|
قضايا في مقاربة الإمبريالية الجديدة وما يترتب من مهام
نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري
(Nayf Saloom)
الحوار المتمدن-العدد: 845 - 2004 / 5 / 26 - 05:31
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
عند مقاربة الإمبريالية الراهنة لابد من رصد شكل حركة المشروع الرأسمالي الجديد، والتحولات التي طرأت على الإمبريالية العالمية والاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة ظهور ما يمكن تسميته بـ ديالكتيك المنافسة/ الاندماج مع هيمنة الاندماج على المنافسة في علاقة البلدان الإمبريالية مع بعضها البعض بعد الحرب العالمية الثانية تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية. بفعل الحرب الباردة وتغلغل الشركة الاحتكارية الأميركية في المشروعات الرأسمالية داخل البلدان الرئيسية الأخرى . وذلك كون بريطانيا قد أزيحت من صدارة الدول الإمبريالية على أثر حربين عالميتين ، وكون الولايات المتحدة الأميركية هي الرابح الأكبر بعد الحرب الثانية . فقد خرجت بأقل الخسائر، فالحرب العالمية الأولى وكذلك الثانية كانت بعيدة عن المسرح الأمريكي الذي حافظ على "مقتنياته القومية " إذا جاز التعبير. كما استفاد الاقتصاد الأميركي من التشغيل الكامل للقوى العاملة خلال الحرب ، وأحدثت متطلبات الحرب الحديثة ومواجهة التقنية الألمانية ما يشبه الثورة في التقنية الأميركية والتي انعكست آثارها على القطاعات المدنية في الصناعة خاصة وأن التقنية العسكرية الجديدة قد دمجت الكثير من "الصناعات المدنية" داخلها .
إن الدمار الهائل الذي لحق بأوربا والاتحاد السوفيتي كمسرح للحرب وكذلك اليابان ، وخوفا من امتداد النفوذ الشيوعي السوفيتي ليشمل أوربا ، بادرت الولايات المتحدة بمشروع اقتصادي سياسي لإعمار أوربا واليابان كرافعتين للعمل الاقتصادي الرأسمالي العالمي خاصة الأمريكي وكستار حديدي اقتصادي/ سياسي وأمني في وجه المد الشيوعي الروسي على مستوى أوربا والصيني على مستوى جنوب شرق آسيا. هذه قضية أولى من قضايا الإمبريالية الجديدة . والقضية الثانية هي دولة الأطراف الرأسمالية ودورها الوسطي في الصراع بين بلدان الأطراف والمراكز الإمبريالية التي تعمل تحت القيادة الأميركية . لقد لعبت هذه الدول والطبقات المسيطرة فيها أدواراً قوية في فترة الحرب الباردة سواء كان عملها لصالح الإمبريالية أم بالعمل ضدها أم بالمناورة على هامش الصراع . لكن ما إن وضعت هذه الحرب أوزارها لصالح الإمبريالية تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية حتى بدأ نجم هذه الدول بالأفول وتحول دورها من وسيط في الصراع إلى دول مهمّشة ، محتلة أو مهددة بالاحتلال أو منداحة ومنسحقة لصالح الخطة الأميركية الجديدة . وانتقلت الإمبريالية الأميركية من استراتيجية التوكيل إلى استراتيجية التدخل المباشر . حيث نشهد موجة استعمارية جديدة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية أطلق عليها اسم "التحكم العالمي" بدلاً من عبارة السيطرة على العالم ذات الوقع الفظ .
القضية الثالثة هي شكل عمل الشركة الاحتكارية بعد الحرب العالمية الثانية ، وأثر التقدم التقني على تقدم الاستثمار في الخارج المباشر وغير المباشر. وأثر قيادة الولايات المتحدة للنظام الرأسمالي ، واختزالها لهذا النظام عبر تركز الثروة والقوة فيها . وعبر ازدواج القانون الدولي كقانون قومي أميركي وعالمي وكذلك الدور المزدوج للدولار كعملة قومية أميركية وعالمية في نفس الوقت وآثار ذلك على علاقة المراكز الرأسمالية مع بعضها البعض وعلاقتها مجتمعة مع الأطراف . وآثار ذلك على الاقتصاد الأميركي وأزماته .
