|
هل بحجب المواقع الالكترونية يتحقق الأمن و تحفظ الآداب؟
نادية محمود
الحوار المتمدن-العدد: 2780 - 2009 / 9 / 25 - 20:49
المحور:
الصحافة والاعلام
رد على قرار مجلس الوزراء بحجب المواقع الالكترونية نقلت الصحافة العراقية خبر"تشكّيل مجلس الوزراء لجنة لدراسة شمول جميع الوزارات والدوائر الحكومية ومستعملي الانترنت بقرار حجب المواقع غير الاخلاقية والمحرضة على العنف. وقال وزير الاتصالات المهندس فاروق عبد القادر في تصريح صحفي ان الوزارة بصدد اتخاذ اجراءات لفرض الرقابة على شبكة الانترنت للحيلولة دون دخول المشتركين لبعض المواقع التي تؤثر على اخلاق وامن البلد وأضاف أن هذا القرار اتخذ بعد ان تم تقديم طلب من قبل الوزارة الى مجلس الوزراء بسبب انعدام سيطرة القطاع الحكومي المختص بالانترنت على مجهزي خدمة الانترنت واصحاب مقاهي الانترنت منذ عام 2003 ولحد الآن وعدم امتلاكها اية قاعدة بيانات تخص اسماء وعناوين مجهزي الخدمة فضلاً عن غياب الضوابط والتشريعات الادارية والقانونية والضرائب ذات الصلة بالسيطرة على مجهزي خدمة الانترنت وعدم وجود آلية لحجب المواقع الاباحية والسيئة والمروجة للمخدرات والارهاب والقمار التي اصبحت متاحة للجميع. واوضح بان نموذج شهادة تسجيل واستمارة تعهد لمزودي خدمة الانترنت اللاسلكي ونموذجا مماثلا لاصحاب مقاهي الانترنت تلزمهم بتوفير امكانية لحجب ومنع الولوج الى المواقع الاباحية ومواقع الارهاب. وتابع عبد القادر أن اللجنة التي يترأسها المستشار الفني لوزارة الداخلية قامت باستعراض تجارب بعض الدول في محاربة مثل هكذا مواقع، وتمت الاشادة بتجربة المملكة العربية السعودية في هذا الخصوص .
ان هذا الخبر يشير الى جملة مواضيع يجب التوقف عندها، و تفصحها و الرد عليها:
اولا: تتهيأ احزاب الحكومة الحالية و المؤتلفة في البرلمان الى التوجه الى المواطن في كانون الثاني من اجل ان يقرر على اي برلمان سيختار واية حكومة سيختار. و سيتنافس بل و يتصارع الجميع من اجل الحصول على صوت المواطن. مفترضين ان المواطن على درجة من التعقل و الدراية و الحنكة و القدرة على ان يصنع قرارا بمستوى اختيار حكومة و " قيادة" لبلده. الا انه بجرة قلم من وزير المواصلات ومجلس الوزراء الحالي يتحول هذا المواطن القادر على ان "ينتخب" حكومة و " ينحي" حكومة يتحول الى مواطن قاصر و عاجز و بحاجة الى وصاية و تدخل من قبل وزير الاتصالات او من مجلس الوزراء ليرشده على الخطر من مشاهدة مواقع العنف او المخدرات. ان هذا القرار ليشكل اهانة لعقل و حنكة المواطن و قدرته على فرز الخطر من سواه. ان المواطنين ليسوا اطفالا قصرا و الحكومة ليست ابا مرشدا، لتقرر ما يتاح و ما لا يتاح للمواطن ان يشاهده. ان الناس ليسوا ناقصي عقل و الحكومة ليست وصيا، خاصة وانه من غير المعلوم و من غير المثبت بالدليل القاطع على ان وزير المواصلات لهو اكثر حنكة و معرفة من اي مواطن اخر في معرفة الخطر من زيارة المواقع من عدمه.
