أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - كريستينا التي نسيتُ أنْ أقبّلَها














المزيد.....


كريستينا التي نسيتُ أنْ أقبّلَها


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2785 - 2009 / 9 / 30 - 03:47
المحور: سيرة ذاتية
    


المكان: مقهى "إيليت Elite" في شارع صفية زغلول بمدينة الإسكندرية. على مقربة من بيت الشاعر اليوناني-السكندري كفافيس الكائن في في 4 ش ليبسيوس، ذاك الذي تحول إلى متحف قسطنطسن كفافيس الآن. الزمان: صيفا أو شتاء أو ما بينهما. الشخصيات: سيدة يونانية عجوز. لكن مسحةَ الجمال القديم لا تخفى على عين. تجلسُ في كبرياء إلى مكتبها في آخر المقهى تدوّن في دفترها شيئا. لابد حسابات المقهى. وربما خواطرُ عنّت لها. أليست هي صديقة الشعراء؟ قسطنطين كفافيس، اونجاريتي وغيرهما ممن عاشوا في مدينة الثغر. الإسكندرية الساحرة التي فتنت الشعراء والفنانين، وأغرتِ الغزاةَ على مر الزمان. اسمها كريستينا، ولستُ أدري لقب العائلة. تعودتُ أن أتأملَها صامتةً وأحبَّها دون أن أقول لها. تذكرت كلمة عبد الوهاب مطاوع، الكاتب المصري: لا تنسَ أن تقول لمن تحب إنك تحبه قبل فوات الوقت. لكن الزمانَ أمامنا وبالتأكيد ستحين فرصةٌ ما لأسألها عن كفافيس الذي كان يكتب قصائده أمامها هنا. على هذا المقعد المنعزل في ركن المقهى. وربما أيضا سأخبرُها أني أحببتها لأنها صادقت هؤلاء الشعراء وشاهدتهم في لحظات انصهارهم الإبداعيّ. أيةُ لحظة فاتنة! عزيزة ونادرة! كلما زرتُ الإسكندرية زرتُ المقهى. أشرب شيئا وأرمقها من بعيد بين الحين والحين. تلتقي عيوننا فتبتسم كلٌّ منها للأخرى في خجل ودود. مع إيماءه صغيرة. هكذا. قبل عامين، زرتُ المقهى كعادتي. لكنها لم تكن هناك. المقعدُ شاغرٌ ومطرقٌ وحزين. سألتُ. قالوا ماتت! هكذا ببساطة؟ نعم، وبصمت وكبرياء أيضا. دون خبر في جريدة؟ دون أية إشارة أن آخر صديقات كفافي قد غادرت هذا العالم؟ أية بطريركية في مجتمعاتنا التي تهمّش المرأة! بكيت؟ ربما! لا أذكر الآن. لكن اليقيني أنني غادرتُ المقهى في حال ما بين الغضب والحزن. يممت شطري صوب البحر. هو الوحيد الذي نقدر أن نحزن أمامه دون خجل. كتبتُ قصيدةً في كريستينا، أعتذر لها عن إهمالنا لها، نحن أبناءَ المجتمع الذي يحتفي بالرجل حيا وميتا، وينسى المرأةَ حيّةً وميتة.


(محطة الرمل )
إلى كريستينا التي نسيتُ أن أقبِّلَها


سيموتُ الشيطانُ غدًا
قبل أن يتصفّحَ الجريدةَ على البحرِ
- كعادته كلَّ صبحْ -
بمجرد أن يرشفَ من فنجانِ القهوة،
ويغدو العالمُ مُضجرًا من دونِه،
إذْ
لن أجدَ مبررًا
لأزعمَ أنني أكثرُ طيبةً
من أصدقائي الأشرار!
لكن
سأهمسُ لصاحبي:
بوسعِكَ الآن أنْ ترفعَ إصبَعَك ،
لتمسَّ الورمَ المختبئَ في صدغي،
دون خوف،
فقد ماتْ!
كنَّ يكذبن علينا
بأنه ينامُ تحت أظافرنِا المتّسخة،
أمهاتُنا.

ثم إن كريستينا هي الأخرى ماتتْ
أولَ أمس
دون أن يشعرَ بها أحدٌ
ودون أن تشيّعَها امرأةْ.

ماتتْ قبل أن توقدَ شجرةَ الميلادْ
أمام إطارِِ الأبنوس الذي يحملُ قصيدةً
كتبَها السَّكندريُّ في عينيها
قبل نصفِ قرنٍ،
نعم، نعم!
فالنساءُ يمُتن أيضًا
حتى ولو كُنَّ حبيباتِ كفافيسَ،
بغير ضجيجْ
ولا عصافيرَ تصكُّ الزجاج،
ولا حريمْ،
عِلمًا بأن النساءَ
يصبحن أجملَ في ملابسِ الحداد.

علينا وحسب
أن نجلسَ صامتيْن في مقهى Elite
(الذي في شارع صفية زغلول)
لنحسبَ طولَ الجسدِ وعرضَه
من أجل تابوتٍ يليقُ بالرجلْ
فنحن أرقى من الصيادين الأجلافْ
الذين لا يعبأون بجثامين الأسماكِ
حين يُلقى بها في القُفّة
دون تقديرٍ لجلالِ الموت.

سندبّرُ جِنازًا محترمًا
يليقُ برفيقِ البشرية المزمن،
السيّد
الذي مهّدَ لنا مكانًا فوق الأرض:
سيأتي أبي
الذي أغواهُ الفقيدُ
بالجلوسِ تحت شرفةِ أمي لعامين،
وأمي
التي قبّلتْ يدَ الطبيبةِ
كي تضعَ حرفًا على لسانِ عُمَر،
وعُمَرُ
الذي بنى سفينةَ نوحٍ ثم أغرقَها،
وفاوستْ،
والجبلاوي،
والإسكافيُّ
الذي نثرَ المساميرَ في شارعِنا،
وشارعُنا،
الذي سكنَتهُ عجائزُ اليونان
حول مستشفى السرايات،
أما أنا
فأكون المرأةَ التي تستقبلُ العزاءَ
بوصفي
فعلتَهُ الكبرى.





#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعِرْني عينيكَ لأرى العالمَ أجملَ
- أنا عيناك أيها الكهلُ
- التردّد يا عزيزي أيْبَك!
- قطارُ الوجعِ الجميل
- بوابةُ العَدَم
- الشَّحّاذ
- الإناءُ المصدوع
- الملاكُ يهبطُ في برلين
- ناعوت: الإبداع العربي الراهن فرسٌ جموح والحركة النقديّة عربة ...
- تحيةٌ للشيخ طنطاوي
- بالأمس فقدتُ مَلاكيَ الحارسَ
- مينا ساويرس، موحِّد القطرين!
- شوارعُ تُغنِّي بالفرح
- ذاك الذي غبارٌ عليه
- القتل صعب يا هنادي!
- يا صغيرتي، ليس كلُّ فأرٍ -جيري-
- أنا في طبلة المسحراتي!
- كيف يقرأ هؤلاء؟
- ترويعُ الأطفال، والاسمُ: مُلْتَحٍ
- الحضورُ موتًا،


المزيد.....




- هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل ...
- في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو- ...
- الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م ...
- البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
- الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
- السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز ...
- دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
- ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد ...
- تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
- مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - كريستينا التي نسيتُ أنْ أقبّلَها