عدنان الاسمر
الحوار المتمدن-العدد: 2782 - 2009 / 9 / 27 - 15:30
المحور:
الادارة و الاقتصاد
من خلال متابعة المواطنون للصحف المحلية الأردنية فقد تم ملاحظة تكرار الإعلان عن ضبط كميات من المواد الغذائية الفاسدة في الأسواق أو تكرار حالات التسمم من تناول أطعمة فاسدة من بعض المطاعم العامة أو كفتيريا المدارس أو التلاعب بمدة الصلاحية أو العلامة التجارية لأصناف مختلفة من السلع لدرجة أن البعض امتهنا صنعة شراء مواد غذائية منتهية الصلاحية وتخزينها في مستودعات سرية بهدف إعادة تعبئتها وتغليفها وكتابة عليها مدة صلاحية جديدة كما أن المواطن يصاب بالذهول عندما يشاهد تكرار حفر شارع رئيسي بعد إتمام تزفيته لأغراض أخرى أو مصادفة وجود مسئول في موقع في الجهاز الإداري الحكومي مستوى أدائه رديئا وجاهلا بواجباته الوظيفية أو التلاعب بالتوظيف حيث يتقدم شخص ما على أخر دون وجه حق أو معاناة المواطنين من تكرار تسرب مياه ملوثة إلى شبكة المياه الصالحة للشرب أو مشاهدة سيارة تسير على الطرق مخالفة لشروط الترخيص مما يستوجب تناول مسألة الفساد حرصا على مصلحة الوطن والمواطن والحفاظ على صورة مشرقة للنظام السياسي بمكوناته المختلفة أمام الرأي العام الخارجي .
فما هو الفساد ؟
لقد اهتم فقهاء القانون الإداري العام والإدارة العامة والاقتصاد الكلي بتعريف الفساد بالإضافة إلى صندوق النقد الدولي ومنظمة الشفافية الدولية وباختصار يمكن تعريف الفساد وبكل بساطة بأنه استغلال الوظيفة العامة أو في القطاع الخاص لمصالح شخصية والقيام بأنشطة وسلوكيات تتناقض مع الوصف الوظيفي واتخاذ قرارات توقع ضررا ماديا أو معنويا بمصالح القطاع العام أو الخاص والفساد ينحصر في ثلاث مستويات إداري ومالي وفني ويتخذ أشكالا مختلفة حسب طبيعة الوظيفة وموقعها في المجالات الإدارية أو الاقتصادية أو الاجتماعية المختلفة فالفساد ظاهرة سلوكية اجتماعية اقتصادية تنشأ وتتوسع في بنية النظام السياسي الذي يضعف فيه العمل المؤسسي ومبادئ المواطنة واحترام القوانين والأنظمة واللوائح والتعليمات ويضعف فيه دور القضاء الإداري العام ودور الرأي العام في كشف التجاوزات والمخالفات .
أما مكافحة الفساد فهي من أهم الواجبات الوطنية أمام القوى الديمقراطية والاجتماعية الحريصة على المصالح الوطنية فهذا الفساد هو الأداة الفتاكة التي تعيق السياسات الحكومية في التنمية البشرية الشاملة وتعطل التوجهات الرسمية والأهلية للنهوض بالوطن وتقدمه وازدهاره وفئة الفاسدين تتحول إلى مقاوم عنيد يوظف جميع آليات الدفاع لمواصلة السلب والنهب والكسب السريع غير المشروع بل يجب ملاحظة إن فئة الفاسدين في قطاع ما كلما استقر تشكيلها ونجحت في أنشطتها غير القانونية ابتعدت أكثر فأكثر عن الارتباط بالنظام السياسي والارتباط بدلا من ذلك بالشلل أو بعصابات التهريب والمخدرات والمافيا وأخذت تتشكل لديها نظرة عدائية تخريبية لكل مكونات الدولة فمصلحتها وما تمارسه من فلهوة في الخداع والتحايل هو الأهم والأكثر إلحاحا وتسعى لتحقيق مصالحها غير المشروعة بكل سرعة وإلحاح وجشع هروبا من اقتراب ساعة كشفهم والقبض عليهم .