ان المواطنين اباءا و امهات يدلون اولادهم ويوجهوهم على اية افلام يمكن ان يشاهدوها و ما لايمكن ان يشاهدوه الا بعد بلوغهم سن الرشد، يضعون برامجا على الانترنت تمنع شركات العنف والاباحية من الوصول الى كومبيوتراتهم اطفالهم، و لكن ما ان يصل الاطفال سن الرشد، ينالوا حقهم بالكامل في ان يشاهدوا ما يريدون، مثلما يمنحون الحق في العمل و الانخراط في النشاط السياسي و في التجنيد، و حق الزواج، حيث يقر الجميع على انه حال يبلغ المرء سن الرشد، يصبح ناضجا فيستطيع ان يقرر ما هو خطر عليه و ما هو ليس بخطر. فهل يعتقد وزير المواصلات و مجلس الوزراء ان الشعب لم يبلغ سن الرشد وان يحتاج الى لجنة وزارية لتوجهه اي شيء يستطيع مشاهدته واي شيء لا يستطيع؟
ثانيا: حماية الاخلاق و حماية الامن؟ هل تدهور الوضع الامني عائد الى الانترنت؟ ان الوضع الامني متدهور لان البلد يعيش حالة احتلال، لان هنالك صراعات طائفية بين السنة و الشيعة كل يريد ان ياخذ لنفسه اكبر حصة ممكنة و يستحوذ على السلطة و يمارس سيطرته على اوسع رقعة ممكنة و على اكثر موارد وثروات، وان يحكم سيطرته على اكبر عدد من الناس وان يستحوذ على السلطة. الامن متدهور لان هنالك دول مثل ايران و سوريا و السعودية لها يد و تدخل مباشر في العراق، تورد الاموال والاسلحة و "الكوادر". هنالك انعدام امن لان هنالك صراعات قومية بين العرب و الاكراد، هنالك صراعات على ملكية كركوك، صراعات على عائدية النفط، صراعات بين اولئك الذين في السلطة الحائزين على كل الامتيازات و بين اولئك الذين لايملكون حتى ماء نظيف للشرب. ان هذه هي اسباب العنف في العراق، و ليس المجتمع العراقي في حالة سوية بحيث يمكن ان يدمر له استقراره و هدوئه "مشاهدة مواقع الكترونية".
ثالثا: المواقع الالكترونية تؤثر على الاخلاق؟ ان الاخلاق السائدة هي اخلاق الطبقة السائدة، و اخلاق الفئة الحاكمة السائدة. اية اخلاق و اي تقاليد واية ثقافة زرعت في هذا المجتمع بعد الاطاحة بالنظام الديكتاتوري؟ اخلاق النهب والفساد و القتل و السرقات و التزوير و التهريب و الرشوة و بيع النفس و بيع الضمير و العنف بكل اشكاله من اعلى هيئة في السلطة. انها تجري بشكل هرمي من اعلى سلطة في الدولة و تنزل على كل المؤسسات و كل المناصب في المؤسسات بشكل عمودي و افقي، و كما الاواني المستطرقة تعم كل الميادين. لماذا اسست لجان النزاهة، ان اول المتورطين بتهم التزوير و الفساد و السرقات هم افراد و وزراء السلطة الحاكمة ذاتها. فاذا كانت هنالك حرب على الاخلاق، يجب ان يلتفت وزير المواصلات و مجلس الوزراء للخلف و الى يسارهم و يمينهم ليعرفوا من اين يجب الشروع بمعالجة الاخلاق، و اية اخلاق يجب ان تؤسس في المجتمع. السياسة تحولت الى تجارة مربحة، فالانتساب الى الاحزاب المؤتلفة في السلطة امر مجزي وينتفع المنتسب اليهم بالضبط كما كان جاري في النظام السابق، فاعضاء حزب البعث كانوا المستفيدين من النظام، اما من هم خارج صفوف النظام، و هم الطبقة الاوسع في المجتمع فلا حصة لهم، فمن اين يجب الشروع بمعالجة " الاخلاق" من المواقع الالكترونية ام من السلطة الحاكمة ذاتها ومن الوزراء ذاتهم و من المؤتلفين في السلطة. هل هذا طريق سهل على وزير الموصلات لحل مشكلة الاخلاق؟ كلا، الاسهل الذهاب الى حلها عبر الامساك بخناق المواقع الالكترونية كـ"مدمرة للاخلاق".
ثالثا: المواقع الالكترونية تحث على استخدام المخدرات؟ هل تريد الحكومة حماية صحة الناس من تناول المخدرات؟ هل تريد ان تحقق هذا الهدف عبر حجب المواقع الالكترونية التي تروج المخدرات؟ هل هذا هو الطريق؟ ان بامكان اي عابر سبيل ان يدل وزير المواصلات على الطريق الذي تاتي منه المخدرات، انه ياتي من ايران. و ان يدله ايضا على المزارع التي تزرع فيها المخدرات الان في العراق و المحمية بقوة الميلشيات. فاذا اراد ان يحافظ على صحة الناس فعليه ان يبدأ حربه على المخدرات بالقاء القبض على العصابات التي تروج و تنتفع بالملايين من هذه التجارة. لا ان يترك العصابات تصول و تجول في المتاجرة بالمخدرات و يذهب ليقارع شاشات الانترنت. اية بطولة و اية قدرة و اي سبيل حل لمعالجة مشكلة انتشار المخدرات بالذهاب الى اغلاق المواقع الالكترونية - ثم هل فعلا هنالك مواقع الكترونية خاصة بالمخدرات-؟
هذا ناهيك عن اذا كان القصد هو حماية صحة الناس، فان بامكان وزير المواصلات و مجلس الوزراء بالتنسيق مع وزارة الصحة الالتفات الى صحة المواطن، بالعناية بالنظام الصحي و الى العناية الصحية و الى المستشفيات التي تستجدي الدعم، التي هي اكثر الحاحا و فورية وتهم الملايين في العراق من التفكير بمحاربة المخدرات من على شاشات الكومبيوتر.
