|
الخلافةُ الإسلاميةُ لا تزال قائمةً وحُكّامُ اليوم هُمْ خلفاءُ الأمس!
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 846 - 2004 / 5 / 27 - 04:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
-1- من ضمن الخطاب السياسي المبهم، المضمر منه والمعلن للفصائل الدينية الإسلاموية المسلحة الدعوة إلى اقامة الخلافة الإسلامية التي ألغاها كمال أتاتورك عام 1924. ونجد هذه الدعوة معلنة في خطاب حزب التحرير الإسلامي كما نجدها في خطاب "القاعدة" وانصارها. وكانت معلنة في خطاب الإخوان المسلمين في الثلاثينات، وهم الذين دعموا دعوة تخليف الملك فؤاد الأول في مصر والتي أسقطها كتاب علي عبد الرازق الشهير (الإسلام وأصول الحكم، 1925).
والخلافة الإسلامية هي أيضاً من بين أهداف فصائل دينية فلسطينية مسلحة كحماس والجهاد الإسلامي وغيرهما. فهي سبب "الجهاد المقدس" الآن في فلسطين على المدى البعيد. وهي سبب "الجهاد المقدس" في العراق من قبل السنة والشيعة على السواء. وهي سبب التفجيرات الارهابية التي تجري وجرت في السعودية وفي المغرب وربما ستجري في أنحاء أخرى من العالم العربي مستقبلاً.
فهل زالت الخلافة الإسلامية لكي تطالب باعادتها هذه الفصائل الدينية المسلحة من شتى الأطياف الدينية، وفي مختلف بلدان العالم العربي؟
-2-
عندما ألغى كمال أتاتورك الخلافة الإسلامية عام 1924 من تركيا وطرد الخليفة عبد المجيد بن عبد العزيز من تركيا 1924 الذي انتقل إلى العيش على الشواطيء اللازوردية في نيس وكان في الجنوب الفرنسي، كان أتاتورك بذلك قد ألغى رسمياً الخلافة الإسلامية في تركيا فقط، ولم يُلغها فعلياً في باقي انحاء العالم الإسلامي. فظلت الخلافة الإسلامية قائمة بعد العام 1924 في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي، وخاصة في مصر أكبر بلدان العالم الإسلامي خارج الدولة العثمانية. وما الدعوة إلى تنصيب الملك فؤاد خليفة للمسلمين في مصر إلا تحصيل حاصل. فقد كان الملك فؤاد هو خليفة المسلمين بحق، ودون أن يُخلّف دينياً بذلك. ولعل ما منعه من أن يتخلّف (أي يصبح خليفة) هو علي عبد الرازق كما ذكرنا، وما أثير حول كتابه من قبل شيوخ الإزهر الداعين للخلافة، وما تعرّض له عبد الرازق من تجريد لمشيخته كشيخ من شيوخ الأزهر، واقصائه عن سلك القضاء، وعزله اجتماعياً وسياسياً.. الخ.
إذن، فالخلافة الإسلامية ظلت باقية واقعياً في العالم العربي والى يومنا هذا، رغم الغائها رسمياً منذ 1924. ولعل تسمية الرؤساء بالرؤساء، والملوك بالملوك، والامراء بالأمراء في هذا العصر، ما هو إلا ضرب من ضروب التحديث السياسي المزيف الذي يغطي العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه.
فهل ما زالت الخلافة الإسلامية قائمة حتى الآن في العالم العربي ولها تجلياتها المختلفة؟
-3-
تتجلّى مظاهر قيام الخلافة الإسلامية في العالم العربي اليوم بالتالي:
1- الخلافة الإسلامية بعد العهد العمري (عهد عمر بن الخطاب 634-644م) لم تعد نظاماً دينياً. وهي لم تكن نظاماً دينياً منذ البدء بقدر ما أصبحت نظاماً سياسياً تحكمه المصالح والمنافع السياسية أكثر مما تحكمه القيم الدينية التي لم تأت لنا بأي نص سياسي أو دستور سياسي. فالقرآن يخلو من ذكر الخلافة السياسية. وما السورتان اللتان اتيتا على ذكر الخلافة (سورة البقرة، الآية 30 التي قالت: "وإذ قال ربك للملائكة أني جاعل في الأرض خليفة" وسورة صاد، الآية 26 التي قالت: "يا داوود إنا جعلناك في الأرض خليفة") ان هما إلا سورتين ذكرتا الخلافة في باب التقوى والعدل والقسطاط والرحمة إلى آخر هذه القيم الدينية ولم تكن تعني بالخلافة الحكم السياسي. وأن الأحاديث النبوية التي كانت تتحدث عن الخلافة السياسية ما هي إلا أحاديث مختلقة وموضعة وضعها الفقهاء في بداية العصر الأموي والعباسي، لتثبيت الحكمين الأموي والعباسي. إذن، لا نظام أسلامياً سياسياً تم وضعه جنباً إلى جنب مع أنظمة اجتماعية أخرى كالزواج والطلاق وخلاف ذلك وأنظمة اقتصادية أخرى