|
العودة إلى الأصل
جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 845 - 2004 / 5 / 26 - 05:30
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يبدو واضحاً أن العد العكسي في عودة الأمور بين القوميين والإسلاميين في سورية قد بدأ، ومن المعروف أنَّ عراب الصفقة هو شيخ التنظيم الدولي للإخوان المسالمين يوسف القرضاوي فهو الذي وضع الحوار القائم منذ بعض الوقت على نار حامية وذلك خلال زيارته إلى دمشق منذ بضعة أشهر ولقاءه الودي والمثمر مع الرئيس السوري. لا شك أن االقواسم التي يمكن أن تجمع القوميين والإسلاميين كثيرة، وعديدة.. فلدى الطرفين نفس البنية الإيديولوجية التي تمتاز بالتعصب الشديد، حيث نجد عند اٌلإسلاميين رغبة واضحة في إقامة ديكتاتورية إسلامية ترفع من شأن الأمة والطائفة على حساب الإنسان الفرد وحقوقه في الحرية، والمشاركة، والمواطنة الكاملة.. ولا يختلف الأمر عند القوميين الذين أنتجوا أنظمة ديكتاتورية حوَّلت مجتمعاتها إلى قطعان، وذلك من خلال تكريس مناهج تعليمية، وإعلامية تبرز قدرات غير اعتيادية للراعي البطل، الزعيم، الملهم، والاستثنائي..! بما يعني الوصول بالبلاد إلى أفظع الحالات الفاشية التي تعني لون واحد، وحزب قائد، وجيش عقائدي، وفير ذلك من مفردات الأنظمة الفاشستية..نعم كما الأمة تتماهى في شخص الخليفة أو الإمام، تتماهى الدولة القومية في شخص زعيم الانقلاب القومي العروبي فيصبحان رمزاً واحداً، ومعلماً وحيداً ويترتب على هذا التماهي إهدار حريات الناس، وحقوقهم الدينية المختلفة، وانتماءاتهم القومية المغايرة.. ففي الدولة الفاشية لا مكان لإنسان مختلف في العقيدة، أو الانتماء القومي، أو حتى في الرأي . في حقبة التوازن الدولي والحرب الباردة، اشتبك الفريقان بكل الأسلحة المتوفرة حيث كانت الأنظمة القومية تعيش عصرها الذهبي، وهي لذلك لا تحتاج إلى هذا الحليف الداخلي الذي يناهض الفكر القومي المقتصر على العنصر العربي لحساب مفهوم الأمة الذي يتسع لكل إسلامييِّ العالم.. لكن اليوم وقد انتهت تلك الحقبة، فقد تبين بجلاء أنَّ صلاحية الأنظمة القومية الديكتاتورية قد انتهت وذلك لعدم قدرتها على التكِّيف مع متطلبات، وقيم الزمن الراهن.. وكلما تزايدت الاستحقاقات التي تواجهها، كلما بان أكثر عدم قدرتها على التكِّيف فالقضية أنَّ إشكالية هذه الأنظمة محض بنيوية..! لقد ترسَّخت خلال عقود بنية تتناقض مع القيم الإنسانية، والديموقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان التي أصبحت سمة العصر الراهن ولم يبق أمامها في هذه الحالة غير العودة إلى الأصل، وفتح صفحة جديدة مع حليف داخلي يكون الأقرب أيديولوجياً، وعقائدياً.. وليس هناك غير الإسلاميين بطبيعة الحال. وهذا من شأنه كما تعتقد تعزيز مقومات المناعة التي افتقدتها بفعل الظروف الموضوعية المستجدة إقليميا ودولياً بأقل الخسائر المحتملة.. على العكس من طموحات المعارضة في الضفة الأخرى التي بات يلوِّح بعضها بخطاب سياسي لا يمكن أن تسمح الأنظمة حتى بمجرد تداوله فكيف يمكن على سبيل المثال أن تتفهم سلطة أحادية مترسخة البنيان أمنياً مقولة :تداول السلطة..؟ الطرف المهزوم في هذه الحالة ليس أمامه غير الندم على الفرص المفوَّتة، ومراقبة ما يجري بعيون الحسرة، والعودة إلى المربع الأول..نعم كان واضحاً فشل قوى المعارضة وبخاصة اليسارية منها منذ البداية.. هذه القوى التي اندفعت للمزايدة الوطنية على النظام الأكثر خبرة في قضايا اللعب في هذا الحقل الذي يستنفر الناس على قاعدة المشاعر، والعواطف والمشاعر المفرغة من المضامين..! وهكذا بقيت القوى المعارضة، وشبه المعارضة، تحرث في نفس الحقل مغتقدة أدوات العمل السياسي.. وغير راغبة في استثمار الظروف السياسية الضاغطة، بدل أن تلعب دوراً مختلفاً يساهم في تبلور رأي عام داخلي لا يستجيب بسهولة لأضاليل حاملي لواء الوطنية الذين ينحرون الوطن بفسادهم المستشري، وأرصدتهم الموظفة بنكياً في بنوك الأعداء المفترضين.. والأهم أنهم هزموا في كل المعارك الوطنية وما بقاء جزء من البلاد تحت الاحتلال لعشرات السنين، وقرار نسيان جزء وطني أخر إلا أدلة مادية على تهافت معزوفات الوطنية .. والمفارقة غير المفهومة تكمن في استنفار القوى السياسية المعارضة وارتفاع صراخها منذ بدأت الضغوط الدولية على أساس فهمها الملتبس، والعجائبي الذي تجلى في اعتبار تلك الضغوط تعني الوطن بما هو جغرافيا وليس النظام بما هو تركيبة لم تعد مناسبة وملائمة للسياسات الدولية وبخاصة الأمريكية..وراح المعارضون يتسابقون في حمل راية الدفاع عن [الوطن- السلطة ]من غير أن ينالوا غفرانها بل على العكس وهنا تكمن مفارقة أخرى كانت كافية وحدها ليعيد الأشاوس الوطنيين حساباتهم ولكن لم يفعلوا حتى تاريخه وتكمن هذه المفارقة في إصرار السلطة على ملاحقتهم عرفياً تارةً وبالسخرية تارةً أخرى..! ومع كل ما جرى ويجري، ظلَّت تلك القوى المعارضة يساريةً كانت أم غير ذلك، متخندقة في خندق السلطة التي تسخر منها وتقمعها، وكان ذلك واضحاً أشد الوضوح -ولا يزال- في الموقف من الحرب على الفاشية في العراق.. وفي الموقف من الممارسات الشوفينية بحق الأقلية القومية الكردية..! واليوم نعتقد أنهم سيهللون من واقع ضعفهم، وتخبطهم، بعودة العروبيين إلى الحضن الإسلامي على أمل أن تشملهم حنِّية، وعطف السلطة في قادم الأيام غير متبصِّرين لخطورة هذا التحالف المعادي لكل قيم التمدن، والتحضر، والديموقراطية.. وغير مدركين أن هدف السلطة من مسعاها هو الهروب نحو الخلف أملاً في النجاة من مصير لاقته كل الأنظمة المشابهة. 23/5/2004
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زغرودة للقمة الناجحة
-
حزب الكلكة يعلن الخلافة
-
وكيف ينظر المسلم إلى المرأة
-
هل بقي ضرورة للأمم المتحدة
-
خارج النص المقدس
-
كيف ينظراليعربي العلج إلى المرأة..؟
-
الذبح على الطريقة الإسلامية - الجزء الثاني-
-
الذبح على الطريقة الإسلامية
-
أنا أفكر اذاً أنا غير موجود
-
المدرسة السورية لاعطاء الدروس المجانية
-
عندما يصبح الكيلو: غراماً واحداً
-
الله و الإصلاح والتشيؤ
-
الوحدة الأوروبية والببغان العربي
-
عفواً سيادة الرئيس
-
شخصنه الأحزاب والمنظمات في سورية
-
إشهار الحزب
-
عطوان في تطوان يا حادي العيس
-
حين تلعب السلطة بالجميع
-
نداء عاجل لا تعقدوا القمة
-
العبور المستحيل
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|