رابعا: يستشهد وزير المواصلات ومجلس الوزراء بالسعودية حيث "تمت الاشادة بتجربة السعودية في حجب المواقع الالكترونية؟ السعودية! الم يجد الوزير و لجنة مجلس الوزراء دولة افضل سجلا من السعودية للاستشهاد بها و التعلم من تجاربها؟ الم يجدوا دولة اقل انتهاكا لحقوق الانسان من السعودية للاستشهاد بها؟ بلد قطع الايدي و قطع الرؤوس، هل تعصي عليه معرفة " قطع" المواقع الالكترونية؟
المجتمع العراقي يعاني من الارهاب و انعدام الامن و القتل العشوائي يهدد كل انسان، ناهيك عن البطالة و انعدام فرص العمل و انعدام الخدمات، و انقطاع التيار الكهربائي وتدهور الوضع الصحي، وانهيار الوضع التعليمي، كل هذه و العشرات غيرها تطرح نفسها على اجندة المجتمع و تبحث لها عن حلا، ترك وزير المواصلات كل هذه الامور، و راح مع مجلس الوزراء ليتحدثوا عن "انقاذ الاخلاق" عبر حجب المواقع الالكترونية.
ان مقترح الوزير و قرار مجلس الوزراء لا يمت بصلة لا من بعيد و لا من قريب لا بحماية الامن،و لا بحماية الاخلاق و لا بحماية صحة المواطن. انه متعلق بحمايتهم هم انفسهم من اطلاع الناس على الحقيقة، من انتشار الاخبار و التقارير و الاتصال بالعالم الخارجي، انهم يريدون اعادة المجتمع العراقي الى تلك الاسوار التي طوق بها النظام السابق المجتمع العراقي و ابقاه معزولا عن العالم، لا يستطيع الحصول على الانترنت و لا على ستلايت لمشاهدة قناة فضائية و لا على موبايل او على قراءة كتاب و لا على اي مصدر يمكن ان ينهل منه المواطن معلوماته و يعرف الحقيقة، انها سياسة تجهيل المواطن، يريدون تدشينها بحجب المواقع الالكترونية لياتوا عليها مصدرا مصدرا رافعين كما في السابق راية الدفاع عن " الامن و الاخلاق". تحت هذه الراية، سحق النظام السابق ارادة المواطن، و هم يريدون تعقب خطاه.
انها سياسة و استراتيجية منظمة للسيطرة على وعي الناس، للسيطرة على اذهانهم، لمنع وصول المعلومة لهم، لمنعهم من الاتصال ببعضهم البعض عبر قناة الاتصال هذه، انها سياسة القمع الفكري التي يجب التصدي لها بكل الطرق و بكل الوسائل. انه قرار ليس لحماية "الامن والاداب" بل قرارا خطرا على حرية التفكير و حرية النشر و حرية الاطلاع و حق المعرفة.
#نادية_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منظمات جماهيرية ام منظمات مجتمع مدني؟
-
منصور حكمت و السيناريو الاسود- السيناريو الابيض- حديث بمناسب
...
-
هجمة جلال الدين الصغير على منظمات المجتمع المدني
-
تهنئة لنساء الكويت بمناسبة دخولهن البرلمان!
-
هل البديل الشيوعي امر ممكن ؟
-
حول الاوضاع السياسية الراهنة و البديل الشيوعي في العراق- الج
...
-
حول الاوضاع السياسية الراهنة و البديل الشيوعي في العراق
-
دفاعا عن حياة و سلامة المثليين في العراق.
-
اهنئكم جميعا نساءا و رجالا بمناسبة يوم الثامن من اذار، رمز ا
...
-
مقابلة جريدة الى الامام مع نادية محمود حول الحزب الشيوعي الع
...
-
على هامش الديمقراطية والانتخابات في العراق
-
مقابلة مع نادية محمود- عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العم
...
-
نعم او لا.. الحلقة الاخيرة من ردي على رد الرفيق فلاح علوان ح
...
-
مرة اخرى- حول المؤتمر العمالي و رد الرفيق فلاح علوان - الحلق
...
-
مرة اخرى، حول المؤتمر العمالي و رد الرفيق فلاح علوان
-
رسالة الى رفاقي بمناسبة العام الجديد..
-
لماذا يحذر اتحاد المجالس من اقتران اسمه بالمؤتمر العمالي، كم
...
-
تهنئة و شكر للحوار..
-
مقابلة مع نادية محمود- الناشطة النسوية و عضو المكتب السياسي
...
-
حديث نادية محمود في بغداد بمناسبة الذكرى الحادية والتسعين لث
...
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|