|
الدين والتنمية: اشارة للتجربة السودانية *
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 2779 - 2009 / 9 / 24 - 23:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مدخل: نحاول في هذه الورقة تسليط الضوء علي التنمية وهدفها الأساسي، مع اخذ التجربة السودانية نموذجا، بمتابعة مآلات التجارب التنموية في السودان وفشلها في تحقيق الأهداف المنشودة، كما تشير الورقة الي ضرورة المخرج من هذا النفق المظلم، ودور الدين في التنمية التي تحقق تطلعات الناس للعدالة الاجتماعية والديمقراطية والسلام واحترام الانسان وحقوقه وحرياته الأساسية. أولا: مفهوم التنمية: مهما تباينت واختلفت التصورات حول التنمية، ورغم اهمية مظاهر العمران التي تتمثل في المصانع والحقول والطرق والكباري وشواهق المباني، يظل التصور للتنمية قاصرا، اذا لم تستهدف التنمية الانسان باعتباره اكرم الكائنات واشباع حاجاته الأساسية المادية والروحية، وان يكون هدف التنمية تحقيق العدالة الاجتماعية حتي لاتكون الأموال دولة بين الأغنياء، وأن تكون التنمية شاملة ومتوازنة بين أقاليم البلاد المختلفة، ومرتكزة علي كل ماهو ايجابي في تراث وقيم شعبنا. ثانيا: حصاد تجاربنا في التنمية: السمة الأساسية التي ميّزت التجارب التنموية في السودان هي عدم الاستقرار في انظمة الحكم واضطراب احوال واوضاع الدولة السودانية في مراحل تطورها المختلفة والانقطاع في التطور الطبيعي والباطني للمجتمع السوداني. وترجع جذور التخلف في السودان الي فترة الحكم التركي (1821- 1885م)، عندما اصبح اقتصاد السودان موجها لخدمة اهداف محمد علي باشا في مصر، والذي كان يهدف الي تحقيق النهضة الصناعية والزراعية في مصر للحاق بركب اوربا، ودارت كل عجلة التنمية خلال تلك الفترة لخدمة ذلك الهدف الخارجي، رغم مظاهر العمران والحداثة التي ادخلها الحكم التركي- المصري في السودان مثل: التعليم المدني، القضاء المدني، ادخال فنون الزراعة الحديثة ومحاصيل نقدية جديدة مثل: الصمغ والنيلة..الخ، وقيام مصانع الذخيرة والبارود والصابون...الخ وادخال نمط الدولة المدنية وضم المديريات الجنوبية واقليم التاكا(مديرية كسلا) ودارفور حتي ظهر السودان بحدوده الحالية، وارتبط السودان بالعالم الخارجي وتأثر به أخذا وعطاءا. ولكن سياسات حكام العهد التركي التي استنزفت قدرات البلاد المادية والبشرية، وأرهقت كاهل المواطنين بالضرائب الباهظة، أدت الي هجرة المواطنين لأراضيهم وسواقيهم، ونزوح الرعاة الي تخوم البلاد خوفا من تلك الضرائب التي يتبع في تحصيلها قهر وتعذيب شديدين. كما حدثت تشوهات في المجتمع السوداني أدت الي تراكم الانتفاضات والسخط والغضب حتي تم تتويج ذلك في الثورة المهدية. دولة المهدية: جاءت دولة المهدية نتاج ثورة شعبية مسلحة، وكانت قياداتها من أصول قبلية وطبقية واجتماعية متباينة، ومن حيث الطبيعة: كانت دولة المهدية دينية، استمدت نموذجها من الدولة الاسلامية التي قامت في عهد النبي(ص)، من بيت مال، ودار قضاء وافتاء وجيش ..الخ، واصبح الامام المهدي علي رأس الدولة باعتباره خليفة رسول الله، ويليه خلفاؤه وأمناؤه الذين كان يستعين بهم في تصريف الشئون المدنية والادارية والعسكرية والقضائية ..الخ. وكانت وظائف دولة المهدية متعددة ومتنوعة: فهي دولة عسكرية، أي انها كانت في حالة حروب داخلية وخارجية مستمرة، وكانت لها وظائفها الاقتصادية: كانت لها أراضيها(ملكية الدولة) التي كانت تؤجرها للمزارعين بنسب معينة من المحصول، وكانت مصادر دخلها من الزكاة والغنائم والضرائب والعشور اضافة لمؤسساتها الأخري مثل: مطبعة الحجر ومصنع الذخيرة والعصاصير والطواحين...