كالميراث والحقوق المالية وغير ذلك. فلا يوجد نظام سياسي إسلامي. وكل خليفة جاء، بدءاً بأبي بكر (632م) وانتهاءً بعبد المجيد بن عبد العزيز (1924م) آخر خلفاء بني عثمان كان يحكم ويدير شؤون الدولة بطريقة تختلف عن الآخر، فيما يتعلق بالمال العام والادارة والعلاقات الخارجية.. الخ. ونحن في العالم العربي لا يوجد لدينا كتاب يعالج المسائل السياسية غير الكتاب اليتيم لأبي الحسن الماوردي (الأحكام السلطانية والولايات الدينية) الذي كتبه في القرن الحادي عشر الميلادي وكتاب ابن تيمية (السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية) الذي جاء في القرن الثاني عشر الميلادي بعد سيطرة المماليك غير الشرعيين على السلطة. وهي كتب قاصرة على الفترة التي كتبت فيها، وموجهة لسلاطين ذلك الزمان لحثهم على العدل واتباع الحق، وليس لها أي امتداد فكري سياسي تاريخي. ومن هنا يتبين لنا أن لا تراث سياسياً لدى العرب والمسلمين لكي يرتكزوا عليه في ادارة شؤون الحكم الآن، حيث كانت السياسة أسلوب حكم، وليست علماً أو فكراً سياسياً كما يقول أحمد البغدادي في (تجديد الفكر الديني، ص 300) مما جعل الخلافة تمتد من 632 إلى 2004م على نمط واحد، وهو النمط القبلي والبدائي البسيط (بيعة النخبة من أهل الحل والعقد) واللاديمقراطي والاستبدادي والدموي في معظم أزمته، باستثناء فترة قصيرة (12سنة) التي تغطي عهدي أبو بكر وعمر بن الخطاب. ومن هنا نرى أن الخلافة الإسلامية منذ عهد معاوية بن أبي سفيان إلى عهد آخر سلاطين آل عثمان عبد المجيد بن عبد العزيز (661-1924م) كانت خلافة دموية أخذت بقوة الساعد وبالسيف، وهي الآن كذلك في العالم العربي ما عدا لبنان تقريباً وقبل العام 1975.
2- إن الخلافة الإسلامية بنظامها السياسي التوارثي الذي حكم العالم العربي أكثر من عشرة قرون مختلفة (الأمويون والعباسيون والعثمانيون) ما زال قائماً إلى الآن في العالم العربي من خلال الأنظمة الملكية والجملكية (الجمهورية الملكية) والأنظمة الجمهورية التي تورّث الخلافة لمن هم من قيادات الحزب الواحد الحاكم لهذا البلد أو ذاك منذ سنوات طويلة قد تصل إلى أكثر من نصف قرن من الزمان. ومن الملاحظ أن الخلفاء في العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين كانوا في معظمهم على شاكلة الولاة في التاريخ العربي- الإسلامي الكلاسيكي، خاصة أولئك الذين يحكمون دولاً صغيرة وعدد سكان قليل. وأن بعض خلفاء العصر الحديث كانوا أقوى كثيراً من خلفاء كثيرين في العصر الأموي والعباسي. وأن خلفاء في العصر الحديث سبقوا الخليفة عثمان بن عفان في تفضيله لأقاربه من بني أمية على باقي قريش وهو القائل ما معناه: "لو كان لدي مفاتيح الجنة لسلّمتها لبني أمية". وأن خلفاء العصر الحديث كانوا أحرص من كثير من الخلفاء الكلاسيكيين في العصرين الأموي والعباسي على الأبهة والفخامة في القصور والملبس والمشرب. وكانوا مزواجين، محبين للنساء والشهوات والمال، على شاكلة أعدل الخلفاء الراشدين وهو عمر بن الخطاب الزاهد المشهور بصاحب الثوب الواحد (تزوج تسعاً من النساء من ذوات المهور المرتفعة، منهن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وعمرها لا يتجاوز عشر سنوات، ودفع فيها مهراً أربعين الف دينار ذهبياً) (المُغني لابن قدامة، المجلـد الثامن، ص68) وكان الدينار الذهبي في ذلك الوقت يزن 228 درهماً (المعجم الاقتصادي الإسلامي، للشيخ أحمد الشرباصي، 1981). كما أن الخليفة الزاهد عمر بن الخطاب وصّى لأمهات أولاده بـ 4000 دينار لكل واحدة. وكان بعض أبناء خلفاء المسلمين أكثر غنىً من آبائهم. وعبد الله بن عمر بن الخطاب ابن أعدل الخلفاء في التاريخ الإسلامي يعتبر واحداً منهم. فقد روي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه اعتق ألف عبد عندما مات (الرياض النضرة في مناقب العشرة، المحب الطبري، ص467) وكان هؤلاء – عدا من لم يتم عتقه - يعملون في مزارعه وقصوره وأملاكه، فتخيّل حجم ثروته من خلال ذلك، وهو ابن أعدل خليفة.
