ولكن السلطان لم يقبل ذلك منه فيجب أن يعاقب لأنه أثار الاضطرابات ..وعندها عرض على شبتاي الاسلام وكان جوابه بأنه يسعده أن يكون مسلما اختيارا ودون اكراه من أحد ..وأشهر شبتاي اسلامه امام السلطان . فأدخل الحمام وأبدلت ثيابه ولبس العمامة وأعطي اسما اسلاميا وهو محمد عزيز أفندي . وقد فسر ناثان هذا التحول بأن شبتاي دخل عالم المسلمين كي يحطمهم لا لكي يخلصهم وهذا سر الاسرار .. وتظاهر شبتاي بالاسلام يثبت بأنه هو المسيح المخلص كما أن "موسى المخلص الأول عاش في قصر فرعون متبعا دين الفراعنة ظاهرا ومبطنا دينا آخر" وقد سلك طريقه في اشهار الاسلام معظم اتباعه. وكان بعد حين أن أتهم شبتاي بتحريض من بعض الحاخامين المعارضين له بأنه " كان مرتديا لباسا يهوديا جالسا مع اتباعه وهم محاطون بالنساء يشربون الخمر وينشدون الأناشيد اليهودية" وهنا نفي الى مدينة دولسينجو في البانيا. وكان أن بقي شبتاي على اتصال مع اتباعه ومع ناثان يكتب لهم الوصايا والرسائل ويعدهم بقرب النصر. قد بقي معه ممثلوا قبائل اسرائيل الاثني عشرة وكان هؤلاء قد اظهروا الاسلام معه ايضا .. وفي سنة 1676 م توفي شبتاي صبي.
إن سيرة شبتاي صبي لفيها الكثير من المغزى الذي يمكن أن يلخص الحالة الدينية، التدين النمط الذي يتمثله الشعب اليهودي، فهذه السيرة لا تنتمي في حساباتنا الى نفس وروح العصور الوسطى بل الى عهد قديم حيث تذكرنا بالمثيولوجيات العظمى وهي ما تزال تعتلج في قلوب ونفوس اليهود، ولأن شبتاي صبي واتباعه ينتمون الى الطبقة المثقفة كان إذن تحليل هذه السيرة هو تحليل وقراءة للنفس اليهودية.
فالرغبة في لم شتات اليهود وجمعه في فلسطين قد تكون فكرة وطنية إن كانت خالية من التعصب ومن النية على حكم الأرض. والافكار الوطنية عادة ما تكون مصدرا لرفد الرؤى الانسانية وبالتالي التسليم بالحقوق والتساوي لكل الشعوب. وتبدو الفكرة اليهودية بأنها على غير ذلك أو أنها اعقد بكثير منها - قد تكون قد تجاوزت الواقع والزمان لتدخل في تخييل نمطي لا نعرفه – فهي بمدادها الذي لم ينضب منذ أكثر من ألفي عام استطاعت أن تحقق نبؤتها وتعود الى أرض ( الميعاد ) وهذه حقيقة لا نستطيع أن نعرض عنها، وهي الوحيدة بين الشعوب التي كان لها ذلك ، وإن كان ذلك نتيجة ضعف العرب إلا أن البقاء في دوامة الايمان والعودة والسيطرة على الأرض .. ومن النيل الى الفرات ليدل على أن النفس اليهودية لم تنفتح وتتحلل روحيا على المجتمعات الخارجية التي عاشت فيها، بل ظلت في عزلتها تدور في فلك واحد. وكانت في هذه العزلة من يمدها ويمنحها الصبر والايمان كي تبقى على قيد الحياة طيلة قرون ماضية ، تواجه ( النفس اليهوديه ) الديانتين المسيحية والاسلام الاكثر انتشارا وقوة منها . إن السؤال الأول الذي يخطر بالبال هو عن القوة التي تحيا في النفس اليهودية وهل هي قوة دينية أم قومية وطنية أم هي شيء آخر ؟