الخ. الغت دولة المهدية التعليم المدني( المدارس الابتدائية والمدارس التبشيرية) ورجعت لنظام الخلاوي كشكل وحيد للتعليم، كما الغت القانون المدني الذي كان سائدا في العهد التركي وحلت محله التشريعات المستمدة من الامام المهدي والأعراف المحلية. كما رفعت المهدية المذاهب الأربعة وحلت الطرق الصوفية واصبحت المهدية هي الوحيدة التي تمتلك الاسلام الصحيح. كما تم حرق الكتب(عدا القرآن وكتب الأحاديث)، كما اتخذت المهدية قرارات مثل: منع الغناء والرقص وضرب المزامير ومنع التنباك وحجر النساء..الخ. ولكن التنمية التي تمت في ظل دولة المهدية فشلت في تحقيق العدالة الاجتماعية والأهداف الأساسية التي قامت من اجلها الثورة، وهي رفع الظلم عن الناس. كما عرفت دولة المهدية التفاوت الطبقي، وعرفت المؤشرات العامة للتخلف مثل: انتشار الاوبئة والأمراض والمجاعات التي فتكت بالناس، اضافة للحروب التي قضت علي أعداد كبيرة من السكان(تقلص عدد السكان في بداية المهدية من 9 مليون نسمة الي 7 مليون نسمة في نهاية دولة المهدية حسب نعوم شقير). عرفت دولة المهدية المعارضة من منطلقات مختلفة: الدينية، والقبلية، والطبقية ، كما عرفت الصراع علي السلطة، وكان من نتائج هذا الصراع أن فقدت المهدية أغلب قياداتها التاريخية نظرا لأن الصراع كان يدار بالقمع والنفي والاعدام، وكان من نتائج ذلك التفكك والضعف الداخلي الذي كان من عوامل زوال دولة المهدية. دولة الاحتلال الانجليزي: وجاء الاحتلال الانجليزي - المصري للسودان عام 1898م، واصبح السودان خاضعا لاحتياجات بريطانيا الخارجية. لاجدال أن دولة الحكم الثنائي احدثت نحولات اقتصادية واجتماعية وعمرانية، رغم ان أهداف المستعمر من ذلك كانت محدودة، أي كانت في حدود استقرار النظام والحكم وتمهيد الطريق لاستنزاف خيرات البلاد وفقا لعلاقات التبادل غير المتكافئة مع البلدان الرأسمالية، الا أن لكل تحولات نتائجها الايجابية علي التطور العام في المجتمع، ورغم ان التحولات تمت بدفع من الحكم الثنائي، وما جاءت نتاج لتطور باطني طبيعي في المجتمع أو قادتها طبقة رأسمالية أو اقطاعية مستنيرة(كما حدث في اليابان مثلا)، رغم كل ذلك أدي انشاء السكك الحديدية والميناء ومشروع الجزيرة ومشاريع القطن الأخري، وكلية غردون والتعليم المدني الحديث وقيام الصحافة السودانية..الخ، كل ذلك أدي الي تحولات اجتماعية واقتصادية، كان لها الأثر الواضح في تطور الحركة الوطنية(الأحزاب، والنقابات، ومؤتمر الخريجين، والصحافة..الخ)، حيث ظهرت قوي اجتماعية جديدة مثل: العمال، والتجار، والمزارعين في المشاريع الحديثة، والخريجين(الأفندية)، والضباط،..الخ، وهذه القوي هي التي قادت النضال ضد المستعمر واسهمت في انجاز الاستقلال. وعن حصاد التنمية الاستعمارية التي باشرتها دولة الحكم الثنائي نشير الي الآتي: - أصبح السودان خاضعا لاحتياجيات بريطانيا ومد مصانعها بالقطن الذي كان المحصول النقدي الرئيسي في تلك الفترة، وقامت مشاريع زراعة القطن لتلبية ذلك الاحتياج الخارجي. - أحكمت بريطانيا سيطرتها علي تجارة السودان الخارجية من خلال سيطرتها علي البنوك الأجنبية التي كانت تتحكم في حركة رأس المال في اتساعها وانكماشها، كما كانت الشركات البريطانية تسيطر علي معظم تجارة الصادر والوارد، أما ماتبقي فقد سيطرت عليه الشركات الأجنبية الأخري(الأجانب المتسودنين) من يونانيين وشوام، والجزء الضئيل المتبقي للنشاط التجاري فقد عملت فيه الرأسمالية السودانية المحلية. - ترتب علي نمط التنمية التي