أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تنزيه العقيلي - العصمة بين الحقيقة والوهم















المزيد.....

العصمة بين الحقيقة والوهم


تنزيه العقيلي

الحوار المتمدن-العدد: 2780 - 2009 / 9 / 25 - 21:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قبل البحث عن العصمة؛ وجوبها، أو امتناعها، أو إمكانها، عقليا، أو دينيا، لا بد من توضيح معناها. العصمة هي ثمة وقاية من الوقوع في الذنب، أو في الخطأ، أو في كليهما. فهي ترفُّع عن أن يكون الإنسان واقعا في الضعف الذهني، فيكون جهولا، وضالا، ومخطئا، أو أن يكون واقعا في الضعف النفسي، أو الأخلاقي، فيكون ظلوما، ومنحرفا، ومذنبا. ومن هنا فالعصمة بمعنى الكمال الإنساني ممكن عقلي، مع لحاظ أنها إذا ثبتت، فهي نسبية، وليست مطلقة، لأن المطلق – لا أقل عند الإلهيين - هو واجب الوجود وحده سبحانه وتعالى. هذا الكمال الإنساني وليس الفوق-إنساني، وبالتالي النسبي المنعوت بالعصمة، إذا تدخل فيه عنصر الرعاية الإلهية، لا حصرا، بل تدعيما، هذا الكمال، إذا كان من وجهة نظر العقل المحض من ممكناته، وليس من ممتنعاته، كما هو ليس من واجباته، يكون، مع ثبوت النبوة أو الإمامة المنصوبة من الله، واجبا عقليا، وبغير ثبوتهما، يبقى في دائرة الممكنات، كما هو من الممكن أن يكون الإنسان فيلسوفا، أو فنانا، أو نابغة، أو عبقريا، أو مكتشفا، أو مخترعا، أو مبدعا. لكن، وكما بينا، فإن العصمة الممكنة هي تلك المقترنة بالبشرية، والعبودية، والنسبية، وليس بالإلهية، أو الفوق-بشرية، كالملائكية أو البنوة لله، والإطلاق. والعصمة، بحكم العقل، وبحكم جوهر الدين، بكل تأكيد لا تلتقي بالغلو، أي جعل المعصوم فوق الحقيقة البشرية، أو رفعه إلى مقام الألوهية، ولو ببعض صفات الإله المطلقة الخاصة به حصرا، كنسبة العلم المطلق، أو القدرة المطلقة، أو الحكمة المطلقة، إليه، أو عبادته دون الله، أو جعله شريكا لله في دعوى الربوبية، والألوهية، وإجابة الدعاء، وقضاء الحوائج، وشفاء المرضى، وغير ذلك من حالات الغلو، برفع المعصوم إلى مقام من مقامات الله سبحانه.



وعندما نتحدث فيما يتعلق بالعصمة، أي الكمال الإنساني النسبي، عن الإمكان الابتدائي، والوجوب التلازمي، أي عند ثبوت تكليف الله لإنسان ما بمهمة إلهية تكليفا شخصيا بالتعيين، وليس تكليفا نوعيا بالتعين، أي باصطفاء الله شخصا، أو أشخاصا، على وجه التحديد، فنقصد بما أن العصمة ممكنة ابتداءً، فيمتنع على الله بعلمه وقدرته وحكمته ولطفه أن يختار غير المؤهل، أو ذا الأهلية غير الكافية، أو غير المُجزية، بمعنى عدم تناسبها مع خطورة المهمة الموكلة إليه من الله.



والعصمة بهذا المعنى، لا بد أن تكون ذات بعدين؛ بعد ذاتي من لدن نفس المعصوم، وبعد إلهي من لدن الله سبحانه. أي إن الإنسان الذي يختاره الله للمهمة الإلهية، لا بد أن يكون ذا مؤهلات عقلية، وروحية، ونفسية، من ذكاء، وحكمة، وتوقد ذهني، وفطنة، وذاكرة قوية، وصدق، وأمانة، وحسن خلق، وشجاعة، وصفاء نفسي، وتوازن في الشخصية، كل ذلك بالقدر الذي يتناسب مع تكلفه بالرسالة، والنبوة، والإمامة، والهداية والقيادة الإلهيتين، والقدوة البشرية. فالملكات الذاتية، مضافا إليها الإرادة، المقترنة بالسعي من قبل المعصوم في تحقيق العصمة لنفسه، كل هذا يتعضد بالإرادة الإلهية، في إعانة الله للمستعصم، أي طالب العصمة، ليتممها له، فيما يكون قاصرا فيه، أو غافلا عنه، ليجعل منه قدوة، وأسوة، ومثلا أعلى للكمال الإنساني، وليثبت عمليا للناس، أن ما يدعوهم الله إليه عبر رسوله، أو نبيه، أو إمامه، قابل للتطبيق، فيقدم لهم مثلا عمليا للنظرية الإلهية، لتترجم قدر الإمكان إلى سلوك، لأن الإنسان القدوة يجب أن يرتفع، ويُرفَع إلى أعلى درجة ممكنة، حتى يبلغ الإنسان المقتدي به، أي درجة دونها في خط السير نحو الدرجة العليا، لأن المثل المقتدى به كلما كان ناقصا ومعيبا، كلما كان الاقتداء به أنقص وأعيب، وكلما كان أكمل، كلما اقترب من كماله المقتدي به، ولو بدرجة دونه.