إن الإحباط العالمي الذي أصاب المشروع الاشتراكي العالمي ممثلاً بتفكك الدولة السوفييتية ، وإحباط التنمية في البلدان الرأسمالية الطرفية ، والذي تبدّى فيما بعد انتهاء الحرب الباردة على أنه تنمية مقاومة المد الشيوعي في أطراف النظام الرأسمالي ليس إلا . إن هذا الإحباط المزدوج والذي هو عملية تاريخية واحدة قد دفع إلى تهميش الحزب الماركسي وإلى تهميش الحزب السياسي بمعناه الحديث ، ودفع من الجهة الثانية بالثقافات الدينية للعمل في السياسة ، وبالتالي أعاد في حركة ناكصة ساحة العمل السياسي من المؤسسات التعليمية الحديثة كالمدرسة والجامعة إلى الجامع والكنسية والكنيس . وبالتالي ظهرت مواجهة الهجوم الاستعماري الجديد وكأنها رد ثقافي إسلامي على الغرب الإمبريالي . وظهرت تنظيرات صوّرت المواجهة وكأنها صراع ثقافات . بينما هي كما هو مبين حرب بين الإمبريالية وخصومها على اختلافهم وهي حرب قائمة على أساس التناقضات البنيوية في التشكيلة الإمبريالية الرأسمالية كبنية عالمية متفاوتة ومأزومة وإن كانت أزمتها متلاشية[تهبط بعد أن ترتفع موجتها] لكون نقيضها التاريخي الجذري غير حاضر وغير فاعل .
إن تمظهر المواجهة على شكل مواجهة ثقافية يخفي الكثير من حقيقة المعركة الدائرة الآن بين الإمبريالية الجديدة وخصومها في كافة أنحاء العالم .
لهذا لابد من رسم استراتيجية "تراجعية" للحزب الماركسي في الشرط الدولي الراهن في مواجهة الاستقطاب العالمي بين مطرقة الإمبريالية الأميركية ذات السياسات الاستعمارية "التحكمية" الجديدة وبين النكوص الثقافي / الديني للحزب السياسي وتمظهر الصراع على أنه صراع ثقافات [حضارات] وظهور الثقافة القومية والدينية كنقيض في الصراع ، بدل أن تكون أحد أدوات الصراع بعد نقدها نقدأ جذرياً . وهذا يفترض كمهمة للجماعات الماركسية المساهمة في تطوير وتنشيط مناقشة قضايا التراث العربي ومنه الديني كمهمة نقدية وراهنة . مع إعادة الاعتبار للتعلّم الماركسي والاشتراكي الحي عبر ترجمة ونشر الكلاسيكيات الماركسية وإعادة طرح قضايا الماركسية الأساسية . مع رصد الحركات الاجتماعية الجديدة في أوربا والعالم ومحاولة قراءة دورها في مناهضة الإمبريالية العالمية وسياساتها الليبرالية الجديدة وطموحاتها الاستعمارية التحكّميّة . مع الانشغال بتطوير آليات تخص علاقة الحزب الماركسي بهذه الحركات الاجتماعية .
#نايف_سلوم (هاشتاغ)
Nayf_Saloom#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في انفصال المهام الديمقراطية(# )عن الليبرا لية
-
الأزمة مستمرة – نقد وجود الحزب -1
-
قراءة في -كراسات السجن- لـ أنطونيو غرامشي
-
العلاقة العربية الكردية تعدّد مستويات المقاربة
-
القول النظري والقول السياسي حدّ العلم والقول السياسي
-
خمر تمور العراق يُسكر الأكراد السوريين
-
في الفهم المادي للتاريخ- مدخل إلى الأيديولوجية الألمانية- ال
...
-
في الفهم المادي للتاريخ -مدخل إلى الإيديولوجية الألمانية- ال
...
-
في الفهم المادي للتاريخ مدخل إلى الإيديولوجية الألمانية- الق
...
-
في الفهم المادي للتاريخ مدخل إلى الأيديولوجية الألمانية- الق
...
-
اللينينية- قراءة نقدية في كتاب مارسيل ليبمان اللينينية في ظل
...
-
قراءة نقدية في مشروع موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي ال
...
-
ديالكتيك إنتاج الهوية الاجتماعية في الفكر الماركسي
-
الحلقة المسحورة
-
حول المركزية الديمقراطية
-
ملاحظات نقدية حول النظام الداخلي الذي أقره المؤتمر التاسع لل
...
-
الدولة و السياسة - قراءة في فكر غرامشي
-
المجتمع المدني - عودة المفهوم
-
في الإديولوجيا والثقافة
-
الجامعة في العصر المعلوماتي
المزيد.....
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|