فرضها المستعمر علي السودان وهي التخصص في زراعة محصول نقدي واحد(القطن)، أن تخلفت الصناعة، وتم اجهاض أي محاولة من جانب الرأسمالية السودانية الناشئة لاقامة صناعة وطنية. - ظل حوالي 90% من السكان مسجونا في القطاع التقليدي الذي يعتمد علي أساليب الزراعة التقليدية وتربية الماشية. أما ميزانية التعليم فقد كانت متواضعة لاتتعدي 2% من الميزانية العامة، وميزانية الصحة بلغت 4%، أما نفقات قوة دفاع السودان فقد كانت 8،9%( تقرير الحاكم العام 1938م). - لم يعرف السودان برامج التنمية الا في الأعوام: 1946م – 1951م، 1953م – 1956م، بعد ضغط الحركة الجماهيرية وازدياد نمو الوعي الوطني الذي كان يطالب بزيادة ميزانية التعليم. بعد الاستقلال: وبعد الاستقلال لم يحدث تغيير يذكر في التركيبة الاقتصادية والاجتماعية التي خلقها المستعمر وازداد الوضع سوءا بسبب عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية، وفشل الأنظمة الحاكمة(المدنية والعسكرية) في التنمية، اضافة لتعميق حرب الجنوب، وكان الحصاد بعد اكثر من 50 عاما من الاستقلال علي النحو التالي: - انهيار كل البنيات التي خلفها الاستعمار مثل: مشروع الجزيرة، والسكك الحديدية، والنقل النهري، والخطوط الجويّة السودانية. - ديون خارجية بلغت 34 مليار دولار. - عجز غذائي ومجاعات. - حروب وعدم استقرار داخلي. - نماذج فاشلة للتصنيع حيث انهارت حتي الصناعات الخفيفة مثل: النسيج والزيوت..الخ. - عدم تحقيق الأهداف المباشرة المنشودة من التنمية الرأسمالية التي قادتها الفئات المدنية والعسكرية في السودان، وكانت هناك آثار سلبية لتضخيم دور الاستثمار في التنمية. - عدم الثقة بالنفس وتزايد الاعتماد علي الغير. علي أن الوضع شهد تدهورا سريعا في فترة مايو (1969- 1985م)، ولاسيما بعد التخفيضات المتوالية في الجنية السوداني بعد عام 1978م وتصاعد النشاط الرأسمالي الطفيلي علي حساب النشاط الانتاجي في الصناعة والزراعة، وظهرت فئات الرأسمالية الطفيلية والبنوك الأجنبية التي أسهمت في تدمير الاقتصاد السوداني وتهريب الأموال اللازمة للتنمية الي الخارج. وبعد انقلاب 30 يونيو 1989م، ورغم الشعارت الدينية التي رفعها النظام لتحقيق العدالة، الا ان سياسات النظام التي اعتمدت الخصخصة وسحب الدعم عن السلع والخدمات الأساسية أدت الي افقار أغلبية الشعب السوداني حسب الاحصاءات الرسمية 94% يعيشون تحت خط الفقر(التقرير الاستراتيجي 1997م)، وتصاعد النشاط الطفيلي وتدهور الانتاج الصناعي والزراعي، وتزايدت الهجرة من الأرياف الي المدن، وتم تبديد الفائض الاقتصادي في الصرف البذخي وتهريبه للخارج والاستثمار في العقارات..الخ. ولم ينعكس استخراج البترول علي حياة المواطنين العادية، وعلي تطور الزراعة والصناعة وتوفير ودعم خدمات التعليم والصحة، بل تدهورت تلك الخدمات الي درجة الانهيار التام، وأي تنمية يمكن تحقيقها بدون تعليم وصحة؟!!. كما اختل توزيع الدخل القومي حيث أصبح العشرة الأغني لديه حوالي 60%، وال 40% الأفقر لديهم 8% فقط من الدخل القومي(بروفيسور محمد هاشم عوض: السوداني الدولية، السبت 19/3/ 1994م). وخلاصة القول: ان التجارب التنموية في السودان فشلت في تجديد البلاد ووضعها علي اعتاب المجتمع الصناعي الزراعي المتطور، رغم عراقة شعب السودان وحضاراته القديمة التي كانت لاتقل تطورا عن الحضارات المعاصرة لها، كما تم الفشل في ترسيخ الديمقراطية والسلام ورفع مستويات المعيشة والارتقاء بخدمات التعليم والصحة والكهرباء والمياه وتوفير البنيات الأساسية اللازمة للتنمية، وأصبح السودان في ذيل قائمة الدول الأكثر تخلفا في العالم، ورغم امكانياته وموارده الزراعية والحيوانية والبترولية والمعدنية والسياحية، وما زالت مهام التنمية قائمة تنتظر الانجاز في ظروف عالمية(العولمة) وداخلية معقدة. ثالثا: ماهو المخرج؟ عندما نتحدث عن التنمية ننطلق من الواقع في تجلياته وتحولاته المختلفة، كما ان طرق التنمية متعددة ويتم فيها تفاعل بين الأصالة والمعاصرة، كما انه عندما نتحدث عن تنمية مستقلة، لايعني ذلك الانعزال عن العالم، كما ان طريق التنمية الرأسمالية الذي سارت عليه البلاد منذ الاستقلال كان فاشلا، وان هذا الطريق استند علي النظريات الغربية حول مفاهيم التخلف والتنمية، وعجزت تلك النظريات عن تفسير التخلف وأهملت الطبيعة الخاصة للبلاد المتخلفة وتراثها وتقاليدها وظروفها الخاصة، ومن خلال النقد للفكر الاقتصادي الغربي التقليدي وفشل مفاهيمه ومقولاته حول التخلف والنمو وعجزها عن تفسير التخلف، ظهرت دعوات بديلة للتنمية المستقلة علي النحو التالي: 1- الاعتماد علي النفس في مواجهة الاعتماد فقط علي المعونات والقروض والاستثمارات. 2- ظهرت فكرة التوجه الداخلي للتنمية في مواجهة انقسام الاقتصاد الي قسم حديث مرتبط عضويا بالشركات متعددة الجنسيات، وقسم (تقليدي) وتسمي احيانا تنمية متمحورة حول الذات . 3- كما ظهرت فكرة الوفاء بالاحتياجات الأساسية في مواجهة اثراء الأقلية وفقر الأغلبية. 4- ظهرت فكرة التنمية البيئية في مواجهة نهب الموارد الطبيعية حتي الاستنفاد. 5- وفي مواجهة النظم الديكتاتورية الشمولية، ظهرت فكرة الديمقراطية ومشاركة الجماهير باعتبارها الشرط لنجاح التنمية. 6- ظهرت فكرة التكنولوجيا الملائمة في مواجهة الانبهار بأحدث تكنولوجيا العصر. 7- كما ظهرت فكرة بناء قاعدة علمية وتكنولوجية وطنية في مواجهة التبعية الناشئة عن الاعتماد علي استيراد تقنيات الانتاج. 8- ظهرت فكرة الأصالة والهوّية الثقافية والحضارية في مواجهة الذوبان في الثقافة أو الحضارة الغربية. 9- كما ظهرت فكرة الانفلات الجزئي عن الدوران في مسار او فلك النظام العالمي. 10- كما ظهرت فكرة الاستقلالية بمعني انتقال مركز صنع القرار من الخارج الي الداخل. وعندما نتحدث عن التنمية في السودان نأخذ في الاعتبار الاتي:- أ- السودان دولة متعددة الثقافات والأديان والمناخات والأعراق، ويتميز بمستويات تطور متباينة ومتعددة في أنماط المعيشة وقوي الانتاج وعلاقات الانتاج، وهذا الوضع له انعكاسه في بنية المجتمع الفكرية والثقافية والايديولوجية ويؤثر علي تطوره السياسي. تأخذ التنمية في الاعتبار هذا الواقع باعتباره مصدر غني واخصاب، وبالتالي يكون النظام السياسي والاجتماعي والثقافي متوافقا مع هذا التعدد، وأن وحدة وتكامل السودان تتم من خلال التنوع واحترام حق كل شعب في تطوير ثقافاته وممارسة شعائره الدينية ومعتقداته، وان يتم التعبير عن ذلك في دستور ديمقراطي يجسد هذا الواقع. ب- لايمكن الحديث عن التنمية دون أخذ خصائص وموروثات شعب السودان وتقاليده ودمجها في البناء الثقافي العام، ومساهمتة المتميزة في مجري الحضارة العالمية، تلك الخصائص التي تنطلق من واقع السودان العربي- الافريقي وتعدد دياناته(الاسلام والمسيحية وكريم المعتقدات)، دون ان يعني ذلك الانغلاق باسم الخصوصية المحلية، ولكن بهدف التطلع الي الأمام والمستقبل. ج- اعادة بناء الاقتصاد السوداني علي أساس اعطاء الأسبقية للانتاج الصناعي والزراعي والحيواني، وتشجيع الرأسمالية المنتجة، سواء كان ذلك في قطاع الدولة أو الخاص او التعاوني، والقضاء علي النشاط الطفيلي الضار بالحياة والمجتمع