أما القول بإمكان العصمة ابتداءً من حيث الإمكان العقلي، الذي هو أوسع من الإمكان العملي، فدليله كالآتي. نحن نستطيع أن نتصور إنسانا معصوما من الخطأ في ميدان من ميادين المعرفة، كأن يكون معصوما من الخطأ في الرياضيات، ولو عصمة نسبية، قد تبلغ التسعين بالمئة، إلم تبلغ المئة بالمئة. أو أن يكون إنسان ما معصوما من الوقوع في سلوك فيه مفارقة أخلاقية، كأن يكون ذا نفرة شديدة من خصلة الكذب، تجعله ينأى عن الكذب، فيكون صادقا على طول الخط، إلا ما اضطر له اضطرارا حقيقيا، كأن تتوقف حياته أو حياة إنسان آخر على مجانبة الصدق. ومثلما يمكن أن نتصور العصمة لإنسان ما في ميدان من ميادين المعرفة، أو من ميادين السلوك، يمكن أن نتصور التحلي بالعصمة في مقطع زمني معين، بحيث يعصم إنسان ما نفسه من الكذب ليوم واحد، ويعصم نفسه من الإساءة إلى أي إنسان لشهر واحد، أو يعصم نفسه من أي فعل لساعة، أو يوم، أو شهر، أو سنة، كالمدخن الذي يجبر نفسه على الإقلاع عن التدخين لفترة، كما يفعل المسلم الصائم في نهار رمضان، إذا كان ملتزما بمفطرية التدخين مثلا. وهنا وعلى قاعدة ما جاز قليله جاز كثيره، أو ما جاز جزؤه جاز كله، تكون العصمة في ميدان معرفي أو سلوكي دليلا على إمكانها في أكثر من ميدان، وبالتالي في أكثر أو كل الميادين، وكما تكون العصمة في مقطع زمني من ساعة، أو يوم، أو شهر، أو سنة، دليلا على إمكانها العمر كله، أو جله. فالإمكان الفلسفي للعصمة متحقق، ومن هنا كان الواجب أن يختار الله لمهمته من دائرة المتحقق فيهم هذا الإمكان.



وقد شوه مفهوم العصمة من قبل بعض الكتب المقدسة، أو من قبل فهم أتباع الديانات والمذاهب المختلفة. فالعهدان القديم والجديد نسبا إلى الأنبياء، ما لا يليق بمعدل الإنسان في الحكمة من جهة، وفي الإنسانية وسمو الخلق من جهة أخرى. وفي نفس الوقت غالى بعضهم برفع إنسان إلى موقع الربوبية، والألوهية. أما المسلمون، فانقسموا إلى بعض من السنة، ممن ينفون العصمة، أو يضيقون دائرتها إلى أبعد حدود التضييق، أو إلى بعض من شيعة، ممن يوسعون مفهوم العصمة، ويرفعون سقفها إلى ما فوق الحقيقة البشرية للمعصومين. وبعض السنة نسبوا لبعض الخلفاء والصحابة مستوى من العصمة أعلى من عصمة النبي، وفي المقابل نرى بعض الشيعة قد نسبوا لأهل البيت مستوى من العصمة أعلى من عصمة النبي. والظاهر إن تضييق السنة للعصمة بالنسبة للنبي، وإن كان يمثل خطأ فلسفيا، إلا أنه أقرب للواقع، فيما هي حياة محمد، كإنسان ابتكر الإسلام، وحده، أو مستعينا بغيره، بحسن نية، أو بما دون ذلك من النية، أو بنية اختلط فيها الحسن وغير الحسن، الرسالي والذاتي. بينما الشيعة، وأقصد المعتدلين العقليين منهم، وليس المغالين، قد أحسنوا التنظير فلسفيا للعصمة الواجبة للمكلف الإلهي من جهة، إلا إنهم من جهة أخرى اضطروا إلى ليّ الواقع، وتحريف السيرة، ليكونا مطابقين للرؤية الفلسفية.

كتبت في وقت سابق

روجعت في 25/09/2009





#تنزيه_العقيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يستثنى المؤمنون اللادينيون من حوار الأديان؟
- الثغرة في أدلة كل من الإلهيين والماديين
- دعاء ما بعد الاهتداء إلى الإيمان اللاديني
- مع وجود الله، هل وجود الدين واجب أم ممكن أم ممتنع؟ 3/3
- مع وجود الله، هل وجود الدين واجب أم ممكن أم ممتنع؟ 2/3
- مع وجود الله، هل وجود الدين واجب أم ممكن أم ممتنع؟ 1/3
- كلمات من وحي عقيدة التنزيه
- العقليون في التوحيد نقليون في النبوة والإمامة
- دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
- الدينية واللادينية والإلهية واللاإلهية
- ما هي مصادر المعرفة للإنسان؟
- التلاوة العلنية للقرآن مساس صارخ بكرامة الآخرين
- بين تنزيه الله وتنزيه الدين
- خاطرة ستبقى تحوم حولي الشبهات
- تسبيحة من وحي عقيدة التنزيه
- عقيدة التنزيه ومراتب التنزيه في الأديان
- شكر واعتذار وملاحظات للقراء الأعزاء
- النبوة الخاصة والعامة بين الإمكان والوجوب والامتناع
- الأنبياء بين الدعوة إليه والادعاء عليه سبحانه
- بطاقتي الشخصية كإلهي لاديني


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تنزيه العقيلي - العصمة بين الحقيقة والوهم