تعاني دولنا من مشكلات أساسية بحكم التطور التاريخي اللامتكافئ ومستويات التطور المتفاوتة مع دول المراكز وما نعانيه أيضا من فجوة تكنولوجيا يصعب التقليل منها وابرز المشكلات هو مشكلة التمويل حيث تلجئ دولنا للاقتراض لتغطية النقص من احتياجاتها المالية بالإضافة إلى العجز في الميزان التجاري والعجز في الموازنة العامة والعجز في ميزان المدفوعات واقتصاد آحاد القطاع واختلالات بنيوية هيكلية تتطلب توظيف كل الإمكانيات والموارد الوطنية لتجنيب الوطن أزمات اجتماعية واقتصادية عميقة من هنا تأتي أهمية تعظيم مبادئ الفاعلية والإنتاجية والتوظيف الأمثل للموارد البشرية والمالية لتشغيل كل القطاعات بهدف تحقيق إنتاجية أعلى وجودة أفضل بتكاليف اقل فهل يعقل أن يستهلك المواطنون لحوما أو دواجن فاسدة أو أن يتم خبز طحين فاسد مقابل أن يقدم لمراقب الصحة معلاق غنمه أو أن يتسبب شخص موظف كفاءته منخفضة تم تعيينه بالواسطة والمحسوبية في تكبيد الدولة مئات الآلاف من الدنانير لعمل شبكة مياه أو شبكة صرف صحي أو شبكة طرق أو أعمال إنشاءات أو صيانة تتعارض مع المواصفات أو المقاييس مقابل عزومة لا تزيد تكلفتها عن خمسين دينار أو إهدائه تنكت زيت أو جبنه ؟ فالفساد مظاهره متعددة وأبرزها : اتخاذ قرارات خاطئة تؤدي إلى هدر المال العام , أو عدم القدرة على اتخاذ قرارات تؤدي إلى التوظيف الأفضل للإمكانيات المالية بهدف تحقيق مصالح المواطنين في مجلس محلي أو مديرية ما , والتهرب الضريبي أو الجمركي والتوسط لذلك ودفع الرشوة , ونشوء ظواهر الرشوة والمحسوبية والواسطة والغش والتحايل على الأنظمة والتعليمات , كما يعتبر تكنيك الجريمة الاقتصادية أنها كلما ارتكبت من أشخاص في مراكز مقررة كلما كانت أكثر اتقانا وأكثر ضررا ويصعب كشفها , وابرز ما في ذلك الاختلاس والتزوير وعدم الالتزام الفني بالمواصفات والمقاييس وعلامات الجودة لعطاءات التوريدات المختلفة وتكرار مخالفة الأنظمة والتعليمات , كم يعتبر من مظاهر الفساد المدمرة للاقتصاد الوطني التخطيط الخاطئ , وسوء التنفيذ , وضعف التنسيق بين الأجهزة المختلفة , وترهل الرقابة , وعدم المحافظة على الممتلكات العامة من مباني , وأجهزة ولوازم وأنواع مختلفة من العهدة مما يؤدي إلى استهلاك هائل للموارد البشرية والمالية والوقت .
يعتبر الفساد ظاهرة موضوعية في كل المجتمعات الكونية وليس في دول العالم الثالث فقط إلا أنه وبحكم قلة الإمكانيات والحرص على نجاح الخطط التنموية البشرية المستدامة تكون نتائجه وأضراره أكثر فتكا وإعاقة في مجتمعاتنا من هنا تأتي أهمية استحضار دور وزارة التموين لتتكامل جهودها مع جهود الأجهزة الحكومية الأخرى في تشديد الرقابة على الجودة ومدة الصلاحية وضبط الأسعار ومكافحة الفساد لحماية الوطن من أضراره الكارثية وأبرزها تخريب البيئة الاستثمارية مما يضعف برامج تحفيز الاستثمارات التي تؤدي لجلب كميات من الأموال من الخارج وتشغيل أيدي عاملة وطنية , كما يؤثر سلبيا على سمعة ومكانة الدولة في دول الإقليم ودول العالم بالإضافة إلى التأثير السلبي على عوائد قطاع السياحة وهذا كله يؤدي إلى عزوف الكثير من الدول والمؤسسات عن الاستثمار لدينا أو استيراد سلع ومنتجات صناعية أو زراعية من المنتجات الوطنية مما يؤدي إلى زيادة العجز في الميزان التجاري والذي يؤدي بدوره إلى عجز في ميزان المدفوعات ومن ثم عجز في الموازنة العامة للدولة , واخطر نتائج الفساد ما يحدثه من خراب في صحة المواطنين حيث يؤدي تناول الأغذية الفاسدة ذات السمية العالية إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان وأمراض الشرايين والقلب وأمراض أخرى مميتة فقد لاحظ المواطنون كثرة الإصابة بالسرطان والوفيات بالجلطات في الفئات العمرية الشابة وتزايد أعداد المواليد المعاقين لدرجة انه يخير للمراقب أن كل مواطن أردني يعيش على كيس دواء وهذا يكلف الاقتصاد الوطني مبالغ ضخمة كأثمان علاج ورواتب إعانة اجتماعية ويضع جزاءا مهما من السكان خارج قوة العمل فالدولة الشابة والفتية تكون نتاج مجتمع نشيط وصحي أما المواطنون المرضى وغير القادرين لأسباب صحية على المشاركة في العملية الإنتاجية ينتجون دولة هرمة تعيش مرحلة الشيخوخة .
ألقى الرئيس الأمريكي كلمة بمناسبة مرور عام على الأزمة المالية العالمية أكد فيها على أهمية تشكيل هيئة رقابية حكومية لحماية المستهلك إما الصين العظمى فقد تقدمت بشكوى ضد الولايات المتحدة لمنظمة التجارة العالمية على اثر فرض ضرائب على الصادرات الصينية لسوق الأمريكي وهذا سيؤدي لفقدان أكثر من مئة ألف عامل صيني لوظائفهم من هنا تأتي أهمية الاستجابة الحكومية المرنة للمستجدات في السوق والعمل على تخفيض أسعار السلع ورفع مستوى معيشة المواطنين ويأتي في هذا السياق استحضار دور لوزارة التموين يتكامل مع الأشكال الرقابية الأخرى الفاعلة ذات النتائج المضمونة والتوجه الحكومي الدائم للعمل المؤسسي والالتزام بالمبادئ الصادرة عن المنظمات الدولية المختصة والتي تصدر تقارير سنوية تبين ترتيب الدول وخاصة في مجالات البيئة الاستثمارية , الحوسبة , الحوكمة , الشفافية , الحكومة الرشيدة , ومعايير المحاسبة الدولية , بالإضافة لتفعيل تطبيق مبادئ القوانين والأنظمة لتكريس دولة المجتمع المدني دولة القانون والمؤسسات .
#عدنان_الاسمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