والفكر والثقافة. د- بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تكفل الحقوق والحريات الأساسية واحترام المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق وحريات الانسان، وذلك شرط هام للتنمية والسلام وتوحيد الوطن علي أسس طوعية وديمقراطية. ه- لايمكن الحديث عن التنمية بدون الديمقراطية اشراك أوسع قطاعات الجماهير في عملية التنمية نفسها التي تهدف الي توفير احتياجات الانسان الأساسية، واحداث التنمية المتوازنة بين أقاليم السودان المختلفة. رابعا: دور الدين في التنمية: من العرض السابق للتجربة السودانية في التنمية، وضح لنا الفشل في انجاز التنمية، كما وضح لنا فشل نماذج التنمية الاستعمارية التي كان هدفها متوجها الي الخارج. كما فشلت تجارب الدولة الدينية الشمولية مثل: تجربة الدولة المهدية، ودولة نميري بعد تطبيق قوانين سبتمبر 1983م، وتجربة دولة الانقاذ بعد انقلاب يونيو 1989م.ورغم ان تلك النماذج رفعت شعارات العدالة الاجتماعية والاسلام هو الحل، الا ان النتائج كانت مفارقة لتلك الشعارات، وتم تكريس التفاوت الطبقي، وأصبح المال دولة بين الأغنياء، كما تم تكريس الصراع علي السلطة وحكم الفرد. وطالما كان هدف التنمية الانسان واشباع حاجاته الأساسية وحشد الفائض الاقتصادي لتحقيق المجتمع الصناعي الزراعي المتطور واشباع حاجات المجتمع المادية والروحية، فلابد ان تنطلق التنمية من خصائص وواقع وظروف السودان. وفي هذا يلعب الدين دورا مهما في التنمية وفي ترسيخ قيّم العدالة والتكافل والدفاع عن مصالح المستضعفين في الأرض وحفظ التوازن في المجتمع، وتفجير طاقات الشباب وتوجيهها نحو البناء والاعمار وتشجير المدن والقري وتنمية روح التعاون والتضامن والتكافل ومحاربة الفساد والظلم، وتشجيع قيّم الخير والأخلاق الفاضلة وقيّم العمل واتقانه، وان تعمل الدولة علي توفير العمل للعاطلين وتشجيع الكسب من اليد واعطاء الأجير حقه قبل ان يجف عرقه. لقد استطاعت بعض الدول أن تنجز تنمية انطلاقا من قيّمها وتقاليدها واعرافها مثل: الصين واليابان...الخ. والمجتمع السوداني بحضاراته العريقة وتقاليده وأعرافه الضاربة في القدم زاخر بقيم التضامن في الأفراح والأتراح وتقاليد العمل التعاوني(النفير والفزعة) في القطاع التقليدي، وكل تلك القيم الايجابية السامية يمكن اخذها في الاعتبار في انجاز عملية التنمية. هناك ضرورة لنهضة دينية تتمشي مع متغيرات العصر التي تتسم بالتسامح الديني والانفتاح العقلي علي منجزات وحضارة العصر التي تقوم علي احترام الانسان وعقله وحقوقه وحرياته الأساسية والشخصية والمدنية والديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية الدينية، وخلق الشروط اللازمة لكيما يكون الدين عاملا مساعدا في التنمية لاكابحا لها باستغلاله لخدمة مصالح دنيوية طبقية ضيّقة. تلعب المرأة دورا هاما في اجداث التنمية،ولذلك لابد من المساواة التامة بين المراة والرجل في الأجر والتعليم والعمل والحقوق السياسية وازالة اضطهادها كجنس، ويمكن أن تلعب حركة التجديد والنهضة الدينية دورا كبيرا في مساهمة المراة في بناء وتنمية المجتمع. منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، عرف السودان تجربة البنوك الاسلامية، ولكن التجربة اكدت ان تلك البنوك استغلت الشعار الاسلامي للحصول علي سيولة كبيرة أستخدمت في صفقات تجارية قصيرة المدي باسلوب المرابحة، ولم تساعد الاستثمار ولم تقدم بديلا وظيفيا لسعر الفائدة. كما أكدت تجربة الانقاذ انه رغم استخدام الدولة لصيغ اسلامية مثل: الزكاة ونظام السّلم في الزراعة والبنوك والمصارف وشركات التامين الاسلامية..