3- لا يوجد في الحضارة العربية أو في علم السياسة العربية أي مفهوم للدولة. والدولة في التاريخ السياسي العربي الكلاسيكي ارتبطت بالعائلة المالكة للحكم كبني أمية وبني العباس الذين حكموا كخلفاء طيلة ستة قرون (661-1258م) فيقال الدولة الأموية والدولة العباسية. ولم يختلف الأمر لدي العثمانيين الذي حكموا طيلة سبعة قرون (1281-1924م) فيقال الدولة العثمانية. كذلك الحال الآن في العالم العربي فكثير من الدول تسمى باسماء الأسر الحاكمة فيها.
4-كان أبرز مظهر من مظاهر الخلافة الإسلامية الكلاسيكية الشورى. وهي نظام بدائي قبلي متخلف تخلفاً شديداً. وهو ليس من اختراع الإسلام، وانما وُجد قبل الإسلام بعدة قرون حيث كان شيوخ العرب يجتمعون للبحث والتشاور في قضاياهم. وقد عرفت مكة التجارية "دار الندوة" التي كانت بمثابة برلمان العرب قبل الإسلام، ولكنه ليس برلماناً سياسياً وانما كان برلماناً تجارياً، أو قل "غرفة تجارية" بمفهوم اليوم. وظيفتها حلّ المنازعات وعقد الصفقات التجارية. وقد استمر هذا الأسلوب البدائي التشاوري منذ ظهور الإسلام إلى يومنا هذا. وهو علامة لا تفارق الخلافة الكلاسيكية والخلافة المعاصرة، حيث يوجد في معظم الدول العربية مجالس للشورى المعينة بالتعيين إما وحيدة، أو إلى جانب مجالس النواب. كما ظلت الشورى في الخلافة المعاصرة مُعلِمة وليست مُلزمة كما كانت في الخلافة الكلاسيكية.
5- لم يكن للشعب رأي في اختيار الخليفة الكلاسيكي بدءاً من أبي بكر وانتهاءً بالسلطان العثماني عبد المجيد بن عبد العزيز. وكان الترشيح يتم لشخص واحد لا منافس له (ما عدا ما تم في خلافة عثمان حيث تم ترشيح ستة، وفاز عثمان). ومن هنا فلم يكن للشعب رأي فيمن يحكمهم، إما خوفاً وإما صدوداً. ونتيجة لتباعد الاقطار قرر الفقهاء أنه لا لزوم للشعب لكي يُنتخب الخليفة انتخاباً مباشراً من قبل الشعب. وفي الخلافة المعاصرة، يتم أيضاً في معظم الأحيان ترشيح شخص واحد فقط، وفي بعض الأحيان لا نائب له، فيما لو يكن المُلك ملكياً وراثياً. كما أن ولي العهد في الحكم الملكي واحد لا خيار لأحد فيه.
فلماذا كل هذا "الجهاد المقدس" لاعادة الخلافة، والخلافة لم تغادرنا لحظة واحدة منذ عام 632م وإلى الآن.
ألا يصْدُق في الفصائل الدينية المسلحة وغير المسلحة المنادية بعودة الخلافة الكلاسيكية، بينما الخلافة ما زالت تحكمنا الى الآن، قول الشاعر:
كالعير في الصحراء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمول!
(وللبحث صلة)
[email protected]
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجاهة أسباب الصمت العربي تجاه ما يجري للفلسطينيين!
-
في كل أمة فئة همجية، وأمريكا ليست مُستثناة!
-
العراق والأوهام العربية
-
سجن -أبو غريب- اقامته الديكتاتورية وفضحته الديمقراطية!
-
إذا عُرفَ السبب بَطُلَ العجب!
-
لماذا العَجَب بعد أن فَعَلْنا العُجَاب؟!
-
الفضائيات ودورها الثقافي
-
لنقف إلى جانب ثورة -الفاسح- بعد أن تعبنا من ثورة -الفاتح-!
-
الفضائيات والأفيون الرخيص
-
سينور ثاباتيرو: هل تعلم ماذا يعني قراركم بسحب القوات الاسبان
...
-
درس عظيم في الديمقراطية العراقية
-
لماذا نُصرُّ على الديمقراطية لا الشورى، وما الفرق بين الشورى
...
-
هل استبدل العراق بساطير الديكتاتورية بعمائم المؤسسات الدينية
...
-
فتوى القرضاوي لنُصرة فرعون!
-
نِعمَةُ الأُميّة في العالم العربي!
المزيد.....
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|