أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - أغادير أمين - ((( رمضان المبارك ))) بين تخدير الظمأ وشراهة الشبعان















المزيد.....

((( رمضان المبارك ))) بين تخدير الظمأ وشراهة الشبعان


أغادير أمين

الحوار المتمدن-العدد: 2778 - 2009 / 9 / 23 - 22:01
المحور: سيرة ذاتية
    


فتحت عينيّ على شهر رمضان الجميل الحبيب مدركة و لو الشيء القليل من فضائله و شعائر قدسيته وجمال روحانياته متنشقة نسمات الرحمة النقية الصافية التي تتغلغل عمق الرئتين ,في الشهر السادس من سنة 1984 ,رمضان حينها دق الأبواب في الصيف الحار.

مع انني كنت طفلة صغيرة جدا لكنني ما زلت احتفظ في ذاكرتي بعبق بريق تلك الأيام الجميلة في طفولتي عن هذا الشهر الكريم, تدغدغني بإحساس راق تنتشي له نفسي بمحبة وايمان, مازلت اذكر تلك الأجواء الهانئة وحالة الدنيا في غمرة هذا الإيمان ,وجوه ونفوس الناس يعمها الهدوء والسلام النفسي ,مع اننا كنا نعيش وقتها حربا صعبة دامت سنوات.
لوحات حيّة ظلت راسخة لصيقة في شرايين دمي ما حييت, في التلفاز قبل الإفطار ولمدة ساعة صوت القارئ الشيخ (عبد الباسط ) بتفرد وتميز روحاني يجّود القرآن فيملأ أرجاء البيت بالجلال, نجلس نحن الأطفال أمام شاشة التلفاز نترقب رؤية المدفع وهو يضرب معلنا عن موعد الإفطار حيث أذان المغرب في الجوامع نسمعه بكل وضوح ومهابة. وبكل براءة نحن الصغار نغني لحظتها مع جمال أصوات فرقة الإنشاد العراقي الأغنية الرائعة لحنا و بساطة في الإخراج والتصوير الشفيف ,اغنية ( يا إله الكون إنا لك صمنا ...) متناغمين مع صوت أهلنا يفطرون يهمسون بكل خشوع وإيمان ( اللهم لك صمت وعلى رزقك افطرت ...).و ما كان يعرضه الأعلام تلك الأيام في التلفزيون من أعمال مسلسلات وبرامج و فوازير على بساطتها تحترم المشاهد ذوقا عقلا و روحا , كلها فيها المتعة والتشويق , الفائدة والطرفة والعبرة , باعتدال دون إسفاف .

كلما جاء رمضان يلوح في أفق ذاكرتي مشهد يرسم على وجهي ابتسامة ناعمة تعيدني إلى سحر ذلك الزمان الشفاف ,أرويه وأقصه لأهلي فنضحك بحنان على بساطة الطفولة ونترحم بغصة على أجواء تلك الأيام.
"يومها دخلت الى المطبخ أهمس بدلالي لجدتي الله يرحمها (ننه) الغالية الحبيبة تطبخ وتحضر لمائدة الإفطار من يديها الكريمتين ونفسها الطيبة قائلة لها :
"ننه ننه سأصوم رمضان معكم الآن,فأجابتني بحب واحتضنتني بحنان كيف تصومين يا حبيبتي ولم يبق على موعد الإفطار سوى ثلث ساعة , غلط لا يجوز .تدللت عليها أكثر بعناد الطفولة متحمسة للصوم قائلة بلى سأصوم لأرى هل أستطيع التحمل من الآن حتى ثلث الساعة حيث موعد الإفطار؟!"
ولأنني طفلة صغيرة جدا خرجت إلى حديقة البيت الكبيرة ألعب بالنعناع وخضرة (الرّشاد) المزروع , أداعب بأناملي بتلات الزهورالجميلة التي تملأ أرجاء الحديقة , أقضي وقتي ريثما يحين وقت الإفطار,موعد أذان المغرب حينها صادف بعد الثامنة.يا الله ان شفاهي عطشى وبطني جائعة , الوقت طويل طويل جدا ويمرّ بطيئا . دلفتُ الى البيت بسرعة اتدلل بطفولتي الي ننه حبيبتي الغالية قائلة لها "لم اعد أتحمل ,عطشى وجائعة ,ابتسمت لي أجابتني بهدوئها :لكن لم يبق سوى خمس دقائق على الإفطار يا طفلتي أ لن تصبري؟ قلت لا لا لا استطيع . بحبها وبحنانها الكبير صبّت لي الشاي بالحليب مع (الكليچة ),و إلى قلبها الوسيع ضمتني بدفء مبينة لي أصول الصوم, بعدها بدقائق اجتمع الكل حيث الإفطار".

ما أود لفت النظر إليه مما ذكرته أعلاه هو عن عالمنا المعاش في تلك ( الرمضانات السابقات البعيدات ) , الحياة عشناها آنذاك بطيئة رصينة , الدقيقة تمّر كأنها سنة والساعة نعيشها كأسبوع واليوم طويل طويل جدا نحياه كأنه سنة.

هكذا كانت الحياة بسيطة هانئة إيقاعها بطيء وفي سويعاتها طويلة هادئة بلا صخب بلا ضجة بلا ضوضاء ,تشعر ان الناس مستقرون وأرجلهم مثبتة في الأرض دون تخبط .أخلاقهم الطيبة المعطاء تحكمهم في شيئين ,هدوء ورصانة العقل ,وحنان وكرم العاطفة المتناهية.

كلنا يعلم ويدرك ان رمضان هو شهر التأمل والسكينة الروحية تعبدا لله, فرصة للتقرب إليه أكثر بخشوع وإيمان,عمل الخير قدر المستطاع , عبادة وهناء ,سلام واطمئنان , يبتعد فيه الإنسان قليلا عن صخب الحياة الطنان الرنان,واهم ما في حكمة الصوم الجليلة انك تشعر بأخيك الفقير المعدم المحروم المسكين .

لكن ما نراه ونحياه في وقتنا الراهن المعاش نجده بعيدا كل البعد عن دنيا جمال روح نور رمضان.

الآن اختلفت المعطيات و ( تلخبط ) إيقاع الحياة بالصخب والضجيج الفكري والتلوث الروحاني ,كأن الإنسان لم يعد يملك ساقين تحركه بتؤدة وتلصقه في الأرض بثبات ,نراه يتخبط ويطير دون استقرار بل غارقا يجرفه تيار الحياة بالضلال.

رمضان للأسف أصبح بلا تعبد بلا احترام بلا احتشام , سباق في دنيا المال , وانخراط الصائم تائها في عالم اللا حلال.

فما يحصل منذ سنوات شيء يهز الأبدان,في خضم هذه الفضائيات والقنوات التلفزيونية وما تحويه من زحام الأعمال والبرامج الإعلامية و مغريات المسلسلات و دور الإعلانات التجارية التي لا يهمها قطعا سوى الربح المادي ,نجد ان الوقت يمر بسرعة البرق وبطرفة عين في رمضان , والصائمون غافلون مستمتعون منجرفون وراء هذا التيار لا يعيشون حكمة هذا الشهر الكريم ومعنى الصوم الحقيقي في ان يحسّ الإنسان في كل دقيقة بظمأ وعطش وجوع اخيه الفقير الهلكان , يوما بعد يوم ازداد قناعة بأن وراء هذا التيار الجارف جهات لا تخدم الدين , بل انها اياد اجرامية منسقة بإمعان اتخذت من الأعلام وسيلة سهلة وخططت بنجاح كي تسرق الصائم من نفسه ومن الله حتى في شهر رمضان , رغم التطور والتنور الفكري والتحضر ,صار الإنسان مهووسا مُخدرا بلا عقل منصاعا بعاطفة الشر نحو الشيطان.

فكلما مر الوقت سريعا ما عاد ولم يعد احدنا يدرك قيمة الأشياء ولا يشعر حوله بطعم للحياة .

ما يثير دهشتي ويحفز في التساؤلات أمران : أولهما تلمّسي لتغير مفهوم هذا الشهر والتصاقه بما لذ وطاب من أشهى الأكلات المشويات والمقليات والحلويات من خلال الإعلانات التجارية عن ترويج المواد الغذائية و تسابق وتسارع جميع القنوات المنكهة ببرامج الطبخ في التحضير لمائدة إفطار رمضان كأنها مائدة لأغنى اغنياء الملوك والسلاطين.

الأمر الثاني الذي يثير عجبي أكثر هو رؤيتي وسماعي لما يحصل في الأسواق والمحلات التجارية الحافلة بالمواد الغذائية من غلاء معيشي يتسابق فيه التجار لزيادة الأسعار.

أ هكذا أصبح شهر رمضان؟!!
أين الود والرحمة ؟ أين حب عمل الخير والترحام؟

أ ليس الحريّ بالتجار وأصحاب أسواق كل البلدان التي يصوم أهلها رمضان أن يخفضوا الأسعار كي ينالوا شيئا من (الحسنات ) بعمل الخير في هذا الشهر الفضيل, بدلا من رفع الاسعار؟!

أ ليس الحقيق بالإعلام وقطاعاته الإنتاجية في ثلاثين يوما وأقل أحيانا أن يكفوا فيه عن تخدير الصائم والمُشاهد الذي أصبح كالحصان يتراكض لاهثا وراء هذه القناة او تلك الفضائية دون سكينة أو تأمل في ملكوت الله؟!

أ و ليس الجدير بمائدة الإفطار أن تحوي ابسط نعم الله كي يشعر المسلم بأخيه الفقير المعدم الذي لا يملك شروى نقير؟!

أ هكذا لا تستطيعون صبرا أيها الصيام عن بضعة سويعات تظمأون و تجوعون فيها خلال النهار تقضونها بسرعة البرق بين هذا المسلسل والبرنامج ذاك ,ثم بكل شراهة تطلبون وتحضرون ازكى الطعام وأشهى المأكولات تتخمون معدتكم فيها وقت الإفطار؟!!

فما بالكم بإنسان جائع طوال أشهر السنة يعيش مرارة الحرمان!!!



#أغادير_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ((( د.فوزية الدريع... و...الجنس )))
- ((( مارتين اندراوس ملكة الجمال الطبيعي الربّاني )))
- ((( مش حتنازل عنك أبدا مهما يكون )))
- ((( لا تبكِ يا صغيري )))
- ((( أسمر...زيزو...علي )))
- ((( رفقاً بالقلوب الرقيقة الضعيفة أيتها القنوات الإخبارية ال ...
- (((( تنمية المواهب الفنية عند الطفل )))
- ((( لكَ من شفاهي الوردية اللذيييييذة )))
- ((( حياتنا كلها ... صوَر )))
- ((( أرواحنا صافية بالحب صافية و ئلوبنا دافية )))
- ((( وتشرقُ الشمس دائماً ... في أجمل صباحات شمسي )))
- ((( اجمل هارموني سمعتها اذني من صنع خالقي )))
- ((( لأننا مجتمع شرقي )))
- ((( ياااااااه كم اعشقك !!!!! )))
- ((( يا حساااااااافة على الشوارب )))
- ((( وردة ...فراشة... و...نحلة )))
- ((( نطفة و بويضة )))
- ((( الجمال نقمة ام نعمة ؟؟؟ )))
- ماذا لو .. كتب لي ان .. اعيش حياتي مرتين ؟!!!
- ((( انها يدي الناعمة .. تحنو على خدك بمحبة دافئة )))


المزيد.....




- إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط ...
- إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
- حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا ...
- جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
- الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم ...
- اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا ...
- الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي ...
- مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن ...
- إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - أغادير أمين - ((( رمضان المبارك ))) بين تخدير الظمأ وشراهة الشبعان