الخ، الا ان النظام فشل في حل المسألة الاجتماعية، وكانت الحصيلة ان 94% من الشعب السوداني يعيش تحت الفقر، مما يطرح الأسئلة التالية: كيف يتم توجيه البنوك الاسلامية للتنمية بدلا من التجارة؟ وكيف توظف هذه البنوك لتمويل مشروعات تنموية قصيرة وطويلة المدي تسهم في تطور المجتمع؟ وكذلك كيف تسهم الزكاة في توفير احتياجات الفقراء والمحرومين وازالة الفوارق الحادة الموجودة حاليا في المجتمع؟ وكيف تسهم نظم السّلم والمشاركة في تطوير الانتاج الزراعي ودعم فقراء المزارعين بدلا من التجارب الماضية التي ادخلت الاف المزارعين في السجون وهم عماد التنمية التي لايمكن الحديث عنها بدون توفير الغذاء وقوت الناس؟. وأخيرا، ان حرية العقيدة لاتنمو ولاتزدهر الا بتوفير العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة بين قبائل وشعوب السودان، ولايمكن ان يكون الانسان حرا في عقيدته في مجتمع قائم علي استغلال الانسان للانسان، كما ان القيّم الروحية والاخلاقية السامية لاغني عنها في عملية التنمية.
• ورقة قدمت لندوة الدين في المجتمع المعاصر التي نظمها مركز الدراسات السودانية في يناير 2004م أهم المصادر والمراجع: 1- التنمية المستقلة في الوطن العربي – بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، يناير 1987م. 2- الصادق المهدي : تحديات التسعينيات، 1990م. 3- تيم نبلوك: صراع السلطة والثروة في السودان، ترجمة محمد علي جادين والفاتح التيجاني، دار جامعة الخرطوم 1990م. 4- تاج السر عثمان: نشأة وتطور الرأسمالية السودانية، 8 حلقات نشرت في صحيفة الرأي الآخر في الفترة: 30/5 – 21/6/1999م. 5- رمزي زكي: فكر الأزمة – دراسة في أزمة الاقتصاد والفكر التنموي الغربي، مكتبة مدبولي 1987م. 6- بول باران: الاقتصاد السياسي للتخلف، دار الطليعة بيروت 1987م. 7- عبد الغفار محمد احمد: السودان والوحدة في التنوع، برلين الغربية 1987م. 8- صبحي الصالح: الاسلام والمجتمع العصري، دار الآداب بيروت 1977م. 9- محمد ابراهيم ابوسليم: الحركة الفكرية في المهدية 1970م. 10- محمد ابراهيم ابوسليم: الآثار الكاملة للامام المهدي(المجلد: 1- 5 )، دار جامعة الخرطوم للنشر الطبعة الأولي.
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الذكري ال77 لرحيل خليل فرح
-
تجديد الماركسية مع تجدد الواقع
-
نقد تجربة الاسلام السياسي في السودان(2)
-
تعقيب علي احمد الحاج:حول مقاله:الشيوعيون السودانيون: كرنفالي
...
-
نقد تجربة الاسلام السياسي في السودان الفترة(1967- 2007م).
-
الحزب الشيوعي السوداني وتجربة استغلال الدين في السياسة
-
من اجل درء الفتنة الدينية في السودان:الرابطة الشرعية للعلماء
...
-
في الذكري ال63 لتأسيسه: كيف ادار الحزب الشيوعي الصراع السياس
...
-
بمناسبة 63 عاما علي تأسيسه: كيف أدار الحزب الشيوعي الصراع ال
...
-
في الذكري ال(63) لتأسيسه:كيف ادار الحزب الشيوعي الصراع السيا
...
-
في الذكري الرابعة لرحيل جون قرنق: كيف كان منظوره لقضية الوحد
...
-
مصاعب تواجه الانتخابات في السودان
-
قرار محكمة ابيي وتداعيات الصراع.
-
ابيي وقرار محكمة لاهاي
-
في الذكري العشرين لانقلاب يونيو 1989م
-
قراءة في خطاب اوباما
-
بمناسبة مرور اربعين عاما علي انقلاب مايو 1969م: حصاد الهشيم
...
-
وثائق معاوية ابراهيم(سورج) حول الحزب الشيوعي السوداني
-
حول كتاب: جنوب السودان: جدل الوحدة والانفصال،عرض وتعليق
-
وداعا عبد الفتاح زيدان
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|