وليست هي قومية وطنية لأنها لو كانت كذلك لكان أمامنا الآن تاريخ حضاري يوازي حضارات بلاد ما بين النهرين وحضارات قامت عند شاطئ المتوسط أو في بلاد النيل .. ذلك أن فكرة التوحيد الدينية شكلت الدرجة القصوى للوعي البشري الذي ما زال حتى الآن متمسكا بها. وكون الحضارات التي ساهمت في بناء وعي الانسان كانت قد اعتمدت على مفهوم ديني بأنه بقدر ما كان عظيما بقدر ما تكون حضارته عظيمة. والمفهوم الديني ربما يتمثل في أشعار وفي آداب؛ في الكلمة التي تصيغ وترمم المعنى النفسي للشعوب ، إلا أن عدم تحقق كل ذلك في التاريخ اليهودي يؤكد أن الفكرة ليست وطنية أو قومية .. وليست دينية ايضا لأن ما قرأناه من السير عن مفهوم اليهود للدين يحقق بأنهم من العصبية والعنصرية ما ترفضها الأديان جميعها – ربما دين الفئات القليلة السري الذي انقبض على نفسه خشية الحلول في مياه الأرض التي طفقت تنبع منهلا لبني الانسان ، وهي ايضا غير هذا. فاليهوديه ليست ديانة منتهية تنتظر الاندثار ، فلها وجهتها ورؤيتها للحياة والعالم. إذن هي شيء آخر غيرهما ، لا تمت الى الدين ولا الى القومية بشيء .
ومن هنا إن كان طريقنا في التحليل صائبا سنكون امام شعب ذي طبع غريب، أمام نفس غائمة لا تظهر بجلاء ووضوح، وهي إما أن تكون متوارية خلف الحجب، تحت الأرض، وإما أن تكون في حال زمان آخر - قد نفهمه على أنه زمان شعب الله المختار، الزمان القديم الذي ظلوا في متاهته لم يخرجوا منه. وكما أن هناك بقايا شعوب ما زالت ترقص على طقوس القمر والشمس فأن هناك نفسا لم ترتقي روحيا. ظلت كما هي ميتة في مكانها تسخر لخدمتها واعية منشطرة بين الزمان اليهودي (الزمان القديم المختار) وبين الزمان الحاضر .
ان الكيان الذي نتكلم عنه هو الكيان الذي وقف منذ البداية على مستويين قد تباعدا مع الزمن بعامل الارتقاء النفسي. لذلك أن الرجل الواحد منهم هو ما يمثل رجلين والكلمة الواحدة التي ينطقها هي كلمتين. والايمان بفكرة المسيح المخلص يحمل التوراة الجديدة او الدين الجديد هو الايمان غير الواعي بضرورة الانصهار مع المستوى الجديد ، انه لم شمل النفس المهشمة في متاهتها كي تعود مرة أخرى الى مرتع النفس الانسانية .
الدونمه الذين في ظاهرهم اسلام، فهم يؤدون الطقوس الاسلامية بشكل كامل. وباطنهم السري دين اليهود الذي أشهره عليهم شبتاي صبي. يعيشون حالة انفصام كل يوم. فاحدى الوصايا التي يؤمنون بها هي " وأطبق دين العمامة ( الاسلام ) بحذافيره .. ولا اتزوج من عائلة مسلمة ولا اصادق احدا من المسلمين لأننا نمقتهم خصوصا نساؤهم" ما زالوا ينتظرون عودة شبتاي صبي " اللهم ، اله الحق ، اله اسرائيل ، الذي يسكن مجد اسرائيل ، ارسل لنا المخلص العادل منقذنا شبتاي صبي وعجل في ظهوره في أيامنا هذه آمين " .


حسين سليمان – هيوستن




#حسين_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البـقرة الضــائــعة قراءة في قصيدة -ولا أجنّ- للشاعر والسياس ...


المزيد.....




- -كان بمقدوري وضع سلاح نووي عليه ولكن اخترت عدم ذلك-.. لسان ح ...
- زيلينسكي يثور غضبا على البرلمان بعد إلغاء اجتماعه إثر ضربة - ...
- قتلى وجرحى في قصف ببيروت وعمليات الإنقاذ مستمرة
- مودي سيستقبل بوتين بغضّ النظر عن امتعاض واشنطن
- كمسومولسكايا برافدا: روسيا حذّرت كييف والغرب.. ماذا يعني تصر ...
- ألمانيا تكشف عن دورها في الخطة العملياتية لحرب -الناتو- مع ر ...
- ترامب يعتزم إقالة مكتب المدعي الخاص جاك سميث بأكمله انتقاما ...
- كوريا الشمالية تتهم واشنطن بمفاقمة الوضع في المنطقة
- إسرائيل تفكر بتزويد أوكرانيا بالسلاح
- هل تعاني من الأرق؟.. طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - حسين سليمان - النبي اليهودي شبتاي صبي