اعتراف اتمواطن سوري الى وزيرة المغتربين

نصر سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 845 - 2004 / 5 / 26 - 05:02
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    

إن قساوة السلوك العقابي الذي يلاحقني بعد الإفراج عني , أقنعني بأنني مغترب ومتطرف وإرهابي , وكل المؤشرات التي سأوردها في هذا المقال تدل على ذلك .
1- نعم أنا إرهابي حسب قرار الحكم الصادر بحقي عن محكمة الدولة العليا بدمشق تحت رقم 23 /4. تاريخ 22 / 3/ 1984 / حيث استند القرار على نص المادة 306 بدلالة 304 من قانون العقوبات , أي الانتماء لتنظيم سري هو حزب العمل الشيوعي " واستخدام العنف المتمثل بالمواد المتفجرة والسامة الكيمياوية لقلب نظام الحكم ... " هذا هو جوهر المادة التي حكمتني اثنا عشر عاما , وأشهد بالله رباعا وخماسا لا أعرف هذه المواد وكيف فصلوها علي .
2- نعم أنا متطرف لأنني صرخت من شدة الألم في وجه الجلاد وهو يربطني بسلكين كهربائيين أحدهما في عضوي التناسلي والثاني في إبهامي حتى أتبول دما وأغترب عن جسدي وعن وطني .
3- نعم أنا متطرف لأنني صرخت من شدة الألم ثانية وشتمت الآلهة والجلاد عندما كوروني حول ماسورة معدنية ثم علقوني على ركيزتين تستند عليهما هذه الماسورة لأصبح كالفروج ويبدأ الصراخ .
4- نعم أنا متطرف جدا لأنني قابلت وزير التربية السابق من أجل موضوع بسيط هو محاولة عودتي الى عملي بعد اثني عشر عاما من الانقطاع , فاعترض الأمن على ذلك بحجة أنني محكوم ومجرد مدنيا وإرهابي .
5- نعم أنا متطرف لأنني تظاهرت أمام مجلس " شعبنا " مطالبا بإنهاء تجريدي المدني وإعادتي مواطنا في هذا البلد الحالم المتسامح .
6- نعم أنا متطرف لأنني رغم كل ماحدث . ما زلت مقتنعا بضرورة الحوار الوطني لتجاوز واقع الحال .
7- نعم أنا متطرف لأنني في ظل مناخ الفساد والمفسدين المترافق مع الهجمة الشرسة , أطالب برفع دخل الفرد المتدني جدا .
8- نعم أنا إرهابي لأنني سرقت الطميشة التي تم عصب عيني بها أيام عديدة .
9- نعم أنا إرهابي لأنني تجاوزت تعليمات السجان وتعلمت النقر على جدران الزنزانة متعلما لغة المورس لأقتل وحشة الوحدة وأتأنسن مع جاري الطيار عماد ابن الفلوجة الهارب من بطش صدام ضيفا عزيزا في هذا المنزول .
10- نعم أنا إرهابي لأنني هربت رسالة اجتماعية الى زوجتي أحكي لها يوم اختطفتني خفافيش الليل واغتالت حريتي ثم سألتها . تركتك حاملا في الشهر الثامن . فماذا ولدت وما اسم المولود ؟ فتمت معاقبتي بقطع الزيارة على إثر هذه الرسالة المتطرفة .
11- نعم أنا متطرف أيها المثقفون والسياسيون لأنني لم أجد حتى الآن مكانا لي في هذا الوطن , فالقلق والتعب يلاحقني ويحرمني من لقمة الخبز التي لم تعد هما بالنسبة لكم .
12- نعم أنا إرهابي لأنني مقتنع أن فاقد الشيئ لا يعطيه , كالذين يعتصمون للتضامن مع الشعب العراقي والفلسطيني في دمشق وغيرها وهم لا يستطيعون التضامن مع أنفسهم ومع قضاياهم .
13- نعم أنا إرهابي لأنني أكدت بإصرار أمام مدير مشفى التل , أن سبب النزيف في أذني الوسطى ليس التهابا عاديا , بل التهاب ناتج عن ضربة قوية تلقيتها من أحد الجلادين
14- نعم أنا متطرف لأنني قلت الحقيقة لأمي " رحمهاالله " وهي تصرخ – عصابة . عصابة ياناس تخطف ابني – قلت لها يا أمي هؤلاء ليسوا عصابة بل هؤلاء حكومة وكتائب مسلحة .
15- نعم أنا متطرف لأنني تحملت النزيف والجراح وزحفت على صدري في باحة قريتنا عندما رموني بها كتلة من دم ولحم وقيح في ذلك الليل الدامس الى أن شاهدني أبو أحمد الرائع فحملوني واجتمعت القرية عن بكرة أبيها لترى هذا المشهد المرعب والمحفور في ذاكرتهم .
16- نعم أنا متطرف لأنني أضربت عن الطعام احتجاجا على سقوط بعض أسناني في إحدى الجولات مع ذلك الشرطي الذي تدرب جيدا على استعادة الجولان .
17- نعم أنا متطرف لأنني مصر بعد كل هذا الذي عشته , على أن ما قاله الكواكبي صحيح ( إن الاستبداد هو الشر بعينه وهو سبب كل داء )
18- نعم أنا متطرف لأنني أستنكر مواقف الذين لا يعجبهم حديثنا عن همومنا وعذاباتنا حيث أصبحوا يرون أن نقد الضحية أقل ضريبة من نقد القاتل .
أخيرا سامحوني لأنني لم أطرح موقفا سياسيا ولا برنامجا سياسيا كما يحلو للبعض , فقط مارست حقا من حقوقي وهو حق التامل في حالنا .

المدرس مع وقف التنفيذ – نصر سعيد –
اللاذقية /25/ 4/ 2004

#نصر_سعيد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات